في بداية القصة كان هناك ثلاث عوالم، عالم رسوميات المحترفين، وعالم رسوميات الألعاب، وعالم الرسوميات التحليلية أو العلمية! ولقد كان كل عالم منهم منفصل بذاته، يقبع متقوقعا علي نفسه في عزلة عن الاخرين!

لكن العزلة لم تستمر، والسلام دائما ما يجد ما ينغص هدوءه، فلعقود طويلة ظل عالم رسوم الألعاب Game Graphics ينظر بحسد شديد لعالم رسوم المحترفين Professional Graphics .. كان عالم المحترفين قدوة لهم في قوة وروعة انتاج الرسوم التي يملئون بها مشاهدهم المسجلة CGI Scenes في الأفلام السينمائية. ولكم تمني مطوري الألعاب واللاعبون ان تكون رسوم العابهم بنفس قوة رسوم تلك العروض .. وكم حاولوا علي مدار تلك العقود ان يقتربوا منها، خطوة بخطوة ولونا بلون! لكنها ظلت بعيدة. تأبي الاقتراب.

CGI

ومع مرور الوقت، تطور عالم رسوم الألعاب وأصبح اقرب مما سبق، لقد كاد أن يصل لمستوي تلك المشاهد، بعض الالعاب اصبحت شديدة الشبه بها بالفعل.. لكنها ليست هناك بالكامل بعد .. لا زال ينقصها تلك الدفعة الأخيرة، تلك القفزة النهائية فوق الحاجز الاخير.

إن سبب تفوق تلك المشاهد لا يعزي الا لعامل رئيسي واحد: استخدامهم لتقنية تتبع الأشعة Ray Tracing! وهي تقنية قد تغيب معرفتها عن الشق الأعظم من اللاعبين. لكنها تمثل أقصي امال مطوري الألعاب والعروض movies علي حد سواء.

ولقد ظلت هذه التقنية بعيدة عن متناول أي أحد سوي صناع المحتوي الفني والعروض الاحترافية، وذلك لأنها تحتاج الي عتاد ضخم ومعقد للغاية لمعالجتها، صناع العروض عادة ما يستعملون المئات أو الالاف من المعالجات المركزية CPUs التي تعمل معا في شبكة ضخمة، فقط لرسم ثواني قليلة من عروضهم بتلك التقنية .. الي حد أن رسم مشاهد طويلة من عروضهم يستغرق اياما واسابيع طويلة.

وبسبب هذا فقد ظلت هذه التقنية بعيدة تماما عن متناول مطوري الألعاب، فكيف تجعل تقنية تتطلب المئات من المعالجات تعمل علي بطاقة رسومية واحدة ومعالج واحد؟! هو أمر مستحيل قطعا! لهذا يقبع عالم رسوم الألعاب في صمت راضيا برسوم أقل تعقيدا وأكثر بساطة بدرجات عديدة. إنه لحقا عالم مسكين مستكين!

CGI Ray Tracing

ولطالما ظل عالم الرسوم المسكين هذا بطيئا في حركته وتطوره .. وخصوصا منذ مطلع جيل منصات المنازل الحالي Home Consoles، بمعالجاته المركزية CPUs الضعيفة ومعالجاته الرسومية GPUs المتواضعة.

وكنتيجة لهذا فانه ولفترات طويلة عانت رسوم الالعاب من الثبات، التقدم البصري كان محدودا وبطيئا بسبب ارتباطه بعتاد المنصات المنزلية الفقير .. والمؤثرات البصرية كانت تتكرر بين أطوار الألعاب، والفارق بين بصريات الالعاب لم يكن يتعدي -في أحيان كثيرة- الفوارق الفنية التي يرسمها الفنانون والرسامون.

حتي رسوم الحاسب الشخصي PC بالتحديد لم تكن تعلو بشكل واضح عن رسوم منصات المنازل، كانت رسوم الحاسب افضل لكنها افضل بشكل جزئي، وليس بشكل محوري او جذري. في أحسن الأحوال فانك تحصل علي بعض التحسينات في مسافة الرسم، بعض التحسينات في الظلال او محاكاة الملابس أو الانعكاسات او الشعر او الدخان، وليس اكثر من هذا.

كانت هناك استثناءات بفروق بصرية كبيرة بالطبع، لكنها لم تكن تتعدي العابا قليلة هنا وهناك، والغالبية العظمي كانت العابا بفروقات محدودة. رغم اتساع الفارق التقني بين الحاسب الشخصي PC ومنصات المنازل consoles. إن الحاسب يمتلك معالجات مركزية ورسومية أقوي بأضعاف مما لدي المنصات! لكن الفارق البصري لم يعكس هذا الواقع، كل ما كنت تحصل عليه بعتادك القوي علي الحاسب الشخصي هو سلاسة تشغيل أعلي للالعاب بفضل الاطارات fps الأكثر عددا.

ولقد وضع الوسط التقني اماله علي مكتبة DX12 لتغير من هذا الوضع الظالم، لتحسن من الرسوم وتقربها اكثر من مستوي الواقع ومن مستوي مشاهد المحترفين المسجلة CGI، ولتستغل عتاد الحاسب الشخصي العال في رسوم اقوي واداء اعلي. لكن هذا لم يتحقق، لاسباب تقنية وسياسية وعبثية، ظل DX12 لسنوات طويلة عقيما، لا يقدم اية تحسينات بصرية ولا حتي تحسينات ملموسة في الاداء او استغلال العتاد.

DX12

ولقد ارتضي لاعبو الحاسب بهذا الوضع البائس مكتفين بقدرتهم علي تشغيل الالعاب بأداء وسلاسة أعلي من تلك المنصات المنزلية، وظل عالم رسوم الالعاب ينظر بحسد لعالم رسوم المحترفين! ولم يبدو أن هناك ما سيغير هذا الحال ما بين العالمين في الوقت القريب!

أما عالم الرسوم التحليلية Data Visualizations/Graphics فقد ظل منفصلا بشكل كامل عن كل هذا، لقد امتلأ هو هو الآخر بالتقنيات الرسومية شديدة التعقيد، وامتلأ بالحوسبة Compute وبالذكاء الاصطناعي AI وخوارزميات تعلم الآلة العميق Deep Learning، وهي أشياء بدت بعيدة كل البعد عن فلك عالم المحترفين وعالم الألعاب!

الحرب:

ولقد وقفت NVIDIA تراقب هذا كله، ثم قررت ان تشمر عن سواعدها وان تعلن الحرب علي العوالم الثلاثة بان تغزوهم وتوحدهم جميعا تحت راية واحدة! لقد قررت NVIDIA تغيير الوضع القائم للابد واستقر في وجدانها استعمال اسلوب القوة الغاشمة لتحقيقه!

ولقد فعلت NVIDIA هذا بان قامت بتحطيم القاعدة الرسومية الغير مكتوبة والتي تنص علي ان المعالج الرسومي المخصص للالعاب سيحوي عتادا لرسوم الالعاب وفقط. لقد كسرت NVIDIA تلك القاعدة الي غير رجعة.

فمنذ الان فصاعدا سيحوي المعالج الرسومي عتادا للذكاء الاصطناعي وعتادا لتتبع الاشعة ومن الان فصاعدا سيغزو هذا الفارس الرسومي المهجن العوالم الثلاثة ليدمج فيما بينها في مزيج واحد ضخم.

هكذا ببساطة! بعدما عودتنا NVIDIA علي الدمج في اجزاء المعالج الرسومي، وعلي توحيد المعالجة علي اجزاء موحدة سميناها انوية cores، ارتأت NVIDIA ان كل هذا قد صار تاريخا، وان الفصل هو الحل! الفصل في اجزاء المعالج الرسومي من اجل الدمج ما بين عوالم الرسوم. وكأن NVIDIA تعلن الحرب علي مبادئها القديمة!

لكن الرسالة كانت واضحة، ان التغيير يبدا من الان، وهو يبدا ببطاقات RTX الرسومية ويبدا من الحاسب الشخصي، الاب الروحي لرسوم الالعاب. فمن دونه صاحب القدرة والمبادرة علي التغيير؟

وبداية الغزو ستكون باخضاع عالم المحترفين من خلال تتبع الاشعة Ray Tracing.

Ray Tracing RTX

غزو الأشعة!

وتتبع الاشعة باختصار يعني ان يقوم المعالج الرسومي باضاءة مشاهد الالعاب بنفسه بارسال اشعة ضوء مجسمة علي المشهد وتتبعها وتعقبها، ثم رسم الاضاءة والظلال والانعكاسات منها. هكذا بضربة واحدة. ثلاثة مؤثرات يتم رسمها من شعاع واحد، ضوء وظل وانعكاس. وهو الامر الذي يسهل علي المطور عبا التطوير.

في السابق كان المطور يبتكر وسائل رسم منفصلة لكل مؤثر، وسائل رسم للاضاءة ووسائل رسم للظلال ووسائل رسم للانعكاسات، كل علي حدة، وكل وسيلة منهم لا تحاكي الواقع بشكل حقيقي، بل تختصر في العبأ الحسابي وتختصر في المعالجة كي ترسم مؤثرات تشابه الواقع الي حد ما. ولا تلتزم به، مؤثرات في اغلب الاحيان تكون غير دقيقة، وبها عدد من العيوب الظاهرة والخفية.

فضلا عن ذلك كان هذا يزيد عبا التطوير علي المطور، فهو يحتاج لتطوير وسيلة جديدة في كل مرة اذا اراد تحسين الناتج البصري للعبة. كما يحتاج لضبطها واصلاح العيوب البصرية الناتجة منها، بل يحتاج ايضا لاخفاء قيودها البصرية، التي ما اذا ظهرت تؤدي الي انهيار وهم انضباط الرسوم. وانكشاف حقيقة ان ما يشاهده اللاعب ليس حقيقيا ولا حتي شبه حقيقي.

وكثيرا ما يحدث هذا، قد يخرج اللاعب خارج نص او مسار اللعبة المحدد، او ينظر الي المشهد من زاوية غريبة غير متوقعة او غير مقصودة، ليكتشف ان الظلال او الانعكاسات او الاضاءة التي يراها ليست اكثر من خدعة بصرية متقنة الي حد كبير. خدعة مصممة كي تظهر من منظور معين فقط، وتنهار تماما اذا نظرت اليها خارج هذا المنظور.

لكن تتبع الاشعة Ray Tracing يتلافي تلك العيوب كليا، فهو حل مختصر وأنيق، يصلح لرسم كل المؤثرات بضربة واحدة، ولا ينهار تحت التفحص العميق او الخروج عن النص، كما أنه يحاكي الواقع ويلتزم به بدقة، ويتلافي العيوب والقيود البصرية. وهو فوق كل ذلك، يستطيع رسم مؤثرات بصرية كثيرة لا تستطيع الطرق العادية حتي الاقتراب منها.

يستطيع تتبع الاشعة رسم اضاءة شمولية تفاعلية، تتفاعل مع حركة الاجسام وتتأثر باختفاء وظهور مصادر الضوء، يستطيع رسم ظلال دقيقة جدا لاي جسم وكل جسم، ومن اي مصدر ضوء، يستطيع رسم انعكاسات حقيقة تعكس المشهد كله، وتعكس نفسها علي نفسها عشرات المرات! يستطيع رسم ظلال شفافة وأجسام جيلاتينية شفافة كان من المستحيل رسمها في السابق دون تتبع الأشعة!

Translucent Shadows

ولقد بلغت حماسة مطوري الألعاب عنان السماء لدمج هذه التقنية في ألعابهم، فهي محط حسدهم واقصي تطلعاتهم المقتبسة من عالم المحترفين، فهي ستقوي الرسوم الحالية، وتضيف مؤثرات رسومية جديدة لم تكن ممكنة في السابق، وستفعل هذا بسهولة ودون تكلفة تطوير كبيرة! بل أن المحترفين نفسهم قد تهافتوا علي التقنية في لهفة، لأنها ستزيد من سرعة إنتاج مشاهدهم المعقدة بما لا يقاس!

ولقد أعلن ما لا يقل عن 6 محركات العاب انهم سيدمجونها في العابهم في اقرب وقت .. مما يعني أن عدد الألعاب المبدئية التي ستحمل التقنية هو 11 لعبة، وهو عدد كبير لتقنية لازالت في مهدها.

 Reflections RTX Turing

والحقيقة ان NVIDIA كانت تعمل علي التقنية منذ مدة، وقد ظهرت بوادر عملها هذا في مؤثرات بصرية مثل VXGI و VXAO و HFTS والتي استعملت خوارزميات تتبع اشعة بشكل جزئي لتحقيق مؤثرات اضاءة وظلال متقدمة. وقد انتشرت مؤثرات VXAO و HFTS تحديدا في عدد من الالعاب، لكن الوسط التقني لم يكن مدركا لخلفية تلك التقنيات ولا اهميتها المستقبلية.

الان ندرك ونعرف ان NVIDIA طورتهم اثناء سعيها الحثيث لانتاج تتبع الاشعة العتادي Hardware Ray Tracing، ونشرتهم كطليعة لما سياتي لاحقا. اما وقد اتي تتبع الاشعة بالفعل، فان اهمية هذه التقنيات ستقل بشدة، لان تتبع الاشعة الحقيقي يعطي نتائج بصرية اعلي بكثير.

ولأن أي معركة لا بد لها من تكاليف، فقد ضحت NVIDIA في مساحة نواة معالج Turing .. عندما وضعت وحدات تتبع الأشعة بداخله، فتلك الوحدات لا تساهم في رسم رسوم الألعاب العادية، وتعمل فقط مع تتبع الأشعة .. مما يعني ان المعالج الرسومي يحوي وحدات خاملة تشغل مساحة منه وتستهلك حدا أدني من الطاقة، رغم أنها لا تعمل الا تحت ظروف معينة.

وتعد هذه تضحية كبيرة من NVIDIA ومقامرة ضخمة علي نجاح تتبع الأشعة، فوحدات التتبع تزيد من مساحة النواة واستهلاكها للطاقة، مما يتطلب من NVIDIA تكاليف أعلي في التصنيع وتبريد البطاقة الرسومية. لكن الشركة تجاهلت كل هذا واعتبرته كأنه لاشئ، وألقت بثقلها كله خلف تتبع الأشعة. وهو الأمر الذي يعكس ثقة NVIDIA الكبيرة في التقنية، ويعكس أيضا نيتها خوض جبهة تتبع الأشعة حتي النهاية في بسالة تحسد عليها!

معركة الذكاء! 

ولقد أظهرت NVIDIA نفس القدر من الحماسة والجرأة في اقتحام جبهة الرسوم التحليلية Data Visualization/Graphics. واخضاع تقنياتها في خدمة رسوم الألعاب!

استعملت الشركة كل خبراتها ومورادها الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي AI لتطور ممانع تعرج Anti Aliasing جديد اطلقت عليه اسم DLSS. سيستعمل ممانع التعرج هذا خوارزميات ذكاء اصطناعية AI Algorithms ليبني صور اللعبة من دقة عرض Resolution قليلة الي دقة عرض كبيرة. دون أي فاقد يذكر في جودة الصورة! بل وبأداء دقة العرض الصغيرة. مما يعني أنه ممانع التعرج شبه الكامل! الذي يجمع بين الأداء السهل وجودة الصورة القوية.

 إعلان NVIDIA الحرب علي نفسها

ولكي تحقق NVIDIA هذا فانها قامت بأكثر المناورات التقنية جنونا في السنوات الأخيرة! مناورة مجنونة لا تصدر الا من شركة رائدة في عالم الرسوم كـ NVIDIA.

لقد بنت NVIDIA لنفسها حاسبا خارقا ضخما، سمته زحل، وزودته ب 5300 بطاقة Volta، مما منحه قدرة حوسبية مخيفة، سوف تسخر NVIDIA حاسوب زحل الخارق كي يحلل صور الألعاب بدقة 8K و ممانع تعرج بمستوي جنوني يبلغ 64X .. بعد أن ينتهي الحاسب الخارق من تحليل الصور، سوف يبني قاعدة بيانات لكل لعبة، تحدد وتعلم معالج Turing الرسومي كيف يبني صور اللعبة من دون أن يقوم بحساب كل بياناتها!

سوف تنقل NVIDIA قاعدة البيانات تلك لمتحكم القيادة Driver لدي المستخدم، وسوف تستعملها البطاقة الرسومية في رفع دقة عرض اللعبة دون فاقد يذكر في الأداء! فسيصبح بامكان اللاعب تشغيل اللعبة علي دقة 2160p معظمة من دقة 1800p مثلا. لكن بأداء 1800p وجودة صورة 2160p!

والسر في ذلك يكمن في وحدات جديدة للذكاء الاصطناعي لحمتها NVIDIA في معالج Turing الرسومي .. هذه الوحدات تسرع من عملية بناء الصورة وتزيد أداء اللعبة أثناء تشغيل DLSS.

وهنا نعود مرة أخري لتضحية جديدة من NVIDIA، وحدات الذكاء الاصطناعي مخصصة فقط لـ DLSS، ولا تعمل في أي شئ أخر، لذا فهي تشغل مساحة من نواة المعالج الرسومي، وتستهلك طاقة اضافية حتي وهي بلا عمل!

والناظر الي الأمر برمته لا يسعه الا الشعور بالرهبة أمام ما يحدث، إن NVIDIA تلقي حرفيا بثقلها كله وراء هذه التقنيات! حاسب خارق، و عملية تعلم عميق شاقة، ومتحكم قيادة متخصص ووحدات ذكاء اصطناعي متخصصة! كل هذا من أجل تقنية ممانع تعرج وحيدة! بل إن الأمر كله ستقوم به NVIDIA مجانا ولن يتكلف مطور اللعبة بنسا واحدا! وهو الأمر الذي جعل المطورون يتسابقون في التعاقد مع NVIDIA لدمج DLSS في ألعابهم، فحتي كتابة هذه السطور بلغ عدد الألعاب التي تنتوي دعمه 28 لعبة! وهو عدد أكبر من عدد ألعاب RTX بمرتين ونصف!

إعلان NVIDIA الحرب علي نفسها

إن تحركات NVIDIA في هذا الجانب تحديدا قد تكون دواءا فعالا لجنون السعي المحموم وراء دقات عرض Resolutions أعلي تستنزف اداء البطاقات الرسومية فيما لا يفيد! من منا طلب دقات عرض 4K و 5K و 8K؟ فيم نحتاج كل هذا العدد أصلا؟ إنه سعي محموم مدفوع برغبة مصنعي الشاشات لبيع شاشات أكبر وأكثر! ما المشكلة في دقة 2.5K برسوم فائقة تماثل عروض المحترفين؟

ولقد أدرك مطوري الألعاب هذا الفخ علي منصات المنازل Home Consoles، فاذا بهم يطورون تقنيات تعظيم upscale لتشغيل الالعاب بدقة عرض متوسطة، وتعظيمها الي 4K .. وهو الأمر الذي تكرره NVIDIA أيضا لكن لعالم رسوم الحاسب PC.

تقول NVIDIA أنها لا زالت تتعلم كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع مؤثرات الرسوم في الالعاب بشكل اكثر شمولية من DLSS، ونحن نعلم أنها تطور تقنيات لزيادة عدد اطارات العروض Videos باستخدام الذكاء الاصطناعي، وانها تطور تقنيات لزيادة تعقيد انفعالات الوجوه Face Animation وحركات الشفاه Lip Syncing للشخصيات باستخدام الذكاء الاصطناعي أيضا! و ربما تجد بعضا من هذه التقنيات طريقها لعالم الألعاب بالفعل .. ومجال الذكاء الاصطناعي واسع وخصب للتجريب والاختبار .. والاستثمار فيه قد يجلب دررا علي عالم الألعاب.

والفكرة نفسها مثيرة وشيقة للغاية، ان الذكاء الاصطناعي يٌعلم الحواسيب الخارقة في الواقع كيف تميز الوجوه وكيف تقرأ لوحات أرقام السيارات وكيف تميز الألوان والصور .. واستجلاب مساعدة تلك الحواسيب الخارقة في تسريع رسم بعض مؤثرات الألعاب لهو امر في غاية الابتكار والتفرد .. والاحتمالات المرجوة منه تبدو بلا نهاية مع حسن التدبر والتفكير.

AI Facial Animation

إحكام السيطرة!

وبعد غزو جبهة الذكاء الاصطناعي لا يتبقي أمام NVIDIA سوي جبهة رسوم الألعاب نفسها! وهي جبهة تحت سيطرة NVIDIA بالفعل؟ فما الداعي لغزوها من جديد؟

والجواب يكمن في ضعف DX12 وتخييبها لأمال الجميع وعزوف المطورين عنها، وهو الأمر الذي تنتوي NVIDIA اصلاحه .. في البدء فان تقنية تتبع الأشعة لدي NVIDIA تعمل من خلال مكتبة DX12 وفقط، لذا فان من مصلحة NVIDIA نشر DX12 في كل مكان .. ومن مصلحتها أيضا اصلاحه وترقيته لينافس ويتفوق علي DX11 .. وهو الأمر الذي تنتوي الشركة عمله بالضبط. وبسبب كل مساعي NVIDIA تلك فان أهمية مكتبة DX12 أصبحت لا تقدر بثمن، لقد عادت لها قيمتها وثقلها، بعدما عانت كثيرا من تجاهل المطورين ومن خلوها من اي فارق رسومي أو حتي أداءي حقيقي عن DX11.

فبدمج تتبع الأشعة مع DX12 فان NVIDIA قامت بترقيته فورا الي مرتبة رسومية تفوق DX11، فلأول مرة سيكون هناك فارق بصري ملموس بين DX12 و DX11!

لكن NVIDIA لن تكتفي بذلك وحسب، بل إنها ستنقل الحرب الي رحي جديدة غير مسبوقة، لقد قررت NVIDIA انشاء مكتبة جديدة لنفسها تعمل علي البطاقة الرسومية بشكل عتادي! مكتبة عتادية بديلة لـ DX12 في عدد من الجوانب!

لطالما وعدتنا DX12 بتقليل العبأ علي المعالج المركزي CPU ليتفرغ لمحاكاة اجسام كثيرة وشخصيات كثيرة علي الشاشة، لكن هذا الوعد لم يتحقق بشكل ملموس بعد .. لهذا قررت NVDIA تحقيقه بتصميم مكتبة عتادية علي معالج Turing الرسومي تؤدي نفس غرض مكتبة DX12: مشاركة الحمل مع المعالج المركزي CPU ونقل جله الي معالج Turing القادر علي التعامل معه باقتدار أكبر.

والنتيجة هي أجسام أكثر علي الشاشة، لكن باستعمال مكتبة Turing. تحمل المكتبة اسم Mesh Shaders، وهي تحتاج أيضا لدعم المطور الذي يحتاج الي دمجها في لعبته كي يستفيد من قدراتها. ولقد دمجت NVIDIA مكتبتها الخاصة داخل مكتبة Vulkan بالفعل كملحق اضافي Extension حصري لها، وستسعي NVIDIA لدمجها في مكتبة DX12 مستقبلا .. وربما DX13 أيضا؟

Mesh Shaders

توابع الحرب:

إن هجوم NVIDIA علي جبهات الرسوم الثلاثة ليس محض صدفة ولا هو مجرد دعاية فارغة، لكنه تحرك مخطط ومنظم الغرض منه تغيير حال عالم رسوم الألعاب بشكل جذري ملموس .. لقد دمجت NVIDIA عوالم الرسوم الثلاثة بطريقة مبهرة، لتصبح أول شركة في تاريخ الرسوم تدمج فيما بينهم. وهي تستحق الثناء والمديح علي ذلك.

لكن ما تفعله NVIDIA لا يقل في وصفه عن حرب شعواء شنتها علي نفسها وعلي جبهات الرسوم الثلاث في كل اتجاه!

فعلي نفسها فقد اختارت توقيتا حرجا للغاية، توقيت الانتقال من عملية تصنيع 16nm الي 7nm .. وهو الانتقال الذي كان بطيئا ومكلفا ومحفوفا بالمشكلات والتأجيلات المستمرة.

لكن NVIDIA قررت عدم الانتظار الي حين نضوج 7nm، وقررت تقديم Turing بكل تقنياته وكل عتاده المتخصص علي عملية تصنيع 12nm، وهو الأمر الذي زاد من حجم نواة Turing كثيرا، ورفع من استهلاك طاقتها، وقيد من تردداتها، وزاد من تكاليف تصنيعها وتبريدها.

وكنتيجة لذلك فان نسب فروق الأداء في Turing عن Pascal لم تكن كبيرة كما في الأجيال السابقة، فدخلت NVIDIA في منافسة حادة مع كل بطاقات Pascal السابقة التي هي صغيرة الأنوية وزاهدة في استهلاك الطاقة وقوية الأداء في ذات الوقت.

ولقد كان بامكان NVIDIA بناء معالج تقليدي ضخم، وتحقيق زيادة تقليدية كبيرة في الأداء .. لكنها اختارت ان تنفذ تغييرا شاملا أولا، اختارت المبادرة والثورة علي القديم، وشق طريق جديد لنفسها تسير فيه وحدها.

Turing and Pascal

أما علي جبهات الرسوم، فان NVIDIA تخوض حربا استنزافية مكلفة لا تحسم بالضربات القاضية، وانما تحسم بالمثابرة والامدادت التقنية المستمرة، فعلي NVIDIA دعم المطورين بشكل متواصل لادخال تتبع الأشعة في أكبر قدر من الألعاب، وعليها أيضا العمل علي قدم وساق في تشغيل حاسبها الخارق كي يحسب ويبني صور الألعاب في خدمة DLSS، وعليها أيضا اقناع المطورين بـ DX12 وبمزايا مكتبتها العتادية الجديدة حتي يتحقق لهم الانتشار السريع!

عليها اتمام كل هذا في وقت واحد! و كل هذا يمثل عبأ كبيرا علي الشركة وعلي أي شركة، لكن NVIDIA تبدو واثقة في قدرتها علي انجاز المهمة، فهي اللاعب الأضخم في سوق الرسوم، بعلاقات متشعبة وعميقة مع كل مطوري الألعاب، و لا يمكن لغيرها انجاز المهمة.

أما أذا لم تكن أهلا لانجاز المهمة، فان براقش ستكون جنت علي نفسها، لقد صنعت NVIDIA كل تلك المهام لنفسها بنفسها، ولم يجبرها علي هذا أحد لا منافسين ولا حلفاء، لقد كان هذا كله اختيار NVIDIA وقناعتها الخاصة.

إن كل التقنيات التي قدمتها NVIDIA في جيل Turing لا يمكن وصفها الا بالثورية، وهذا وصف جاد ومخلص وعن كامل اقتناع، لسنين طوال عانينا من ركود رسوم الحاسب، ولقد أتت NVIDIA والقت بصخرة ثقيلة في مستنقع الركود هذا، ولا يسع أحد منا نحن متحمسي الرسومي سوي تمني لها كل التوفيق والنجاح، هذا اذا كنا مخلصين حقا في رغبتنا في تجديد عالم رسوم الألعاب والدخول به نحو الافاق المستقبلية التي نستحقها. لا التي تفرض علينا فرضا ولا نشعر منها بأي تقدم بصري ملموس!

والأمر كله يذكرنا بما حدث أيام دمج الاضاءة العتادية Hardware Lighting علي المعالج الرسومي في Geforce 256 أول مرة، أو أيام دمج الترصيع Tessellation بعتاد ضخم في Fermi، وكلها كانت فتوحات تقنية ضخمة دفعت بالرسوم الي آفاق جديدة.

لكن نجاح NVIDIA في تلك التقنيات يعني أيضا أن NVIDIA تشن الحرب العالمية علي AMD و Intel، الذي سيضطرون الأن الي تطوير تقنيات مماثلة، يجب عليهم بداية تطوير تقنيات تتبع اشعة تلتزم بمكتبة DX12 .. ويجب عليهما تطوير تقنيات تستعمل الذكاء الاصطناعي. ونجاحهما وفشلهما في تطوير تلك التقنيات سوف يؤثر علي قدراتهم التنافسية مستقبلا، فـ NVIDIA الآن بلا منافس، ومع مقدم جيل 7nm خاصتها ستصبح بلا أمل في المنافسة. وخاصة بعدما تطور تقنيات تتبع الأشعة والذكاء الاصطناعي أكثر وأكثر.

وربما تكون تلك هي الوصفة السحرية لتتربع اي شركة علي عرش المنافسة دون تهديد، بأن تتحدي نفسها، وبأن تجدد وبأن تتحمل التضحيات في سبيل تلك التجديدات.و أن تشن الحرب علي نفسها وعلي الجميع!