
اليوم الذي أظلمت فيه الدنيا علي NVIDIA!
ذات مساء يوم عابر في عام 2009 استيقظت NVIDIA، لتكتشف أن الدنيا قد صارت كاحلة الظلام أمامها! لقد اطفا أحدهم الانارة عن عمد، خرجت NVIDIA غاضبة لتري من الفاعل، وكانت المفاجأة!!
لقد كانت Intel، ولقد كانت ضربة مباغتة حقا!
ولكي نفهم كيف حدثت مثل هذه الضربة، فيجب علينا ان نتذكر جزءا من الماضي السحيق الذي انطوي في غياهب النسيان لدي اغلبنا. فمنذ اكثر من خمسة عشر عاما كانت NVIDIA تصنع وتنتج اشياء اخري غير البطاقات الرسومية. لقد كانت تصنع بالاساس لوحات ام MotherBoards لمعالجات Intel و لمعالجات AMD ايضا، تحت مسمي nForce.
كان هذا في زمن اختلفت فيه خريطة شركات التقنية تماما، كانت AMD تنافس Intel بشكل فعال، بخط معالجات Athlon و Athlon 64 وكانت AMD تصنع معالجات مركزية فقط CPUs، وكان سوق الرسوميات منقسما بين NVIDIA و ATI التي كانت شركة مستقلة بذاتها في ذلك الوقت.
ولقد كانت اللوحات الام جزءا رئيسيا من تجارة NVIDIA الي حد انها كانت تنافس في صناعتها الشركات الطرفية الاخري امثال ASUS و GIGABYTE وغيرهم، وكانت لوحات NVIDIA غنية بالخصائص والمزايا الي حد انها وصلت الي شهرة جيدة للغاية، ومثلت خيارات قوية لفئة المتحمسين والمستخدمين ذوي الخبرة. ومكنها هذا ايضا من وضع لوحاتها الام في حواسيب Apple الشخصية والمحمولة. فصارت NVIDIA المورد الرئيسي للوحات الام الخاصة بـApple.
ولقد كانت لوحات nForce محل فخر شديد ل NVIDIA، فهي تمكنها من اللعب مع مصنعي المعالجات المركزية CPUs الكبار امثال AMD و Intel ومشاركتهم جزءا من خططهم، والتعاون والتفاعل الوثيق معهم .. وربما ايضا مشاركتهم تطلعاتهم في بناء معالجات مركزية قوية.
والعبارة الاخيرة بالذات محورية للغاية، فلقد كانت NVIDIA تطور معالجات مخصصة للهواتف الجوالة mobile phones تحت مسمي شرائح Tegra. كل هذا كان يحدث في وقت اكتسحت فيه NVIDIA سوق الرسوميات تماما بمعماريتي Tesla و G80 المتمثلة في بطاقات 8800GTX و GTX 285، تلك البطاقات التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه كونها اول بطاقات رسومية قادرة علي الحوسبة العمومية General Purpose علي المعالجات الرسومية GPUs، او ما يسمي اختصارا GPGPU.
والحوسبة العمومية علي المعالج الرسومي تعني استخدام البطاقة الرسومية لمعالجة البيانات العادية باضعاف اضعاف سرعة المعالجات المركزية CPUs. وهو أمر برعت فيه NVIDIA تماما ببطاقات 8800GTX و GTX 285، باستخدام مكتبة برمجية جديدة طورتها خصيصا سمتها CUDA، وسبقت بها العالم كله في مجال الحوسبة.
ولقد وقفت Intel صديقة NVIDIA في ذلك الوقت تراقب هذا كله في غير رضي.
لقد رأت أن أصابع NVIDIA تمتد الي كل المجالات بالتدريج، فهي تصنع بطاقات رسومية رائدة، ثم هي تغزو بها أسواق المعالجات المركزية كبدائل لها، ثم هي أيضا تصنع معالجات مركزية للمحمول، وهو سوق فشلت Intel في دخوله في ذلك الوقت، ثم فوق ذلك فان NVIDIA تصنع لوحات أم أيضا! ماذا ينقص NVIDIA الآن لتصير لاعبا رئيسيا علي الخط ينافس الكبار؟
ولقد تصرفت Intel تجاه كل هذه التطورات بمنتهي العنف والقسوة، عندما أعلنت بغتة أنها تحظر علي NVIDIA تصنيع أية لوحات أم لمعالجاتها الجديدة Core i، وان الحظر بات ونهائي وقاطع وغير قابل للرجعة، وأنها تحظر أيضا علي NVIDIA الانتفاع بأية تقنيات خاصة بمعالجات Intel المركزية، وأنها (اي NVIDIA) لا يمكنها بأي شكل من الاشكال بناء معالجات مركزية تستخدم تقنيات معمارية X86.
ولقد وقعت هذه القرارات علي NVIDIA كوقع الصاعقة، وتسببت في اظلام الدنيا كلها أمامها بغتة في ثوان معدودة! لقد أتت قرارات Intel من حيث لا تدري! وأصبحت تجارة اللوحات الأم لدي NVIDIA مهددة بالضياع بالفعل! وكذا الأمر مع أحلام وطموحات الشركة في بناء معالجات مركزية مكتبية!
حاولت NVIDIA التفاوض والاستفسار ومعرفة الأسباب، لكن اجراءات Intel كانت صارمة، إن Intel تري NVIDIA تهديدا خطيرا لا ينبغي السكوت عنه، لذا فقد سعت لتحجيمه وتقليم اظافره فورا وبلا رحمة.
ولم يكن لدي NVIDIA اي مخرج حقا، فهي ليست صاحبة القرار هنا علي الاطلاق، فلا هي تبني معالجات مركزية ولا تملك حقوق اللوحات الأم لتلك المعالجات، إن Intel هي صاحبة الشأن كله، والأمر أوله وأخره عندها هي فقط.
وفي مرارة شديدة أعلنت NVIDIA انسحابها الكامل والنهائي من سوق اللوحات الأم، وخسرت في ذلك تعاقداتها مع Apple وحصتها السوقية من اللوحات الأم. كما أعلنت عن عدم قدرتها علي تصنيع معالجات مركزية CPUs مكتبية بشكل نهائي أيضا.
ولا بد اليوم قد كان حزينا للغاية علي NVIDIA بعد كل هذه الخسائر المتتالية.
لكن NVIDIA لم تسكت، فمرارة الهزيمة والغدر لا تزال في حلقها، وهي مرارة تدفعها بقوة الي الانتقام، فلجأت للقضاء الأمريكي، مطالبة بحظر كل معالجات Intel المركزية التي تحوي معالجات رسومية مدمجة، والسبب؟ كل تلك المعالجات تحوي براءات اختراع خاصة بـ NVIDIA. وNVIDIA تري الآن انها صاحبة الحق في التصرف في تلك المعالجات.
لم يعد لدي NVIDIA ما تخسره، لذا فلقد انقضت علي Intel بكل ما تملك من أوراق ضغط!
ولقد كان ادعاء NVIDIA صحيحا تماما، فهي الشركة التي تملك اكبر عدد من براءات الاختراع الخاصة بالمعالجات الرسومية GPUs، كونها أول من صنع معالجا رسوميا بمعناه الحقيقة من الأساس! وكونها أيضا الشركة الأولي في سوق الرسوم في العالم.
ولقد حان دور Intel هذه المرة كي تشعر بالمأزق! فالشركة لا تملك أي اسلحة دفاعية تجاه هجمة NVIDIA المضادة. كونها صاحبة خبرة منعدمة في سوق البطاقات الرسومية. لقد اسقط في يد Intel حقا هذه المرة! واضطرها هذا الي الجلوس الفوري علي مائدة المفاوضات مع NVIDIA، بعد أن كان الرفض والتمنع هو شعار Intel السائد!
واستمرت المفاوضات فترة، لتخرج بحصيلة نهائية غير متوقعة!
لا تزال NVIDIA ممنوعة من تصنيع اللوحات الأم لمعالجات Intel، ولا تزال ممنوعة أيضا من تصنيع معالجات مركزية شبيهة بـ Intel، و يبدو أن اصرار Intel في هذه الجزئية كان شديدا!
لكن علي الناحية الأخري خرجت NVIDIA من المفاوضات بمبلغ 1.5 مليار دولار كغرامة تحصلها من Intel، وهي أكبر غرامة دفعتها Intel في تاريخها! لقد اختارت NVIDIA عقاب Intel بتحصيل مبلغ هائل كهذا منها وفضلته علي أي مكاسب أخري!
كان تفكير NVIDIA عمليا للغاية في هذا الشأن، ستحصل الشركة علي المال وستعرف كيف توظفه ليخدم أغراضها الخاصة! خرجت NVIDIA أيضا من المفاوضات ببعض من تقنيات Intel الخاصة بالمعالجات المركزية. وهو أمر كان يستحيل علي Intel منحه لـ NVIDIA!
وبالنظر الي الحصيلة النهائية، فان NVIDIA خرجت ظافرة بمال وفير، بينما خسرت سوق اللوحات الأم وخسرت قدرتها علي بناء معالجات مركزية. أما Intel فقد خسرت مالا كثيرا لكنها كسبت الارتياح من صداع NVIDIA.

لكن ارتياح Intel لم يطل، فلقد تعودت NVIDIA علي مذاق استنزاف أموال Intel، وسرعان ما وجدته ممتعا، فزادت في امعان اقلاق راحة Intel.
ركزت NVIDIA بقوة علي سوق الحوسبة العمومية علي البطاقات الرسومية، واكتسحت بطاقاتها فيه كل ما وقف في طريقها من معالجات Intel المركزية، ولم تتوقف NVIDIA عند هذا الحد بل قفزت ببطاقاتها الي سوق الذكاء الاصطناعي AI والحوسبة الذكية Machine Learning، وصارت المورد الرئيسي له! ثم زادت علي ذلك بتطوير معالجات صغيرة مخصصة للقيادة الآلية Auto Drive للسيارات تحت مظلة شرائح Tegra، كي تصبح المورد رقم واحد أيضا في هذا المجال!
وفي وقت قصير، شكلت حلول NVIDIA تهديدا خطيرا لـ Intel في كل تلك المجالات الصاعدة، الأمر الذي دعي Intel لمحاولة تطوير بطاقة رسومية حملت اسم Larrabee تنافس بها NVIDIA، لكنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا بعد أن كلفها المشروع ثلاثة مليارات من الدولارات.
حاولت Intel استنقاذ ما يمكن انقاذه من مشروع Larrabee الفاشل، فطورت منه بطاقات مسرعة باسم Xeon Phi، لكنها فشلت أيضا في زحزحة هيمنة NVIDIA.
ثم حاولت Intel من جديد بشراءها لشركتي Altera و MobileEye كي ينافسوا NVIDIA في سوق الذكاء الاصطناعي و القيادة الآلية! ولقد كلفت الصفقة Intel مبلغ 31 مليار دولار! وهو مبلغ هائل للغاية تتدلي له الفكوك من فرط ضخامته!
لقد كان تقييم Intel لتهديد NVIDIA صحيحا منذ البداية! لقد كبدت NVIDIA شركة Intel خسائر فادحة أكثر من أي شركة أخري! وكل قرارات Intel التي حاولت بها تلجيم NVIDIA لم تجد نفعا!
لقد ارتدت رصاصات Intel علي صدرها هي، ولم تفلح في صدها ولا صد تمدد NVIDIA! وهو التمدد الذي وصل آفاقا جديدة مع مطلع 2019 ،عندما اشترت NVIDIA شركة Mellanox الخاصة بحلول الربط الشبكي بين الحواسيب الخارقة Super Computers، وهي صفقة انتزعتها NVIDIA من براثن Intel! وتنتوي بالتأكيد استخدامها في تحييد Intel أكثر وأكثر في مجالات الحوسبة العمومية والذكاء الاصطناعي!
وعلي السطح يبدو أن تخطيط NVIDIA محكم، فهي قد تخلت عن جزء من احلامها في تسويتها مع Intel، وجمعت بدلا منه مالا وفيرا استخدمته في تقوية وتعزيز ما لديها بالفعل، كي يهزم ما لدي Intel!
لكن التنفيذ والتخطيط لم يكن كله ابحارا سلسا، علي الأقل من الناحية الأخري، ناحية AMD.
فبعد أن تخلت NVIDIA عن طموحها في المعالجات المركزية المكتبية، كانت AMD تبني معالجات مركزية مكتبية مطعمة بمعالجات رسومية قوية، وسمتها المعالجات المسرعة APUs.
ولقد جعلها هذا هدفا ممتازا لشركات أجهزة الألعاب المنزلية، مثل Sony و Microsoft. اللتين رأتا في مسرعات AMD فرصة ممتازة لبناء منصات ألعاب منزلية منخفضة التكلفة وقوية في ذات الوقت. ومن رحم تلك الفكرة ولدت منصتي PlayStation 4 و Xbox One، وهي منصات استعملت معالجات رسومية من AMD بشكل خالص، وتجاهلت تماما معالجات NVIDIA!
الأمر الذي يعني أن جيل منصات الألعاب الحالي كله قد خلي من أي عتاد من جهة NVIDIA، وهذا علي النقيض من الجيل السابق الذي حوي عتاد NVIDIA في منصة PlayStation 3. وهي خسارة محورية لـ NVIDIA، فهذا يعني أن الألعاب ستصدر بتطويعات جاهزة لمعالجات AMD منذ اليوم الأول، بينما ستحتاج معالجات NVIDIA وقتا وجهدا اضافيا لاتمام تلك التطويعات، وهو ما لم يكن ليحدث لو كان لـ NVIDIA نصيب في احدي منصات الألعاب.
لقد ضحت NVIDIA من أجل ان تحقق مكسبا فوريا علي Intel، لكنها عن دون قصد ضحت أيضا بمكسب آخر علي صعيد مختلف، وهو صعيد منصات الألعاب، والذي خسرته بدوره هو الأخر!
ولقد كانت توابع تلك الخسارة فورية للاسف.
ففي وقت صدور الجيل الحالي من أجهزة الألعاب المنزلية، كان لدي NVIDIA معمارية Kepler التي اعتمدت عليها بطاقات GTX 600 و GTX 700. ولقد كانت تلك المعمارية بمثابة نقطة تحول في تاريخ NVIDIA، فلقد اكتسحت بها NVIDIA حلول AMD بشكل كامل، وأخرجت منها أول بطاقة Titan، وتربعت NVIDIA بها علي عرش الأداء فترة طويلة.
لكن كان لبطاقات Kepler عيب وحيد، البطاقات ضعيفة في بعض أوجه العمليات الحسابية العمومية Compute. وهو ما لم يكن له أهمية لولا استخدام المنصات المكثف لتلك العمليات بسبب ان عتاد AMD فيها ذو كفاءة عالية في تلك العمليات. ِلقد رأي مطورو الألعاب ان توظيف الحوسبة العمومية في الألعاب هو خيار جيد كون منصات هذا الجيل تحوي معالجات مركزية ضعيفة. لذا كان الاعتماد علي المعالجات الرسومية أكثر. وحول مطورو الألعاب العديد من العمليات الحاسبية التي كانوا يجرونها علي المعالجات المركزية CPUs الي عمليات حسابية عمومية تتم علي المعالجات الرسومية GPUs.
ولأن معالجات AMD الرسومية في المنصات قوية في الحوسبة العمومية، فلقد زاد الاعتماد علي الحوسبة العمومية في ألعاب المنصات بشكل مضطرد. وصارت الألعاب تصدر بتطويعات حوسبة عمومية تناسب بطاقات AMD بشكل أساسي، بينما لا تناسب بطاقات Kepler الضعيفة علي تلك الجبهة منذ البداية. ومع مرور عدة أعوام في عمر الجيل، صارت الألعاب الكبري تصدر بتطويعات رئيسية لبطاقات AMD بشكل أساسي! اما تطويعات بطاقات Kepler فقد جاءت في المرتبة الثانية.
وقد أدي هذا الي تقدم بطاقات AMD علي بطاقات Kepler المنافسة تقدما كبيرا. فبعد أن كانت بطاقة GTX 780Ti هي البطاقة الأقوي بفارق كبير، تقهقرت قوتها في عدد ليس بقليل من الألعاب لتصير خلف بطاقة HD 290X من AMD وبفارق غير بسيط. ولقد تكرر هذا الأمر علي كل مستويات البطاقات، فتكرر مع HD 290 و GTX 780، و مع GTX 770 و HD 280X وغيرهم.
لكن الأسوأ لم يأت بعد، فلقد سعت AMD لتعظيم تفوقها النوعي في هذا الشأن بلي ذراع عالم التقنية لمصلحتها الخاصة، عندما قدمت الي العالم مكتبة Mantle.
ومكتبة Mantle كانت أول مكتبة في العالم تعتمد اعتمادا شبه كلي علي الحوسبة العمومية لتعطي أداء عاليا من البطاقة الرسومية، وباعتماد أقل علي المعالج المركزي CPU. باختصار كانت مكتبة Mantle تجسيدا لحال منصات الألعاب المنزلية. معالجات مركزية ضعيفة ومعالجات رسومية قوية؟ خذ هذه المكتبة الرسومية التي ستمكنك من الاعتماد بشكل أقل علي هذا المعالج المركزي الضعيف، والاعتماد بشكل أكبر علي هذا المعالج الرسومي القوي.
ولقد سعت AMD الي تقديم مكتبة Mantle بقوة في عالم ألعاب الحاسب الشخصي، كي تزيد من تفوقها علي NVIDIA أكثر وأكثر وقد دمجتها في عدد من الألعاب ومحركات الألعاب بالفعل! بل وجعلت منها فيما بعد أسسا محورية في مكتبات Vulkan و DirectX 12. وهي تلك المكتبات التي كان أداء بطاقات Kepler فيها ضعيفا بالفطرة بالطبع!
ولقد كانت فترة عصيبة علي NVIDIA، فهي الان تحاصر بالعتاد والالعاب والمكتبات، بعد ان خسرت حظوتها في المنصات، ولو كانت لديها تلك الحظوة ما كانت وجدت نفسها في هذا المأزق. لقد كانت تلك الفترة امتدادا طبيعيا لليوم الأسود الذي أظلمت فيه الدنيا علي NVIDIA، لليوم الذي دخلت فيه Intel في عداوة مباشرة معها. لكن NVIDIA لم تقف ساكنا، وهي الخصلة الأساسية التي تميزها عن غيرها من الشركات المنافسة. لطالما تفاخرت NVIDIA أمام الجميع بأنها شركة برمجيات بالأساس، لقد قدمت الي العالم مكتبة CUDA للحوسبة العمومية تلك المكتبة التي تعد عماد الحوسبة في العصر الحديث، وقدمت مكتبة PhysX لمؤثرات الطبيعة، أشهر مكتبات محاكاة الطبيعة علي الاطلاق! ولقد حان وقت وضع هذا التفاخر تحت الاختبار، أمام NVIDIA تحد صعب للغاية، هزيمة مكتبة Mantle الحوسبية علي بطاقات Kepler الضعيفة حوسبيا! ولأن بطاقات Kepler لا تدعم Mantle، فلقد قررت NVIDIA صب كل جهودها علي المكتبة الأخري المتاحة لديها: مكتبة DirectX 11. فكرست الشركة كل مجهوداتها ومهاراتها التقنية في تفكيك مكتبة DirectX 11 من القاعدة الي القمة ثم اعادة تركيبها وتطويعها لتصير وكأنها مكتبة جديدة بالكلية. ولتزيد من أدءها بمقادير ضخمة للغاية. ولتجعلها أقل اعتمادا علي المعالج المركزي وأكثر اعتمادا علي المعالج الرسومي!
والنتيجة تحدثت عن نفسها! لقد كان أداء مكتبة DirectX 11 الجديدة فائقا للغاية علي عتاد NVIDIA الي حد أنه تعدي مكتبة Mantle بفارق كبير. وتخطي أداء مكتبة DX11 الخاصة بـ AMD بعدة أضعاف! بل لقد ظل DX11 الخاص بـ NVIDIA متفوقا الي حد أنه لا يزال حتي هذه اللحظة أفضل من DX12 في غالبية الألعاب!
لقد صارت التطويعات التي حققتها NVIDIA في مكتبة DX11 مضرب المثل في براعة وتخصيص التطويع، وكلها أمور احتاجت تكاليفا عالية للغاية ومهارة خاصة لا تصدر الا من شركة برمجيات عتيدة بالفعل!
ولقد تكللت جهود NVIDIA في هذه الخطوة بالنجاح عندما فشلت مكتبة Mantle في تحقيق أي تفوق نوعي لـ AMD، فتركتها الشركة تموت واختارت التركيز علي مكتبة DX12 و Vulkan.
لكن NVIDIA لم تقف ساكنة من جديد، وسرعان ما استبدلت معمارية Kepler بمعمارية جديدة كليا، معمارية Maxwell التي اعتمدت عليها بطاقات GTX 900 و التي تفادت عيوب Kepler بشكل شبه كامل. ثم أتبعتها بـ Pascal ثم Turing التي أتت بقوة حوسبية منيعة مكنتها من تشغيل مؤثرات تتبع الأشعة لأول مرة علي المعالج الرسومي بأداء عال.
لقد كان غياب NVIDIA عن المنصات نقمة ونعمة في ذات الوقت! كان نقمة في تقهقر معمارية Kepler أمام المنافس، لكمنه كان نعمة علي NVIDIA بعد ان اجبرها علي شحذ وتطويع DX11 الي أقصاها، وباجبار الشركة علي تغيير وتحديث معمارية بطاقاتها الرسومية في كل جيل.
وعلي النقيض من NVIDIA، ظلت ِAMD تستخدم نفس معمارية المنصات إياها في كل معمارياتها التالية، متكلة الي ان تطويعات المنصات ستحمل عنها عبأ عمل التطويعات بنفسها وعبأ عمل تجديدات معمارية، وهو ما لم يحدث، و ما أدي الي خسارتها المتتالية أمام NVIDIA في كل الأجيال اللاحقة، وتقهقرها في سباق تتبع الأشعة. فكان هذا نقمة أشد علي AMD.

والملاحظ هنا ان NVIDIA تستطيع التفوق رسوميا حتي لو لم تكن تملك المنصات، بينما AMD لا تستطع حتي وهي تملكه! وهذا تناقض صريح بين الشركتين، سببه الاساسي ان احداهما تتحرك باستمرار ولا تقف ساكنة أبدا، بينما الأخري تتكأ وتتلكأ وتختار الجلوس في المنطقة المريحة قليلة التكلفة والمخاطر.
ويدعنا ايضا الي التفكير في ان امتلاك NVIDIA لعتاد احدي المنصات من شأنه ان يضعها في مصاف الاحتكار الكامل، حيث يصبح تفوقها حينها مطلقا. وهو الأمر الذي تسعي اليه الشركة بالفعل، وقد حققت جزءا منه عندما فازت بعتاد منصة Switch من شركة Nintendo.
الآن نحن علي أعتاب جيل جديد من منصات الألعاب التي ستحمل عتادا من AMD أيضا، لكن NVIDIA تبدو مستعدة هذه المرة أكثر من أي وقت مضي، بدعمها لتقنيات مستقبلية لم يدعمها أحد قبلها في معمارية Turing، أهمها تتبع الأشعة و الذكاء الاصطناعي، والرسم المتغير، اضافة الي قوة حوسبة عمومية منيعة .. وهي تقنيات ستأتي بها أو ببعضها المنصات القادمة وتبدو NVIDIA أكثر الموجودين جهوزية لها.
وبشكل عام فانه يمكن القول أن NVIDIA قد تجاوزت محنة يوم خيانة Intel لها، بمزيج من الجهد والابتكار المستمر والوقت .. لكنها قد تدخل في يوم أسود جديد مع اشتداد المنافسة مع Intel التي القت بكل اموالها خلف مشروع الاطاحة بهيمنة NVIDIA الصديق السابق! والتي لا يؤمن مكرها أبدا، والتي تملك المال والقدرة علي اللعب بقذارة! لتجعل يوم أحد ما أسودا! وعلي حين غرة!
?xml>