حان الوقت لنربي أبنائنا على الألعاب الإلكترونية!
الأبناء ثمرة الأباء والشغل الشاغل لهم، الشمس الكبيرة التي يدور حولها الأب والأم في مدار زمني مقداره العمر كله، الخطوات التي تتُخذ والعمل الذي يتم يوميًا في أغلب الأوقات يكون الهدف منه تأمين حياة كريمة للأولاد.
أعتقد إذا كنت أب لطفل صغير، فربما تفكر من الآن حول مستقبله وحياته العملية القادمة، وبناء على هذه المعطيات تبدأ في تحديد المسار العلمي لطفلك.
لنتخيل سويًا، عندما يكبر طفلي أريده أن يعمل كصراف في أحد البنوك الكبيرة، وظيفة مرموقة بدخل ممتاز تمتلك تدرج وظيفي رائع، والأهم من كل هذا أنها وظيفة مضمونة فنحن نادرًا ما نسمع عن بنوك تقوم بتسريح العمالة لديها على عكس الكثير من الوظائف الأخرى.
في الحقيقة يؤسفني أن أقول لك وظيفة صراف البنك هي من أكثر الوظائف المعرضة للتلاشي خلال العقد القادم، نعم كما قرأت قد لا نرى وظيفة الصراف البنكي في المستقبل القريب جدًا.
حسب الكثير من التقارير الاقتصادية فإن التقدم التكنولوجي سيؤدي إلى اختفاء شريحة عريضة من الوظائف مثل الصراف البنكي، والقائمة تشمل الكثير من الوظائف الخدمية والتصنيعية الأخرى، حيث سيتم استبدال العمالة البشرية في الكثير من القطاعات بالآلات.
هذه التقارير تجعلنا نعيد النظر في مستقبل الأبناء، وهل نحن نفكر بشكل صحيح فيما يتعلق بمستقبلهم، الأمر خطير جدًا خصوصًا وأن القائمة كانت تضم عدد كبير جدًا من الوظائف الضرورية المرموقة.
ما رأيك إذا أن نجهز الطفل ليصبح لاعب فيديو جيمز محترف، أو صانع محتوى ترفيهي؟
تشعر بالاستغراب بكل تأكيد، شخصيًا أتفهم هذا الاستغراب فنحن تربينا على أن الألعاب مضيعة للوقت والمجهود، وحتى من كان يرضى باللعب كان يقصر الأمر على وقت الفراغ.
لكن الدنيا تتقدم والحياة تتغير بشكل كبير، وريما نحن في عصر سيكون فيه وظيفة لاعب الفيديو جيم أفضل من وظيفة صراف البنك!
أن تصبح لاعب محترف لا يتعارض مع العلم
أول الأمور الخاطئة الموجودة حاليًا، اعتقاد الكثير أن احتراف الألعاب الإلكترونية يؤثر على المسار العلمي للشخص، لذلك قد يفزع الكثير من الآباء عندما يروا أطفالهم يريدون الدخول في عالم الرياضات الإلكترونية.
في الحقيقة العلم هو سلاح هام جدًا للشخص في حياته لا يجب التخلي عنه بأي شكل من الأشكال، وغير مربوط بالمسار الوظيفي للشخص.
لنفترض مثلا أنك تعيش في مصر، وتريد أن تجعل أبنك محاميًا، المسار العلمي في هذه الحالة سيكون بسيطًا جدًا، لأن طفلك لن يحتاج إلى أي دراسة قوية حتى يصل إلى كلية الحقوق.
الكلية تدخل إليها من المسار الأدبي في الثانوية العامة وبنتيجة نهائية بسيطة جدًا، فهي ليست من كليات القمة كما يطلق على بعض الكليات الأخرى مثل الطب والهندسة.
إذا تحقق هذا السيناريو ستحدث المعاناة خلال فترة الكلية نفسها، لأن أبنك سيتفاجئ وقتها أن الدخول إلى كلية حقوق أمر سهل ولكن الخروج منها هو الصعب، لأنها تمتلك منهج علمي موزون وثقيل وبالطبع أبنك من بداية تاريخه التعليمي لم يكن مهتمًا.
هنا نكتشف أن الاهتمام بالعلم غير مربوط بالمسار المهني الذي تحدده لطفلك، أي كانت الكلية أو الوظيفة التي يريدها أبنك يحب عليك كوالد تقديم التعليم المناسب والاهتمام بقدرة أبنك على التحصيل
لذلك فإن المسار العلمي لأبنك لا يجب أن يتأثر برغبته في خوض تجربة الرياضات الإلكترونية، وفي الحقيقة نفس الأمر يجب أن يحدث مع المسارات الرياضية الأخرى، فنحن نرى الكثير من الآباء يركزون على لعب كرة القدم، سعيًا منهم أن يصبح طفلهم نجم كرة قدم كبير، وفي هذه الرحلة يسقط التعليم عن الأذهان.
وفي النهاية تكون النتيجة أبن يمتلك بعض مهارات كرة القدم، ولكن بدون أي عقلية متفتحة قادرة على وزن الأمور وتحليل المواقف، مما يؤدي إلى انهيار الحلم في النهاية، لأن المهارة ليست وحدها كافية بل يجب تسليحها بالعلم والمعرفة.
لماذا تستمر الرياضات الإلكترونية؟
لكي نجيب عن هذا السؤال يجب أولًا التعرف على أسباب اختفاء الوظائف الشهيرة الأخرى.
السبب يكمن في تطور الذكاء الاصطناعي والتقنية عمومًا، الأمر الذي يتسبب بتلاشي الكثير من الوظائف مع مرور الوقت، مثل القطاع المصرفي الذي بدأ في التحول إلى قطاع إلكتروني بالكامل.
يمكنك الآن القيام بكل معاملاتك البنكية عبر التطبيق الخاص بك، حتى عمليات السحب والإيداع يمكنك القيام بها عبر الماكينات المنتشرة في كل الأماكن وبسهولة تامة، مما يقلص أهمية العديد من الوظائف التي اعتدنا على النظر إليها كوظائف مضمونة ومهمة.
الأمر مختلف كثيرًا فيما يتعلق بصناعة المحتوى أو حقل الرياضات الإلكترونية، لأن الجمهور لا يتعلق بالمحتوى فقط بل يتعلق بالشخصية نفسها وطريقة تقديمها هذا المحتوى.
الذكاء الاصطناعي موجود بالفعل في هذا المجال فنحن نلعب الكثير من الألعاب ضد الذكاء الاصطناعي الخاص باللعبة، ولكننا لا نريد أن نرى مباراة بين برمجيات دقيقة.
نريد أن نشاهد مباراة بين أشخاص حقيقيين نتفاعل مع تعبيراتهم، وتضيف أخطائهم متعة على المباراة، هذا هو الحماس الذي لا يمكن أن يقدمه سوى العنصر البشري مهما تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي على الأقل في الوقت الحالي.
هذه الأسباب تجعل مجال الرياضات الإلكترونية وصناعة المحتوى مجال واعد في ظل وقت تتلاشى فيه العديد من الوظائف التي نعدها وظائف هامة لا يمكن التخلي عنها.
هل الرياضات الإلكترونية مجال واعد حقًا؟
لنكن صرحاء مجال الرياضات الإلكترونية مثل أي مجال وظيفي، يكافئ المتميز ويعده بالحياة الناجحة.
لنأخذ المثال على مجال الهندسة في مصر بالتحديد، كلية الهندسة تعتبر من كليات القمة ولكن هل ينجح جميع المهندسين بعد التخرج؟
بالطبع الإجابة لا، البعض ينجح والبعض يفشل والكثير يظل في المنطقة الرمادية بين النجاح والفشل والسبب هو أن سوق العمل يعطي الفرصة للمتميز في أي مجال حتى وإن كان المجال لا ينتمي إلى كليات القمة، بل حتى وإن كان المجال لا ينتمي إلى أي كلية بالأساس.
نعود من جديد لمجال الرياضات الإلكترونية لنجد أنه مجال واعد هام جدًا في الزمن الحالي، إذا تميز فيه أي شخص يمكنه أن يحقق نجاحات كبيرة لا يمكن تصورها في المجالات الشهيرة التي نعرفها.
منطقتنا العربية بالتحديد أصبحت تشهد دعم كبير لهذا المجال، في مصر لدينا الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية وهو اتحاد تابع بشكل مباشر إلى وزارة الشباب والرياضة، أي أن الدعم أصبح حكومي.
الدول العربية عمومًا أصبحت تمتلك اتحادات دولية خاصة بالألعاب الإلكترونية، ولا ننسى الاتحاد السعودي الذي يعتبر من أكثر الاتحادات تنظيمًا حول العالم كله.
بماذا ننصح؟
بكل تأكيد لا ننصح بأن تقحم طفلك في المجال بدون سبب، يجب أن يمتلك الموهبة أو على الأقل الاهتمام والشغف حتى لا يكون الأمر بلا طائل.
اتفقنا أن هذا المجال مثله مثل أي مجال يعطي ثماره للمتميز الممتلك للموهبة، إذا كان طفلك لا يهوى كرة القدم فمهما تدرب لن يصل إلى مستوى متميز يؤمن له فرصة نجاح في المجال وبالمثل يتكرر الأمر في مجال الرياضات الإلكترونية
لكن ننصح بشدة دعم طفلك إذا رأيت أنه مهتم بمجال الألعاب عمومًا، وهنا يجب توجيهه إلى الألعاب التنافسية بدلًا من الألعاب القصصية الخطية، بمعنى أن تستفيد بالوقت الذي يقضيه طفلك أمام الحاسوب الخاص به، في ثقل موهبته في الألعاب التنافسية.
هذا الأمر يقتضي بالضرورة تغيير وجهة نظرك كأب تجاه الألعاب عمومًا، هذه الصناعة التي تنمو يومًا بعد يوم، والأهم أن هذا النمو على عكس كل الصناعات الترفيهية الأخرى انتقل إلى المتابعين.
إذا تحدثنا عن صناعة الأفلام السينمائية نجد أنها تعطي ثمارها لكل الحلقات الداخلة بها، ماعدا المتابعين فهم الحلقة التي تدفع المال مقابل الاستمتاع بالمحتوى.
أما صناعة الألعاب يمكنك الآن من خلالها جني المال حتى وإن كنت من حلقة المتلقين، الزمن تغير والآن كلاعب يمكنك الحصول على المال عبر هذه الألعاب حتى عن طريق بيع الحسابات ذات المستوى المرتفع التي تعمل عليها، أي تلعب أحد الألعاب التنافسية وتقوم بتجميع العتاد والشخصيات داخل اللعبة ثم تقوم ببيع هذا الحساب مقابل مال حقيقي، الأمر غير مقتصر على المشاركة في البطولات واللعب الاحترافي، صناعة الألعاب يمكنها أن تدر قدرًا كبيرًا من المال حقًا.
النصيحة الأخيرة التي نؤكد عليها، أنه يجب الاهتمام بالمسار التعليمي في نفس الوقت، لأن المال ليس كل شيء والعلم هو السلاح الأهم، وحتى بالحسبة الطبيعية نجد أن المسار التعليمي يعطي خيارات أفضل لطفلك، في حالة عدم النجاح في مسار الرياضات الإلكترونية حيث يجد البديل الذي يمكن اللجوء إليه في أي وقت، ولا ننسى أن فكرة تنويع مصادر الدخل هي أفضل ما يمكن أن يقوم به المرء في حياته العملية ولكي يحدث هذا يجب على المرء تنويع مهاراته ومعرفته.
?xml>