منذ عام 2000 والمعالج الرسومي GPU يشن حربا لا هوادة فيها علي المعالج المركزي CPU .. يغزو فيها اراضيه ويحتل منها كل يوما مساحة جديدة يؤسس فيها قواعده وينشر منها قواته الي اراض أخرى جديدة في نمو مستمر لا يتزحزح.لكن في 2021 اختلف الموقف كليا، وتطورت هجمات المعالج الرسومي تطورا نوعيا الي القصف بالمدفعية الثقيلة.

قبل ذلك الحين، نجح المعالج الرسومي GPU في إزاحة المعالج المركزي CPU عن جبهات حوسبة مهمة للغاية، لكن الجبهة الجديدة في 2021 هي الأشد والأسوأ من بين كل الجبهات .. انها جبهة تحميل الملفات وفك ضغطها!

ولكي نفهم ما يجري وما سوف يجري، نحتاج الي الرجوع الي الوراء قليلا، لدرس من دروس التاريخ السريعة.

في البداية وفي عالم الحواسيب الشخصية PC، لم يكن هناك معالجا رسوميا من الاساس، كان هناك المعالج المركزي CPU وفقط، وأطلق عليه CPU اختصارا لعبارة Central Processing Unit وكان المعالج الوحيد المتمركز في قلب أي حاسوب وتمر من خلاله كل بيانات الحاسب ليتحكم بها كما يشاء وكان مسئولا أيضا عن تشغيل الالعاب بالكامل من الصفر .. من تحميل اللعبة الي تشغيل منطق وقواعد اللعبة Game Logic الي تشغيل الذكاء الاصطناعي AI فيها ورسم عالمها ورسومها كاملة وتحريكه وعرض كل هذا علي الشاشات ذات دقات الوضوح Resolution المتزايدة.

لكن مع زيادة وضوح عرض الشاشات، أصبح عبأ عرض الرسوم عليها ثقيلا للغاية علي أي معالج مركزي CPU واقتطع منه جهدا كبيرا للغاية. لذا فقد كان الحل الوحيد هو فصل هذه المهمة ونقلها لمعالج اخر جديد يتولاها بكفاءة.

حينها نشأ الي الوجود المسرع الرسومي Video Accelerator .. معالج جديد صغير يتولي تلوين الرسوم التي يرسمها المعالج المركزي CPU ويتولي التعامل مع الشاشة وعرض الالوان عليها.

لكن مع مطلع عام 2000، ازدادت سرعة وقوة المسرعات الرسومية وفاقت قدرات المعالجات المركزية في الرسم .. وتحولت الي معالج رسومي كامل GPU .. استولي علي وظيفة الرسم كاملة ونقلها اليه. ولفظ GPU هنا هو اختصار لعبارة Graphics Processing Unit حيث ارتقي المسرع الرسومي بقدراته الي معالج رسومي كامل.

ولقد توقع الكثيرون ان يتوقف الامر عند هذا الحد، الا أن عام 2006 جاء حاملا بالمزيد من الصدمات.

استمر المعالج الرسومي GPU في التطور حتي اكتسب القدرة علي تلقين وبرمجة نفسه ليتمكن من أداء مناورات حسابية معقدة لم تكن متاحه له من قبل، أتاحت له التلاعب بالألوان وتحريكها .. فامتلك المعالج الرسومي GPU القدرة علي أداء عمليات مثل المحاكاة Simulation بشكل أسرع كثيرا من المعالج المركزي CPU .. فالآن يستطيع محاكاة حركة السوائل والغازات والشظايا والملابس والشعر وتسريعها بشكل يفوق قدرة أي معالج مركزي.

ولقد تجسد هذا لأول مرة في عالم الحاسب مع معالجات Geforce 8800GTX من NVIDIA، والتي احتوت علي خاصية تسريع محاكاة مؤثرات الطبيعة Hardware PhysX. وتلا ذلك انتقال هذه المحاكاة الي المعالج الرسومي الي الأبد .. فخرجت الألعاب بمحاكاة للمياه GPU Water وللأمواج GPU Waves والشظايا GPU Particles ..الخ.

ثم استمر المعالج الرسومي GPU في خطواته المتسارعة.

ففي عام 2010 توسع المعالج الرسومي GPU في قدرته علي أداء عمليات حسابية عميقة التعقيد مع قدرة علي التلاعب ب وتعديل البيانات العادية التي كانت من نصيب المعالج المركزي CPU فقط .. واستطاع اداء تلك الحسابات بسرعات هي أضعاف ما باستطاعة المعالج المركزي CPU، وقادت معالجات Geforce GTX 480 القطيع في هذا الشأن باستخدام مكتبة برمجة CUDA، واصبح استعمال المعالج الرسومي GPU في التصميمات الهندسية وفي المحاكاة العلمية للسوائل والجزيئات ودورات الطقس والمناخ واستكشاف الفضاء امرا عاديا، لدرجة استبدال المعالج المركزي CPU تماما من هذه العمليات.

واحتل المعالج الرسومي مكانا مميزا في قلب كل الحواسيب الخارقة والعملاقة Super Computers التي استخدمت لأداء هذه العمليات. وكذلك في مختبرات الابحاث والمراكز البحثية العلمية والجامعات.

وتوسع استخدام المعالج الرسومي في فك التشفير وتحرير ملفات الفيديو Video Editing وتسجيل مقاطع الفيديو وإخراجها Video Render وفي بث مشاهد اللعب عبر الانترنت Video Encoding.

وفي 2016 اخترق المعالج الرسومي GPU مجالا جديدا، وهو مجال الذكاء الاصطناعي AI واطاح بالمعالج المركزي CPU منه بمنتهي العنف بأداء فاقه عدة أضعاف. وقادت هذه الحملة بطاقات P100 و V100 و Titan V من NVIDIA أيضا.

ثم جاء عام 2018 بتسريع تقنية تتبع الأشعة Ray Tracing علي المعالج الرسومي GPU بدلا من اعتمادها علي المعالج المركزي CPU بشكل شبه كلي. وقادت هذه الحملة بطاقات Geforce Titan RTX من NVIDIA.

وبدلا من أن يستخدم المطورون وصانعو الرسوم عشرات الالاف من المعالجات المركزية CPUs لرسم مشاهد الرسوم المتحركة الخاصة بهم .. أصبح بإمكانهم آلان استبدال هذه الالاف من المعالجات المركزية CPUs بالمئات فقط من المعالجات الرسومية GPUs وأختصار وقت الرسم عدة أضعاف.

والأن وفي 2021 يستعد المعالج الرسومي GPU للإطاحة بالمعالج المركزي CPU من مجال اخر جديد. وهو مجال ضغط وفك ضغط ملفات الألعاب.

هل سبق لك ان جربت تشغيل لعبة قديمة علي جهاز حديث؟ هل لاحظت ان ازمان تحميل اللعبة Loading وسلوك تحميلها عموما لا يتحسن كثيرا رام فارق السرعة الرهيب في إمكانيات الحاسب؟

حسنا السبب في ذلك ان ملفات اللعبة تكون مضغوطة دائما لتوفر مساحة علي وحدة التخزين لديك .. وفي أثناء تحميل اللعبة يقوم المعالج بفك ضغط هذه الملفات وهي العملية التي تستغرق وقتا وتستغرق أيضا جهدا من المعالج المركزي CPU، خاصة اذا اضطر الي جلب بيانات جديدة أثناء اللعب، مثلما يحدث في العاب العالم المفتوح، التي تقوم بتحميل البيانات باستمرار أثناء تجول اللاعب في العالم المفتوح.

ومع مقدم أجهزة ألعاب الجيل الجديد PlayStation 5 و Xbox Series، جاءت هذه الأجهزة بوحدات سريعة مخصصة للضغط ولفك الضغط منفصلة عن المعالج المركزي CPU لتختصر من وقت تحميل الالعاب الي ازمان ضئيلة.

ولأن الحاسب الشخصي ببنيته الحالية يخلو تماما من هذه الوحدات المنفصلة، فإن الحل الممكن حاليا هو استخدام المعالج القوي الاخر المتاح في كل الاجهزة الشخصية، وهو المعالج الرسومي GPU.

سيقوم المعالج الرسومي GPU بأداء وظيفة فك ضغط ملفات الألعاب بدلا من المعالج المركزي، وسيقوم بفعل ذلك بسرعات تفوق المعالجات المركزية CPUs المزودة بعدد أنوية يتعدي ال 24! وحينها لن يحتاج المستخدم لتحديث المعالج المركزي CPU الخاص به كي يحصل علي أداء أعلي في تحميل وتشغيل الألعاب، بل سيكتفي باستغلال بطاقته الرسومية الموجودة لديه بالفعل.

سوف تبدأ هذه الثورة الحوسبية مع مكتبة DirectStorage التي ستصدر هذا العام لنظام تشغيل Windows 10، وستتوافق معها الالعاب الحديثة كي تتمكن من استخدام المعالج الرسومي في اختصار وقت تحميل الالعاب وفي تحميل ملفات اضخم واضخم مما سيمكن المطورين من تصميم عوالم لعب اكبر وأوسع واكثر ازدحاما بالتفاصيل والرسوم.

سوف تقود هذه الثورة معالجات RTX 2000 و RTX 3000 من NVIDIA أيضا من خلال تقنية RTX IO.

إن المعالج الرسومي GPU اليوم يسلب المعالج المركزي CPU من اغلب ما يخص عالم الالعاب، لم يترك له سوي تشغيل منطق اللعبة وذكاءها الاصطناعي وبعض اوجه المحاكاة فيها، وهي مجالات قد تسلب من المعالج المركزي CPU قريبا أيضا.

إن المعالجات الرسومية GPUs اليوم هي أقوي بمراحل مما لدينا من معالجات مركزية CPUs، الي درجة أن البطاقات الرسومية الفائقة تختنق تحت وطأة معالجات مركزية غير قادرة علي أن مواكبتها  في سرعتها وقدرتها.

وحتي خارج الألعاب يسرع المعالج الرسومي أعدادا متزايدة من التطبيقات، من انتاج الفيديو الي انتاج الرسوم المتحركة الي الذكاء الاصطناعي والمحاكاة العلمية والهندسية ..الخ.

وعلي هذا المنوال، فان مصير المعالج المركزي CPU قد يتحول فعليا الي مجرد متحكم متواضع Controller يتحكم فقط في سير البيانات ولا يتدخل في حساب قطاع كبير منها، وليس بعيدا عن الخيال ان يرث المعالج الرسومي نصف وظائف المعالج المركزي ليتقاسما معا مهام الحاسب الشخصي بالمناصفة.

إن ما يحدث لهو قصف مدفعي مستمر من قبل المعالج الرسومي GPU علي جبهات المعالج المركزي CPU، ولا يبدو ان هذا القصف سوف يتوقف قريبا، بل سيتواصل بلا هوادة.