أتت فقاعة التعدين Mining وذهبت وخلفت وراءها فوضي عارمة في سوق البطاقات الرسومية، فوضي لا زلنا نعاني منها حتي الآن! حتي بعد انتهاء الفقاعة منذ شهور طويلة.

وبداية الفوضي كانت الارتفاع الجنوني في أسعار البطاقات الرسومية، أغلب البطاقات تضاعف سعرها ثلاثة مرات، بعض البطاقات قفزت من 200 دولار الي 600 دولار وأكثر، بعض البطاقات وصل سعرها الي 1500 و 2000 دولار! والسبب في ذلك كان الطلب المحموم علي البطاقات من قبل المعدنين، وهو الأمر الذي أدي الي شح البطاقات كذلك في السوق، ومن ثم ارتفاع أسعارها.

وشح البطاقات الرسومية كان مشكلة جسيمة أخري، أغلب اللاعبين لم يستطع حتي شراء بطاقته الرسومية بأي سعر! فالمعدنين يشترون البطاقات بالعشرات وبالمئات دفعة واحدة، بل وصل بهم الأمر الي شحن ألوف البطاقات من المصانع مباشرة بالطائرات أو السفن! والبائعون بدورهم كانوا يعطون الأولوية لهم عن اللاعبين. باختصار كانت مذبحة بشعة راح ضحيتها سوق اللاعبين علي الحاسب الشخصي PC لشهور طويلة.

Mining Craze

ولم تتوقف آثار التعدين عند هذا الحد، بل امتدت الي تأجيل وتعطيل اطلاق الأجيال الجديدة من البطاقات الرسومية، لقد سمعنا عن الاطلاق الوشيك لبطاقات Turing منذ شهر يناير الماضي، ثم سمعنا أن الاطلاق تأجل الي مارس، ثم يونيو، ثم انتهي به الأمر الي إكتوبر!

لقد اضطرت NVIDIA لتأجيل جيل Turing مرات عديدة بسبب الاقبال غير المسبوق علي جيل Pascal، لقد خشيت الشركة أن يؤثر اطلاق Turing علي مبيعات Pascal بالسلب، او ان يتسبب في انقسام في السوق لديها، فجيل Turing هو جيل موجه للاعبين بأكثر من اي وقت مضي، فجزء كبير من المعمارية مخصص لتسريع تتبع الاشعة Ray Tracing والذكاء الاصطناعي AI في الالعاب والشركة ترغب في نشر هذه التقنيات بين اللاعبين كي يتحمس المطورون لدعمها ونشرها في العاب اكثر، لهذا فان NVIDIA لم تكن لتسمح بوقوع Turing في ايدي المعدنين بدلا من اللاعبين، فهذا سيضر بانتشار RTX وتقنياتها. لهذا وقعت الشركة في معضلة حقيقية، هل تنتج Pascal و Turing معا، الاول للتعدين والاخير للاعبين؟ ام تنتظر هبوط الطلب علي Pascal قبل انتاج Turing؟

واختارت الشركة الانتظار، وهذا بسبب ان نزول Turing و Pascal معا فيه شئ كبير من الارتباك، الارتباك الذي سيجعل المعدنين قد يرغبون في Turing ويحرمون منه اللاعبين، كما كان سيؤثر علي مبيعات Pascal بالسلب والذي توجد منه كميات كبيرة في السوق بالفعل. خافت NVIDIA من أن تؤثر مبيعات Turing علي مبيعات Pascal الخارقة لذا فاختارت الانتظار وضخ المزيد من امداد Pascal في السوق. وخاصة بعدما وجدت ان AMD منافستها اللدود تضخ كميات كبيرة أيضا.

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

لقد انتجت كلا من NVIDIA و AMD كميات مهولة من البطاقات الرسومية بعدما وجدا ان الطلب من المعدنين قد بلغ مستويات غير مسبوقة. وشحنوها شحنا بالاكوام الي السوق. ولقد تبارت AMD في هذا الامر بالذات، فتحولت لشركة تعدين في يوم وليلة، وصارت تصنع دعاية علنية لبطاقاتها للمعدنين، واصدرت لهم تعريفات قيادة Drivers مخصصة، وأصدرت تصريحات مخصصة لهم بأنها تطور المزيد من التحسينات من أجلهم، كما كرست انتاج بطاقاتها كله لهم، واهملت اللاعبين تماما! فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

بل انها سخرت بطاقاتها الرسومية المخصصة للمحترفين مطية للمعدنين، مثل بطاقات Vega FE، وغيرها، وفوق كل ذلك فانها لم تبذل مجهودا يذكر لتوفير اي كم من البطاقات للاعببن، لا من ناحية التسعير ولا من ناحية فصل بطاقات المعدنين عن غيرهم. باختصار تحولت AMD لشركة تعدين تخدم المعدنين وفقط. واستتبع هذا ان تنتج الشركة الكثير من البطاقات الرسومية لهم.

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

ولقد انعكس هذا علي وضع AMD السوقي، فبعدما كنت تعاني من انخفاض المبيعات، لضعف منتجاتها ..  تحسنت مبيعاتها جدا وزادت حصتها السوقية من البطاقات المباعة بمعدل 50%، لتستطيع الشركة بيع نصف عدد البطاقات التي تبيعها NVIDIA، بعدما كانت تبيع الثلث فقط بصعوبة.

ولقد ادي هذا الي ان تضخ NVIDIA كثيرا من البطاقات الرسومية بعدما رات أن AMD ضخت كثير جدا، تقول NVIDIA أن بطاقة 1060 الخاصة بها هي البطاقة رقم واحد في العالم، أما بطاقة RX 580 فهي البطاقة رقم 26، ففي المعتاد تكون نسبة البيع في هذه الشريحة السوقية 90% لـ NVIDIA و 10%لـ AMD. وهو ما يعكس أن NVIDIA تبيع عدة أضعاف AMD، فتحتاج الي ضخ عددا أكبر من AMD، كي توفي مطالب السوق، لكن NVIDIA فوجئت بـ AMD وهي تغرق السوق بما يقارب 50% من الكميات المعروضة في تلك الشريحة السوقية، مما استلزم ان تزيد NVIDIA من الكميات المعروضة كي تبيع اكثر من AMD، الامر الذي ادي الي دخول الشركتين في سباق محموم كي يشحن كل منهما اكبر عدد ممكن من البطاقات.

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

وفي هذا الموقف ظهرت بعض الفوارق بين AMD و NVIDIA، فبينما تحولت AMD الي شركة ضخ بطاقات تعدين، حاولت NVIDIA الفصل بين التعدين واللعب، فخصصت بطاقات بأسماء معينة ومواصفات معينة للمعدنين، لتحفيزهم لشراءها بدلا من بطاقات اللاعبين، وخصصت علي موقعها صفحة لبيع البطاقات بالسعر الأصلي للاعبين، كما لم تهتم باصدار تعريفات قيادة Driver للمعدنين، ولم تهتم بالدعاية للتعدين من الأصل، بل قيدت عدد البطاقات التي يمكن تركيبها علي جهاز واحد من تعريف القيادة، كما أصدرت تصريحات صحفية في صالح اللاعبين وضد المعدنين، كما منعت شركائها من الطرف الثالث من بيع البطاقات بكميات ضخمة للمعدنين، وشجعت شركاءها و البائعين علي تخفيض سعر البطاقات للاعبين، كل هذا و NVIDIA تضخ كميات كبيرة في السوق أيضا لتلبية طلبات اللاعبين والمعدنين، باختصار كان هناك فرق الليل والنهار بين ممارسات NVIDIA و AMD تجاه فقاعة التعدين.

بعض المراقبين اتهم AMD بالمساعدة في زيادة حجم الفقاعة بسبب ممارساتها التشجيعية للمعدنين، وهو أمر ربما قد يكون صحيحا، لكن من الصعب معرفة مقدار تأثير ممارسات AMD في خضم بحر التعدين المتلاطم والذي يتأثر بعوامل أخري كثيرة.

وفي وسط كل هذا، لم تتوقع أي من الشركتين اي من هذا الانخفاض المفاجئ في الطلب علي التعدين .. فالطلب حتي الربع الثاني من 2018 كان عاليا جدا .. و كانت توقعات الشركتين ان التعدين سيستمر للأبد فحملت أغلب تصريحاتهم هذا المعني، فمن تصريح لـNVIDIA أن التعدين هنا ليبقي، الي تصريحات AMD أن التعدين مستمر في نمو متواصل. لكن الرياح أتت عكس توقعات AMD و NVIDIA، فالهوجة لم تستمر، ولم يتواصل نموها، بل تبخرت فجاة وانقشعت غيمتها بدون انذار تاركة NVIDIA و AMD فيما يشبه الصدمة!

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

الان لدي AMD و NVIDIA كميات مهولة من البطاقات الرسومية غير المباعة ، كميات شحنوها الي الأسواق متوقعين ان تختفي بسرعة، لكن بانتهاء فقاعة التعدين، انتهي الطلب المرتفع علي هذه البطاقات، وظلت علي الأرفف في الاسواق تلم كل أشكال وأنواع الأتربة، وهي كميات كبيرة للغاية تحتاج الي شهور لتصريفها!

و اضطر هذا الشركتين الي ايجاد حلول مبتكرة لمحاولة الخلاص من بعضها، مثلا حاولت NVIDIA استغلال كميات ذواكر GDDR5X الكبيرة لديها في بطاقات معدلة! وبعد أن كانت من GDDR5X تباع حصريا فقط مع بطاقات الفئة العليا: 1080 و 1080Ti. أصدرت NVIDIA بطاقات من الفئة الوسطي 1070 و 1060 بهذه الذواكر أيضا!

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

وعلي جهة أخري، لم يكن أمام NVIDIA من حل سوي إصدار Turing في النهاية، فلا يمكن تأخيره أكثر من ذلك، لان التاخير في هذه المرحلة معناه التداخل مع جيل 7nm القادم في وقت ما في 2019 أو 2020، الأن وقعت NVIDIA رغما عن أنفها في ما حاولت أن تتفاداه منذ البداية، جيل Turing و Pascal معا في الأسواق في وقت واحد!

اضطرت NVIDIA الي تسعير جيل Turing بحيث لا يتداخل مع الكميات الكبيرة غير المباعة من بطاقات Pascal في السوق، و بحيث لا يؤثر علي مبيعاتها .. سعرت NVIDIA بطاقات Turing بسعر عال لهذا السبب، وأصبحنا في وضع غريب حيث تشجع الشركة المستخدمين علي شراء الجيلين معا! أجلت أيضا الشركة اصدار الفئات المتوسطة من Turing مثل RTX 2060 الي حين تصريف ما تبقي من الفئات الوسطي من Pascal.

وبانحسار الهوجة، عاد سوق البطاقات الرسومية الي سابق عهده، وارتفعت حصة NVIDIA الي ما قبل الهوجة. فبالنظر الي ما شحنته NVIDIA في الربع الثالث من 2018 فلقد وصل الي ثلاثة اضعاف ما شحنته AMD. أما AMD فهي لا تملك بطاقات جاذبة للمستهلك حاليا، فجيل Vega أقل تقنيا من Pascal، كما انها لا تملك جيلا جديدا مثل Turing، لذا فان بطاقاتها عادت الي الركود في المبيعات مجددا، وسيستغرق تصريفها وقتا طويلا، وقد تضطر الي ارتجاع تلك البطاقات وابتلاع خسائرها كما حدث معها من قبل في جيل Hawaii.

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

والملاحظ ان اي من الشركتين لم يتعظا مما حدث مع AMD في ذلك الجيل المشئوم Hawaii (بطاقات R9 200)، فلقد شحنت AMD كميات كبيرة من البطاقات حينها، لتلبي مطالب فقاعة التعدين الأولي التي ازدهرت مع عملة BitCoin .. لكن بانحسار الهوجة، اضطرت الي ابتلاعها بعد انتهاء فقاعة التعدين. وتحملت كامل الخسارة فيها. وها هو الأمر ذاته يتكرر من جديد، لتقع AMD فيه مرة أخري، وتسحب معها NVIDIA الي نفس الفخ!

فقاعة التعدين تحطم دعائم سوق البطاقات الرسومية

لقد سببت فقاعة التعدين Mining لـ AMD و NVIDIA ضررا بالغا، وتركتهم في مأزق عصيب، وسببت لنا نحن اللاعبين والمستخدمين ضررا شديدا، بعدما  حطمت حرفيا دعائم سوق البطاقات الرسومية، السعر، والتوفر، والأجيال الجديدة، لم يمرعلينا التعدين مرور الكرام، ولكن مر مرور الخبثاء اللئام.

لقد كانت فقاعة التعدين الثانية مثل بركان يغلي ويفور تحت الماء، ثم حان وقته ثورته العارمة، فانفجر بمنتهي العنف مرسلا كرة غاز نارية وحمم هائلة تحت سطح الماء، أخدت تتمدد وتتمدد حتي تبددت بغتة تاركة وراءها فراغا ضخما، تكونت فيه دوامة عميقة تبتلع كل ما حولها.

والسؤال الآن هو؟ هل تتعظ كلا من AMD و NVIDIA من كل ماحدث، أم تقعا فريسة فخ فقاعة تعدين أخري قادمة لا محالة؟