عند انضمامه للشركة في أواخر التسعينيات، قام المدير التنفيذي الحالي تيم كوك بتحويل سلاسل إمداد شركة أبل إلى القوة الهائلة الحالية التي تحسدها عليها باقي الشركات داخل صناعة التقنية. حيث تصنع شركة أبل منتجاتها داخل الصين بمساعدة اليد العاملة منخفضة التكلفة، ولكن الماهرة في نفس الوقت، لتشحن تلك المنتجات إلى جميع أنحاء العالم في غضون أيام.

ومع الاعتماد على المجموعة التايوانية Foxconn لتدير العمليات على الأرض، وعلى استثمار الصين بكثرة في النقل لضمان توفير الخدمات اللوجستية، تحولت شركة أبل إلى شركة بقيمة تريليون دولار بفضل بيع المنتجات التي تصنعها في الصين مثل الأيفون والأيباد، وأجهزة الماك، وكذلك الاكسسوارات.

تيم كوك

كما حافظت شركة أبل على ما يكفي من العلاقات الجيدة مع الحكومة الصينية لكي تصل إلى السوق الصينية، والتي لا يستطيع عمالقة من نفس الوزن الدخول إليها، مثل فيسبوك وجوجل، حيث ينظرون من الخارج، في حين أن شركة أبل تبيع منتجاتها هناك بمليارات الدولارات.

علاقة شركة أبل بالصين كانت دائمًا مصدر قوة للشركة، لكن هذه القوة تحولت أيضًا إلى مصدر ضعف للشركة في الفترة الأخيرة.

زيادة مواقع التصنيع داخل الصين

اعتماد شركة أبل المتزايد على الصين دخل مرة أخرى إلى دائرة الضوء، وهذه المرة بسبب تفشي وباء فيروس كورونا، والذي تسبب في إغلاق متاجر الشركة داخل الصين، والتأثير على سلاسل التوريد التابعة لها.

في السنوات الأخيرة، توسع مصنعو منتجات شركة أبل إلى بلدان أخرى. الهند، على سبيل المثال، لم تكن تملك أي مصانع خاصة بشركة أبل في عام 2015، ولكن بحلول عام 2019 كان هناك ثلاث مصانع بالفعل، بما في ذلك مصنع مملوك لمجموعة Foxconn.

تحاول أبل الاستفادة من السوق الهندية، وهي واحدة من الأسواق سريعة النمو في سوق الهواتف المحمولة، بنفس الطريقة التي اتجهت بها Foxconn أيضًا إلى تصنيع منتجات أبل في البرازيل في عام 2011.

ولكن، وهنا تكمن المشكلة، المصانع خارج الصين أصغر بالطبع، وفي حالة الهند والبرازيل، تستخدمها شركة أبل فقط لتلبية الطلب المحلي. بينما المصانع داخل الصين، في نفس الوقت، قد أضافت عدة مواقع أكثر بكثير من المواقع خارجها، مع توسع مجموعة Foxconn وحدها من 19 موقعًا في عام 2015 إلى 29 موقعًا في عام 2019، وبالنسبة لشركة Pegatron زادت مواقعها من ثمانية إلى 12 موقعًا. وجاءت إضافة تلك المواقع الجديدة بسبب إدخال شركة أبل للساعات والسماعات الذكية واللاسلكية إلى تشكيلة منتجاتها.

الإنتاج الهائل يعمل ضد شركة أبل

آيفون 2020

وبجانب المصانع، فإن بقية الشركات الموردة لشركة أبل، وهي الشركات التي تبيع لها المكونات الداخلية للمنتجات مثل الرقائق والهياكل الألمونيوم والكابلات ولوحات الدوائر الكهربائية وغيرها، أصبحت تتركز أكثر في الصين. مثلًا، وفقًا لبيانات الشركة، من بين كل مواقع الشركات الموردة، تواجدت منها 44.9٪ في الصين في عام 2015، وهي نسبة ارتفعت إلى 47.6٪ بحلول عام 2019.

المميز في تجمع عدد كبير من الموردين داخل الصين هو السماح لشركة أبل بتجميع الملايين من الأجهزة سنويًا في حين تحتفظ بالمخزون لبضعة أيام فقط، وتقوم بالتصدير والشحن السريع بعد عملية التصنيع.

شركات الهواتف الأخرى تشحن وحدات أقل بكثير من أبل، ولديهم مرونة أكبر، كمثال شركة ألفابت، الشركة الأم لجوجل، حولت إنتاج هاتفها الذكي Pixel إلى فيتنام بدلًا من الصين حيث تبني سلاسل توريد رخيصة في جنوب شرق آسيا.

لكن مقياس شركة أبل للإنتاج الهائل لعدد الوحدات سنويًا يعمل ضدها، لأنه بالطبع لا توجد دولة أخرى لديها نفس قوة العمل كما في الصين، وعدد سكان فيتنام مثلًا، حيث تصنع شركة أبل الإكسسوارات بالفعل لسنوات، أقل من عشر حجم الصين.

وحتى لو تمكنت أبل من التصنيع داخل الهند أو فيتنام، فإن كميات الأجهزة ستكون صغيرة بالمقارنة مع احتياجات أبل الشاملة. فربما من الصعب جدًا أن تجد مكانًا في العالم يملك البنية التحتية لإنتاج 600 ألف هاتف في اليوم.

السوق الصينية من أهم أسواق شركة أبل

في شهر فبراير الماضي نشرت أبل بيان صحفي تذكر فيه إنها لا تتوقع أن تلبي الإيرادات المتوقعة الربع سنوية خلال الثلاث شهور الماضية بسبب الآثار السلبية الناجمة عن تفشي وباء فيروس كورونا. لم يؤثر الوباء فقط على سلاسل التوريد والإمداد لشركة أبل، لكن المشكلة كانت في الطلب على الأجهزة كذلك.

وبشكل عام انخفضت مبيعات الهواتف الذكية بنسبة 13% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وسط انخفاض مبيعات 8 من أكبر 10 مطورين للهواتف الذكية في العالم من ضمنهم شركة أبل بالطبع.

وعلى جانب الطلب الصيني لمنتجات أبل، وكما يظهر في الرسم البياني التالي، فإن السوق الصينية تعتبر سوق بالغة الأهمية لشركة أبل، بالرغم من حقيقة أن مبيعات الشركة انخفضت في الصين الكبرى إلى أدنى مستوى لها في عام 2019 خلال الخمس سنوات الماضية.

بعد دخول سوق الهواتف الذكية الصينية في عام 2010، نمت مبيعات شركة أبل في المنطقة لأكثر من 20 ضعف في غضون خمس سنوات فحسب، لتبلغ ذروتها 58.7 مليار دولار في عام 2015، وفي ذلك العام كانت السوق الصينية تمثل 25% من إجمالي إيرادات شركة أبل. ولكن بحلول عام 2019، انخفضت نسبة الإيرادات إلى 17%، وقد تنخفض النسبة أكثر اعتمادًا على مدى سرعة تراجع الأزمة الحالية أو استمرارها.

الخلاصة

عمليًا وعلى المدى القصير، سيكون من المستحيل تقريبًا الانتقال بالكامل من داخل الصين أو حتى تقليل الاعتماد عليها بالنسبة لشركة أبل، بالنظر إلى حجم الشبكة التي أنشأتها الشركة في البلاد، وقدرة الصين التي لا تُضاهى على الاستفادة من القوى العاملة بالملايين، وعمليات الإنتاج والشحن السريع.

وكما حدث من تهديدات قوية لتعطيل سلاسل الإمداد للشركة في عام 2019، بسبب الحرب التجارية على الصين، لكن فريق تيم كوك لم يتأثر كثيرًا، ولم يقرر تقليل الاعتماد على الصين، سواءً في التصنيع أو في السوق والمبيعات. ويبدو أن الاعتماد سوف يستمر على الصين حتى بعد انتهاء أزمة الوباء الحالي.