نظام العالم المفتوح بالألعاب وتأثير ذلك على الألعاب بشكل عام
انتشر نظام العالم المفتوح بالألعاب خاصةً في الآونة الأخيرة؛ حيث أنك لا تكاد أن ترى لعبة خطية الآن؛ إلا ما ندر، بينما تتهافت الشركات على تحويل ألعابها للعالم المفتوح .. حتى ولو لم تكن هناك مدعاةً لذلك
مما ترتب عليه آثارًا واضحة نشهدها حاليًا من تردي في مستوى بعض الألعاب .. ولكن دعونا لا ننسَ أن هناك ألعابًا أخرى قد استطاعت استخدام العالم المفتوح بشكلٍ جيد في ألعابها، واليوم سوف نتكلم خلال مقالنا عن مفهوم العالم المفتوح Open World وتلك الآثار الناجمة عنه!
بالبداية ما هو مصطلح العالم المفتوح Open World في الألعاب؟!
تم إطلاق مصطلح أو مفهوم العالم المفتوح على الألعاب التي تمنح اللاعب حرية كبيرة بإستكشاف عالمها والتجوال في أي منطقة؛ على عكس مفهوم الألعاب الخطية والتي تفرض عليك أن تسير في خط محدد، مثلًا انتقل من هذه البقعة إلى البقعة الأخرى وهكذا، أما العالم المفتوح فهو لا يحدك بالمهمات أو يفرض على اللاعب أن يبدأ تلك المهمة أولًا .. بل يضع بين يديك مطلق الحرية الكاملة في تنفيذ واختيار المهمات كما تريد، وحتى بالترتيب الذي ترغب فيه، مثال عليها لعبة GTA و The Witcher 3 و Skyrim و Far Cry أو ألعاب Ubisoft حاليًا.
وقد كانت بداية العالم المفتوح في الألعاب منذ أكثر من ثلاثين عامًا؛ بالتحديد في سنة 1984 مع لعبة محاكاة الفضاء Elite .. ولعبة تقمص الأدوار والأكشن Courageous Perseus والتي صدرت بنفس السنة 1984 كذلك، ولكن الانتشار الحقيقي لمفهوم العالم المفتوح قد بدأ مع شركة Rockstar وسلسلة ألعابهم المشهورة Grand Theft Auto أو ما يطلق عليها اختصار GTA ، ومن ثم سرعان ما انتشر في الجيل الحالي من الأجهزة PlayStation 4 و Xbox one و Nintendo Switch.
وهناك كذلك بعض الألعاب التي يخلط بينها اللاعب وبين بيئة العالم المفتوح، مثل الألعاب التي تمنحك مناطق شاسعة منفصلة لاستكشافها؛ سواء كان بين كل خريطة وأخرى نقطة انتقال أو سفر سريع؛ بحيث أنك لا تستطيع أن تذهب لكل المناطق على قدميك بل يجب عليك الإنتقال من خريطة إلى أخرى مثل سلسلة Dark Souls و Bloodborne و Tomb Raider الجديدة وبالطبع أقصد الثلاثية التي بدأت منذ 2013 كإعادة تخيل reboot للسلسلة وكذلك لعبة تقمص الأدوار التي صدرت هذا العام Greedfall ، أو حتى لو لم يكن بها نقاط انتقال سريع مثل سلسلة Uncharted 4 والتي كانت خطية في أساسها بينما منحت اللاعب مناطق ضخمة قابلة للاستكشاف والمغامرة، وهذا يعتبر أثرًا من آثار العالم المفتوح على بعض الألعاب .. حيث أنها لم تكن محدودة بالكامل مثل الألعاب الخطية القديمة وكذلك ليست منفتحة مثل GTA و The Witcher 3 أو حتى رائعة نينتندو The Legend of Zelda: Breath of the Wild ، فمن الممكن أن نطلق عليها مصطلح خطية واسعة wide linear .
وبالطبع لاقت بالبداية ألعاب العالم المفتوح رواجًا من قِبل اللاعبين؛ حيث من منا لا يحب الحرية في اتخاذ القرارات أو اختيار المهمات أو حتى تنفيذ المهمة بأشكال مختلفة؟! ولكن .. وشدد عزيزي القارئ مائة خط تحت كلمة لكن!
حسنًا ماذا أقول لك؟! هل أخبرك أنه مع كثرة وانتشار ألعاب العالم المفتوح قد أثر ذلك على عالم الألعاب، مما أنتج لنا ألعابًا متردية في هذا الجيل؟! .. وأنت تعلم عزيزي اللاعب والقارئ كذلك، أن الشركات دائمًا تبحث عمّا يعجب أو ينجح مع العميل أو اللاعب لاستخدامه وتقليده، وهذا ليس فقط في عالم الألعاب بل في كل شيء حولك؛ حيث لو وجدت شركة ملابس مثلًا أصدرت نوع من الأردية بلون أو تصميم معين .. فسرعان ما سوف تجد جميع الشركات بدأت بالتقليد، هذا أيضًا منطبق في عالم الألعاب، وجدت شركة A أن شركة B قد نجح معها نظام العالم المفتوح أو نظام الدراما التفاعلية؛ فتبدأ الشركة A و C وإلى آخره من الحروف لمحاولة التقليد وصنع لعبة من نفس النوع!
وهذا ليس سيئًا .. ولكنه بنفس الوقت ليس جيدًا؛ حيث هناك شركات تحب أن تشغل رأسها وتأتي بأفكار متجددة في العالم المفتوح، مثلما ذكرت بالأعلى عن نظام الـ Wide Linear وكذلك نظام الـ Immersive Sim والذي يعتبر نظامًا رائعًا بالألعاب التي تجعلك تشعر بالحرية فعلًا؛ حيث أن تصميم وميكانيكية اللعبة تجعلها تستجيب مع ما يختاره اللاعب بشكل رائع، على سبيل المثال؛ اللعبة تعطيك مهمة ما وتعطيك تنوعًا كبيرًا إما بالأسلحة أو القوى الخارقة وتجعل تنفيذ المهمة بالشكل الذي يريده اللاعب؛ حيث تستطيع أن تبتكر أو تجمع ما بين قوّتين مثلًا أو أن تتسلل لتنفيذ المهمة دون أن تقتل أحدًا .. كما أن ما يميز تلك النوعية من الألعاب هو الذكاء الإصطناعي للأعداء AI ؛ مما يعطي متعة أكبر للعبة ويجعلك تشعر بأنك لا تتعامل مع شخصيات غبية أو أعداء عاديون؛ بل تشعر وكأن العدو مدرك ومنتبه لك ويشعر بخطواتك بل ويعرف كيف يقاومك ويقاتلك؛ فلن تجد مثلًا الأعداء يتهافتون لنفس المكان الذي قتل فيه صديقهم أمام أم أعينهم .. بل سوف يحاولون أن يلتفوا ويصلوا لك من أماكن أخرى، ومن أمثلة تلك الألعاب Dishonored و Thief و Bioshock و Deus Ex و Prey .
ولكن مع الأسف هنالك بعض الشركات التي أرادت أن تضع العالم المفتوح في ألعابها .. فقط لكي يقال عنها أنها تقدم محتوى ضخمًا ولا يهم كيفية تقديمهم لهذا العالم، حتى ولو أثر بالسلب على أحداث القصة وجعلك غير متشوق لاستكشاف مناطق اللعبة أو حتى استكشاف المهمات، بل تجعلك تشعر برغبة عارمة في الإنطلاق من نقطة البداية إلى نقطة النهاية في هروّلة سريعة متجاهلًا حتى المهمات الجانبية، فهنا يا عزيزي تجد بعض الشركات قد تناست أمرًا مهمًا؛ وهو أن العالم المفتوح يجب أن يكون مفعمًا بالحيوية ومليئًا بالأحداث والشخصيات والمهام المتنوعة والغير مكررة التي تعطي اللاعب دافع قوي للاستكشاف والمغامرة.
وهناك أمثلة عديدة على ألعاب قد استطاعت أن تجعل العالم المفتوح حيوي ويخدم عالمها بشكل أكثر من رائع:
فمثلًا لديك لعبة The Witcher 3 والتي استطاع مطوريها ملء ذلك العالم الضخم بعدد من التفاصيل والمهمات الجانبية المتنوعة والممتعة وحتى قد حرصوا على كتابة قصص تلك المهمات؛ مما تساعد على جذب اللاعب للقصة وكذلك تشجعه على السير والاستكشاف؛ فربما يقع طريقه في مهمة من المهمات تحكي له قصة رائعة وكذلك تكافئه بمكافآت مجزية.
وكذلك لعبة The Legend of Zelda: Breath of the Wild والتي طوّرت أكثر من مفهوم استخدامك للأدوات داخل عالم اللعبة؛ حيث أن عالم اللعبة الواسع هو مرتع للاعب ليبتكر به ما يحلو له من استخدامات متنوعة للأسلحة والأدوات لإنهاء مهمته بالعالم، مما أعطى المتعة الكبرى للاعبين لدفعهم على استكشاف أدوات وأسلحة أكثر، لتوسعة تجربة ابتكار استخدام تلك الأدوات في اللعبة ورؤية النتائج المترتبة على ذلك.
أيضًا لعبة Red Dead Redemption 2 ؛ يجد اللاعب نفسه محاولًا استكشاف مناطق اللعبة والتي يجد بها عددًا من الفعاليات المجزية والتي تحفز بالفعل على الإستكشاف؛ سواء كانت تلك الفعاليات هي بحث عن كنوز نادرة في أماكن صعبة الوصول أو مطاردة مطلوبين للعدالة، فعالم اللعبة حيوي مليء بالأنشطة والفعاليات، وكذلك مطوري روكستار مستمرين في دعم تلك اللعبة من خلال Red Dead Online لجعلها حماسية أكثر بوضع فعاليات وأنشطة متنوعة.
ولكن نأتي الآن للجانب الآخر من الشركات والتي تصنع لعبة بعالم مفتوح ولكنه عالم ميت، مقيت وممل؛ حيث بالكاد تجد مهمات وشخصيات تدفعك لاستكشاف العالم، أو تجد المهمات الجانبية متكررة في أنحاء الخريطة .. لدرجة تقودك إلى الضجر وتجعلك تسارع بإنهاء اللعبة، أو أن تضع قيودًا في عدة مناطق بالخريطة لا تستطيع دخولها أو مهمات لا تستطيع بدءها إلا لو وصلت لمستوى معين، وحتى تصل إلى ذلك المستوى يجب على اللاعب إما أن يرجع للمناطق القديمة للقتال للحصول على نقاط خبرة لرفع المستوى أو كما نطلق عليه اسم Grinding ، ويستمر في قتالات لا فائدة منها ومملة لتحصيل نقاط خبرة فقط حتى يستطيع فتح المنطقة أو المهمة التالية، وإمّا يشتري تلك النقاط من خلال ما يسمى بالـ Microtransactions !
وأجل هذه هي اللعنة الكبرى التي نتجت لنا بسبب محاولة شركات أن تفرض العالم المفتوح على الألعاب، فإمّا أن تستكشف العالم الممل والغير حيوي حتى تكتسب نقاط خبرة وترفع مستواك لإنهاء اللعبة، وإمّا أن تشتري تلك النقاط .. وهذه السياسة كانت تتبعها شركة EA في بعض ألعابها، ومؤخرًا بدأت Ubisoft في تقليدها؛ مثل Assassin's Creed Odyssey و Ghost Recon Breakpoint !
ولا أعلم هل هو كسل من المطورين في كتابة مهمات وإضافة شخصيات لديها خلفيات قصصية مرتبطة بالعالم؟! أم هو استسهال فقط، وحب للكسب السريع تحت بيعهم وهم الحرية داخل لعبة العالم المفتوح.
وهنا أحب أن أقتبس من المخرج YOKO TARO والذي أخرج لنا سلسلة NieR ؛ حيث تحدث في واحدة من المؤتمرات عن الألعاب التي تستطيع أن تعطي اللاعب حرية كبرى في الاستكشاف دونما أن تكون لعبة عالم مفتوح بالأساس!
حيث قد ذكر بأن ألعاب العالم المفتوح قد بدأ يصيبها الملل والتكرار بسبب ازديادها في الآونة الأخيرة؛ ونادرًا ما أصبحنا نجد لعبة عالم مفتوح تقدم لنا أسلوب لعب أو محتوى مبتكر وجديد، وأيضًا من وجهة نظر Yoko Taro أنه يفضل أن تكون اللعبة خطية ولكن حدود عالمها ينكشف خطوة خطوة لتفاجئ اللاعب بمدى ضخامة العالم، على أن يضعه في عالم واسع من البداية؛ مثلًا في لعبة NieR Automata جعلتك تلعب اللعبة مرة بشخصية 2B لتحصل على النهاية الأولى ومن ثم تجعلك تلعب بشخصية أخرى 9S فتبدأ تكتشف أن القصة لم تنتهِ بعد وأن لازال هناك الكثير من الخفايا في هذا العالم، وهذا يدفع اللاعب للإستكشاف للبحث أكثر للوصول إلى الحقيقة، فاللعبة هنا تبدأ تنكشف طبقة تلو الأخرى .. فيبدأ عالمها يتسع تدريجيًا؛ وهذا ما قصده Taro بكلامه.
فكما ترى عزيزي اللاعب، إن نظام العالم المفتوح يعتبر من أصعب الفئات داخل صناعة عالم الألعاب خاصةً القصصية؛ حيث الآن على المطور تصميم شخصيات ومهمات مكتوبة بشكل ممتاز وتكون متنوّعة ولا تفصلك عن قصة اللعبة، وأن يستغل كل المساحات والتفاصيل التي أمامه لحبكها جيدًا وترسيخها مع قصة اللعبة، لا أن تتعارض معها وتجعل اللاعب يشعر بالملل؛ مثل لعبة The Sinking City والتي كان عالمها خاويًا بالفعل! حتى أن العالم المفتوح قد تسبب في مشاكل تقنية عديدة للعبة بالإضافة إلى الملل بالطبع؛ حيث أن المطور قد جعل المهام كلها متكررة بنفس الأسلوب والنمط سواء كانت رئيسية أو جانبية؛ فكلاهما مكرر من بداية اللعبة لنهايتها، حتى الألغاز لم ينوّع بها .. وقد كان الأمل الأخير في وحوش ذلك العالم أو مقاتلة زعماء ولكن للأسف، لا تجد بالعالم سوى ثلاثة أو أربعة وحوش مكررة في كل مناطق اللعبة، ولا أعلم لماذا صمم المطور على أن تكون اللعبة عالمًا مفتوحًا؟! هل لجعل اللاعب يشعر بالضياع؛ حيث أن اللاعب يأخذ دوّر متحرٍ يدعى Charles Reed والذي يعاني من كوابيس عجيبة والتي تؤدي به للذهاب لمدينة أعجب تسمى Okamont وهناك يبدأ في التحقيق بشأن قضايا أعجب وأغرب مغلفة بالرعب اللافكرافتي، ولكن للأسف لم يستطع المطور أن يجعلك تنغمس في تلك التجربة فقط لأنه أراد أن يكون العالم مفتوحًا؛ حيث أنه وجوده مثل قلته بالفعل!
بالنهاية أخشى ما أخشاه أن تستمر تلك المأساة؛ وأن تعاني الألعاب القصصية بسبب العالم المفتوح، وأتمنى بالفعل أن يراجع المطور نفسه .. أو أن يحاول على الأقل استغلال العالم المفتوح بشكل أفضل من ذلك، ربما يخلق لنا فئات جديدة من الألعاب مثل فئة Immersive Sim أو فئة ال Strand games التي يود كوجيما صنعها؛ والتي ننتظر على أمل أن تكون هذه بشرى لعالم الألعاب عامةً .. وللعالم المفتوح خاصةً.
?xml>