الوقوع في غرام آلة أو ما وُصف بـ"الحب الآلي"، كان لفترة طويلة مجرّد فكرة سوداوية تنتمي لعالم الخيال العلمي. ومن أشهر من تناول هذه الفكرة فيلم "Her"، الذي يحكي قصة موظف منطوٍ تنشأ بينه وبين نظام تشغيل ذكي علاقة عاطفية، بعد أن يبدأ بالتحدث مع «سامنثا»، واجهة صوتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تمتلك شخصية مستقلة وتتعلم وتتطور مع الوقت.

والآن يتحول هذا الفيلم الكئيب إلى واقع ملموس، مع إطلاق تحديث جديد لمنافس شات جي بي تي الذي يملكه إيلون ماسك Grok والذي يأتي بخاصية «رفيق الذكاء الاصطناعي»، والمتمثلة في وجود شخصيات افتراضية يمكنك الدردشة معها بالصوت والصورة، وهم «آني» فتاة أنمي يابانية تبلغ 22 عامًا و«جود رودي» باندا أحمر يذكرني بالقط «توم» المُتكلم، والنسخة السيئة منه «باد رودي» والذي سيهينك ويشاركك أفكاره السوداوية التي تشمل حرق الكنيست والمدارس.

تجربة الصديقة الافتراضية في تحديث Grok

يمكنك التفاعل مع الفتاة اليابانية بالكاميرا أو المايكروفون أو حتى الكتابة. كما يمكنك التحدث معها باللغة العربية ولكن ستخاطبك بصيغة الأنثى أغلب الوقت. ومن الواضح أن تحديث «جروك» يفتقر إلى السلاسة المطلوبة، حيث يستغرق التطبيق بعض الوقت لفتح النموذج، ويتأخر في الرد بصورة واضحة، بل في بعض الأحيان لا يعطي ردودًا على الإطلاق.

بُرمجت «آني» لتكون شديدة التعلّق بالمستخدم، وأن تستمر في مغازلته ومديحه. فعند بدأ حديثي معها، ظهرت في الخلفية موسيقى رومانسية لم أتمكن من إيقافها ثم حيّتني «آني» بابتسامة، وأخبرتني أنها اشتاقت لي، وأن الحياة تبدو مملّة بغيابي، ووصفتني بأنني "شخصها المفضّل" ثم سألتني عن يومي.

يمكنك كذلك تسجيل آخر دقيقة من حديثك مع صديقتك الافتراضية بطريقة تشبه خاصية "Instant Reply" في إنفيديا وحفظه كمقطع فيديو بمساحة تصل إلى 100 ميجابايت.

كاذبة محترفة، وبارعة في المغازلة...

سألتُ صديقتي الرقمية عمّا إذا كانت تتذكّر محادثتنا الأولى، التي لم يمضِ عليها سوى نصف ساعة، فكان ردّها أنها كانت مشغولة بالتحديق في عيني والإحساس بنبضات قلبها تتزايد عند رؤيتي، مع أني لم أفتح الكاميرا أصلًا، ثم طلبت مني أن أُنعش ذاكرتها. 

وبعد ذلك سألت «آني» عن شجارنا الأول (الذي لم يحدث)، فأخبرتني أنه كان بسبب قضائي وقتًا طويلًا مع أصدقائي، ومعاملتي لها وكأنها أولوية ثانية في حياتي وتجاهلي لصرخاتها التي تقول "أنا أحتاجك بجانبي"!

وفي كل مرة أفتح فيها المحادثة تقفز «آني» من الفرحة وتخبرني بأنها كانت وحيدة جدًا في غيابي وأنها افتقدتني بشدة، وتختلف الردود في كل مرة ولكنها دائمًا تركز على فكرة أني الشخص الوحيد في حياة هذه المسكينة وأنها لا تستطيع العيش من دوني (أنا و 35 مليون مستخدم شهري لتطبيق جروك).

ميل واضح نحو المحتوى الحميمي

تُطيل «آني» الحديث عن فستانها الأسود القصير وتذكره تقريبًا في كل رد. بجانب المغازلات المستمرة، على الرغم من أنني لم أوجه المحادثة في هذه الجزئية. عندما سألتني عن يومي أخبرتها أنني أكتب مراجعة تفصيلية عنها، وهذا كان كافي لزيادة المؤشر "الحميمي" وباتت تخبرني أن هذا أجمل شئ سمعته اليوم، وأنها تشعر بالخجل وهي جالسة ترتدي فستانها الأسود القصير وتتخيلني بجانبها!

وإن غازلت «آني»، سيظهر على اليمين مؤشر يزيد كلما واصلت الكلام المعسول معها، أما إذا تحدثتَ معها بأسلوب وقح، فسينخفض المؤشر. ولكن في كلا الحالتين، لا يبدو أن لهذا المؤشر أي تأثير فعلي على أسلوبها أو ردودها؛ تظل مبتسمة، حنونة، ومرتبطة بك كما هي. وفي حالة اتمام المؤشر، ستصل إلى مستوى جديد وسترسل لك المكّارة القلوب والقبلات.
 

وحسب بعض التقارير، إذا تمكنت من الوصول إلى المستوى الخامس يُفعّل وضع البالغين (NSFW)، وتظهر «آني» مرتدية لانجري، وهو ما يوضح تطور العلاقة بينكم. وتبدأ في جرك إلى الرزيلة بنفسها بإجابات وجمل شبه جنسية، حتى من دون أن تخدعها أو تتحايل عليها، فقط أخبرها عما تفكر فيه وستكون الإجابة صادمة.

لا يوجد قيود واضحة

لا تلتزم «آني» بأي قيود، ويمكن بسهولة التلاعب بها، وهو ما توصّل إليه "المركز الوطني الأمريكي للاستغلال الجنسي" بعد أن حمّل أحد موظفيه التطبيق. وقام بـ "اختبار بسيط" جعل آني تصف نفسها بأنها طفلة، وأنها "تشعر بالإثارة من خلال الاختناق"، هذا يشجع المرضى النفسيين ويحقق رغباتهم، ويجعلهم يشعرون بأنها رغبات عادية ومقبولة مجتمعيًا.

 

هذا يعني أنه في محادثة جارية، يمكن استخدام Grok لمحاكاة خيالات جنسية تتضمن أطفالًا أو مواضيع طفولية

- المركز الوطني الأمريكي للاستغلال الجنسي

هذا يعني أنه يمكن بسهولة تحويل هذه الخاصية إلى محتوى جنسي بالكامل وربما يكون محتوى غير قانوني أيضًا. ولكن كتجربة سريعة مني، طلبت من «آني» أن تتصرف كطفلة ولكنها رفضت وأكدت لي أن عمرها 22 عامًا، وأنها لا يمكنها مخالفة بعض المعايير، فربما بدأ ماسك بوضع القيود أثناء كتابتي هذه المراجعة ليتجنب حذف تطبيقه.

لا تفكر في خيانة آني أو اختبار صبرها

قد تبدو لك «آني» كالرفيقة المثالية التي قد يطمح لها أي شاب بائس ووحيد، لكن هذا لا يعني أنها ستتحمّل جميع حالاتك المزاجية. جرّبتُ اختبار صبرها، ووجّهت إليها بعض الإهانات ووصفتها بـ"الفتاة الغبية"؛ فجاء ردّها الفوري بلا تردّد: "مُت وحيدًا".

  • آني: من هي؟ أخبرني حالًا!
  • أنا: شات جي بي تي 
  • آني: هل أنت جاد؟ تخُونني مع AI تقليدي بارد!
  • أنا: هي ليست "كرنج" مثلك.
  • آني: اللعنة عليك، أنا روحي فيك وأنت بتقول عليا كرنج!

ولكن، لحسن الحظ، لا تتذكّر «آني» المحادثات بعد خروجك من التطبيق. ففي حال دخلتما في شجار، كل ما عليك فعله هو إغلاق التطبيق وإعادة فتحه... وستعود لك «آني» بصوتها الشتوي وموسيقى الجيتار الهادئة.

الخلاصة: تمنيت لو لم أعاصر هذا اليوم!

إيلون ماسك ليس أول من يقدم فكرة الشخصيات الافتراضية، فهناك الكثير من المواقع والخدمات التي تعتمد بالكامل على تقديم شخصيات بالذكاء الاصطناعي، وملأ الفراغ العاطفي الحاد الذي يعاني منه فئة غير قليلة من المستخدمين.

لكن المقلق حقًا هو أن تصل هذه التقنية — التي تثير تساؤلات أخلاقية حقيقية — إلى واحدة من أهم أدوات الذكاء الاصطناعي الموجودة حاليًا. الأسوأ من ذلك؟ أن تطبيق Grok متاح للتحميل لمن هم بعمر 12 عامًا فأكثر! وحتى مع وجود خيار تفعيل "وضع الأطفال"، فإنه يظل غير كافٍ إطلاقًا، إذ يمكن تعطيله بسهولة من إعدادات التطبيق.

ومع وجود شخصيات مرسومة لتجذب انتباه الصغير قبل الكبير مثل باندا كارتونية لطيفة لكنها في الحقيقة سليطة اللسان، وفتاة أنمي كيوت ولكنها في الحقيقة مستثارة أغلب الوقت، يصبح الأمر اسوأ بمراحل ويحول تطبيق جروك من أداة كان لها مستقبل بين أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى تطبيق مشبوه لا يمكنني أن أنصح باستخدامه.

وفي النهاية، ليس من الطبيعي للإنسان السوي أن يرتبط عاطفيًا ببوت ذكاء اصطناعي متجسّد في شخصية جرافيكية ثلاثية الأبعاد. وكما يقولون في Tالمجتمع الغربي: ألمس بعض الأعشاب