يوم السبت، السادس من نوفمبر الجاري، بدأ كل شيء باستطلاع على منصة تويتر... تخيل أن إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم الآن، بثروة تخطت 270 مليار دولار حتى لحظة الكتابة، قرر أن يجري استطلاعًا للرأي لمتابعيه على حسابه بمنصة تويتر، وطرح الرئيس التنفيذي لشركة تسلا تساؤلًا مهمًا: "هل يجب عليه بيع 10% من أسهمه الخاصة في الشركة؟".. وهو ما يقدر بأكثر من 26 مليار دولار تقريبًا لحظة كتابة التغريدة.. لماذا يفعل شيء مثل هذا؟

أولًا لأنه إيلون ماسك، وهذا ما تعودنا عليه.. ثانيًا، لأنه، كما أشار ماسك، في الآونة الأخيرة أُثيرت ضجة حول "الأرباح غير المحققة"، وعن كونها وسيلة للتهرب من دفع الضرائب على الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية!

الآن، لم يكن ذلك مجرد استطلاع رأي على تويتر، لمدة 24 ساعة، لتشتيت الرأي العام فحسب، لأن أغنى رجل في العالم ذكر بأن ثمة عواقب لهذا الاستطلاع، فسوف يلتزم بالنتيجة أيًا كانت، وسيبيع تلك الأسهم ويسدد الضرائب.. وبعد مشاركة 3.6 مليون مستخدم، انتهى التصويت وجاءت النتيجة بالموافقة بنسبة 58% والرفض بنسبة 42%..

لحظة واحدة من فضلك.. ما هي تلك الأرباح غير المحققة أصلًا؟ وكيف يستخدمها أغنى أغنياء العالم في التهرب من دفع ضرائب الدخل؟ وهل يحتاج إيلون ماسك إلى تصويت من الجماهير على تويتر كي يدفع الضرائب المستحقة عليه؟ أم أنه كان سيبيع حصته في أسهم الشركة على كل الأحوال؟

أحضر كوب الشاي بالنعناع كالعادة.. وهيا بنا نحاول الإجابة على تلك الأسئلة!

كيف يعمل نظام ضرائب الدخل الأمريكي؟

إيلون ماسك جيف بيزوس التهرب من الضرائب

في عام 2018، لم يدفع إيلون ماسك، أي ضرائب دخل فيدرالية. وفي عام 2007، لم يدفع جيف بيزوس، ثاني أغنى رجل في العالم حاليًا، دولارًا واحدًا في الضرائب على الدخل أيضًا، وفعلها مرة أخرى في عام 2011. كما تمكن مايكل بلومبرج، رجل الأعمال الأمريكي، من فعل ذات الأمر خلال السنوات الأخيرة، بجانب أن رجل الأعمال والمستثمر جورج سوروس لم يدفع ضريبة الدخل الفيدرالية لثلاث سنوات على التوالي.

في يونيو الماضي، حصلت ProPublica، المؤسسة الصحفية الأمريكية المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية، على مجموعة ضخمة من بيانات مصلحة ضرائب الدخل تخص الإقرارات الضريبية لآلاف الأشخاص الأكثر ثراءً في أمريكا، على مدار أكثر من 15 عامًا. توفر تلك البيانات نظرةً غير مسبوقة داخل رؤوس أموال أضخم الحيتان الأمريكية، أمثال وارن بافت وبيل جيتس وروبرت مردوخ وإيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زوكربيرج، وغيرهم من الحيتان الأمريكية.

لم تُظهر تلك البيانات دخلهم والضرائب المستحقة فحسب، ولكنها كشفت أيضًا عن استثماراتهم، وصفقات ومضاربات الأسهم، وأي مكاسب من المقامرة، وغيرها من البيانات المالية الحساسة. ومع النظر إلى الصورة الكاملة، فإن تلك البيانات تهدم الأسطورة المؤسسة لنظام الضرائب الأمريكي بأكمله وهي أن الجميع يدفعون حصتهم العادلة من الضرائب نسبة لدخلهم، وأن الأغنياء هم من يدفعون أكثر.

ما تشير إليه سجلات مصلحة الضرائب أن هؤلاء الأغنياء يمكنهم، وبصورة قانونية، دفع نسبة من ضرائب الدخل لا تمثل سوى جزءًا صغيرًا للغاية من مئات ومليارات الملايين التي تنمو بها ثرواتهم كل عام!

نظام الضرائب الفيدرالية صُمم ليكون تصاعديًا، بمعنى أن نسبة الضريبة على الدخل تزداد كلما زاد الدخل. يعيش العديد من المواطنين على رواتبهم، مع دفع نسبة مئوية من دخلهم كضرائب للحكومة الفيدرالية، ثم ترتفع تلك النسبة مع ارتفاع دخلهم. فمثلًا، في السنوات الأخيرة، كان دخل الأسرة الأمريكية المتوسطة نحو 70 ألف دولار سنويًا، تدفع مقابله نسبة 14% كضرائب فيدرالية. بينما وصل أعلى معدل لضريبة الدخل إلى 37%، خلال هذا العام للأزواج، على الدخل الذي يتخطى 628 ألف دولار للعائلة.

لكن تلك مجرد نسب على ورق، ولكي يحصلوا على صورة أكثر دقة، ينظر المحللون في مصلحة الضرائب إلى الضريبة التي يدفعها الأشخاص في الواقع، وهي المعروفة باسم "معدل الضريبة الفعلي". كمثال، إن كان دخلك السنوي 10 ملايين دولار، ودفعت 2.5 مليون دولار ضريبة دخل، حينها يكون معدل الضريبة الفعلي= (2.5/10)*100، أي بنسبة 25%.

في عام 2018، أحدث سنة تتوفر فيها البيانات التي حصلت عليها ProPublica، من يكسب بين 500 ألف دولار ومليون دولار دفع معدل ضريبة الضعف بالمقارنة مع من يكسب ما بين 100 ألف و200 ألف دولار. بينما من يكسب ما بين 2 مليون و5 ملايين دولار دفع ضريبة بنسبة 27.5%، وهو أعلى مستويات دافعي الضرائب. ولكن، عند تلك النقطة، يتوقف المنحنى التصاعدي.

وهنا المشكلة، تشير الوثائق السرية أن الحيتان، فاحشي الثراء، يمكنهم تجنب هذا النظام بفعالية ودون أي مسائلة قانونية. فكيف يفعلون هذا تحديدًا؟

كيف يتهرب الحيتان من دفع الضرائب؟

إيلون ماسك جيف بيزوس التهرب من الضرائب

تأتي ثروات هؤلاء المليارديرات الهائلة من القيمة المرتفعة للأصول الثابتة التي يملكونها، مثل الأسهم والممتلكات الأخرى، وهنا لا تعترف القوانين الأمريكية بتلك المكاسب كإيرادات خاضعة للضريبة ما لم يبيعها صاحبها وتتحول إلى أموال حقيقية. وفي تلك الحالة تصبح "أرباحًا محققة".

بوجه عام، يحافظ الأثرياء، من جميع الفئات، على انخفاض معدلاتهم الضريبية بعدّة طرق، بعضها بسيط مثل تجنب أشكال الدخل المعتادة، كالرواتب من الشركات التي يملكونها، التي تخضع للضريبة بمعدل مرتفع، يصل إلى 37% كما ذكرنا. وبدلًا من ذلك، يكسبون معظم أموالهم عبر الأرباح على رؤوس الأموال وتوزيع العوائد من الاستثمارات المختلفة، معظمها يُطبق عليها ضرائب أقل تصل إلى نسبة 20%. بالإضافة إلى أن التبرعات والمشاريع الخيرية الكبيرة تقلل الضريبة على الدخل.

بينما هناك بعض الطرق الغامضة، أو الملتوية بعض الشيء، لتقليل الضرائب، مثل إضافة الخصومات المختلفة، وبند النفقات الأخرى الغامض، وربما يصل الأمر إلى وضع الخسارة بسبب الاستثمارات ودفع فوائد القروض وغيرها، والبعض يمتلك فرقًا رياضية خاصة تقدم مثل هذه المصاريف الأخرى، ولذا تقلل من دفعهم للضرائب أيضًا. كما يمكن للأثرياء أيضًا اختيار متى يمكنهم كسب الدخل، ليتوافق مع الخصومات وبالتالي تقل نسبة الضريبة المفروضة عليهم. وهنا يأتي أغنى 25 شخص في أمريكا، ويطبقوا تلك الاستراتيجيات على نطاق ضخم للغاية، كما أشارت تحليلات مؤسسة ProPublica.

مؤخرًا اقترح السيناتور الأمريكي "رون ويدن" مشروع قانون "ضريبة دخل المليارديرات"، بحيث إن زادت قيمة تلك الأصول، حتى إن احتفظ بها الشخص ولم يبع منها أي شيء، فسيتوجب عليه دفع ضرائب على تلك الأرباح غير المحققة، أو الأرباح على الورق. وهذا الاقتراح قد ينهي الثغرة في قانون الضرائب التي تسمح لأصحاب المليارات بتأجيل دفع ضرائب أرباح رأس المال إلى أجل غير مسمى، بينما لا يزال بإمكانه الاستفادة من تلك الثروة عبر الاقتراض من البنوك.

كان لدى إيلون ماسك موقفًا ناقدًا صريحًا حول اقتراح فرض ضريبة على الأرباح غير المحققة على الأصول المتداولة ​​لأغنى حيتان أمريكا. ولهذا سبب واضح بالطبع!

إيلون ماسك وجيف بيزوس والأصدقاء!

أجرت مؤسسة ProPublica تحليلًا قارنوا فيه مقدار الضرائب التي دفعها 25 من أغنى الأثرياء في أمريكا كل عام إلى مقدار زيادة ثروتهم في نفس الفترة الزمنية، وأطلقوا عليه "معدل الضريبة الفعلي".

النتائج كانت صادمة كما لك أن تتخيل!

وفقًا لتصنيف مجلة فوربس، زادت ثروات هؤلاء الأغنياء بمجموع قدره 401 مليار دولار منذ عام 2014 إلى عام 2018، ولكنهم في المقابل دفعوا ما مجموعه 13.6 مليار دولار من ضرائب الدخل الفيدرالية في نفس السنوات الخمس، كما تظهر بيانات مصلحة ضرائب الدخل، ليصبح معدل الضريبة الفعلي قدره 3.4% فحسب.

دعنا نطبق بعض الأرقام لنرى أعلى 4 أشخاص تهربوا من دفع الضرائب على الدخل. (احذر حرق للأحداث: جيف بيزوس ثانيًا، وإيلون ماسك رابعًا!).

إيلون ماسك جيف بيزوس التهرب من الضرائب

البداية مع وارين بافت، رجل الأعمال وأشهر مستثمر أمريكي في بورصة نيويورك وعاشر أغنى شخص على وجه الأرض بثروة 105 مليار دولار، كان أكثر شخص ضمن الأغنى في أمريكا تهربًا من دفع الضرائب في تحليل مؤسسة ProPublica، وربما يكون ذلك مفاجئًا، بالنظر إلى موقفه العام كأحد دعاة فرض ضرائب أعلى على الأغنياء. وفقًا لمجلة فوربس، ارتفعت ثروته بمقدار 24.3 مليار دولار بين عامي 2014 و2018، وفي نفس المدة، دفع بافت مبلغ 23.7 مليون دولار فحسب كضرائب. معدل الضريبة الحقيقي هنا 0.1%، أو أقل من 10 سنتات مقابل كل 100 دولار أضافها إلى ثروته!

في عام 2007، تضاعف سعر سهم شركة أمازون، وقفزت ثروة جيف بيزوس بنحو 3.8 مليار دولار ذلك العام، لكنه لم يدفع أي شيء في ضرائب الدخل الفيدرالية. كيف ينتهي الأمر بشخص يتمتع بهذا النوع من انفجار الثروة إلى عدم دفع أي ضريبة دخل؟

في ذلك العام، أبلغ بيزوس، الذي قدم ملفه الضريبي بالاشتراك مع زوجته حينها، أن دخله الخاص وصل 46 مليون دولار فقط، وجاء الدخل من مدفوعات الفوائد والأرباح الموزعة من الاستثمارات الخارجية، لكنه في نفس الوقت تمكن من موازنة كل دولار حصل عليه بخسائر تعرض لها من الاستثمارات الجانبية ومختلف الخصومات الأخرى، مثل مصاريف الفوائد على القروض، وتحت البند الغامض الذي يُعرف بـ "النفقات الأخرى".

الأغرب أنه في عام 2011، ارتفعت ثروته تقريبًا بنحو 18 مليار دولار، لكن بيزوس قدم إقرارًا ضريبيًا بأنه خسر بعض الأموال في نفس العام، وأن دخله حينها لم يتمكن من تعويض خسائر الاستثمار. الأكثر غرابة من ذلك، أنه، وفقًا لقانون الضرائب، وبما أنه لم يكسب أي أموال، حصل على رصيد ضريبي قدره 4 آلاف دولارًا لأطفاله!

وإن نظرنا بدقة أكثر إلى المدة الزمنية منذ عام 2006 حتى عام 2018، وفقًا لتحليل مؤسسة ProPublica، ارتفعت ثروة بيزوس بمقدار 127 مليار دولار، لكنه أبلغ عن دخل مجموعه 6.5 مليار دولار في نفس الفترة، ولذا دفع 1.4 مليار دولار كضرائب فيدرالية، وهو رقم ضخم يعادل 21% من قيمة دخله المعلن، وهي نسبة معتادة بالنسبة للطبقة الوسطى الأمريكية، لكنه يصل إلى معدل ضريبة حقيقي بنسبة 1.1% فحسب من ارتفاع مجموع ثروته. ومع ارتفاع أسهم أمازون الصاروخي منذ عام 2006، في معظم السنوات، ارتفعت ثروة بيزوس الإجمالية أكثر بكثير مما أبلغ عنه كدخل إلى مصلحة الضرائب.

إيلون ماسك جيف بيزوس التهرب من الضرائب

يملك إيلون ماسك 227 مليون سهم في شركته تسلا، وفي العام الماضي، ذكرت الشركة أن ماسك وضع 92 مليون سهم منهم، التي تبلغ قيمتها في هذه اللحظة أكثر من 106 مليار دولار، كضمان للقروض الشخصية.

لا تعكس فواتير الضرائب الخاصة بـ إيلون ماسك بأي حال من الأحوال مدى حجم الثروة التي وصل إليها. مثلًا في عام 2015، دفع 68 ألف دولار كضريبة دخل، وفي عام 2017 دفع 65 ألف دولار، وفي عام 2018 لم يدفع الضريبة أصلًا. وفي الفترة بين عامي 2014 و2018، ارتفعت ثروته الكلية بنحو 13.9 مليار دولار، في حين أبلغ عن دخل يقدر بـ 1.52 مليار دولار، ودفع ضرائب دخل 455 مليون دولار، بمعدل ضريبة فعلي قدره 3.27% فحسب.

بالنسبة للأشخاص في أعلى سلم الثراء الإنساني لن تمثل قيمة الدخل أي أهمية حقيقية. كما يؤكد إيلون ماسك بنفسه، في الرد على تغريدة استطلاع الرأي بأنه: لا يتقاضى أي راتب نقدي أو مكافآت من أي مكان، فهو يملك أسهم في الشركة فحسب، لذا فإن السبيل الوحيد ليدفع الضرائب هو بيع تلك الأسهم.

مثلًا يضع جيف بيزوس راتبه من أمازون منذ مدة طويلة في مستوى الطبقة الوسطى بنحو 80 ألف دولار سنويًا. بينما كان هناك منافسة بين المديرين التنفيذيين لشركات التقنية العملاقة ليقللوا هذا الأجر بأكثر صورة ممكنة، مثلا تقاضى ستيف جوبز 1 دولار كراتب عندما عاد إلى أبل في التسعينيات، وبالمثل فعل مارك زوكربيرج في شركته فيسبوك، ولاري إيلسون في أوراكل، ولاري بيج في جوجل.

إذن كيف يدفع هؤلاء الأثرياء فواتيرهم الضخمة براتب 1 دولار فحسب؟

اقتراض المليارات بضمان المليارات!

إيلون ماسك جيف بيزوس التهرب من الضرائب

وفقًا للوثائق العامة والخبراء، فإن الإجابة لدى بعض الأثرياء هي اقتراض الأموال، الكثير والكثير منها.

بالنسبة للأشخاص العاديين، غالبا ما نقترض الأموال للضرورة، مثلا لشراء منزل أو سيارة أو سداد مصاريف أخرى. ولكن بالنسبة للأثرياء، يمكن أن يكون الاقتراض وسيلة للوصول إلى المليارات لكن دون تسجيل دخل أو مكاسب خاصة بهم، وبهذا يمكن تجنب ضرائب الدخل.

حسابات الضرائب تقدم حافزًا واضحًا لهذا الأسلوب، مثلًا إن كنت تملك شركة وتتقاضى راتبًا ضخمًا، فسوف تدفع 37% ضريبة دخل، وإن كنت تملك أسهمًا وقمت ببيعها فسوف تدفع 20% ضريبة أرباح رأس المال، وتفقد بعض السيطرة على شركتك. لكن، وهنا الثغرة القانونية، يمكنك أن تطلب قرضًا من البنك، بضمان تلك الأصول، وهذه الأيام ستدفع سعر فائدة مكون من رقم واحد، دون أن تدفع أي ضرائب، ونظرًا لأن القروض يجب أن تُسدد، فإن مصلحة الضرائب لا تعتبرها كمصدر للدخل.

لا تظهر أغلب قروض الأثرياء في السجلات الضريبية التي حصلت عليها ProPublica نظرًا لعدم الكشف عنها عمومًا لمصلحة الضرائب. ولكن أحيانًا، يُكشف عن تلك القروض في ملفات الأوراق المالية. مثلًا في عام 2014، كشفت شركة أوراكل أن رئيسها التنفيذي، لاري إيلسون، كان لديه تسهيلات وقروض ائتمان بضمان نحو 10 مليارات دولار من أسهمه في الشركة.

قد يرى البعض أن هؤلاء الحيتان يدفعون ضرائب أخرى، مثل ضرائب الشركات، هذا حقيقي ولكن، يجب ملاحظة أن ضرائب الشركات انخفضت جدًا في العقود الأخيرة، فيما أصبح يُعرف بالعصر الذهبي لتجنب ضريبة الشركات. من خلال إرسال الأرباح إلى الخارج، أو ما يُعرف بالملاذات الضريبية، فإن الشركات مثل جوجل وفيسبوك ومايكروسوفت وأبل ربما تدفع القليل من ضرائب الشركات الأمريكية أو ربما لا تدفع أصلًا. وبالنسبة لإيلون ماسك وجيف بيزوس تحديدًا فإن إضافة ضرائب الشركات إلى المعادلة بالكاد يغير أي شيء على الإطلاق!

لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا يقرر إيلون ماسك فجأة أن يطلب رأي متابعيه في بيع الأسهم؟ أم أن هناك خدعة ما كالعادة؟

إيلون ماسك.. وخدعته المعتادة!

بغض النظر عن نتائج الاستطلاع على تويتر، فكان ماسك سيبدأ فعلًا في بيع ملايين الأسهم خلال هذا الربع الحالي من العام، والسبب؟

ببساطة، لأن تلك الأسهم ستنتهي صلاحيتها قريبًا، ثم عليه أن يسدد التزاماته من القروض للبنوك. ولكن سيأتي معها فاتورة ضريبية بأكثر من 12 مليار دولار، وهذا وفقًا لآخر سعر لسهم شركة تسلا!

القصة تعود إلى عام 2012، حينما حصل ماسك على خيارات حيازة أسهم من مجلس إدارة الشركة كجزء من خطة تعويضه، لأنه، كما ذكر بنفسه، لا يأخذ راتب أو أي مكافآت نقدية، لذا فإن ثروته تأتي من مكاسب أسهم تسلا. تعويض عام 2012 كان مقابل 22.8 مليون سهم بسعر 6.24 دولار للسهم. وبحسب آخر سعر لسهم تسلا عند 1023 دولار، يعني أن مكاسبه من تلك الأسهم وصلت تقريبًا إلى 23 مليار دولار.

ومع إشارة تسلا إلى القروض التي حصل عليها ماسك من البنوك، بناءً على ضمانات تلك الأسهم، فربما تُجبره إحدى المؤسسات المصرفية على بيع نسبة من الأسهم للوفاء بالتزاماته المالية من جهة القروض، في حال لم يستطع الوفاء بها عبر وسائل أخرى.

كما لم يكن الاستطلاع أول مرة يطرح فيها إيلون ماسك فكرة بيع بعض الأسهم، إذ ذكر للصحفية كارا سويشر، في مؤتمر Code 2021 في سبتمبر، أنه يعتزم بيع جزء من خيارات أسهم تسلا في الربع الرابع من العام، قبل انتهاء صلاحيتها في أغسطس 2022.

حسنًا، كيف تنتهي صلاحية الأسهم؟
أي حزمة خيارات من الأسهم ممنوحة لموظف داخل الشركة تأتي بإطار زمني محدود يحتاج فيه الموظف إلى التصرف في تلك الأسهم. وهناك سببين شائعين لانتهاء صلاحية الأسهم: الأول يكون وفقا لاتفاقية بين الموظف والشركة، توضع فترة زمنية معينة، حيث يجب عليه الاستفادة من خياراته في الأسهم، كالبيع مثلًا، وإلا سوف تنتهي صلاحيتها، وعادة ما تكون 10 سنوات كما هو الحال مع أسهم إيلون ماسك التي نتحدث عنها. أما السبب الثاني إن ترك الموظف الشركة وانتقل لوظيفة جديدة، أو في حال التقاعد، حينها يملك عادةً نافذةً على مدار 90 يومًا يمكنه التصرف في تلك الأسهم، وإن فشل في ذلك ستنتهي صلاحيتها أيضًا.

ومع ذلك، من أجل بيعها، كما أشارت شبكة CNBC، يجب عليه دفع ضريبة الدخل على مكاسب تلك الأسهم، نظرًا لأن تلك الأسهم تخضع للضريبة كمنفعة أو تعويض للموظف، فسوف تقع تحت أعلى معدل ضرائب للدخل بنسبة 37%، بالإضافة إلى ضريبة الاستثمار الصافية بنسبة 3.8%، كما سيتعين عليه أيضًا دفع معدل الضريبة الأعلى بنسبة 13.3% في كاليفورنيا لأنه حاز على خيارات الأسهم ومكاسبها بينما كان مقيمًا هناك.

سيكون إجمالي معدل الضريبة الفيدرالية وضريبة الولاية بنسبة 54.1%، لذا فإن فاتورة الضرائب بالكامل على تلك الأسهم، وفقًا لسعر السهم الحالي، ستصل إلى 12 مليار دولار تقريبًا.

إيلون ماسك جيف بيزوس التهرب من الضرائب

اقرأ أيضًا: الحالة المحيرة للسيد إيلون ماسك.. رجل أعمال أم "إنفلونسر" يحترم نفسه؟

معضلة السيد إيلون ماسك هو أن ثقته المبالغة في نفسه تدعم كثيرًا من قيمة تسلا كشركة، ربما أكثر من الراحل ستيف جوبز مع شركة أبل، فمثلًا انتشار أخبار كإصابة الرئيس التنفيذي بمرض خطير أو وفاته قد تتسبب في انخفاض هائل في سعر أسهم الشركة، وضياع كميات هائلة من ثروة المساهمين، وكذلك يفعل إصدار بيان صحفي رسمي يذكر أن الرئيس التنفيذي سيبيع أسهم بقيمة ملياري دولار. فماذا تتخيل إن خرج الرئيس بنفسه ليذكر على الملأ أنه سيبيع ما قيمته أكثر من 20 مليار دولار من الأسهم؟

ربما حقيقة أن شركة تسلا، في الوقت الحالي، أعلى شركة سيارات من حيث القيمة السوقية على الكوكب دليل على عبقرية ماسك في تصوير نفسه كأحد الأبطال المناهضين لاستبداد الدول الرأسمالية الشريرة، لدرجة اقتراحه أنه يجري استطلاع الرأي بسبب انتقاد الكونجرس للأغنياء في "التهرب من الضرائب" على الأرباح غير المحققة.

ومع انخفاض سعر سهم تسلا، تحت ضغط تصريحات إيلون ماسك بالبيع، حتى أنه خسر على الورق نحو 33 مليار دولار، سيغضب بعض المستثمرين، ولكن إن تمكن السهم من الارتفاع مجددًا وتعافى سريعًا من تلك الضربة، فستكون تلك حلقة أخرى من حلقات نجاح إيلون ماسك على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكما بدأنا، تخيل أن أغنى رجل في العالم، والمعتمد في نجاحه على الرأسمالية، ولا يدفع قيمة ضرائب تتناسب مع ثروته الهائلة، يصور للمتابعين ولجمهوره على تويتر أن قرار بيعه لأسهم بأكثر من 20 مليار دولار هو قرارهم وجاء نتيجة لتصويتهم!

ربما سيخرج السيد إيلون ماسك منتصرًا كالعادة من تلك القضية، على الأقل سيحافظ على هالته المعتادة التي رسمها لنفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً مع معرفته أنه يتعامل كأحد المؤثرين في هذا الزمن!