
إيران وإسرائيل على خط النار… لمن اليد العليا في التقنيات العسكرية؟
عندما اشتعلت سماء لبنان عام 2006، وواجه حزب الله آلة الحرب الإسرائيلية بكل ما فيها من تفوق جوي وتقني، كانت تلك اللحظة علامة فارقة في الوعي العربي والإقليمي. لم تكن مجرد معركة حدودية، بل كانت اختبارًا لقوة المقاومة أمام جيش يُصنَّف من الأقوى في المنطقة.
واليوم، يعود المشهد ولكن بحجم أكبر وسقف أعلى، مع دخول الاحتلال في مواجهة مباشرة مع إيران، في حرب ليست وليدة لحظة، بل تراكم غضب طويل بلغ ذروته بعد أكثر من عشرين شهرًا من المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة.
لم يمر الدمار الشامل في القطاع، والمجازر المتواصلة بحق المدنيين مرور الكرام، بل أجج مشاعر الغضب في الشارع العربي، ودفع محور المقاومة إلى كسر قواعد الاشتباك. وهنا، يبرز سؤالًا ملحًا: من يملك التفوق الآن؟ هل ما زال الكيان المحتل يحتفظ بيده العليا تقنيًا؟ أم أن إيران، بترسانتها المتطورة ومسيراتها الذكية، باتت قوة يُحسب لها ألف حساب؟ في هذا المقال، نغوص في تفاصيل هذا الصراع المحتدم، ونرصد موازين القوى بين الطرفين.
التفوق التقني الإسرائيلي: القبة الحديدية في المقدمة

يعتمد جيش الاحتلال على منظومة دفاع جوي شديدة التطور والتعقيد، تُدار وفق مفهوم "الطبقات الدفاعية المتكاملة"، بحيث تُخصص كل طبقة لمواجهة تهديدات مختلفة من حيث المدى والسرعة والارتفاع، مع تكامل تام بين الرادارات وأنظمة التحكم والتوجيه.
القبة الحديدية (Iron Dome)

صممت لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى (4–70 كم) وقذائف الهاون والطائرات المسيّرة. تستخدم صواريخ Tamir المزوّدة بنظام توجيه ثنائي (راداري وتمييزي كهربائي بصري)، وتعمل عبر رادار EL/M-2084 القادر على تتبع عدة أهداف في وقت واحد. لا تُطلق القبة الصواريخ إلا عند التأكد أن المقذوف سيصيب منطقة مأهولة، ما يوفّر الذخيرة ويخفض التكلفة. يبلغ مدى صواريخ Tamir نحو 17 كم، وتقدَّر نسبة نجاحها الفعلي بأكثر من 90%.
مقلاع داوود (David’s Sling)

تعالج التهديدات متوسطة المدى (70–300 كم)، كالصواريخ الباليستية قصيرة المدى وصواريخ كروز. تستخدم صواريخ Stunner التي تُطلق بسرعات فوق صوتية (تُقدّر بـ 7 ماخ)، وتعتمد على نظام توجيه كهربائي بصري وراداري مزدوج عالي الدقة، مع رأس حربي غير متفجر يعتمد على "الاصطدام المباشر" (Hit-to-Kill) لتدمير الهدف. منظومة الرادار المستخدمة أيضًا هي EL/M-2084 بتحديثات خاصة.
أنظمة Arrow-2 وArrow-3

مُصممة للتعامل مع الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى، وهي من إنتاج مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة:
- Arrow-2: مخصص لاعتراض الصواريخ داخل الغلاف الجوي، بسرعة تصل إلى Mach 9 تقريبًا، ويستخدم توجيهًا راداريًا متقدمًا ورأسًا حربيًا تقليديًا.
- Arrow-3: يُطلق لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي (Exo-atmospheric interception) بسرعة تصل إلى Mach 9–10، ويستخدم نظام توجيه فضائي بالقصور الذاتي مدعومًا بتصحيح مستمر عبر بيانات الرادار Green Pine المتطور. يستخدم أيضًا مبدأ Hit-to-Kill دون رأس متفجر.
THAAD (Terminal High Altitude Area Defense)

تم تفعيل بعض بطارياته في الكيان المحتل بدعم أمريكي، وهو نظام يُستخدم لاعتراض الصواريخ في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، بسرعة تفوق Mach 8، ويعتمد على تتبع حراري متقدم (Infrared homing) ومنظومة توجيه غاية في الدقة.
Iron Beam – الشعاع الحديدي

تُعد أحدث أنظمة الاحتلال المستقبلية، وتعتمد على الليزر عالي الطاقة (100 كيلوواط تقريبًا)، مصمم لاعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ الصغيرة وقذائف الهاون بتكلفة تشغيل شبه معدومة. يجري حاليًا اختباره ميدانيًا، ويُتوقع دخوله الخدمة الواسعة خلال عامين.
أنظمة الرادار والتنسيق
تشكل أنظمة Green Pine وEL/M‑2084 العمود الفقري للرصد والتعقب، وتعمل مع نظام قيادة وتحكم مركزي يسمى "Golden Almond"، يربط جميع الطبقات الدفاعية ويضمن إدارة المعركة اللحظية، وتوزيع المهام بشكل ذكي حسب نوع التهديد وموقعه.
وعلى مستوى الاستخبارات والحرب السيبرانية، توظف إسرائيل أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة مثل "فاير ويفر" و"جوسبيل" و"لافندر". وهي أنظمة تعتمد على بنى تحتية سحابية مقدمة من Microsoft Azure، Google Cloud، وAmazon Web Services عبر برامج مثل "مشروع Nimbus"، لتخزين وتحليل كميات ضخمة من البيانات. كما تُنسق الضربات الموجهة وتعتمد على نظام مراقبة يسمى "Shomo Shamayim" قادر على التنبؤ بالهجمات الجوية عبر خوارزميات ذكية.
نظام "Scorpius" الإلكتروني

يُعد نظام Scorpius الإسرائيلي واحدًا من أكثر أنظمة الحرب الإلكترونية تقدمًا في العالم، طورته شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) عبر فرعها ELTA Systems. يتميز هذا النظام بقدرته على التعامل مع عدة تهديدات في وقت واحد، بفضل استخدامه لتقنية الرادار النشط AESA المعززة بتضخيم GaN عالي الطاقة، مما يمنحه قدرة استثنائية على رصد التهديدات وبث إشارات تشويش موجهة بدقة نحو أهداف متعددة، دون التأثير على المنظومات الصديقة.
يتوفر Scorpius في نسخ متعددة تشمل Scorpius‑G الأرضي لحماية القوات البرية، وScorpius‑N البحري للدفاع عن السفن من الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، بالإضافة إلى النسخ الجوية Scorpius‑SP وSJ التي تُركّب على الطائرات لتوفير حماية إلكترونية تكتيكية، إلى جانب نسخة تدريبية متقدمة تُعرف بـScorpius‑T.
يتمتع النظام بميزة استراتيجية كونه سلاحًا ناعمًا (Soft-Kill)، لا يستخدم الذخيرة، بل يعتمد على التشويش الكهرومغناطيسي، ما يمنحه سرعة في الرد، ومرونة في الانتشار، وقدرة على الاندماج في شبكات الدفاع والاستخبارات، مما يجعله أداة مركزية في حماية الاحتلال من هجمات الدرونز والصواريخ الموجهة.
يجعل كل ذلك من البنية التكنولوجية للجيش الإسرائيلي حصنًا إلكترونيًا متكاملًا، يدمج بين الردع الصاروخي، والسيطرة السيبرانية، والتفوق في الذكاء الاصطناعي، مما يشكّل عاملًا حاسمًا في ميزان القوة.
وبالرغم من الغموض الرسمي حول حجم الإنتاج العسكري الإسرائيلي، إلا أن التقديرات تشير إلى أن تل أبيب تنتج ما بين 100 إلى 200 طائرة مسيّرة شهريًا، معظمها لأغراض الاستطلاع والهجوم، ضمن برامج تطوير مستمرة.
أما في ما يخص الصواريخ، فلا توجد أرقام معلنة بدقة، لكن المؤشرات تفيد بأن إسرائيل تعتمد بشكل أكبر على مخزون ضخم من المنظومات الدفاعية المتطورة، إلى جانب تحديثات دورية وتعاون وثيق مع الولايات المتحدة، أكثر من اعتمادها على تصنيع شهري ضخم كما تفعل إيران.
إيران: صناعة محلية متفجرة ووفرة تهدد التوازن
رغم الحصار والعقوبات، استطاعت إيران بناء منظومة مسيّرات متطورة تعتمد بشكل كبير على التصنيع المحلي، حيث طورت مجموعة واسعة من الطائرات بدون طيار تخدم أهدافًا هجومية واستخباراتية وتكتيكية، أبرزها الآتي:
المسيّرات الانتحارية: شاهد 136 و131

من بين أكثر الطائرات شهرة، تبرز مسيّرة شاهد-136 التي تُستخدم كطائرة انتحارية بعيدة المدى. تتميز هذه الطائرة بتصميم جناح دلتا وبوزن يقارب 200 كغ، وتصل سرعتها إلى نحو 185 كيلومترًا في الساعة، بينما يتجاوز مداها 2,500 كيلومتر، مع تقارير عن نسخ معدّلة قد تصل إلى 4,000 كيلومتر. تحمل رأسًا حربيًا يزن ما بين 30 إلى 40 كغ، وتُطلق عادةً من قواعد أرضية متحركة أو راجمات على متن شاحنات. تعتمد في التوجيه على أنظمة ملاحة مزدوجة من نوع GPS وINS، بالإضافة إلى مستشعرات راديوية وبصرية لتحديد الأهداف بدقة.
أما النسخة الأصغر، شاهد-131، فتزن نحو 135 كغ ويصل مداها إلى حوالي 700–900 كيلومتر. تمتاز بخفة حركتها وسهولة إطلاقها، وتحمل رأسًا متفجرًا يزن 15 كغ، مع نظام توجيه دقيق يجعلها فعالة في استهداف المنشآت الحيوية.
المسيّرات الهجومية والتكتيكية
إلى جانب المسيّرات الانتحارية، طورت إيران نماذج أخرى لأغراض الاستطلاع والدعم الجوي القريب. من أبرزها:
- Kian: طائرة هجومية متوسطة المدى، يصل مداها إلى 2,000 كيلومتر، وتطير على ارتفاع يصل إلى 5,000 متر بسرعة تقترب من 185 كم/س، وتستخدم كمسيّرة انتحارية أو طائرة استطلاع عالية التحليق.

- Mohajer-6: طائرة متعددة المهام تُستخدم في المراقبة والهجمات الدقيقة، مدى طيرانها يصل إلى 200 كلم، وسرعتها نحو 200 كم/س، وتستطيع حمل ما يصل إلى 100 كغ من الذخائر الذكية.
- Shahed-129: واحدة من المسيّرات الإيرانية من فئة MALE (متوسطة الارتفاع طويلة التحليق)، بمدى يصل إلى 2,000 كلم، وسرعة تبلغ 150–200 كم/س، وحمولة تصل إلى 400 كغ. تُستخدم في المهام القتالية باستخدام صواريخ موجهة من نوع Sadid.
نماذج استراتيجية بعيدة المدى

- Fotros: تُعتبر من أكبر الطائرات بدون طيار في إيران، قادرة على التحليق حتى 30 ساعة متواصلة، ويبلغ مداها 2,000 كلم، بحمولة تصل إلى 450 كغ.
- Karrar: مسيّرة أسرع من غيرها، تصل سرعتها إلى 900 كم/س، بمدى 1,000 كلم، ويمكن تسليحها بصواريخ جو-أرض أو استخدامها كهدف تدريبي للطائرات المقاتلة.
طرازات حديثة لعام 2025
في عام 2025، أعلنت إيران عن طرازات جديدة تعكس تطورًا تقنيًا مستمرًا، مثل:

- Hadid-110: مسيّرة صغيرة الحجم بمدى 350 كلم وسرعة 510 كم/س، تحمل رأسًا حربيًا خفيفًا يزن 30 كغ، وتتميز بصعوبة رصدها بسبب بصمتها الرادارية المنخفضة.
- Mohajer-10: نسخة متطورة من السلسلة السابقة، تتميز بقدرتها على الطيران لمدة 24 ساعة، بمدى 2,000 كلم وحمولة تقارب 300 كغ، ما يجعلها من بين أكثر المسيّرات الإيرانية تقدمًا من حيث المهام المتعددة.

يعكس هذا التنوع الكبير في نماذج الطائرات بدون طيار تركيز إيران على استخدام المسيّرات كأحد أعمدة استراتيجيتها العسكرية، حيث تدمج بين الكمية، والتكلفة المنخفضة، والقدرات التكنولوجية التي تمكّنها من شنّ هجمات بعيدة المدى بدقة عالية، مع قدرات على الإرباك والإغراق الهجومي.
أما في مجال الصواريخ الباليستية، فتنتج إيران شهريًا ما بين 50 إلى 60 صاروخًا، مع إمكانية مضاعفة هذا العدد في حال تصعيد الإنتاج، خاصة بعد استيراد شحنات ضخمة من المواد الكيمائية الدافعة من الصين.
تشمل أبرز الطرازات صاروخ سجّيل الذي يصل مداه إلى 2500 كم وتتراوح سرعته بين 12 - 14 ماخ (الماخ هو سرعة الصوت).

وصاروخ Khorramshahr‑4 المعروف بـ "خيبر"، الذي يبلغ مداه 2,000 كيلومتر وسرعته تصل إلى 16 ماخ وهو قادر على حمل رؤوس نووية، وصاروخ فتاح-1، بسرعات تتراوح بين 13 و15 ماخ، ومدى يبلغ نحو 1,400 كيلومتر، وهو صاروخ فرط صوتي قادر على حمل رؤوس نووية. فضلًا عن سلسلة شهاب وقادر التي تغطي مدى يصل إلى 3,000 كيلومتر والقادرة على حمل رؤوس نووية أيضًا.
تُعدّ الصواريخ الباليستية من أخطر الأسلحة في ترسانات الحروب الحديثة، إذ تنطلق بسرعة هائلة إلى ارتفاعات شاهقة، تصل إلى خارج الغلاف الجوي، قبل أن تعاود الدخول نحو هدفها بسرعات تفوق 5 إلى 15ماخ.
تجعل هذه السرعة الجنونية اعتراضها مهمة شبه مستحيلة، خصوصًا إذا دخلت مرحلتها النهائية. وتكمن الفرصة الوحيدة لاعتراضها بنجاح في رصدها فور الإطلاق، وضربها في لحظاتها الأولى، قبل أن تغادر المجال الجوي الأرضي. أما بعد ذلك، فإن دقة التوجيه وسرعة السقوط تجعل التصدي لها أقرب إلى المعجزة.

تعكس هذه المؤشرات قدرة إيران على الاستمرار في إنتاج كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، ما يجعلها قوة صاروخية ومسيّرة يُحسب لها حساب، خاصة في ظل الصراع الحالي وتراجع فعالية الدفاعات الجوية المعادية أمام موجات الهجمات المتتالية.
خلفية الصراع: تصاعد طويل وتحول للصراع المباشر
منذ لحظة انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، انقلبت إيران من حليف غربي إلى خصم لدود لإسرائيل، وبدأت حرب الظل بين الطرفين، اتخذت فيها المعركة أشكالًا متعددة: من الاختراقات السيبرانية وعمليات الاغتيال الدقيقة، إلى الاشتباكات بالوكالة في الأراضي العربية.
في أبريل 2025، بدت بارقة أمل تلوح من مسقط، حيث أُطلقت مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن وطهران، سعت لتوقيع اتفاق نووي وتفادي انفجار إقليمي. لكن خلف الكواليس، كان الكيان المحتل يعدّ لخطوته الكبرى. فبالتعاون مع عناصر كردية، تم تهريب عدد من المسيّرات المفخخة داخل شاحنات تجارية إلى العمق الإيراني، حيث خرجت من مخابئها مع بدء الهجوم في 13 يونيو.
أطلقت إسرائيل عمليتها العسكرية تحت عنوان "الشعب كالأسد"، فقصفت أكثر من 200 هدف استراتيجي، واغتالت قيادات من الحرس الثوري، لتردّ إيران بصواريخ باليستية ومسيّرات بالمئات، ضربت قلب إسرائيل وأربكت حساباتها.
هكذا تحوّل الصراع من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة، تحمل في طياتها احتمال اندلاع حرب إقليمية مفتوحة، وربما ما هو أكبر من ذلك.

إلى أين يتجه الصراع؟ سيناريوهات مفتوحة بين التصعيد والاحتواء
مع توازن الرعب بين إيران وإسرائيل، تغدو الصورة أكثر ضبابية، ويصعب التنبؤ بما سيحمله الغد. إيران تستعرض قوتها عبر كمٍّ هائل من الصواريخ والمسيّرات، بينما تعوّل إسرائيل على تفوّقها التقني وشبكة حلفائها الغربيين. ومع تواصل المعارك، يبدو أن الاستنزاف بات يلوح في الأفق للطرفين، وقد يُجبرهما في نهاية المطاف على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن هذه المرة بشروط تُفرض من الميدان لا من خلف المكاتب.
بين تصعيد مرعب وتهدئة هشة، تتعدد سيناريوهات المستقبل. في حال انفلات الصراع من عقاله، قد نجد أنفسنا أمام مواجهة إقليمية واسعة، وربما شرارة أولى لحرب عالمية، خاصة مع تلميحات إسرائيل باستخدام سلاح نووي تكتيكي، واحتمال رد إيراني غير تقليدي، وتورّط حلفاء كل طرف على الأرض.
أما سيناريو التهدئة، فلا يزال قائمًا، وإن كان هشًّا. فدبلوماسية اللحظة الأخيرة قد تنجح في تجميد التصعيد، لكنها لن تُطفئ جذوة الصراع. فغياب الثقة، واستمرار الشكوك، يعني أن أي سلام قادم لن يكون أكثر من رماد فوق فوهة بركان.
ميزان القوة لا يميل لأحد

رغم التفوق التقني والعسكري للكيان المحتل، والدعم المتواصل من الولايات المتحدة والغرب، تكشف المواجهة الراهنة اختلالًا حاسمًا في ميزان القوى. فقد أصبحت إيران بفضل مساحتها الواسعة وتوزيع منشآتها تحت الأرض، أكثر صعوبة في استهدافها، إضافة إلى قدرة التصنيع المستمر من مسيرات وصواريخ بالشراكة مع الصين.
في المقابل، تواجه إسرائيل ضغوطًا جغرافية واقتصادية حادة، فصغر مساحتها وكثافتها السكانية يجعل من أي هجوم مباشر عليها مدمرًا مهما كان محدودًا، كما أثبت التكتيك الإيراني الجديد، والمتمثل في إغراق الدفاعات الإسرائيلية بمسيّرات تمهيدًا لإطلاق الصواريخ الباليستية، فعاليته وأربك منظومة القبة الحديدية.
وبدأت التأثيرات تظهر اقتصاديًا؛ فقد شهدت إسرائيل اضطرابات في الاستثمار وهروب كبرى الشركات. وفي هذا السياق، بدأت عدد من شركات التكنولوجيا العالمية بإعادة تقييم وجودها في إسرائيل، على سبيل المثال:
- Intel أوقف خطط إنشاء مصنع بقيمة 25 مليار دولار.
- Samsung Next أغلق مكتبه في تل أبيب وبدأ نقل نشاطه إلى الخارج.
- Verily (تابعة لـ Google) ألغى إنشاء مركز البحث والتطوير في إسرائيل.
- وشركات ناشئة كـ Bright Machines وChegg بدأت نقل بعض عملياتها، بينما باشرت شركات أخرى بتقليص فرقها المحلية أو نقل موظفين إلى فروع خارجية.
ومع هذا التصاعد في المعارك واتساع الغضب الدولي، تبقى كافة السيناريوهات مفتوحة، ولا أحد يمكنه التكهّن بمن سيسيطر أولًا أو متى قد تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر فتغيّر موازين المعركة كليًا. ووفقًا لموقع Statista فإن القدرات العسكرية لكلا البلدين تُقدر كالآتي:
مستقبل الصراع في المنطقة
ختامًا، لا يسعنا إلا أن نقف بإعجاب وفخر أمام ما حققته القوات الإيرانية من قدرة على الردع وفرض الحضور بالقوة في معادلة إقليمية ظلّت لسنوات طويلة مختلة. لقد استطاعت، رغم الحصار والعزلة، أن تبني ترسانة تكنولوجية وعسكرية تُرهب خصومها، وتعيد رسم ميزان القوى في المنطقة. في الوقت الذي لا يزال فيه الكيان الإجرامي، منذ تأسيسه عام 1948، يمارس القتل والإبادة والتدمير بلا هوادة، ضاربًا عرض الحائط بكل القوانين والمواثيق الدولية.
إننا نأمل، ومعنا ملايين العرب، أن يكون هذا التحول بداية النهاية لمشروع استعماري دموي طال أمده. ونتطلع إلى يوم تتوحّد فيه إرادة الأمّة، لتشكّل جبهة إقليمية موحّدة قادرة على كسر شوكة هذا الكيان الإجرامي، وصناعة مستقبل عادل تنعم فيه شعوب المنطقة بالكرامة والسيادة والسلام الحقيقي.
?xml>