ضرائب عالمية جديدة.. هل تتأثر شركات التقنية الكبرى؟
بعد أزمة كورونا، وبحث الجميع عن مصادر للدخل، في ظل حجم الإنفاق الهائل وانكماش حركة الأسواق نتيجة تداعيات الجائحة مقابل تعملق وازدهار نتائج أعمال شركات التقنية الكبرى التي جنت مليارات الدولارات نتيجة تنامي الإقبال على خدماتها ومنتجاتها خلال الأزمة، وتمكنت كعادتها من الهروب من دفع ضرائب تلائم القيمة الحقيقية لأرباحها.
لذا قررت مجموعة دول السبع الكبرى الموافقة على فرض ضريبة عالمية على الشركات متعددة الجنسيات مثل أمازون وفيسبوك وجوجل، الأمر الذي أثار حالة من الجدل والترقب لما يمكن أن يحدثه مثل هذا القرار من آثار على صناعة التكنولوجيا في العالم التي طالما كانت شركاتها أكثر حرية في التحرك من دولة لأخرى بحثًا عن الضرائب المنخفضة أو ما يسمى بـ "الملاذ الضريبي" عن طريق وضع مقر الشركة الرئيسي في دولة ذات معدل ضرائب أقل، الأمر الذي يجعلها أكثر تحقيقيًا للإيرادات والأرباح.
في عام 2018 مثلًا دفعت شركة فيسبوك، التي يقع مقرها الرئيسي الدولي في دبلن بأيرلندا، 28.5 مليون جنيه استرليني كضريبة للمملكة المتحدة، على الرغم من أن عائداتها بلغت 1.65 مليار جنيه إسترليني! وقدرت ورقة بحثية صادرة عن صندوق النقد الدولي أن 12 تريليون دولار من استثمارات الشركات العالمية ومنها حصة كبيرة من شركات التكنولوجيا كانت مجرد “استثمار وهمي” لتجنب الضرائب.
وهي الممارسات التي دعت الدول الكبرى من خلال فرض ضريبة شركات بحد أدنى 15٪ على الشركات متعددة الجنسيات، وتقاسم الأرباح الزائدة لأكبر 100 شركة مع الدول التي تعمل فيها، لمنع الشركات العملاقة وعلى رأسها شركات التقنية من تحويل أرباحها إلى ملاذات ضريبية منخفضة، ومنع أكبر الشركات في العالم من تجنب الضرائب عن طريق نقل عملياتها بين البلدان.
كيف ستعمل صفقة الضرائب الجديدة؟
هناك جزئين رئيسيين من الصفقة، التي ستوقعها دول مجموعة السبع، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث سيتعين على شركات التقنية متعددة الجنسيات التي تعمل في العديد من الدول دفع المزيد من الضرائب في الأماكن التي تبيع بها منتجاتها أو خدماتها، ومع ذلك بموجب صفقة مجموعة السبع، يمكن فرض ضرائب على الشركات في أي بلد تحقق أرباحًا تزيد عن 10٪ من المبيعات، وفق هذه النقطة يتعين على الشركة دفع ضريبة بنسبة 20٪.
فدولة كأيرلندا طبقت سياسة لجذب شركات التكنولوجيا الأمريكية لإقامة مقراتها هناك خلال السنوات الماضية، وذلك بشكل أساسي من خلال عرض معدل ضرائب منخفض على الشركات بنسبة 12.5٪ مقابل دولة كالمملكة المتحدة التي تفرض ضريبة 19٪ ومن المقرر أن ترتفع إلى 25٪ بحلول عام 2023، فإلى جانب فيسبوك، يوجد مقر جوجل الرئيسي الدولي في “سيليكون دوكس” في أيرلندا. وإذا تم تنفيذ صفقة مجموعة السبع، فإن المزايا الضريبية التي اجتذبت هذه الشركات ستنتهي.
لماذا هذه الضريبة مطلوبة؟
دفع الصعود السريع لنتائج شركات التقنية بمشكلة حول كيفية فرض ضرائب على أكبر الشركات في العالم، فعلى عكس صناعة الصلب والسيارات وغيرها، فإن معظم شركات التقنية متنقلة ويمكنها التحرك بمقراتها بسهولة بين الدول وحتى القارات.
ففي الوقت الحالي وقبل الاتجاه نحو هذه الضريبة، من الصعب على أي دولة أن تتصرف بمفردها اتجاه رفع الضريبة على شركات التقنية، وإذا حاولت يمكن للشركات أن تتحرك وتنتقل لدولة أخرى، وهذا قانوني تمامًا، لكن العديد من الحكومات تعتقد أن الأعمال التجارية عليها واجب أخلاقي لدفع المزيد من الضرائب، خاصة بعد أزمة دولية مثل وباء كورونا وهذا لايجوز وسط حالة التهافت على تحقيق المكاسب.
كيف سيتم ضبط منظومة الضرائب الجديدة؟
يعتقد المتفائلون من خبراء الأسواق العالمية أن عصر “الملاذات الضريبية” على وشك الانتهاء، لكن يعتقد كثير من المتشائمين أن العوائق التي تعترض فرض أو حتى تحديد حد أدنى للضريبة هائلة، حين تظهر تساؤلات يتم رصدها الآن وهي كيف سيتم معاقبة أي دولة بالضبط لعدم المشاركة في حال فرض الضريبة العالمية؟ ومن الذي سيفرض مثل هذه العقوبات، وما هي الآليات تحديدًا، وكيف سيتم تقاسم العقوبات بين الدول الأخرى؟
أشار محللون إلى أن الشركات متعددة الجنسيات كشركات التقنية ومحاميهم سيخلقون ثغرات غالبًا بتواطؤ من بعض الحكومات، لافتين إلى أن بريطانيا منذ فترة طويلة برعت في إنشاء ملاذات ضريبية منخفضة في الأراضي البريطانية مثل برمودا وجزر فيرجن البريطانية وجزر كايمان.
ويقدر بعض المحللين أن الولايات المتحدة هي أكبر مركز لغسيل الأموال في العالم حيث يقول جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية السابق إن اللوائح الخفيفة في الولايات الأمريكية مثل ولاية ديلاوير يمكن مقارنتها بما تفعله الملاذات الضريبية في منطقة البحر الكاريبي، وأصبحت سويسرا ثرية من خلال جذب الأموال السوداء العالمية، التي تحميها السرية المصرفية الصارمة، بينما جذبت دول أخرى مثل سنغافورة وأيرلندا وموريشيوس وهولندا استثمارات ضخمة على الرغم من الضرائب المنخفضة.
ولفت المحللون إلى أن هناك حادثة شهيرة من شركة أمازون حيث تواطأت مع حكومة لوكسمبورج لوضع قواعد مالية تسمح بصفر ضرائب.
وأشاروا إلى أن الغضب العام من هذه الممارسات فرض ضغوطًا إضافية من أجل الإصلاحات، لكن الضغوط المضادة الهائلة ستأتي من الشركات متعددة الجنسيات والبلدان الأم، بما في ذلك أعضاء مجموعة السبع، للتواطؤ في خلق ثغرات ومناطق رمادية، وقد ينتهي الأمر بالإصلاحات المفترضة بالفائدة بشكل أساسي على المحامين الذين يحاربون القضايا المعقدة إلى الأبد.
وبإصرار معظم الدول على استمرار الإعفاءات والاستثناءات الضريبية، قد يجعل هذا من الحد الأدنى المفترض لضريبة الشركات 15٪ مهزلة في الممارسة العملية، سيخلق المحامون آلاف الكيانات والمخططات البارعة لإساءة استخدام حتى أنبل الإعفاءات.
وأوضحوا أنه لا يزال يتعين العمل على الكثير من التفاصيل، بما في ذلك الشركات التي سيتم تغطيتها والتغييرات الضريبية التي ستشهدها البلدان، مشيرين إلي أن شركة كأمازون قد لا تتأثر لأنه على الرغم من أن الشركة تحقق أرباحًا ضخمة في بعض المناطق، إلا أنها تحقق حاليًا أقل من 10٪ ربحًا مطلوبًا لتضمينه في القواعد الضريبية الجديدة. ومع ذلك، قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إن أمازون وفيسبوك سيتأهلان بأي تعريف تقريبًا للضريبة الجديدة.
تأييد من أمازون وفيسبوك وجوجل
وبحسب تصريحات مسؤولي شركات التقنية الكبرى يبدو أن هناك تأييد للضريبة الجديدة، فنيك كليج نائب رئيس فيسبوك للشؤون العالمية قال في بيان إن الشركة دعت منذ فترة طويلة إلى إصلاح القواعد الضريبية العالمية ونرحب بالتقدم المهم الذي تم إحرازه في مجموعة السبع، وعلى الجانب الأخر قال خوسيه كاستانيدا المتحدث بإسم شركة جوجل، إن الشركة تدعم بقوة العمل المنجز لتحديث القواعد الضريبية الدولية، وتأمل في أن "تواصل البلدان العمل معًا لضمان وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق متوازن ودائم قريبًا".
من جانبه قال متحدث باسم أمازون: "نعتقد أن العملية التي تقودها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي تخلق حلاً متعدد الأطراف ستساعد في تحقيق الاستقرار في نظام الضرائب الدولي، ويمثل اتفاق مجموعة السبع خطوة مرحب بها إلى الأمام في الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، ونأمل أن نرى استمرار المناقشات مع مجموعة العشرين وتحالف الإطار الشامل ".
?xml>