لعدة أجيال تقهقهرت AMD عن المنافسة في البطاقات الرسومية العليا.

في 2015 كان أقوى ما لدي AMD هي بطاقة FuryX، بينما كان لدي NVIDIA بطاقة Titan X الأسرع والأفضل منها بـ30%.

في 2017 كان أقوي ما لدي AMD هي بطاقة Vega 64، بينما كان لدي NVIDIA بطاقة Titan Xp الأقوي بنسبة 40%.

في 2019 كان أقوي ما لدي AMD هي بطاقة VII و بطاقة 5700XT، بينما كان لدي NVIDIA بطاقة Titan RTX الأقوي بنسبة 50%.

لعدة أجيال تأخرت AMD كثيرا، وبدا أن الأمر مرشح للتكرار من جديد في 2021.

لكن لسبب ما لم يحدث هذا، فأقوي ما لدي AMD في 2021 هي بطاقة 6900XT، بينما أقوي ما لدي NVIDIA هي بطاقة 3090 الأقوي منها بنسبة ضئيلة، لقد عوضت AMD لسبب ما فارقا ضخما في مدة عامين، وجب أن نشدد هنا علي أن التعويض كان في الرسوم التقليدية Traditional Graphics، التي لا تعتمد علي المؤثرات العصرية لمحاكاة الضوء والانعكاسات، أو تتبع الأشعة Ray Tracing كما تسمي. حينها يتسع الفارق من جديد ليصير 50% لصالح NVIDIA RTX 3090.

كيف استطاعت AMD اللحاق بـ NVIDIA في الرسوم التقليدية في 2021؟

لكن حتي اللحاق بـ NVIDIA في الرسوم العادية لهو أمر لا يستهان به، فطالما بدا حلما بعيد المنال عن AMD، وفي هذا التقرير سنستعرض كيف حدث هذا بهذه السرعة.

إعتبارات سوقية:

والسر يكمن في جملة واحدة في الحقيقة: لقد استطاعت AMD أن تحوز علي تقنية تصنيع أعلي مما لدي NVIDIA.

في الوقت الحالي، ومنذ ثلاثة أعوام مضت، لم يعد في العالم كله سوي مصنع وحيد قادر علي تصنيع أحدث المعالجات .. وهو مصنع TSMC القادرعلي التصنيع بمقياس 7 نانومتر 7nm.

ولأنه مصنع وحيد، فإن الشركات تتكالب عليه من كل حدوب وصوب .. لدينا Apple التي تصنع كافة معالجاتها عنده، وتبيع منها ملايين النسخ، لدينا أيضا AMD و NVIDIA و Qualcomm و Mediatek و Broadcom  و .. لدينا حتي Intel، اضافة الي عدد من الشركات الأخري الصغيرة.

باختصار، هي كعكة صغيرة يتنافس عليها العشرات من الشركات الضخمة ذات المتطلبات السوقية العالية، فـ Apple تحتاج الي تصنيع ملايين المعالجات لتوفي اجتياجاتها من الهواتف الجوالة Mobile Phones ومن الحواسيب النقالة Laptops واللوحية Tablets، كذلك AMD التي تحتاج لتصنيع معالجات مركزية CPUs و رسومية GPUs و معالجات لأجهزة الألعاب المنزلية Home Consoles .. وكذلك NVIDIA التي تصنع معالجات رسومية تغطي أسواقا كثيرة، سوق الألعاب وسوق الذكاء الاصطناعي والحواسيب الخارقة ..الخ. شركات Qualcomm و Broadcom تصنع أعدادا مهولا من المعالجات المدمجة و معالجات الهواتف النقالة.

باختصار هو موقف يحدث لأول مرة منذ عقود طويلة في عالم التقنية، الجميع يعاني من أزمة شح تصنيعي لم يحدث لها مثيل.

ونتيجة لهذا الازدحام غير المسبوق، كلن من المحتم علي كل الشركات أن تجد حلولا لنفسها كي تتخطي هذا الموقف بأقل الخسائر وكي تحافظ علي صدارتها في الأسواق.

وكان أول هذه الشركات هو Apple التي اختارت ان تدفع الكثير من الأموال لتحتفظ لنفسها بحق الربع 25% من سعة التصنيع لدي TSMC .. إن Apple تدفع لـ TSMC بسخاء منقطع النظير كي لا ينافسها أحد في هذه النسبة مهما حدث.

ولقد فعلت AMD المثل أيضا، وإن كان ما تدفعه لـ TSMC لا يقارن بما تدفعه Apple، وعلي كل حال فإن AMD تحتاج الي TSMC بشدة كي تصنع لها معالجات Ryzen 5000 القوية التي تتفوق بها AMD علي كل ما لدي Intel، كما تحتاج لها كي تصنع شرائح الألعاب لأجهزة Xbox Series X و PlayStatition 5، وهي شرائح تلتزم AMD بتوفيرها لكل من Microsoft و Sony عبر عقود صارمة وملزمة. لهذا السبب تتحمل AMD تكلفة غير هينة كي تحظي بسعة تصنيع كبيرة لديها .. هي تحتاج لها بشدة حرفيا للبقاء والتقدم والانتشار ضد Intel.

ولقد استطاعت AMD من خلال التصنيع بمقياس 7 نانومتر 7nm زيادة قوة معالجاتها الرسومية الجديدة علي جبهتين: عدد الأنوية الذي زاد الي الضعف، فقفز من 2500 نواة الي 5000 نواة، وتردد التشغيل الذي قفز من 2000MHz الي 2500MHz، ومن خلال هذه الزيادات حققت AMD تقدما ملحوظا في قوة بطاقاتها الرسومية الجديدة مع الرسوم التقليدية. ولقد تجسد هذا التقدم في بطاقة RX 6900XT فخر إنتاج المعالجات الرسومية من AMD، وفي سلسلة RX 6000 بشكل عام.

كيف استطاعت AMD اللحاق بـ NVIDIA في الرسوم التقليدية في 2021؟

لكن المشكلة أن سعة التصنيع التي اتفقت عليها AMD غير كافية لتلبية كافة احتياجاتها السوقية، فعقود أجهزة الألعاب المنزلية Home Consoles تستهلك الكثير من تلك السعة، وكذلك فان معالجات Ryzen و Epyc لها الأولوية المطلقة في التصنيع كي تنتشر AMD في أسواق المحمول والخوادم والأجهزة المكتبية، وهي أسواق شديدة الأهمية لدي AMD، والتي طالما كانت شبه غير موجودة فيها، والأسوأ من كل ذلك أن AMD لا تزال تصنع بطاقات رسومية قديمة من فئة RX 5000 بمقياس 7 نانومتر أيضا، وهي بطاقات متوسطة تحتاج AMD الي تصنيعها كي لا تختفي من أسواق المستخدمين الراغبين في الحصول علي بطاقات منخفضة ومتوسطة.

لذا كانت المحصلة النهائية أن AMD تصنع المعالجات الرسومية القوية و الجديدة بقدرة قليلة للغاية، قدرة تكاد لا تكون محسوسة ولا تغطي احتياجات عشر المستخدمين في أي دولة بالعالم. وهو الأمر الذي ظهر في الاحصائيات السوقية التي خلت تماما من أي نسب مبيعات ذات أهمية لبطاقات AMD الجديدة.

أما NVIDIA فاختارت طريقة آخر، هي ستدفع بالفعل لـ TSMC لكن من أجل تصنيع معالجات رسومية لأسواق الذكاء الاصطناعي AI، والحواسيب الخارقة Super Computers ..وكلها معالجات غالية الثمن عالية الربح، تستطيع NVIDIA تحمل تكلفة تصنيعها لدي TSMC، وتحتاجها NVIDIA بقوة لاستمرار هيمنتها علي هذه الأسواق ضد Intel وباقي المنافسين الذين يحاولون بشراسة الاطاحة بـ NVIDIA و اللحاق بها. لذا فقد اختارت NVIDIA تصنيع معالج A100 (أقوي معالج رسومي/ذكاء اصطناعي في العالم) لدي TSMC وبمقياس 7 نانومتر7nm، وجاء المعالج بعدد مهول من الأنوية تجاوز الـ 8000 نواة، وبأداء تجاوز الضعفين الي ثلاثة أضعاف ما لدي الجيل السابق.

أي أن NVIDIA كررت ما أحرزته AMD من تقدم في الأداء لكن في بطاقات الذكاء الاصطناعي فقط.

أما معالجات الألعاب والبطاقات الرسومية الموجهة للاعبين والمستهلكين العاديين (بطاقات RTX 3000) فلقد اختارت NVIDIA تصنيعها لدي مصنع آخر، مصنع Samsung للتصنيع بمقياس 8 نانومتر 8nm، والسبب؟ عند Samsung سعة تصنيع كبيرة لا ينافس NVIDIA أحد فيها، فالشركات لا تتكالب علي مقياس 8 نانومتر من Samsung لكونه أقل أداء بوضوح من مقياس 7 نانومتر لدي TSMC، تكلفة التصنيع لدي Samsung أقل كثير من TSMC أيضا.

كيف استطاعت AMD اللحاق بـ NVIDIA في الرسوم التقليدية في 2021؟

إذن اختارت NVIDIA القدرة التصنيعية الواسعة وتكلفة التصنيع القليلة، فوق اي اعتبارات أخري، بمعني آخر: اختارت تحقيق انتشار سوقي فوق اي اعتبارات أخري.

ولقد دفعت NVIDIA ثمن هذا بوضوح، فلأن مقياس 8 نانومتر من Samsung أقل كفاءة من 7 نانومتر من TSMC، فإن NVIDIA لم تستطع سوي زيادة عدد الأنوية في بطاقاتها الرسومية بما يفوق الضعف: من 4500 الي 10000 .. لكنها لم تستطع زيادة تردد التشغيل علي الاطلاق، وظل هذا ثاتبا مثله مثل الجيل السابق (بطاقات RTX 2000) .. ولأجل هذا تآكلت قدرة NVIDIA علي تحقيق زيادة ضخمة في أداء الرسوم التقليدية، مقارنة بـ AMD التي استطاعت احراز هذه الزيادة عبر زيادة عدد الأنوية والتردد معا.

ولهذا السبب تحديدا لحقت AMD بـ NVIDIA في قفزة واحدة، هنا يكمن مربط الفرس.

لكن NVIDIA اختارت هذا المصير عن عمد: لقد كان لديها تفوق ضخم في الأجيال الماضية، واختارت التضحية به في هذا الجيل في سبيل تصنيع بطاقات رسومية بأعداد أكبر. وهو الأمر الذي حدث علي الأرض بالفعل، فمعالجات RTX 3000 من NVIDIA تصنع وتباع بأضعافا مضاعفة قدر ما تبيعه AMD من معالجات RX 6000.

والواقع أن هذا القرارهو استمرار لسياسة NVIDIA في جيل RTX 2000 أيضا، حيث اختارت تصنيع هذا الجيل بمقياس 12 نانومتر (رغم توفر مقياس 7 نانومتر)، واختارت زيادة عدد الأنوية من 3500 (في جيل GTX 1000) الي 4500 في (جيل RTX 2000) مع تثبيت التردد، الذي ظل في حدود 1900MHz لثلاثة أجيال كاملة: GTX 1000 و RTX 2000 و RTX 3000.

وفي الحقيقة فإن NVIDIA لا تزال تملك التفوق النوعي علي الأرض في  الأداء، فعلي الرغم من ثبات التردد الا أن معالجات NVIDIA تحوي الكثير من الأنوية والوحدات المتخصصة التي تزيد من أداء المؤثرات الرسومية بشكل منفصل عن التردد .. لذا فمعالجات NVIDIA هي الأسرع والأقوي بنسب ضخمة في المؤثرات الرسومية الحديثة (تتبع الأشعة Ray Tracing) والموجودة الآن في غالبية الألعاب الشهيرة، كما تسخر NVIDIA تفوقها في الذكاء الاصطناعي AI، في احراز تفوق ضخم في أداء الرسوم التقليدية من خلال تقنية بناء الرسوم بالذكاء الاصطناعي (تقنية DLSS).

إذن فقرار NVIDIA صب في مصلحتها في النهاية، فرغم اعتمادها علي تقنية تصنيع قديمة، الا أنها حافظت علي تفوقها النوعي والتقني في مواجهة خصوم يستخدمون أحدث وسائل التصنيع، وهو الأمر الذي تكرر في الجيل السابق أيضا. وهي قرارات تتخذها NVIDIA في أوقات استثنائية يعاني فيها عالم التقنية من شح قدرة التصنيع.

لا تنتوي NVIDIA تكرار هذا المصير مع معالجات الجيل القادم، فلقد قررت بالفعل تصنيعها بمقياس 5 نانومتر 5nm لدي TSMC، ولهذا فلنا أن نتوقع أن تزيد NVIDIA من تردد التشغيل ومن عدد الأنوية معا، لتحقق زيادة ضخمة للغاية في الأداء. وسنحتاج الي ان ننتظر لنري كيف ستواجه AMD هذا الأمر مع الجيل القادم من بطاقاتها الرسومية.

لحقت AMD بـ NVIDIA ولكن!

رغم تقنية التصنيع القديمة لدي NVIDIA، الا أن بطاقاتها الرسومية حافظت علي عصريتها في جانب محوري مهم، وهو جانب سعة الذاكرة الرسومية Memory Bandwidth.

فمع زيادة عدد الأنوية في المعالج الرسومي تحتاج الذاكرة الي زيادة قدرتها علي إخراج البيانات .. حتي تغذي كل هذه الأعداد بالبيانات. لكن المشكلة أن عالم التقنية في هذه الأوقات يعاني من نوع جديد من الشح: إن أقوي ذاكرة رسومية متاحة (وهي ذاكرة GDDR6) لا تكفي لهذه المهمة للأسف.

إن أقصي سعة لذاكرة GDDR6 هي 16 جيجابت في الثانية .. وهي سعة لا تكفي البتة للزيادة المهولة في Hعداد الانوية الرسومية .. سواء عند NVIDIA أو AMD.

ولأجل هذا اضطرت NVIDIA بنفسها الي تطوير ذاكرة GDDR6 الي ذاكرة أخري جديدة أطلقت عليها اسم GDDR6X ورفعت فيها سعة الذاكرة الي 19.5 جيجابت في الثانية، وهي زيادة معتبرة مكنت NVIDIA من مضاعفة عدد الانوية دون القلق من تعطشها للبيانات .. بمعني آخر، طورت الشركة ذاكرة GDDR6X خصيصا وحصريا من أجل بطاقات RTX 3000.

كيف استطاعت AMD اللحاق بـ NVIDIA في الرسوم التقليدية في 2021؟

لكن هذا الخيار لم يكن متاحا أمام AMD التي لم تطور هذه الذاكرة ولم يكن متاحا أمامها إلا ذواكر GDDR6 التقليدية التي لا تكفي حتما.

لكن AMD قامت بمناورة ذكية .. استعانت فيها بفريق المعالجات المركزية CPUs لديها، وهو الفريق القائم علي تطوير معالجات Ryzen .. وقامت باستغلاله لتطوير ذاكرة مساعدةCache  Memory بحجم 128MB لتساعد ذواكر GDDR6 في تغذية أنوية بطاقاتها الرسومية. وهو الأمر الذي حققته بالفعل عن جدارة وبكفاءة منقطعة النظير .. لتتمكن من اللحاق بمستوي NVIDIA في الرسوم التقليدية.

لكن علي الرغم من ذكاء الطريقة الا أنها تعاني من عدد من العيوب: أولها ان حجم الذاكرة المساعدة كبير للغاية ويحتل مساحة تكاد تصل للنصف من المعالج الرسومي .. مما يعني ان AMD لن تتمكن من مضاعفة عدد الانوية بسهولة في المرات القادمة .. ستحتاج حتما للتخلي عن فكرة الذاكرة المساعدة من الاساس.

كيف استطاعت AMD اللحاق بـ NVIDIA في الرسوم التقليدية في 2021؟

ثاني العيوب هو اعتماد هذه الذاكرة علي متحكمات القيادة Drivers والتعريفات، الامر الذي يعني ان سرعتها محكومة بكفاءة هذه التعريفات ثم والأهم من ذلك استمراريتها في تغذية الذاكرة بالبيانات. وهو وضع ليس مثاليا بالمرة. ثالث العيوب، هو عدم ملاءمة هذه الذاكرة للمؤثرات الرسومية المعقدة مثل تتبع الاشعة Ray Tracing حيث تتطلب هذه المؤثرات سعة ضخمة لتبادل البيانات، مما يعني أن بطاقات AMD لا تقدم اداءا معتمدا في تطبيقات الاشعة طالما استمرت في استخدام هذه الذاكرة.

بل إن البيانات الرسومية الكثيفة لا تناسب عمل هذه الذاكرة .. دقة عرض 4K لا تناسبها بالمرة .. لذا ينخفض أداء بطاقات RX 6000 كثيرا عند هذه الدقة. وهو الامر الذي يجعل بطاقات RX 6000 خيارا غير مضمون العواقب مستقبلا، حيث تتعقد البيانات الرسومية دائما وتزداد حجما وكثافة مع مرور الوقت.

وكل هذه العيوب لا تعاني منها الذواكر المؤقتة التقليدية مثل GDDR6X .. لذا فتوقعنا الشخصي ان تتوقف AMD عن استخدام هذه الذاكرة المساعدة  في الأجيال القادمة اذا ما أرادت ان تحافظ علي مستوي تقني منافس.

الخلاصة!

وبشكل عام، فان المنافسة في 2020 لم تعد مجرد منافسة تقنية عادية، تفوز فيها المعماريات والتصميمات الاقوي .. بل تحولت لمنافسة تخطيطية، تضع في اعتبارها ظروف وباء الكورونا وظروف السوق وتكلفة التصنيع والانتشار، وهو الأمر الذي أجبر عليه الجميع، شاء من شاء وأبى من أبى، والفائز هو من يضع في حسبانه تلك العوامل كافة، ويتخذ قراره بناء علي ما يريد وما يرغب في تحقيقه.

أرادت AMD اللحاق بمستوي NVIDIA في الرسوم التقليدية، لكنها ضحت بقدرتها علي الانتشار وبيع كميات مناسبة، كما ضحت بقدرتها علي اللحاق بها في الرسوم الجديدة، بينما أرادت NVIDIA تحقيق انتشار واسع، مع المحافظة علي تفوقها النوعي، لكنها ضحت بقدرتها علي تحقيق مستويات أعلي من الأداء.

وفي النهاية كان لكل ما أراد.