أقوى رجال التقنية: ستيف بالمر
ستيف بالمر، اسم لا يمكنك أن تغفل عنه عند الحديث عن شركة مايكروسوفت، فهو المدير التنفيذي السابق للشركة، وواحد من أهم الرجال المؤثرين في مجال التقنية خلال العشرين عاماً الماضية. ربما لم يحصل بالمر على نفس الأهمية الإعلامية التي حظي بها مديره السابق بيل جيتس أو خليفته ساتيا ناديلا ولكنه هاماً بما يكفي لنتحدث عنه اليوم في جزئنا الجديد من سلسلة أقوى رجال التقنية.
النشأة والدراسة
الانضمام لمايكروسوفت
علاقة بالمر بمايكروسوفت بدأت حتى من قبل تأسيس الشركة. بالمر كان أحد أصدقاء بيل جيتس في هارفارد خلال سبعينيات القرن الماضي، ولكنه شق طريقاً مختلفاً نوعاً ما عن صديقه الذي قرر ترك الجامعة من أجل تأسيس شركته الخاصة عام 1975. بعد 5 أعوام من تأسيس مايكروسوفت قرر بيل جيتس الاستعانة بصديقه في شركته الوليدة ليكون الموظف رقم 30 في تاريخ الشركة متقلداً منصب مدير الأعمال مقابل مرتب 50 ألف دولار، نسبة تتراوح بين 5% إلى 10% من الشركة و 10% من أرباح الشركة السنوية. بالمر ضحى في المقابل بدراسته العليا في جامعة ستانفورد من أجل البقول في هذه الوظيفة.
تأثير بالمر في مايكروسوفت كان منذ اللحظات الأولى لوصوله للشركة، فبعد أقل من عام كان واحد من أهم ممثلي الشركة في مفاوضاتها مع شركة IBM والتي يعتبرها كثيرون واحدة من أنجح الصفقات التي أبرمتها مايكروسوفت في تاريخها، وفتحت الباب أمامها للانتشار في سوق أجهزة الحاسب بدون أي منافسة قوية.
بعد هذه الصفقة الناجحة استمر ستيف بالمر في مايكروسفت لمدة 20 عاماً، تنقل فيها بين عدة مناصب قيادية أبرزها مدير العمليات، ومدير تطوير الأنظمة، ومدير المبيعات، ومدير الدعم، وأهمها نائب المدير التنفيذي للشركة بداية من عام 1992.
اقرأ أيضاً: أقوى رجال التقنية: بيل جيتس
المدير التنفيذي لمايكروسوفت
بعد أزمة مايكروسوفت مطلع القرن الحالي ورغبة القضاء الأمريكي في تقسيمها إلى شركتين منفصلتين، قرر بيل جيتس التنحي عن منصبه كمدير تنفيذي للشركة والتوجه إلى قسم تطوير البرمجيات مع الإبقاء على بعض الصلاحيات تاركاً منصب المدير التنفيذي إلى صديقه ستيف بالمر.
نجاحات أولية
كانت بداية تولي ستيف بالمر لشركة مايكروسوفت بداية ناجحة. المدير التنفيذي الجديد تمكن من إنهاء أزمة الشركة مع الحكومة والقضاء الأمريكي ليبدأ عهداً جديداً محافظاً فيه على وحدة الشركة ومحققاً نجاحات مالية كبيرة. مايكروسوفت، وخلال 14 عاماً من قيادته للشركة، حققت أرباحاً كبيرةً، فأرباح الشركة قفزت من 25 مليار دولار سنوياً في عام 2000 إلى 75 مليار دولار سنوياً في نهاية إدارته للشركة.
هذه الأرباح السنوية الطائلة اعتمدت على أربع مصادر رئيسية كان يراها بالمر أهم موارد الشركة. أول هذه الموارد كان منتج الشركة الأكثر نجاحاً في فترة إدارته وهو Windows XP. نظام التشغيل الشهير والذي أطلق عام 2001 كان أهم مصادر الشركة المالية خاصة بعد إطلاق Service Pack 1 و Service Pack 2 اللذان قضيا على كثير من المشاكل التي واجهها المستخدمون في الإصدارات الأولى. تمكنت الشركة الأمريكية من بيع أكثر من 400 مليون نسخة من Windows XP ليكون واحد من أكثر أنظمة التشغيل استخداماً عبر التاريخ.
ثاني موارد الشركة المالية كانت خدمات Office والتي شهدت إطلاق 4 إصدارات مختلفة خلال الأربعة عشر عاماً من إدارة بالمر. ثالث مورد رئيسي اعتمد عليه بالمر كان خدمات الشركة الجديدة الموجه لقطاع الأعمال. قدمت مايكروسوفت خدمات مثل Exchange, Windows Server, SQL Server, Dynamics CRM وSharePoint. المورد الرابع والأخير كان منصة Xbox والتي أيدها بالمبر في بدايتها برغم رفض الكثيرين داخل مايكروسوفت دخول عالم ألعاب الفيديو، إلا أن مراهنته على هذا القطاع لم تكن خاطئة.
ارتفاع أرباح الشركة السنوية المعتمدة على الموارد الأربع التي ذكرناها كانت النجاح الوحيد الذي يمكننا أن نذكره في مسيرة ستيف بالمر في مايكروسوفت. هذه النجاحات وبخلاف الخدمات المقدمة للشركات شقت طريقها خلال الأعوام القليلة الأولى لإدارته للشركة وظلت المورد الوحيد الأساسي الذي لا يحقق خسائر في شركة بحجم مايكروسوفت لتنهال على الشركة إخفاقات متتالية حجبت عن الشركة فرصاً كثيرة كانت ستضعها في مكان آخر في يومنا هذا.
اقرأ أيضاً: أقوى رجال التقنية: مايكل ديل
إخفاقات متتالية
أول إخفاق حققه بالمركمدير تنفيذي لميكروسوفت كان في عام 2005 عندما تخلت مايكروسوفت عن الاستحواذ على الأندرويد لصالح جوجل في صفقة أنهتها الأخيرة بمبلغ 50 مليون دولار فقط. رؤية الشركة حينها كانت الاكتفاء بتطوير نظامها الخاص الموجه للهواتف Windows Mobile وأنها ليست بحاجة للاستحواذ على أندرويد. بيل جيتس خرج العام الماضي ليصرح بأن أكبر خطأ قد ارتكبته الشركة في تاريخها هو تفويت فرصة الاستحواذ على أندرويد لصالح جوجل.
ثاني إخفاق لبالمر كمدير تنفيذي لمايكروسوفت كان في عام 2006 عندما قرر دخول الشركة لسوق الأجهزة الرقمية لتشغيل الموسيقى والوقوف أمام جهاز أبل الأشهر حينها iPod بجهاز Zune. جهاز Zune وعند طرحه في الأسواق كانت أبل قد باعت أكثر من 100 مليون نسخة من أجهزة iPod وقد تشبع هذا السوق من هذا النوع من الأجهزة بما يكفي لإطلاق جهاز جديد كهذا. لم يكمل Zune ستة أعوام ليتم التخلص منه في عام 2012 بعد بيعه لقرابة 2 مليون وحدة فقط.
ثالث إخفاق والذي تحقق في نفس الفترة كان إطلاق Windows Vista، ففي نفس العام أطلقت مايكروسوفت نسختها الجديدة من نظامها الشهير لأجهزة الحاسب والتي كانت واحدة من أسوأ الإصدارات في أعين المستخدمين. قدمت Windows Vista واجهة وتصميم جديد للنظام ولكن في المقابل استنفذت موارد الأجهزة وعانت من مشاكل كثيرة كان أبرزها عدم توافق برمجياتها مع الكثير من قطع الهاردوير. هذا بالتأكيد كان بخلاف البطء الشديد الذي اشتكى منه المستخدمون.
الكارثة الكبرى
الكارثة الكبرى في تاريخ بالمر في رأيي لم تكن في الإخفاقات الثلاثة المتتالية السابقة، ولكن عندما خرج في العام التالي لإخفاقاته الثلاثة ليسخر من أول iPhone قدمته أبل لأنه بدون لوحة مفاتيح ولن يكون عملياً لكتابة البريد الإلكتروني خاصة أنه باهظ الثمن.
[embed]https://www.youtube.com/watch?v=qycUOENFIBs[/embed]
قد ترى أن أي شخص في هذا الوقت كان لينظر لأول iPhone بهذه النظرة، فلم يكن أحد يتخيل أن هذا النوع من الأجهزة سيغير مجرى التقنية إلى الأبد، ولكن هذا الرأي يمكن أن يكون رأي مستخدم عادي وليس المدير التنفيذي لشركة بحجم مايكروسوفت. الأسوأ حقاً أن هذا الرأي انعكس على سياسة مايكروسوفت لسنوات طويلة قبل أن تفيق من خطئها. أهم ما قد يملكه المدير التنفيذي لشركة هو نظرته وخطته المستقبلية وليس نظرته تجاه ما يحدث حوله فقط.
قبل أن ننتقل إلى المسمار الأخير في نعش ستيف بالمر كرئيس تنفيذي لمايكروسوفت يجب أن نلقى الضوء على السبب الرئيسي وراء كل هذه الفوضى. بالمر افتقد لأى رؤية مستقبلية تماماً وكانت نجاحاته مادية في الأساس. بالمر وقف بالمرصاد أمام كافة البرمجيات مفتوحة المصدر والمجانية وها هي مايكروسوفت تدعم هذا المجال في يومنا هذا بعدما وصلت به جوجل إلى ما لم يكن أحد يتوقعه.
افتقدت فترة بالمر لأي تطوير من منتجات الشركة بعيداً عن الويندوز، وأوفيس وXbox، فخدمات مثل حزمة Microsoft Live وMSN وحتى Skype تحجرت تحت إدارته. مايكروسوفت لم تعد اليوم تعتمد حتى على Skype بل أصبح Microsoft Teams الذي خرج منذ سنوات معدودة أفضل وأهم للشركة منه.
اقرأ أيضاً: أقوى رجال التقنية: تيم كوك
القضاء على Windows Mobile والنهاية
إذا كنت تظن أن نهاية Windows Mobile كانت بفشل هواتف Lumia أمام هواتف الاندرويد و iOS فأنت مخطئ. الأمر بدأ قبل أن تتحد مايكروسوفت ونوكيا وبالتحديد في عام 2010 عندما أصر بالمر على رؤيته الخاطئة مرة أخرى.
في عام 2010 قدم مطوري مايكروسوفت نموذج لجهاز جديد كان ليقلب السوق رأساً على عقب. هذا الجهاز The Courier كان عبارة عن جهاز لوحي بشاشتين منفصلتين بحجم إجمالي 7 بوصة تقريباً ويعتمد على نسخة مختلفة نوعاً ما عن الونيدوز المعروف ومنتجات الشركة الأخرى.
الصورة التي ترونها في الأعلى هي صورة مسربة للنموذج الأولى. ألا تذكركم هذه الصورة بجهاز جديد؟ ربما لا يوجد أي دليل فعلي على ما أقوله ولكن ما ترونه لا يختلف كثيراً عما قدمته مايكروسوفت منذ أسابيع Microsoft Surface Duo. تقرير لموقع Cnet نُشر عام 2010 تحدث عن كيف تم قتل هذا المشروع من بالمر شخصياً ما أدى حينها لاستقالة أكثر من مديراً في الشركة اعتراضاً على القرار.
الأربعة سنوات الأخيرة في إدارة ستيف بالمر لمايكروسوفت وعلى عكس ما قد يظن الكثيرين بأنها أكثر الفترات فشلاً، إلا أنها في رأيي كانت الفترة الوحيدة التي غيرت فيها الشركة من رؤيتها ولكن للأسف كان هذا القرار قد تأخر كثيراً. كما يعلم الجميع قررت مايكروسوفت وللمنافسة في سوق الهواتف الذكية أن توقع اتفاقاً مع نوكيا لتقديم نظامها على هواتف الشركة الفنلندية معتمدة فقط على استحواذ نوكيا في هذا الوقت على الحصة الأكبر في سوق الهواتف.
هذا الاختيار والذي لم يختلف عن اختيارات إدارة بالمر كان الإخفاق الأخير الذي قدمه ثاني مدير تنفيذي في تاريخ الشركة قبل أن ينهار Windows Mobile ومعه نوكيا سريعاً أمام قطار الأندرويد الذي لم يتوقف حتى اليوم. محاولات بالمر لتخصيص الوضع مستغلاً Windows 8 ومطلقاً أجهزة Surface لم تكن أفضل حالاً على الإطلاق إلا أن نجاح أجهزة Surface فيما بعد لم يسلط الضوء على هذا الإخفاق.
في عام 2013 أعلن ستيف بالمر نيته الاستقالة من مايكروسوفت لينتهي دوره تماماً في الشركة الأمريكية محققاً أموالاً دفعته ليكون اليوم صاحب المكرز 11 ضمن أثرى أثرياء العالم ومحققاً أرباحاً طائلةً لمايكروسوفت ولكن تاركاً الشركة في موقف لا تحسد عليه.
أخيراً، قد ترى أنني تحاملت على ستيف بالمر أكثر من اللازم ولكنني تغافلت عن إخفاقات عديدة ويكفي أن أخبركم بأن قرار استقالته رفع أسهم الشركة في البورصة الأمريكية على عكس ما يحدث عند استقالة أي مدير تنفيذي ناجح في أي شركة.
?xml>