قد يكون من الصعب تخيل فكرة أن صناعة الألعاب والمحتوى الترفيهي بشكل عام أصبح يتم توجيهه لأمور كانت بعيدة كل البعد عن الغرض الأساسي الذي نشأت من أجله تلك الصناعات الترفيهية في المقام الأول، لقد كان الغرض بالأساس من صناعة الألعاب هو الترفيه على اللاعب وملئ وقت فراغه بتجارب وأوقات ممتعة، في الوقت الراهن يبدو أن صانعي الألعاب أو المحتوى الترفيهي بشكل عام سواء الأفلام أو المسلسلات يتجهون أكثر نحو وعظ الجمهور بأفكارهم بدلاً من الترفيه عنهم.

تلك الأفكار المتطرفة التي شاهدنها في ألعاب مثل The Last Of Us 2 و ستة أيام في الفلوجة كانت من أسباب تعكير صفو تلك الصناعة البريئة وأخذها نحو منحني لم يكن مُقدراً أن تصل له من الأساس، لحسن الحظ مازال هنالك جانباً مُشرقاً ...

"It Takes Two" إنها واحدة من تلك النقاط المضيئة في صناعة الألعاب وهي آخر إبداعات المخرج الرائع "جوزيف فارس" والذي قام بتقديم لعبة A Way Out في عام 2018، وبالرغم من الترويج القليل للعبة إلا أنها أخذت كامل وقتي في الآونة الأخيرة منذ إن صدرت وحتي قمت بإنهاءها بشكل كامل أنا وصديقي، إنها ملحمة تعاونية مُذهلة أبرزت كل ما هو جميل في صناعة الألعاب، وهذا ما يجب أن تكون عليه الصناعة إن صح القول.

"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب!

لعبة It Takes Two هي التجربة الثالثة ليوسف فارس، بعد Brothers: A Tale of Two Sons و A Way Out ، حيث تأخذ أحدث لعبة من المطور Hazelight مسارًا مشابهًا لـ A Way Out، على وجه الخصوص، إنها لعبة تعاونية حصرية لا يمكنك تجربتها على الإطلاق إلا إذا كنت على استعداد للعب مع صديق أو شريك إما بجوارك على الأريكة أو عبر الإنترنت.

ووفقًا لفارس لم يفكر الاستوديو أبدًا في إضافة أي نوع من رفيق الذكاء الاصطناعي، حيث يعتمد هذا النوع من الألعاب بشكل خاص على المشاركة والتعاون مع رفيق حقيقي، أيضاً يجب أن يكون هناك تواصلاً صوتياً ولهذا لا يمكن ان تقوم بالبحث عن شخص عشوائي يشاركك اللعبة من داخلها فاللعبة لا تسمح بذلك، عوضاً عن ذلك يُمكن لنسخة واحدة أن تمنح شخصين إمكانية اللعب، وبالتالي هي فكرة مُذهلة حيث لا يتعين عليك شراء اللعبة أنت وصديقك، بل واحد فقط يمكنه شراؤها والآخر يستمتع بالتجربة كاملة وهي فكرة اتبعها المطور ويوسف مع A Way Out واستمرت هنا وهو أمر من الرائع مشاهدته.

يجب أن نبرز أيضاً دور شركة النشر Electronic Arts وهي الناشر لهذه اللعبة، والتي أكد السيد يوسف فارس في لقاءات صحفية سابقة أنها تُساعده في دعم تلك الفترة من خلال تقديم لعبة تعاونية يُمكن لشخصيهم أن يلعبوها في حين أن لم تكمل سعر لعبة واحدة ، فهي تتوفر بسعر 39.99 دولار وهو سعر أقل 20 دولار من ألعاب الطرف الأول ويُمكن لشخصين أن يلعبوها في نفس الوقت، على كلاً دعونا نعود لصُلب الموضوع.

"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب .. لا تقلق عزيزي القارئ انا لن أحرق عليه شيء ..

" كودي" و "ماي" زوجان لديهم طفلة صغيرة، لكن المشاكل بينهم جعلتهم يتخذون قرار "الطلاق"، وبينما هم على وشك الطلاق يتم تحويلهما بطريقة سحرية إلى زوج من الدمى ويتم إجبارهما بواسطة كتاب ناطق سحري يسمى "دكتور حكيم" أو Book Of Love على حل خلافاتهما، لأن هذا السبيل الوحيد لعودتهم إلى أجسامهم الحقيقة.

بالرغم من بساطة فكرة اللعبة وحتي القصة بشكل عام ولكي أكون صادقاً فكرة الطلاق بين زوجين قد لا تكون الشيء الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للاعبين، فإن أسلوب اللعب يبدو أكثر تعقيداً مما يبدو عليه، فكرة التعاون بين شخصين لإتمام المهام بالشكل الذي تم تقديمه في It Takes Two هو أمر مُذهل بحق ويُعزز من تجربة الألعاب التعاونية بشكل عام.

ولكن الشيء الأكثر إثارة للإعجاب إن عالم "كودي" و "ماي" الخيالي مُرتبط بشكل وثيق بعالمهم الحقيقي، لا يمكن لدمي "كودي" و"ماي" أن يكونوا مرئيين بشكل أساسي لطفلتهم ولكن يُمكن أن يؤثروا في البيئة حولها لجعلها تأخذ الاهتمام وهو الأمر الذي تقوم عليه قصة اللعبة بالأساس، وفي الواقع لقد تم تنفيذ ذلك بشكل مُتقن للغاية.

[quote " إن ربط عالم كودي وماي الصغير بالعالم الحقيقي بهذا الشكل الذي تم تقديمه في It Takes Two هو الشيء الذي يجب أن تكون عليه صناعة الألعاب ، أنها ملحمة تعاونية مُُذهلة تبرز كل ما هو جميل في صناعة الألعاب وليس السعي وراء الاجندات والأمور الجنسية الرخيصة "]

تصميم المراحل كان الشيء الأكثر إبداعاً في اللعبة، لقد بذل فريق المصممين مجهوداً جباراً، حيث تدور معظم مراحل اللعبة في منزل ومحيط المنزل الخاص بهم، وبالتالي "كودي" و "ماي" لديهم فكرة عن ما هم فيه بالفعل ولكن بحجمهم الصغير هذا، على سبيل المثال يجد كودي وماي نفسهم في القلعة التي صممها "كودي" لطفلتهم في المنزل، والتي تكون ملكتها "الفيل" أحد اعز أصدقاء طفلتهم، وفي الواقع يضطر الزوجين لمحاربة ذلك الفيل من أجل يجذبوا اهتمام طفلتهم لسبب ما في القصة أنا لا أريد حرقه عليكم.

"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب!"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب!"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب!

أو يجدون نفسهم في "حديقة كودي" ويتذكر كودي ذلك الزوج الظريف خفيف الظل كيف كان يتعامل مع النباتات في العالم الحقيقي لكي يساعده ذلك في التقدم مع ماي عندما يكونوا في حجم الدمى بذلك العالم الخيالي، اضف إلى ذلك الجانب الفكاهي التي تقدمه اللعبة، مستحيل أن يمر بعض الوقت وان لا تضحك بسبب كتابة السيناريو المضحك الغير مبتذل، يمكن القول إن الجانب الساخر في اللعبة رائعاً وليس ركيكاً كألعاب حاولت تقديم هذا النوع وهو أمر ليس مُستغرب على مخرج خفيف الظل مثل يوسف فارس.

التنوع الرهيب في بيئات اللعبة هو أمر مُذهل ويضاف لقائمة طويلة من المميزات الموجودة باللعبة ، بجانب أن اللعبة مريحة للعين، نعم قد لا تكون الأفضل من ناحية الرسوميات ولكنها في النهاية لعبة Platform زاهية بالألوان والمؤثرات المُذهلة التي ستجعلك ربما تعيد المراحل فقط من أجل الاستمتاع بتلك المشاهد المختلفة والمتنوعة في كل مرحلة من مراحل اللعبة.

بالعودة للحديث عن أسلوب اللعب، لا يوجد شيء في It Takes Two غير محسوب حيث أن أدوات "كودي" التي يستخدمها في كل مرحلة تختلف عن أدوات "ماي" وهما يكملون بعضهم البعض بطريقة ما لحل كل المخاطر التي تواجههم.

حتي توزيع تلك الأدوات في كل تلك المهام لم يكن بشكل عشوائي، فمثلاً ستجد ماي تحمل "المطرقة" في أحد المهام وكودي يحمل "المسامير" وتسأل نفسك لماذا لم يحدث العكس؟ أو لماذا لم تترك اللعبة الاختيار بين الأثنين لتوزيع تلك الأدوات حسب رأيهم الشخصي، الإجابة بكل بساطة لأن تلك المطرقة موجودة في العالم الحقيقي داخل صندوق أدوات ماي، والمخرج حاول ربط القدرات بالشخصية، إنه صندوق أدواتها، لذا فهي تمتلك المطرقة، وتلك المسامير تؤول لكودي في الحقيقة، لذا فهو من يستخدمها.

بعد الانتهاء من أي مرحلة، يتم ربط العالمين مجدداً من خلال مقطع سينمائي يظهر تأثير ما أحدثته تلك الدمي أو والديها الصغيرين على البيئة حولها ، من أين لك كل هذا الإبداع يا "يوسف فارس"؟

"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب!"It Takes Two" ملحمة تعاونية مُذهلة، هكذا يجب أن تكون صناعة الألعاب!

يتخلل القصة وتصميم المهام، الكثير من الألعاب الجانبية المُصغرة Mini-Games والمتنوعة بشكل لا يُمكن تصديق أنه موجود في هذه اللعبة مقارنة بألعاب كبرى حاولت تقديم ذلك ولكنها لم تقدم تلك الكمية ولا بتلك الجودة، سوف تأخذ تلك الألعاب الجانبية الكثير من وقتك أثناء التقدم في سير القصة والأجمل أنها تفتح المجال لاستكشاف العالم بالرغم من كون اللعبة خطية ولكن هناك بعض المسارات التي يُمكن أن تسلكها وتجد فيها مثل هذه النشاطات الجانبية المُذهلة التي تُعزز من تجربة اللعبة بشكل عام.

إن توقيت هذه الكوميديا ​​الرومانسية المرحة كان في محله، في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها الصناعة التي اخذتها إلى أماكن بعيده عن موطنها الأساسي وكذلك فقر الإصدارات في هذا العام، يظل هناك جانباً مُشرقاً دائماً .. على كل حال بالرغم من وصولنا لشهر إبريل، فأنا أعتبر هذا العام هو الأكثر فقراً في صناعة الألعاب منذ سنوات، فلا يوجد إصدارات كبرى حتي الآن والتأجيلات هي السمة الواضحة ويبدو أن الأمور لن تتعدل أيضاً في الشهور المقبلة ..

لحسن الحظ جاءت الصغيرة It Takes Two لتكون بدون مبالغة التجربة الأفضل والأخف هذا العام، وهو شكل ونوع من أنواع الألعاب يجب أن ينتشر ولا يكون مقتصرا فقط على "يوسف فارس " والمطور الطموح Hazelight.