[quote Delivering Is What I Do التوصيل هو كل ما أفعله. ]

هذه قصة "سام بورتر بريدج" التي لم يفهمها جيلاً برمته، الكومكيس قد تكون مضحكة في بعض الأوقات، ولكن عندما يُغيب عنها منطق العقل تُصبح بلا معنى، وهو ما حدث مع السيد "هيديو كوجيما" ولعبته المُذهلة Death Stranding، نعم مُذهلة هي أقل كلمة يُمكن وصفها عن "جنوح الموت".

كن مُتأكد أنا لن أحرق عليكم شئ من أحداث القصة خلال حديثي في السطور المقبلة، لأني على يقين أنك بمجرد قراءة تلك الكلمات، ستتجه مُباشرة لكسر الحاجز الذي منعك من دخول هذا العالم، وبعدها على الأغلب ستشكرني على تحريرك من ذلك… أو ربما ستقوم بسبي إن لم تفهم فكرتها، ولكن قبل الشروع في القراءة تأكد أن هذا المقال هو غزل في محاسن اللعبة وبالتالي أنا هنا لست للحديث عن العيوب الموجودة بها ولا أقول أنها بلا عيوب بطبيعة الحال.

لكن لا يا صديقي القارئ أنها ليست لعبة "مُحاكاة المشي" أو "رجل التوصيل"، سئمت من هذه النكات الغير مُضحكة على الإطلاق والتي ظلت تتردد لمدة عامين مُنذ صدور اللعبة بشكل حصري على منصة البلاي ستيشن 4 ثم تبعها إصدار نسخة الحاسب الشخصي، ولن أخفيكم سراً أنا واحد ممن تأثروا بالأراء السلبية حول اللعبة لدرجة أنني لم أقم بلعبها إلا هذه الأيام لأول مرة، ليس هذا السبب الوحيد لكي أكون صادقاً ولكنه كان أحد الأسباب.

جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!

لقد كنت مُخطئاً يجب أن أعترف بذلك، وكذلك أنت عزيزي ممن تأثر بتلك الآراء السامة، لقد دُهشت من قدرة كوجيما على جعلى أتعلق بالقصة منذ اللحظة الأولى وحتى نهايتها ودهشت بشكل أكبر على جعلي مُتعلق بعالم اللعبة نفسه لدرجة أنها تُعد من أسرع الألعاب التي قمت بإنهائها وفي فترة زمنية قصيرة بالرغم من "طول أحداث القصة" نظريًا.

قصة لعبة Death Stranding!

نعم قد تكون مهمة سام الرئيسية في اللعبة هي "توصيل الاشياء" وهو ما ستفعله في الواقع لساعات وساعات، ولكن القصة التي تتبع دخول عالم البرزخ وربطه بعالمنا والدمار الذي حل به وتقديمها وطريقة عرضها والإخراج والموسيقى مع دمج هذا النوع من أسلوب اللعب "الجديد" و"الغير معتاد، وضعني أمام تجربة فريدة من نوعها، تجربة لم اعتدها من قبل، ويمكن وصفها بأنها حالة من الأدرينالين التي لن تنساها لفترة طويلة ، إنها عبارة لحظات مُتاصلة منسوجة ببراعة.

مُنذ اللحظة الأولى ستُدرك روعة الإخراج، لما لا وأنت أمام حضرة المبدع Hideo Kojima، سرعان ما ستمشي خطواتك الأولى في عالم "جنوح الموت" المُدمر ،الكئيب، الخالي تماماً من الحياة والكائنات وحتى البشر بالرغم من قوة المناظر الطبيعية المليئة بالخضرة.

على الفور مع أول خطواتك تبدأ أغنية تحمل اسم "Don't Be So Serious"  أو "لا تكن جادا" لفرقة "Low Roar" بالعزف، لتدرك مرة أخرى على ما أنت أمامة، وتدرك أيضاً "ذوق" كوجيما الرائع في اختيار الأغاني التي عُزفت على مدار أحداث اللعبة بالكامل وفي أوقات حماسية بالأخص عندما تكون في رحلة شاقة بين الجبال والهضاب لتوصيل شحنتك أو ما بين حلقات اللعبة الرئيسية.

جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!

إن عُمق اللعبة يتمثل في المضمون والرسالة التي تحملها، إنها ليست مجرد لعبة عادية تنقلك من نقطة لأخرى بهدف الاستمتاع وقضاء الوقت الجيد، وليس مجرد فكرة "توصيل البضائع" التي اتخذها معظم اللاعبين، ولكن فكرة ربط العالم ببعضه، هذا العالم المُدمر يُحمل على عاتق سام مهمة استعادته من جديد من أجل بناء أمريكا.

تقدم اللعبة تقاليد عميقة وشاملة بشكل لا يصدق والتي بالنسبة للكم الهائل من الأفكار التي شاهدتها في ألعاب أخرى، لا يمكن حقًا مقارنتها بأي جزء آخر من المحتوى الإبداعي الذي قرأته أو شاهدته أو أو لعبته خلال العقد الأخير.

يحتوي السرد على أبعاد ملحمية وقد تكون مجهولة وغير مفهومة في بعض الأوقات، ولكن لا يزال بإمكانك التعرف بسهولة على الشخصيات الرئيسية بفضل طاقم الممثلين الذي يضم مادس ميكيلسن وتروي بيكر وتومي إيرل جينكينز وليا سيدوكس وغيرهم ، حيث يستعير كوجيما شكلهم وكذلك أصواتهم  والتي تتوج ببعض من أفضل عروض التمثيل في الألعاب التي رأيتها على الإطلاق ، إن لم تكن الأفضل.
 

ضع كل هؤلاء في جانب، وبطل اللعبة "سام" الذي يؤدي دوره الممثل "نورمان ريدوس" أو "داريل" من المسلسل الأشهر The Walking Dead في جانب آخر، بشكل شخصي أنا شخص مُتعلق بهذا المسلسل وبشخصية داريل منذ أن بدأت مشاهدة المسلسل ، منذ أكثر من عشر أعوام، وبالتالي كان لدي أسبابي الخاصة لتعلقي بشخصية وطريقة أداء "سام" خلال أحداث اللعبة.

لكي اكون صادقاً ، أخذت على شخصية "سام" قلة حديثة في كثير من أحداث اللعبة بالاخص في المشاهد المتكررة التي تخص عمليات التوصيل في مراكز التوصيل باللعبة، وأيضاً الجمل المُكررة أثناء تجوله في عالم اللعبة وحمل الأشياء ولكن عندما يتحدث .. لا اعتقد ان هناك شخصية "لمستني" وشعرت بها مثله ، وأنا لا أبالغ!

جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!

[quote " ذات مرة، كان هُنالك إنفجار Once, There Was An Explosion ، ذات مرة، كان هُنالك إنفجار Once, There Was An Explosion ، ذات مرة، كان هُنالك إنفجار Once, There Was An Explosion ".]

كلمات ظل يرددها ’سام‘ في بداية اللعبة والتي إن كانت دليل على شئ فهي دليل على قسوة العالم في المُستقبل وما ستؤول إليه الأمور، وفي الواقع لقد صورت اللعبة ذلك بشكل مُتقن للغاية.

لا .. ليست مُحاكي للمشي!

إذا كنت تعتقد من كلامي السابق أن "جنوح الموت Death Stranding" عبارة عن مشاهد سينمائية وقصة أو كونها "فيلم" أكثر من كونها "لعبة"، فأنت مخطئ مُجددًا عزيزي القارئ، قد تتمحور اللعبة حول توصيل الطلبيات كما ذكرت وكما نعلم جميعاً، وقد يكون هناك بعض من التكرارية خصوصاً في مشاهد التوصيل والحديث عبر الهولوجرام وكذلك الطريقة التي تنتهي بها كل مهمة توصيل وكذلك ضعف المهام الجانبية في عالم اللعبة ولكن طريقة تقديم ذلك من خلال الأدوات وقدرات سام التي سوف تفتحها كلما تقدمت في عمر اللعبة كانت "ممُتعة".

لا، بل ممتعة للغاية، بجانب أدوات سام والقدرة على تصنيع الأشياء، الكثير من الأشياء، "سام" يتأثر بكل عناصر البيئة من حوله، وأعني بذلك "حرفياً"، أتذكر في أول مرة تحكمت في "سام" انزلقت وطرحت أرضاً بسبب "حجر" كبير على طول الطريق، لقد فقدت جزءًا من شحنتي من جرّاءِ ذلك، ما جعلني أتحرى من كل صخرة في الطريق.

التضاريس المختلفة والمتنوعة بشكل لا يُصدق وتسلق الجبال الشاهقة والمرور من تيارات الأنهار العاتية، حاملاً لشحنة كبيرة ليس الأخطار الوحيدة على الطريق، بل أنت ستواجه العديد من المخاطر الأخرى التي تتمثل في "النهابين" وهم أعداء من البشر لديهم مُعسكرات وهدفهم سرقة شحنتك.

جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!

"الأمطار الزمنية" وهي أمطار تسقط عادة لتُحدث الضرر بسام وحمولته إذا لم ينتبه، وأخيراً " أطياف البرزخ" وهو العدو المرعب الغير مرئي ، سام يستطيع فقط الشعور بهم وليس رؤيتهم عن طريق إستخدام الـ "BB" الخاص به وهو الجنين الذي يحمله الذي بالرغم من أنه أداه مصنوعة لغرض ما ولكن بالطبع ستتعلق به وسيتعلق سام به، لم يسبق لي أن شاهدت تجربة مثل هذه في الألعاب.

بالحديث عن هذا العدو غير المرئي او "أطياف البرزخ" ، يمكن في الواقع المرور منهم بسهولة، فقط إذا حبست أنفاسك وتحركت ببطء، ولكن سيكون من الصعب القيام بذلك وأنت تحمل شحنة كبيرة وتريد توصيلها وفي نفس الوقت تهطل الأمطار الزمنية أو تُهب عاصفة جليدية على تضاريس صعبة الحركة وفي نفس الوقت أيضاً انت محاط بهؤلاء "أطياف البرزخ" المرعبين.

ناهيك عن المواجهات التي تضعك في مواجهة " أطياف البرزخ " وكمية الأدرينالين التي تستهلكها لقتل أحدهم.. هذا ان استطعت من الأساس!

جنوح الموت Death Stranding، عبقرية مصقولة لم تصل لعقول اللاعبين!

تضخ اللعبة أيضاً في نفسيتك حالة من الشعور بنشوة "الإنتصار" عند تحقيق أهدافك وتوصيل الشحنات خصوصاً عندما تكون ثقيلة الوزن وتستخدم من خلالها أصعب الطرق، إذا كنت تظن أنك بارعاً لمجرد أنك تسلقت جبل شاهق وشحنة ما فوق ظهرك، فجيب أن تحمل هماً لرحلة العودة التي على الأغلب تكون أصعب بالأخص عند النزول من المنحدرات شديدة الوعورة.

تلك الكلمات كتبتها تزاماناً مع إنهائي لقصة اللعبة وانا كامل الرضا عن كل ساعة قمت بتقضيها في هذه اللعبة، وهي تزامناً أيضاً مع إطلاق نسخة Director's Cut من اللعبة على منصة البلاي ستيشن 5 والتي ستتضمن تحسينات على الأدوات والجيم بلاي بالإضافة لبعض الأطوار الإضافية وتحسينات أيضاً رسومية لملاك الجهاز.

تجربة Death Stranding تركت علامة في مسيرتي كلاعب، اختلافها وصقلها عن كل ألعاب هذا العقد سيُشكل صعوبة في تقبل الألعاب التي تقدم مستوى أقل منها بالأخص على المستوى الإخراجي، وهو نفس الأمر الذي شعرت به بعد إنهاء كلاً من The Witcher 3 و Red Dead Redemption 2.

بنهاية المقال، مجدداً أنا على يقين تام فور قراءتك ستتجه مُباشرة لشراء أو تحميل اللعبة فوراً وبدأ قصتك في عالم "سام" الموحش، لذا استمتع يا صديقي ولا تدع الآراء السلبية تُحبطك!