صناعة الأفلام: دور Nvidia البارز في الفيلم الأسطوري Life Of Pi

كثيراً ما ندخل إلى قاعات السينما لمشاهدة الأفلام التي نريد، وكل منا له ذوقه الخاص فالبعض يميل إلى أفلام الأكشن والخيال العلمي والأخر محب للكوميديا وثالث ينجذب أكثر لأفلام الدراما والحياة اليومية. يستغرق الفيلم مدة الساعتين أو أقل ثم تخرج من القاعة وأنت منبهر مما رأيت،مشاهد خرافية لا تعرف كيف تمت وما هي طريقة صنع شيء كهذا، عوالم واسعة وكبيرة تختلف تماماً عن العالم الذي تعيشه أنت، مباني تتحطم هنا وهناك وكائنات غريبة تظهر وأحيانا تشاهد بنفسك من على شاشة السينما إنهيار للكوكب بأكمله.

كل ذلك يبعث في نفس الكثيرين التساؤل عن كيفية صنع كل هذه المؤثرات والتي تقترب كثيراً من الواقع حتى تكاد تختلف على بعض المشاهد هل هي حقيقة أم لا،وفي سبيل محاولة توضيح الأمر بشكل مبسط سنحاول هنا إستعراض لبعض المشاهد عن فيلم Life Of Pie الحائز على 4 جوائز أوسكار والذي أبهر الكثيرين بمستوى إخراجه المتميز، وفي نفس الوقت سنعرف دور شركة Nvidia في صناعة هذا الفيلم وتأثيرها على صناعة السينما بشكل عام.

Nvidia والحوسبة البصرية وتأثيرها على الألعاب والأفلام:

شركة Nvidia إحدى عمالقة الشركات المتخصصة في معالجة الرسوميات والجرافيك ولديها خبرة كبيرة في هذا المجال ، ولكن ما يميز Nvidia أكثر عن غيرها هي أنها ومنذ نشأتها عام 1993 تعمل على تقديم المساعدة دائما بتقنيات جديدة لصناع الأفلام ومطوري الألعاب تعطي القدرة على إضفاء واقية أكبر للمؤثرات البصرية التي نراها، ولعل أبرز هذه التقنيات والتي يسمع بها الجميع هي تقنية PhysX التي تقدم معالجة فيزيائية مبهرة تحاكي الواقع في أدق التفاصيل، وإستطاعت Nvidia مؤخراً تقديم أحدث تقنياتها فيما يخص محاكاة فيزيائية السوائل، وستنبهر بالتأكيد عندما ترى الفيديو الدعائي لهذه التقنية الجديدة 

وبسبب هذا الدعم الكبير من الشركة فإن العديد من شركات وإستديوهات الإنتاج للأفلام يستعينون بNvidia للقيام بإدخال تأثيراتهم البصرية ، ولا تتعجب عندما أقول أن معظم ما تراه من مؤثرات بصرية خادعة بالأفلام هي منتجة بإستخدام تقنيات وعتاد شركة Nvidia من خلال بطاقاتها Quadro المخصصة لأغراض التصميم. فنجد على سبيل المثال أن 80% من سوق العتاد والمعالجات الرسومية المستخدمة في ذلك هي خاصة بهذه الشركة وحدها، وتمثل باقي الشركات الأخرى نسبة 20% فقط.

Life Of Pi...البداية:

Life Of Pi هو فيلم أمريكي درامي مستوحى من رواية من تأليف Yann Martel والتي نشرت في عام 2001 وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة Man Booker للرواية، وإستمرت الرواية في إزدياد شعبيتها بشكل كبير إلى أن نالت ولأول مرة حقوق الإنتاج كفيلم سينمائي في عام 2003.

ولكن لم يَسِر الأمر كما هو متوقع، وظل هذا المشروع يَتَنقل بين العديد من المخرجين السينمائيين إلى أن إستقر أخيراً بين يدي Ang Lee أحد ألمع المخرجين في عالم السينما خصوصاً تلك المتعلقة بالخدع والمؤثرات البصرية ومن أبرز أعماله السابقة أفلام Crouching Tiger و Hidden Dragon و Hulk. وهو من إستطاع بالفعل في نهاية الأمر من تحويل Life Of Pi من مجرد رواية قصصية إلى أحد أشهر الأفلام السينمائية في وقتنا الحالي.

تحديات عملية الإخراج والحلول من شركة Nvidia:

وكان أول تلك التحديات التي واجهت فريق العمل هي البيئة التي تدور أحداث القصة حولها، فنحن نتحدث عن طفل لم يتجاوز ال 16 من العمر موجود بمفرده في وسط المحيط وعلى قارب نجاة، فكيف يمكن نقل هذا المشهد إلى الواقع وإلى عين المشاهد بأدق التفاصيل؟ الإجابة على ذلك كانت بالإستعانة بنموذج مصغر لمسطح مائي ثم بعد ذلك سيتم إضافة المؤثرات البصرية عليها.

وللتوضيح أكثر فلقد تم الإستعانة بخزان مائي ضخم يعمل على توليد الموجات كما نشاهدها في البحار والمحيطات، وهذا الخزان يتسع ل1.7 مليون غالون (الغالون وحدة قياس تعادل 3.785 لتر مكعب) وفي وسط هذا الخزان تم وضع القارب وبدء عملية التصوير، ثم بعد ذلك بدأت العملية الأكثر تعقيداً في الأمر والتي كانت بالفعل التحدي الأكبر لفريق العمل بالفيلم.

فكان عليهم أولاً إتقان العالم الوهمي الذي ستوضع به هذه المشاهد المصورة بالخزان، وهو ما لم يكن سهلاً على الإطلاق، فأضف إلى مشكلة تصميم هذه المساحة الشاسعة من المياه التركيز أيضاً على تأثير الإضاءة الناتجة من أشعة الشمس وإنعكاسها على المسطح المائي، وأيضاً أشكال السماء والسحب التي بدورها تتغير مع تغير الوقت ومع أحداث الفيلم.

ولفعل ذلك فلقد إستعان أستوديو الإنتاج بأكثر من 600 فنان تقني حول العالم لرسم هذه الصورة وهو ما شكل لهم في النهاية أكثر من 110 منظر مختلف لشكل السماء والسحب، وبالإستعانة بالحاسبات المزودة بعتاد Nvidia مع برامحج التصميم Rampage Cloud و Icy و Voodo تم تحويل هذا المناظر إلى بيئة متكاملة ثلاثية الأبعاد تحاكي الواقع بشكل كبير، وكخطوة أخيرة تم دمج الصور الأصلية مع هذه البيئة الوهمية لنرى نحن المشاهدين الصورة النهائية لعالم Life Of Pi.

تحديات جديدة: مظاهر الحياة في Life Of Pi:

لم تكن البيئة المعتمدة عليها قصة الفيلم هي الأمر الوحيد المعقد بالنسبة لفريق العمل، ولكن إلى جوار ذلك فكانت هناك أعمال ربما هي الأكثر تعقيداً والمتعلقة برسم وتكوين مظاهر الحياة داخل هذه البيئة.

فنحن نتحدث عن محيط بأكمله مما يعني ظهور الأسماك والحيتان الضخمة وإلى جوار ذلك فإن كنت قد قرأت الرواية الأصلية من قبل أو شاهدت الفيلم فأنت بالتأكيد تعرف Richard Parker النمر البنغالي المصاحب ل "باي" في رحلته ويعرفه البعض بالبطل الثاني في القصة.

كذلك تم إستخدام الإستوديو برامج Massive لتصميم مظاهر الحياة المعقدة على جزيرة Meerkat والتي تم تصميمها بطريقة مشابهة لما أوضحناه سابقاً بدمج مشاهد حقيقة مع عالم وهمي تم صنعه من خلال الحاسب مستعينين في ذلك بقدرات بطاقات Nvidia المتمثلة في Quardo و Tesla والتي أثبتت انها قادرة بالفعل على خلق مشاهد بصرية تحاكي الواقع في أدق التفاصيل.

مستقبل صناعة الأفلام في ظل تطور الحوسبة البصرية:

كلف فيلم Life Of Pi في عملية إنتاجه 120 مليون دولار، وهي تكلفة ضخمة ولكنه في المقابل قدم نجاحاً باهراً وحقق إيرادات وصلت لأكثر من 600 مليون دولار حول العالم.

لم يتوقف نجاح الفيلم عند هذه النقطة بل ترشح الفيلم ل11 جائز أوسكار، وحصد بالفعل أربعة جوائز منها شملت جائزة أفضل مخرج وأفضل تصوير، وجائزة أفضل مؤثرات بصرية وأفضل موسيقة تصويرية، هذا بالإضافة إلى 41 جائزة أخرى بالعديد من المهرجانات المختلفة.

Nvidia تلك الشركة العملاقة وفرت العتاد القوي الازم لصنع مؤثرات بصرية بهذا التعقيد الذي شاهدناه، ولازالت الشركة مستمرة في تطوير عتادها وتوفير تقنياتها التي تساعد كثيراً في هذا الأمر، بل وبلغ حد التعقيد إلى تمكن الشركة من وضع صورة ثلاثية الأبعاد تحاكي الوجه البشري مع العديد من التعبيرات المختلفة بشكل لا يصدق.

 هذا التطور الكبير والمتزايد يجعلني أُكَوِّن صورة في ذهني عن كيفية صناعة الأفلام في المستقبل، فإذا كنا في وقتنا الحالي نمتلك القدرة على تكوين عالم كبير من محيطات وغابات من خلال غرفة خزان واحدة، ففي المستقبل ربما نتمكن من صنع ما هو أكبر من ذلك ولكن هذه المرة بإستخدام مجال الحوسبة البصرية فقط.

هذه المحاكاة الرائعة لتفاصيل وتعابير الوجه البشري التي شاهدناها ربما تجعلنا في المستقبل القريب نخرج أفلاما كاملة دون حتى الإحتياج إلى العنصر البشري لأدآء أدوار معينة، يكفي فقط غرفة صغيرة بها عدة أجهزة حاسب مزودة بالعتاد اللازم وفريق عمل متميز لصناعة أفلام بمشاهد مبهرة تدهش المشاهدين والنقاد على حد سواء.ص