قولا واحدا: إن عالم التقنية بصدد الدخول في أسوأ عصوره قاطبة، إنه عالم ينوء بالفعل تحت وطأة ثقل مشكلات التصنيع الحالية وبطء الانتقال الي دقات تصنيع جديدة ، ثم جاءت أزمة فيروس كورونا المستجد لتزيد من معاناته، لتأتي مشكلات Intel الأخيرة وفشلها المستمر لتعصفه عصفا تاما، وبلا أدني مبالغة!

لم يمضي وقت طويل علي فشل Intel الذريع في تصنيع معالجاتها بمقياس 10 نانومتر 10nm حتي ارتطمت بمنتهي العنف في فشل ذريع اخر مع 7 نانومتر 7nm .. حدث هذا بلا رحمة مع الشركة التي لا يبدو ان حظها العاثر سينفذ في اي وقت قريب. لكنه فشل لا يمسها وحدها هذه المرة، بل يمس سوق الحاسب الشخصي كله، بل وجميع أسواق التقنية في الواقع .. حتي سوق الهواتف الجوالة! إن العصر الحجري لعالم التقنية يبدو قريبا منا للغاية والصورة تبدو قاتمة لأقصي حد!

وبنظرة سريعة علي التاريخ الحاصل، سنجد أن Intel كانت تعاني من تأجيلات مستمرة في كل دقات التصنيع الاخيرة التي طورتها .. لكنها كانت تسبق الجميع بعدة اعوام، فلم يشعر أحد بأي تأخير، ولا حتي Intel نفسها.

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

وسبب التأخير كان أن كل درجة تصنيع اصغر تتطلب مجهودا فائقا للتحايل والتغلب علي قوانين الطبيعة الصارمة، التي تتمثل في تسرب الكهرباء، ومقاومة الكهرباء العالية، وهشاشة الدوائر الكهربية .. الخ. كان الأمر يتطلب الكثير من الوقت لانجاز المطلوب وهو ما يتمثل في التأخير والتأخير.

لكن الامر تفاقم بشدة مع مقياس تصنيع 10 نانو، وهي الدرجة الأصغر علي الاطلاق في تاريخ Intel .. حاولت Intel جعلها الاكثر كفاءة وتقدما علي الاطلاق، فأجبرت مهندسيها علي تحقيق معدل زيادة معين في الكفاءة لدقة 10 نانو.

لقد اعتبرت شركة Intel قانون مور Moore's Law سيفا فوق رقبتها، لا ينبغي أن تحيد عنه او تهمله، والا سقطت في هوة الفشل. وعندما حان وقت الانتقال من مقايس تصنيع 14 نانومتر 14nm الي 10 نانومتر 10nm كانت الشركة غارقة حتي الاذنين في ايمانها بهذا القانون، وسعت الي تطبيقه بحذافيره فورا، عن طريق مضاعفة عدد الدوائر الكهربية في مقياس 14 نانو 14nm، الي ثلاثة أضعافها في مقياس 10 نانو 10nm!! غير عابئين بصعوبة الانتقال الي درجة تصنيع أصغر، وبضخامة حجم المهمة وتعقيدها الشديد كلما نزلت في مقياس التصنيع أكثر وأكثر، فما كان ممكنا علي مقياس 22 نانو، او مقياس 14 نانو، ليس بالضرورة ممكنا علي 10 نانو 10nm.

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

وكنتيجة مباشرة لذلك أنفقت Intel المليارات وغاصت اكثر واكثر في وحل عملية تصنيع 10 نانو 10nm، بأبعاد مستحيلة وبكثافة عددية للدوائر الكهربية Transistors غير قابلة للتطبيق عمليا .. وابتلعت هذه العملية اموالا طائلة ومجهودات غير عادية من الشركة بلا جدوي حقيقية علي أرض الواقع، وتأخرت عملية التصنيع كلها بطبيعة الحال الي أربعة أعوام كاملة. مما نسف كل تفوق حققته Intel علي منافسيها طوال العقد المنصرم.

وعلي الناحية الاخري لم يقع منافسو Intel من المصنعين (مثل TSMC) أو الخصوم (مثل AMD) في ذات فخ الالتزام بقانون مور، واكتفوا بتحقيق معدل زيادة متواضع في عدد الدوائر الكهربية، لكنهم أنجزوا في وقت وسرعة التصنيع، وحصلوا من جراء ذلك علي عملية تصنيع اسرع مما سبق أسموها 7 نانومتر 7nm. بينما كانت Intel لا تزال عالقة في عملية تصنيع 14 نانو 14nm.. لتتقهقر Intel أكثر وأكثر في طريق المنافسة!

إن Intel لا تستطيع حتي هذه اللحظة إنتاج أية معالجات مركزية CPUs قوية بمقياس 10 نانومتر، وكل ما استطاعت فعله هو إنتاج معالجات مركزية ضعيفة للأجهزة المحمولة، تعمل بترددات متواضعة، ولا تضع Intel في أي موقف تنافسي متفوق، والسبب هو عملية تصنيع 10 نانو نفسها والتي لا توفر قدرة علي العمل بترددات عالية علي الإطلاق، هي فقط توفر قليلا في استهلاك الطاقة، مقارنة بمقياس 14 نانومتر، ومعني هذا أن Intel لا يمكنها إنتاج أية معالجات مركزية من الجيل الجديد أو بمعماريات جديدة علي الإطلاق، ولا حتي بطاقات رسومية ومعالجات رسومية GPUs .. فكل هؤلاء يحتاجون لدرجة تصنيع جديدة بترددات عالية واستهلاك طاقة صغير، وهو ما لا يتوفر لا في 10 نانو ولا في 14 نانو.

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

لكن كان لدي Intel خطة بديلة، محاولة تنقيح ما يمكن تنقيحه من 10 نانو، مع نقل التركيز بالكامل لما بعدها: 7 نانومتر .. بمعني آخر محاولة اللحاق بالركب الفائت .. أن تحضر متأخرا خيرا من أن لا تحضر أبدا .. ربما خسرت Intel جولة 10 نانو، لكنها ستتحملها بحلوها ومرها، وستعض أناملها خلال العاصفة حتي تنتهي .. لتبدأ علي نظافة مع 7 نانومتر وتعوض كل ما فاتها.

ولقد بدا أن Intel تعلمت جيدا من دروس الماضي، فمقياس 7 نانومتر لن يكون طموحا للغاية كما كان مقياس 10 نانو قبله، بل سيأتي بأبعاد معقولة وقابلة للتحقيق، وبكثافة دوائر كهربية هي الوسط بين ما هو مستحيل وما هو عديم الفائدة .. فتحقق Intel أغراض متعددة: تنتهي من 7 نانو سريعا دون تأخير، وتحقق بها زيادة معتبرة في الأداء، وتكون أرخص أيضا في الانتاج.

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

ولقد وضعت Intel نصب أعينها ضرورة انهاء 7 نانومتر بسرعة، فمشروع المعالجات الرسومية كله لديها يعتمد اعتمادا كليا عليها، وتنافسية Intel في هذا الشأن علي المحك، فهي تخسر في كل يوم أرضا جديدة من NVIDIA التي تكتسح عالم الذكاء الاصطناعي AI اكتساحا بمعالجاتها الرسومية المهيبة. كما تحتاج Intel مقياس 7 نانو أكثر من أي وقت مضي كي تستعيد تفوقها علي خصمها اللدود AMD الذي تحقق معالجاته اليوم تقدما ملحوظا في سوق خوادم الشبكة الدولية Internet Servers، لقد تفوقت معالجات AMD علي Intel في عدد الأنوية Core Count و في استهلاك الطاقة Power Consumption، وصار موقف Intel في غاية الحرج.

لكن الفشل كان مصرا علي اللحاق بـ Intel، فمنذ أيام أعلن الرئيس التنفيذي الاعلان الذي كان بمثابة الصاعقة التي حلت علي رؤوس الجميع .. إن مقياس تصنيع 7 نانو يعاني صعوبات تقنية جمة، وأنه سيتأخر 12 شهرا كاملة لما يعد عمليا نهاية 2022، وهو تكرار ما حدث في 10 نانومتر بالحرف! الأمر الذي يعني أن Intel عمليا خارج دائرة المنافسة حتي هذا الوقت، فهي لن تستطيع انتاج اي شئ متقدم، لا معالجات مركزية CPUs و لا رسومية GPUs. بينما سينتج منافسوها كل هذا بحرية كاملة مع مقياس 7 نانو لدي TSMC و لاحقا 5 نانو أيضا لدي TSMC.

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

الأمر الذي لا يترك لدي Intel سوي حل وحيد: ستنضم Intel للركب وللقطيع وستدخل في صف الشركات التي تتعاقد مع TSMC لانتاج معالجاتها هناك، مثلها مثل الآخرين. ستفعل Intel هذا مرغمة والا ستكون قد حكمت علي نفسها بالموت والتقهقر لعقود قد لا تستيقظ منها أبدا. وهو الأمر الذي يعني أيضا المزيد من الفشل والانهيار لقطاع التصنيع لدي Intel، ستنفق Intel الآن أموالا طائلة لتحسين مقياس 7 نانو، فوق الأموال الطائلة التي أنفقتها لتحسين 10 نانو، ثم ستنفق فوقهم المزيد لتصنيع معالجاتها لدي TSMC .. ثم ستبذل الكثير والكثير كي تطور دقات تصنيع ما بعد 7 نانو كما ينبغي حتي لا تكرر مأساة 10 نانو و 7 نانو!

وبنظرة مدققة سندرك أن الشركة لن يمكنها الانفاق المستمر هكذا علي جبهتين ضخمتين .. ستتباطئ بالقطع مجهودات تحسين 7 نانو، وكذلك ما بعد 7 نانو، وسيترك هذا قطاع التصنيع لدي Intel وهو يكافح من أجل التمويل والاهتمام، وسيخسر أكثر وأكثر الي درجة أن الشركة قد تتخلص منه كله في النهاية، وتختار التركيز فقط مع TSMC.

لقد كان لدي العالم خيارات أخري فيما مضي: كانت لدينا مصانع Global Foundries التي كانت سابقا تابعة لـ AMD، لكنها كانت فاشلة بامتياز فتخلصت منها AMD، لتواصل فشلها أيضا خارج عباءة AMD بعجزها التام عن التصنيع بمقياس 7 نانو، واعلانها الاستسلام التام عن تطويرها. كان لدي العالم أيضا مصانع Samsung لكنها أيضا عاجزة عن منافسة TSMC ومتأخرة عنها للغاية، وكان لدينا مصانع Intel، الحصرية لها وحدها، وتلك الأخيرة أيضا أعلنت استسلامها توا، لذا ف ليس لدينا الآن سوي TSMC المنافس الوحيد الباقي والقائم بذاته، وهو خيار Intel الوحيد في البقاء بعد فشلها المتواصل!

لكن هذه النتيجة هي أسوأ نتيجة قد نصل اليها، ليس بالنسبة لـ Intel وحدها، بل بالنسبة لنا جميعا!  إن فشل Intel لا يحطمها وحدها بل يحطم دعائم سوق الحاسب الشخصي بل وسوق التقنية كله، سوف تضطر Intel الآن الي تصدير كل قدراتها التصنيعية في المعالجات المركزية والرسومية الي مصانع TSMC، وهي المصانع الوحيدة في العالم حاليا التي تمتلك قدرات تصنيعية بدقات عالية، الآن ستصبح لدي هذه المصانع أربعة شركات كبري تتصارع علي قدرتها التصنيعية بمقاييس 7 نانو و5 نانو: وهم Intel و NVIDIA و AMD، بالطبع Intel بالذات تنتج أضعاف ما تنتجه الشركتين الأخريين .. لكن انتظر هناك عملاق آخر ضخم للغاية (ألم أقل لك أنهم أربعة؟) وهو Apple وهي تنتج معالجات بكميات أكثر مما لدي AMD و NVIDIA مجتمعتين أيضا!

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

إن حصيلة هذا التصارع والتطاحن هو أمر واحد: ارتفاع أسعار انتاج المعالجات، حيث تتسابق كل شركة لغلبة الأخري في عرض سعر مغري علي TSMC، وفي أسبقية الحجز .. لكن هذا ليس العيب الوحيد، هناك ما هو أسوأ: مصانع TSMC لن تكفي كل هذه الشركات معا بالقطع .. سوف تتقلص القدرة التصنيعية المتاحة لكل شركة، وستنتج كل شركة كميات معالجات أقل وأقل، وسترتفع التكاليف أكثر وأكثر، وتشح المعالجات في السوق مما يرفع الأسعار أكثر وأكثر.

الطامة الكبري: Intel خارج الخدمة حتي 2022 وسوق التقنية مهدد بالكساد!

وهنا سنكون دخلنا رسميا في العصر المظلم، العصر الحجري للتقنية، حيث يحكمنا مورد وحيد هو TSMC، مع ما يصاحب ذلك من فقر وشح .. و حيث لن تتأثر في ذلك معالجات الحاسب الشخصي PC فقط، بل أيضا معالجات أجهزة الألعاب المنزلية Home Consoles والهواتف الجوالة Mobile Phones .. وكل هؤلاء يعيشون ويتنفسون بهواء قدرة TSMC التصنيعية والتي ستحتاج الي أن تزيد أضعافا مضاعفة لتتحمل الوافد الجديد Intel! وما لم تستعيد Intel قدراتها التصنيعية كاملة وتحقق تقدما بارزا في قدراتها التصنيعية لتعود من جديد الي الاعتماد علي نفسها، فان هذا العصر قد يستمر لسنوات طويلة، سنوات ستعاني فيها الكرة الأرضية قاطبة من طامة Intel الكبري!