ثلاثون عامًا تقريبًا، أعوام طويلة جدًا لدرجة أنها توازي عمري كاملًا هذا هو عمر سلسلة FIFA العريقة من شركة EA، اللعبة التي صدرت لأول مرة في 1993 واستمرت مُنذ هذا الوقت وهي تحمل علامة FIFA مع تغيير رقم الإصدار فقط.

للأسف الثوابت على وشك التغير ومن الواضح أن جيل التسعينات والثمانينات لن يرى في المستقبل لعبة FIFA جديدة حيث تم التأكيد رسميًا على تغيير إسم اللعبة وتحويله إلى EA SPORTS FC، بعد أن وصلت EA إلى طريق مسدود أثناء محاولات تجديد عقود العلامة التجارية مع منظمة الفيفا.

المال يا صديقي، المال هو السبب الوحيد الذي يمكنه تشويه كل ما هو جميل، قلة المال قد تكون سبب الكبد والصراع، وكذلك كثرة المال قد تكون السبب، وفي الكثير من الأحيان الأخرى تكون الرغبة المتأصلة لتحصيل أكبر قدر من المال هي السبب.

على أي حال إذا كنت مُنزعج الآن من هذا الخبر وأننا لن نرىFIFA  مرة أخرى، فأتوقع أنك ستبدأ بإلقاء اللوم على شركة EA التي لم تحافظ على إرثها، ولكن في الحقيقة الأمر به الكثير من الأبعاد الأخرى التي يمكننا التحدث عنها اليوم.

بداية الخلاف!

FIFA 96

نحن نعلم أسباب الخلاف الحقيقية حيث قامت شركة EA نفسها بالكشف عن أسباب الخلاف، وقالت أن اتحاد الفيفا طلب مبلغًا كبيرًا جدًا مقابل تجديد الحقوق وإعطاء الإسم للعبة الشهيرة، لكن لم تقم الشركة بالكشف عن المبلغ المطلوب، وهنا الكثير بدأ في إلقاء اللوم على شركة EA وجشعها وأنها لا تُريد أن تدفع أي أموال.

إقرأ أيضاً : مراجعة لعبة FIFA 23.

لكن سريعًا بدأت التقارير والتسريبات في الظهور وعلمنا بشكل شبه مؤكد أن الفيفا طلبت مليار دولار كاملة عن كل دورة تضم بطولة كأس العالم، وبطولة كأس العالم تُقام كل 4 أعوام، أي الاتحاد الدولي لكرة القدم طلب 2.5 مليار دولار تقريبًا لمنح الحقوق لمدة 10 أعوام.

أيضًا التقارير أشارت إلى أن المفاوضات كانت مستمرة بين EA والفيفا لمدة عامين تقريبًا ولكنها وصلت إلى طريق مسدود بسبب الرقم الفلكي التي اعتبرته EA غير منطقي خصوصًا وأنه يعتبر ضعف ما كانت تدفعه الشركة بالفعل مقابل الحصول على العلامة التجارية لـ FIFA.

كلانا يعشق المال

fifa world cup

هنا بدأت المعادلة تختلف قليلًا فشركة EA لم تعد الشيطان والشر المُطلق، فهي ليست اللون الأسود بل يمكن أن نقول هي شركة رمادية اللون، أما عن مؤسسة الفيفا فهي لا تقل رمادية عن EA ولا تميل إلى اللون الأبيض أو الأسود حتى.

إذن المعركة معركة مال، كل طرف يرى أنه أحق بهذه الأموال، والآن يا صديقي قد تتسائل عن حجم الأموال التي يتنازع عليها كل هذه الأطراف!

يمكنني أن أعطيك مثالًا بسيطًا، لعبة FIFA 22 صدرت في شهر سبتمبر وتمكنت خلال هذا الشهر من بيع 3.36 مليون نسخة سواء رقمية أو فيزيائية بالمملكة المتحدة فقط.

لكي أرسم لك الصورة كاملة في خيالك، فإن اللعبة صدرت في 27 سبتمبر 2021 أي أن اللعبة تمكنت من تحقيق كل هذه الأرقام فور صدورها، ولم تستغرق حتى شهر َا واحدًا حتى تصل إلى هذه الأرقام، ما حققته FIFA 22 خلال 4 أيام يعتبر نجاح قوي تتغنى به سلال ألعاب كاملة باعت في مسيرتها كلها 5 مليون نسخة مثلًا.

لا ننسى أن لعبة FIFA تغيرت كثيرًا عن الماضي وأصبحت تحتوي على مدفوعات مُصغرة داخلها، وهذا يعني أن الرواية لا تُغلق فصولها بمجرد شراء اللعبة، بل يمكن اعتبار شراء اللعبة هو مجرد الفصل الافتتاحي ومازال يوجد الكثير من الفصول التي يُنفق فيها اللاعب الكثير من الأموال.

كل هذه الأموال شجعت منظمة الفيفا على المغالاة في طلباتها، خصوصًا وهي تمتلك عنصر هام جدًا من عناصر اللعبة: "إسمها"، ولكن في المقابل كان الخصم شرس وعنيد يرفض التفريط في دولاراته الثمينة فهو يرى أنه استحقها عن جدارة واستحقاق ومجرد الإسم ليس كفيل للتبرع بمليار دولار كاملة كل 4 سنوات.

شركة EA ترى أن الإسم وحدة ليس كافيًا بل وليس هامًا حتى، فالشركة ترى أن الجميع سيلعب اللعبة حتى وإن كان إسمها gfslmhg;ldfshjmestl;، المهم أن الجميع يعلم أنها لعبة EA الجديدة لكرة القدم.

كسر الأغلال

fifa 2007 - 2020

للمعلومة، العلاقة بين EA والفيفا لم تكن كالسمن والعسل طوال الوقت، بل أن الاتفاق كان يحتوي على الكثير من القيود التي تكبح رغبات كل طرف، على سبيل المثال هل تساءلت يومًا لماذا لا تقوم فيفا ببيع الإسم لأكثر من ناشر هذا لأن الاتفاق يحظر القيام بهذا الأمر.

في نفس الوقت EA لا يمكنها القيام ببعض الأشياء داخل اللعبة لأن نوعية المحتوى طلبت منظمة الفيفا بمنعها من الألعاب، على سبيل المثال أداة صناعة خرائط اللعب.

الطريف في الأمر أن كل طرف كان مكبلًا بالأغلال حتى عُنقه، وجاء وقت كسرها بسبب المال فقط، الأطراف جميعها كانت قادرة على تحمل الأغلال والقيود مادامت الأموال موجودة، ولكن مع الاختلاف على المال بدأ كل طرف بالتحرر من هذه الأغلال والبداية كانت مع EA.

أعلنت EA بشجاعة عن تركها العلامة التجارية FIFA، وأنها ستقوم بتطوير ألعابها في المستقبل تحت إسم EA SPORTS FC، لتكون FIFA 23 هي آخر جزء من اللعبة تحت راية EA في وداع قد لا يكون بعده لقاء جديد.

ما تأثير الخطوة على الألعاب القادمة

fifa - fifa 23 - cross play - electronic arts

سأبدو عبقريًا قليلًا عند ذكر هذه المعلومة، ولكن أول تأثير هو تغيير إسم ألعاب كرة القدم الخاصة بشركة EA، أنا هنا لا أسخر بل في الحقيقة هو أمر هام جدًا وقد يحتاج إلى مقال منفرد، لأنه يطرح علينا سؤال معين هل نجحت لعبة FIFA لأنها استخدمت كلمة FIFA؟

أم أن اللعبة كانت تمتلك مقومات النجاح بالفعل وكانت ستنجح حتى وإن كان إسمها من البداية EA SPORTS FC؟

على أي حال دعنا من هذا التساؤل حاليًا، لأنه يحتاج إلى تأصيل والكثير من التحقيق والمراجعة لإجابته ببعض من الحياد، الآن لننتقل لباقي التأثيرات، والمفاجأة لا يوجد أي تأثيرات أخرى.

مازالت اللعبة  متعاقدة مع أكثر من 19,000 رياضي، 700 فريق، 100 استاد، وأكثر من 30 دوري من بينهم أشهر الدوريات العالمية، وذلك يعني أن أسماء الفرق واللاعبين والدوريات ستظل كما هي في اللعبة بدون تغيير.

بل يمكن النظر للأمر بشكل إيجابي وهو أن الشركة ستوفر المبالغ الضخمة التي تدفعها مُقابل إسم FIFA ويمكن إنفاق هذا المال على تطوير اللعبة وتحسينها، على الرغم من عدم اقتناعي بأن EA ستفعل هذا، يمكنني أن أؤكد لك بحقيقة وجود طائر العنقاء والفرس أحادي القرن ولكن لا يمكنني أن اتوقع قيام EA بصرف كل هذه الأموال لتحسين اللعبة.

أيضًا الشركة الآن أصبحت متحررة ويمكنها إضافة ما تُريد في لعبتها حتى لو قررت إضافة طور في اللعبة يتم فيه استبدال الكرة بقدرة فول، الأمر الآن بات متروكًا لها.

رد عنيف وقوي!

الطرف الأخر لم يستسلم للهزيمة، وأعلن Gianni Infantino رئيس اتحاد الفيفا أن المُنظمة بدأت بالفعل مناقشات مع شركات تطوير ونشر ألعاب للعمل على لعبة كُرة قدم جديدة تحت عنوان FIFA تصدر في 2024.

في إشارة واضحة وهجوم حاد وصريح على لعبة EA SPORTS FC، وفي الحقيقة لست متفاجئًا من هذا القرار لأن الفيفا لن تترك بيضة ذهب مثل هذه تذهب سدى.

من الفائز، من الخاسر؟

كرة قدم

بالعودة إلى لغة الألوان التي أعشقها، نعم لغة الألوان وليست الأرقام لأن لغة الألوان تميل إلى التخيل والتحليل، الغوص في المعطيات بناء على اللون الممزوج بباقي عناصر اللوحة، قد يكون الأصفر غيرة وفي أحيان أخرى شجن وخريف، على عكس لغة الأرقام الدقيقة الجافة الحادة لدرجة تشعرك أنها تصفعك على وجهك بالنتائج.

عذرًا على التشتيت والخروج عن الموضوع الأصلي ولكن غلبتني نزعتي الأدبية، وغلبني أكثر حبي للألوان وتعبيراتها العديدة.

حسنًا، حسنًا بالعودة من جديد إلى الموضوع نجد أننا اتفقنا جميعًا _ أعني أنا اتفقت ولكني قررت أن أجعلها جميعًا – أن الطرفان ذات لون رمادي لئيم لا يمكن أن نستشف منه الكثير ولا أحد يميل إلى كفة الخير أو الشر، لذلك لا يمكن أن أقول الفائز هذا كذا والخاسر هو هذا.

بل يمكنني التوقع قليلًا، فلحسن الحظ يمكنني التوقع والتخمين ببراعة، في الحقيقة أعتقد أن مهمة شركة EA أسهل بكثير لأن EA تمكنت من بناء قاعدتها الجماهيرية على مدار 30 عامًا كاملة، واختلاف الإسم على الرغم من كونه حزين للكثير ولكن اللعبة الجديد ستصل إلى شرائح كبيرة وستحقق مبيعات قوية.

بل يمكن أن يكون تغيير الإسم سبب في زيادة انتشار اللعبة لرغبة الكثير رؤية التغييرات التي قامت بها اللعبة بعد التخلي عن العلامة التجارية التي ارتبطنا بها من طفولتنا.

أما بالنسبة لمنظمة الفيفا فالوضع أكثر خطورة، لأن المنظمة تحاول الآن بناء لعبة من الصفر ولا يشترط بالضرورة أن تكون اللعبة ناجحة، فنحن هنا نتحدث عن مخاطرة كبيرة جدًا.

لعبة اتحاد الفيفا سيكون لديها نفس سلاح لعبة EA، وهو الفضول، الفضول الذي سيدفع الكثير ليجرب هذه اللعبة الجديدة القادمة من اتحاد الفيفا، وبالتالي أتوقع وصول اللعبة إلى شريحة كبيرة جدًا.

EA FIFA Games

لكن المخاطرة هنا أن تفشل اللعبة أصلًا، فإذا فشلت هذه اللعبة فلا اتوقع إمكانية إصدار أجزاء أخرى منها أو على الأقل بنفس نجاح النسخ الأصلية من FIFA، هنا اتحاد الفيفا يواجه تحدِ كبير جدًا فهو يواجه خبرة 30 عامًا من تطوير ألعاب كرة القدم، بينما السوق لا يحتوي على العديد من الشركات التي تقوم بنفس الأمر.

على أي حال يمكن أن تنجح اللعبة ولكن الجدول الزمني الخاص بها غير مُطمئن على الإطلاق فعام 2024 قريب جدًا، أعلم أن FIFA كان يصدر لها جزء كل عام ولكننا نتحدث عن لعبة لديها محركها وعملية تطوير جزء جديد سهلة ويسيرة، لكن لعبة اتحاد الفيفا ستكون لعبة يتم تطويرها من الصفر!

كانت هذه أصل الحكاية والرواية لمعركة الفيفا وشركة EA، من الواضح يا صديقي أنه لا يوجد لون أبيض سوى أنا وأنت، نحن اللاعبون الذين ننفق أموالنا مقابل الألعاب التي نتعلق بها ونعيش معها طفولتنا وذكرياتنا لتأتي الألوان الرمادية لتُخربها سعيًا وراء المال.

ستكون نصيحتي هي الاستمتاع عمومًا، إذا كانت لعبة EA القادمة ممتعة لنلعبها وإن كانت سيئة نهجرها، ونفس الأمر مع لعبة اتحاد الفيفا، وإلى ذلك الحين يمكننا أن نلعب FIFA 23 أي كانت حالتها فقد تكون هذه أخر لعبة FIFA نلعبها.