سيكون مساء الخامس عشر من يوليو لعام ٢٠١٦ يوما من أيام التاريخ التي سيٌحكى عنها كثيرا، ففيها حدثت محاولة للإنقلاب على الحكومة التركية، وفي ذات الليلة فشل الإنقلاب، والأهم أن التقنية الحديثة كانت إحدى العلامات البارزة إن لم تكن أكثرها تغييرا في مسار دولة تركيا بأكملها.

الإنقلاب في تركيا

تسلسل الأحداث

في الساعة السابعة والنصف بتوقيت جرينتش أغلقت قوات من الجيش التركي جسر البسفور وجسر الفاتح باسطنبول وقطعت الطريق بين قارة آسيا وأوروبا والذي يربط بين نصفي الدولة التركية، وفي الثامنة والنصف تقريبا أعلن الجيش التركي (بعد سيطرته على محطة التلفاز الحكومية الرسمية) أنه قد سيطر على البلاد وأنه هو الحاكم الفعلي لتركيا. اهتز العالم وتسارعت الأنباء وأصبحت كل الأنظار موجهة نحو تركيا، وفي ظل عدم ظهور الرئيس التركي (الذي كان خارج العاصمة) سادت البلبلة تركيا وسط تحليق للطائرات العسكرية وسيطرة قواة الجيش على عدد من الرمافق الحيوية في أنقرة واسطنبول. قرب التاسعة بتوقيت جرينتش أفادت عدة مصادر إلى حجب جزئي للشبكات الإجتماعية في تركيا.

[embed]https://twitter.com/eastdakota/status/754073339543433216[/embed]

في التاسعة والثلث قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن الأمور تحت السيطرة وأن الحكومة هي صاحبة اليد العليا.

في التاسعة وستة وعشرون دقيقة ظهر الرئيس التركي على قناة سي ان ان التركية من خلال اتصال بواسطة فيس تايم (خدمة الإتصال المرئي على هواتف الآيفون والشبيهة بسكايب) وتحدث إلى الشعب التركي مطالبا إياه بالنزول والوقوف في وجه الإنقلاب حفاظا على الديمقراطية والدولة التركية. وعلى إثر هذه المكالمة تدفق آلاف الأتراك إلى الشوارع واقفين في وجه الدبابات والآليات العسكرية محافظين على عقد دولتهم من الإنفراط.

[embed]https://www.youtube.com/watch?v=MJYA9IAIPrc[/embed]

توالت الأحداث بعد ذلك بسرعة كبيرة فجاء تصريح البيت الأبيض على تويتر مؤيدا للرئيس التركي, وكذلك عدد كبير من الدول الأوربية وحلف الأطلنطي.

[embed]https://twitter.com/StateDept/status/754089931169861633[/embed]

وفي أثناء تلك الأحداث ازدادت عدد المقاطع التي يقوم يصورها الأتراك ويقومون ببثها على فيسبوك، وظهرت تغريدات كثيرة تحث الناس على متابعة ما يحدث في كل بقعة من تركيا عبر خدمة فيسبوك لايف

[embed]https://twitter.com/ow/status/754091034494300160[/embed]

الأنباء التي ترد الآن من تركيا لحظة كتابة هذه السطور تؤكد سيطرة الحكومة على البلاد وتراجع حاد إن لم يكن فشل للحركة الإنقلابية. وليس هذا هو مغزى تقديم هذا الملخص عبر صفحات عرب هاردوير بقدر ما هو تبان لدور التقنية الهام في العالم الآن وكيف أن استخدامه الصحيح يمكنه أن يغير مسار التاريخ في حياة الدول والشعوب.

ذكاء أردوغان

ليست التقنية وحدها هي من أفشلت الإنقلاب لكنها كانت العامل المؤثر واللحظة المفصلية التي ربما لو تأخرت أو لم تكن موجودة لتغيرت الكثير من الأمور. فعدم وجود أردوغان في العاصمة التركية أو في اسطنبول، وسيطرة الجيش الإنقلابي على التلفزيون الحكومي أدى إلى بلبلة وحيرة وتكاثرت الإشاعات عن طلب أردوغان اللجوء إلى ألمانيا حسب بعض المحطات الإذاعية، لكن وفي توقيت مفاجيء وسريع خرج أردوغان موجها كلمة إلى الشعب عبر مكالمة فيديو بسيطة حركت المؤيدين وأكدت أنه ما زال موجودا وسيأتي ليقاوم ويقف جنبا إلى جنب مع الشعب التركي.

إنتهى عهد التليفزيون الحكومي

بالتأكيد وكما قال مراسل بي بي سي بأنه أصبح عرفا تقليديا لأي انقلاب أن يسيطر على التليفزيون الحكومي رغم أن غالبية الشعوب لم تعد تشاهده!. نعم هذا صحيح، وأضيف إلى هذا أن الناس لم تعد تصدق المحطات الفضائية، وصارت تصدق التقنية التي يبثها الناس بأنفسهم، كتغريدات تويتر والأخبار على فيسبوك، الآن صار لدينا وحش تقني جديد هو خدمة فيسبوك لايف والتي تتيح لك بث ما يحدث أمامك مباشرة لى الإنترنت، ويوتيوب قادمة بهذه الخدمة قريبا. إذن من سنصدق؟ بوق حكومي يجلس خلفه شخص تحت التهديد أم كاميرا (أو مئات الكاميرات) التي تصور بثا مباشرا لحظة بلحظة؟ إنها المعادلة التي فازت بها التقنية وغيرت بها الثورات والإنقلابات.

إنتهى الإنقلاب أو أوشك في تركيا، لكن تبقى التقنية هي اللاعب الأهم الآن في كل ما هو حولنا، والذكي هو من يستخدمها بشكل صحيح كما فعل أردوغان اللليلة مثلا، والغبي هو من يظن أنه يمكن السيطرة عليها.