"هاتف المسيح".. لماذا يحب الناس علامة أبل التجارية؟
الصفوف البشرية المصطفة دائريًا لتحاصرأحد متاجر آبل من كل الجهات، لم تكن وحدها أغرب تصرفات محبي العلامة التجارية، ففي عام 2007 عندما تم الإعلان عن أول هاتف آيفون، هل تعرف ما هو المانشيت الرئيسي لكل الصحف الأمريكية وقتذاك؟
"هاتف المسيح - Jesus Phone".. بادر بشراء هاتف المسيح، وسرد مفصل عن المكان والزمان، وعن السعر المتوقع للهاتف، وأساطير عن مميزات الهاتف الإلهي!
قد تبدو حيلة بدائية، لكنها لا تفشل أبدًا، أصبغ من روح الإله على أي جماد كان أو إنسان، وراقب رد فعل الجمهور تجاه ما تحاول الترويج له، قد يرى البعض فيك المخلص المنتظر، وقد يرى البعض الأخر فيما تروج له على أنه خطة الإله، على كل حال لم تعتمد آبل على هذا التكنيك كثيرًا ولكنه ساعدها في حشد قبول 19 مليون مستخدم أمريكي في انتظار أول هاتف لها!
واليوم من لا يكون في الصفوف الأمامية لأحد متاجر آبل، فإنه يبحث على الإنترنت عن مقالات تؤكد إيمانه بمنتجات الشركة ليحارب في الصفوف الأمامية معلقًا على أحد المنشورات التي تناقش سعر أو شكل أو أي شيء يخص آبل، ليفحمهم بالدليل وينتصر عليهم!
لماذا يحب الناس علامة تجارية؟
للأسف يشار إلى هذه الفئة من الجمهور باسم مهين وهو "iSheep" لمتابعتهم كل شيء يخص الشركة، بل وتبرريهم لكل خطأ أو أي شيء تقوم به، في دراسة لمجموعة عشوائية من محبي آبل وجد أن 78٪ من مستخدمي iPhone لم يتخيلوا مجرد التخيل امتلاك نوع مختلف من الهواتف.
الجدير بالذكر أن سامسونج استغلت هذا الاسم في أحد الإعلانات بشكل مبتكر وفكاهي، بدأت حملتها بإعلان فيديو عام 2012، وبغض النظر عن حقيقة الإعلان من عدمه، ما الذي يجعل شخصًا ما يتعاطف مع علامة تجارية بقوة وإظهار هذا النوع من السلوك؟
للإجابة على هذا السؤال نحتاج التعمق في ثلاثة مداخل.
الهوية الذاتية
الدافع الأول وراء شراء منتج معين هو الهوية الذاتية، نشتري منتجات ذات جاذبية جمالية على سبيل المثال، لأنها تساعد في بناء إحساسنا بأنفسنا، وهو ما قامت به شركة آبل، من بناء صورة ذهنية عن علامتها التجارية ومالكي منتجاتها، الذكاء والتفرد وبالتأكيد الثراء المادي، وذلك لأن شراء جهاز آيفون يعادل شراء جهاز كمبيوتر كامل.
العلامة التجارية
الدافع الثاني وراء علاقتنا بالمنتج يتعلق بالمنتج الفعلي والشركة نفسها، يتأثر هذا بعوامل مثل القيمة المتصورة للمنتج، ومستوى الخدمة الذي يأتي مع الشراء وبعده، والمستوى العام للثقة الموضوعة في كل من المنتج وفي الشركة.
هوية اجتماعية
كل إنسان منا يحتاج إلى الانتماء إلى كيان كبير، بداية من عائلته وفريقه المفضل، حتى نصل إلى أدق مقتنياته، كل ذلك يعزز من هويتنا الاجتماعية الذي تساعدنا على تعريف أنفسنا من خلال المجموعات التي ننتمي إليها، الأمر الذي يجعلنا نتجاهل إخفاقات المجموعة، ونرى الهجمات عليها بمثابة هجوم على الذات، وذلك لأن الهجمات تضر بتقديرنا لذاتنا، لهذا فإن الجدالات بين مستخدمي Apple و Android يمكن أن تصبح شخصية للغاية، لأنها في الواقع كذلك.
كونك جزءًا من مجموعات هو جانب مهم من جوانب كوننا بشرًا وجزءًا مما يضمن بقائنا كنوع، ليس من المستغرب إذن أن تلعب دورًا مهمًا في كل ما نقوم به، لذا قبل اتهام شخص ما بكونه خروفًا أو تابعًا، تذكر أن السبب الذي يجعلك تقول ذلك هو أنك خروفًا في مجموعة أخرى.
منذ أن أعلن ستيف جوبز عن أول هاتف آيفون في حدث MacWorld عام 2007، أصدرت آبل أكثر من 20 طرازًا للآيفون، على الرغم من أن هناك أكثر من 80٪ الهواتف ذكية في يناير 2019 وفي العام نفسه كان هناك 900 مليون جهاز iPhone نشط في العالم، وفقًا لما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة Tim Cook، ومع ذلك عندما أعلنت شركة آبل عن iPhone 12 في 13 أكتوبر، قام ما يقدر بنحو 2 مليون شخص بالطلب المسبق للجهاز في أول 24 ساعة فقط.
السؤال هنا لماذا يرغب جمهور آبل في التجديد وترقية هواتفهم، حتى لو لم يكن هناك ترقية ملموسة وواضحة؟ لماذا يسعى الجميع في صراع محموم للحصول على هاتف جديد في الساعات الأولى من اتاحته للبيع؟
اقرأ أيضًا: "نادي القتال" ضد آبل.. لماذا تكره الشركة الأكثر إثارة للجدل؟
ما بين الـ Fomo والتطلع إلى القادم!
يحتوي كل تكرار جديد لجهاز iPhone على ميزات جديدة: على سبيل المثال جلب iPhone 4 في عام 2011 أول كاميرا أمامية، بينما قدم iPhone 5S في عام 2013 بتقديم مسح بصمات الأصابع Touch ID، وتميز iPhone 12 بشاشة أكبر واتصال أسرع بشبكة 5G وكاميرات أكثر تقدمًا.
ولكن حتى لو كان جهاز iPhone الحالي يعمل بشكل جيد بدون كل الأجراس والصفارات الجديدة، ينجذب الناس إلى تلك التحسينات في الجودة والقدرة، وفقًا لما تقوله كيلي جولدسميث، أستاذة التسويق المشاركة في جامعة فاندربيلت في كلية أوين للدراسات العليا للإدارة: "كل هاتف جديد، وكذلك Apple كعلامة تجارية، يمثل الابتكار و الغد، الذي يميل المستهلكون إلى اعتباره ذا قيمة عالية".
و كما تقول مستشارة التسويق كاتي مارتيل: "نحن نعيش في عالم الأولوية تذهب إلى ما هو جديد وماهو قادم، بغض النظر عن قيمته".
وأضاف جولدسميث إن امتلاك أحدث وأكبر هاتف هو يعتبر دلالة عليك، فهو شيء تحمله معك طوال الوقت، لذا فهو ينقل معلومات عنك إلى أشخاص آخرين، حيث يعد هاتفك آلية لما يسمى"الإشارة الذاتية"، وهو مفهوم في الاقتصاد السلوكي يتعلق بكيفية تأثير أفعالك على معتقداتك عن نفسك، في هذه الحالة يمكن أن يؤدي امتلاك أحدث جهاز iPhone إلى تعزيزاحترامك لذاتك وتذكيرك بأنك تواكب الزمن والتطور.
يقول مارتيل إن شركة آبل على وجه الخصوص تميل إلى تمكين المستهلكين حول ما يمكنهم فعله مع iPhone الجديد الخاص بهم، على سبيل المثال، تشجع Apple الأشخاص على مشاركة صورهم الملتقطة على iPhone باستخدام علامة التصنيف "ShotoniPhone"، ليتم تضمينها في اللوحات الإعلانية والحملات الإعلانية من آبل، الأمر الذي يعطي للمستهلكين انطباعًا بأن مفاتيح الشهرة والقوة بين يديهم.
يريد عشاق آبل أن يكونوا أول من يمتلك جهازًا ويستخدمه، فيكونوا أول الحاضرين أمام متاجر آبل لكن السؤال هنا لماذا لا يتوفر الجهاز بشكل كافي لتغطية طلبات المستخدمين له؟، واحترام ولائهم الذي تجلى العام الماضي وسط الوباء والحجر الصحي العالمي، انتظر الناس iPhone 12 خارج متاجر Apple حول العالم.
بالنسبة للمستهلكين يشير الخط الموجود خارج واجهة المتجر إلى أن كل ما بداخله له قيمة، يوجد مفهومان للاقتصاد السلوكي يلعبان هنا: الدليل الاجتماعي: وهو إقناع الناس بأن الآخرين يريدون المنتج، والندرة: وهي الخوف من أنه قد لا يكون هناك ما يكفي.
حيث أظهرت الأبحاث أنه عندما تعتقد أن عنصرًا ما نادرًا، فإنه يزيد من الإثارة لديك ويجعلك تشعر بالذعر مما يدفعك لاتخاذ قرار سريع باقتنائه، أما عنصر الندرة يجعل استيعابك لما تريده وتحتاجه غير واضح، فتتخذ قرار بشراء النادر لقلته دون تفكير بشكل واقعي في احتياجك كمستخدم، فأصبحت حياة المستخدم تدور حول انتظار iPhone، وتوقع iPhone، ومناقشة iPhone، فأنت في منافسة طوال الوقت مع الأخرين.
تلعب دائمًا آبل هذه اللعبة حيث تخلق إثارة ما قبل الإطلاق لمنتجاتها من خلال الإعلانات، ومن ثم تعرض المنتج على المعجبين المتشددين قبل أشهر من إطلاقه، لتنهال التسريبات والتكهنات، دون الكشف عن تفاصيل المنتج، وبهذا تحفز Apple توقعات معجبيها، أحيانًا بطرق إبداعية ذكية، على سبيل المثال سرقة النموذج الأولي لـ iPhone 4 والذي رفعت الشركة دعوى قضائية لإعادته.
وحتى العرض النهائي للمنتج تلعب آبل وكأنها ساحر محترف على مسرح، يقوم بسحب أشرطته الملونة بخفة جهة اليمين واليسار، ثم في لحظة حاسمة يخرج طائر من بين يديه، الإبهار والإضاءة والتصوير السينمائي، المواقف السينمائية التي تجعل فيها المستخدم هو بطل الفيلم، في النهاية خفة اليد مهارة، قد تدل على قيمة فعلية للحدث، وقد تكون مجرد خفة يد ليس إلا!
?xml>