أعلنت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، المعروفة اختصارًا باسم TSMC، عن رصد أنشطة غير مصرح بها داخل منشآتها، أدت إلى اكتشاف محتمل لتسريبات تتعلق بأسرارها التجارية.

وتعد هذه الحادثة بالغة الخطورة نظرًا لحساسية المعلومات المرتبطة بتقنيات التصنيع المتقدمة، ولا سيما في ظل المنافسة العالمية المحتدمة في مجال تصنيع الرقائق الدقيقة، الذي يشكل العمود الفقري للثورة الرقمية الحالية.

جاء هذا الإعلان في وقت يشهد فيه العالم تحولًا استراتيجيًا ضخمًا تجاه تعزيز الأمن التكنولوجي والاقتصادي، خصوصًا مع تنامي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة، والطلب المتسارع على رقائق الجيل الجديد.

إجراءات فورية من الشركة

في بيان رسمي، أكدت الشركة أنها تعاملت مع الحادثة بأقصى درجات الحزم، حيث تم اتخاذ إجراءات تأديبية صارمة بحق الأفراد الذين ثبت تورطهم في هذه الأنشطة، إلى جانب إطلاق إجراءات قانونية لمحاسبتهم أمام القضاء. وشددت TSMC على أنها تعتمد سياسة صارمة تقوم على عدم التساهل مع أي سلوك يهدد سلامة معلوماتها أو يعرض مصالحها للخطر.

وقالت الشركة إن هذه الإجراءات جاءت نتيجة منظومة مراقبة داخلية قوية وفعالة، مكنتها من كشف الأنشطة غير المشروعة في وقت مبكر، ما يبرز التزامها الدائم بالحفاظ على تفوقها التكنولوجي وحماية أصولها الفكرية.

سباق عالمي على أسرار تصنيع الرقائق

بحسب تقرير نشرته صحيفة نكي آسيا، فإن مجموعة من الموظفين السابقين في الشركة يشتبه بأنهم حاولوا الوصول إلى معلومات حساسة تتعلق بعمليات تطوير وتصنيع رقائق بقياس 2 نانومتر، وهي من بين أحدث وأعقد عمليات التصنيع في قطاع أشباه الموصلات حاليًا.

تأتي هذه المحاولة في سياق عالمي يشهد تنافسًا محمومًا بين الدول والشركات العملاقة للسيطرة على الجيل الجديد من الرقائق. ويمثل إنتاج رقائق بقياس 2 نانومتر طفرة تكنولوجية هائلة، إذ تتيح هذه التقنية أداءً أعلى واستهلاكًا أقل للطاقة، وهو ما يجعلها محط أنظار الحكومات والمؤسسات الصناعية الكبرى على حد سواء.

ورغم أن الشركة لم تعلق بشكل مباشر على ما ورد في تقرير نكي آسيا، فإن التحقيقات الجارية تشير إلى أن القضية قد تكون أعمق مما يظهر في العلن، ما يزيد من المخاوف بشأن اتساع نطاق تسريبات المعرفة الصناعية.

TSMC في مرمى التجسس الصناعي مجددًا

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الشركة لمحاولة تسريب معلومات. ففي عام 2018، وجهت السلطات التايوانية اتهامات لموظف سابق بسرقة أسرار متعلقة بعملية تصنيع رقائق 28 نانومتر، وذلك بقصد تمريرها لشركة منافسة مقرها في الصين.

كما شهد عام 2023 حادثة مشابهة عندما أعلنت شركة ASML، المتخصصة في تصنيع المعدات المستخدمة في إنتاج الرقائق، عن تسريب بياناتها الخاصة بتقنية متقدمة من قبل موظف كان يعمل في فرعها بالصين.

تعد TSMC من أكبر حاملي الملكية الفكرية في القطاع، إذ تمتلك بحسب بياناتها الداخلية أكثر من 200 ألف سر تجاري مسجل ضمن أنظمتها. هذا الكم الهائل من المعلومات يجعلها هدفًا دائمًا لمحاولات الاختراق والتجسس، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية بين القوى الكبرى.

أبعاد استراتيجية تتجاوز الإطار القانوني

لا تندرج الحادثة ضمن إطار قانوني داخلي أو مسألة متعلقة بالموارد البشرية فحسب، بل تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية أوسع. فالشركات الضخمة مثل TSMC لا تمثل فقط كيانات تجارية، بل باتت تعتبر أصولًا قومية ذات تأثير مباشر على الأمن القومي والتوازنات الدولية.

في ظل التصعيد التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت الشركات الرائدة في مجال تصنيع الرقائق تمثل نقطة محورية في هذا الصراع. ولذلك، فإن أي محاولة لاختراق منظوماتها أو سرقة أسرارها التقنية يُنظر إليها بوصفها تهديدًا يتجاوز السوق ليصل إلى حدود السيادة الوطنية.

الشركة تلتزم الصمت والتحقيقات مستمرة

مع استمرار التحقيقات وخضوع القضية للمراجعة القضائية، امتنعت الشركة عن تقديم أي معلومات إضافية. وأكدت أنها تواصل تعاونها الكامل مع الجهات المعنية حتى تتضح الحقائق ويُحاسب المسؤولون عن أي انتهاك محتمل.

بالرغم من محدودية المعلومات المتوفرة حتى الآن، تعكس هذه الحادثة أهمية متزايدة لقضايا الأمن التكنولوجي داخل الشركات العاملة في الصناعات الحساسة مثل تصنيع الرقائق. ومع تصاعد التنافس العالمي في هذا القطاع، تبرز الحاجة إلى تعزيز أنظمة الحماية الداخلية واليقظة المستمرة للحفاظ على المعلومات الحيوية وضمان استقرار سلاسل التوريد.