"أنتوني..عزيزي، لا تحزن لفراقي، وانشر رماد ما تبقى من جسدي بين غابات فيينا، لعلي أجد السلام". الفنانة هيدي لامار.

في التاسع عشر من يناير لعام 2000 ميلاديًا، بولاية فلوريدا، وبداخل أحد منازلها متوسطة الرقي، رنين هاتف لا ينقطع إلا بصفير السكون المؤلم، وعلى أسرة هذا المنزل كان جسدها ملقى بهدوء بالغ، كأنها لم ترى شقاءًا قط، تم العثور على هيدي لامار بعدما فارقت الحياة بيوم أو أكثر بسبب أزمة قلبية أنهت حياتها عن عمر يناهز الـ 85 عامًا. 

هناك خطأ شائع بين الناس، عند تعريفهم لخدمة الإنترنت وخدمة الواي فاي، لهذا يجب التفرقة  بين الواي فاي المسؤول عن نشر الإنترنت لاسلكيًا، وهو اختصار لكلمتي "Wireless Fidelity" وهي عبارة عن تقنية شبكية لاسلكية تتيح للحواسب وأجهزة الجوال والحواسب اللوحية وأجهزة أخرى الاتصال بإشارات لاسلكية مثل محطة الراديو التي تبعث بإشارات عبر موجات هوائية ذات ترددات مختلفة، بينما الإنترنت أو الإيثرنت Ethernet هو مصطلحٌ لوصف كابلات البيانات التي تربط أجهزة الكمبيوتر بالإنترنت، ويشار إليه أيضًا باسم اتصال إنترنت سلكي، إذا كنت تملك مودمًا، سترى على الأرجح مؤشر ضوء LED لـ اتصال إيثرنت، ويربط هذا النوع من اتصال الإنترنت جهاز كمبيوتر مباشرةً مع المودم عبر كابل USB.

الجدير بالذكر أن فكرة الـ واي فاي اعتمدت على  آلية عمل محطات الراديو، فهي عبارة عن مكونات إلكترونية تكون شبكة لاسلكية تشمل المستقبلات كالهاتف والحاسوب وأيضاً جهاز التوجيه الراوتر وغيرها، ويرمز إليها أيضاً بـ"WLAN". تعمل شبكة "واي فاي" اعتمادا على الـ"راوتر" كمكون رئيسي لأنه الشيء الملموس المتصل بالإنترنت فعليا بواسطة كابلات، ثم يبعث الراوتر بإشارات عالية التردد تحمل البيانات من وإلى الإنترنت، وهناك نقاط استقبال وارسال في الأجهزة الشخصية من جوال وحواسب.

قصة هيدي لامار وتقنية الواي فاي!

يعود الفضل في كل ذلك إلى نجمة هوليود التي جمعت بين الذكاء والجمال معًا هيدي لامار، التي بدأت مشوارها الفني داخل سينما الأفلام الأمريكية، حيث ظهرت لأول مرة في فيلم الجزائر العاصمة 1938، وهو أول فيلم أمريكي لها، وبعدها سطع نجمها في سماء الفن لتلعب دور البطولة أمام كلارك جابل في Boom Town و Comrade X عام 1940، وتوالت مشاركتها ونجاحتها  بعد ذلك لـ تكللها بأعظم نجاح لها هو دور دليلة في مسرحية "سيسيل بي ديميل" شمشون ودليلة 1949، كما تم تكريمها بنجمة في ممشى المشاهير في هوليوود عام 1960، وفي الوقت الذي  كانت الكتب تصور بياض الثلج ذات شعر أسود أو المرأة القطة كما أحبوا ا تسميتها، كانت هيدي لامار خلال الحرب العالمية الثانية، تقضي لياليها في العمل على شيء أهم من التمثيل، إذ كانت بصدد اختراع نظام القفز الترددي للاتصالات، لصالح الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ويعد هذا النظام الأساس الذي استخدم لتطوير نظام تحديد المواقع العالمي والبلوتوث وتكنولوجيا الواي فاي التي نستخدمها اليوم.

 وبحلول عام 1942 حصلت الممثلة هيدي لامار والموسيقي جورج أنثيل على براءة اختراع لاكتشافهم نظام اتصالات الطيف المنتشرة، والذي استخدم بالفعل على نطاق واسع في التطبيقات العسكرية، حتى عام 1980 و قامت مؤسسة FCC  المسؤولة عن الاتصالات في الولايات المتحدة وقامت بتدعيم هذه التقنية لهواة الإتصالات، ومن  ثم بدأ الانتشار الحقيقي لهذه التقنية مع بزوغ عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانتشار شبكات WLAN  و WPAN و GPS.

كانت هيدي قد التقت مع جورج أنتيل في إحدى الحفلات خلال سنوات الحرب، وكانت في تلك الفترة تبتكر بصفة دورية عددًا من الاختراعات بالاشتراك مع المخرج السينمائي هوارد هيوس، الذي كان يحاول تطوير طائرات أسرع، وكان جورج أنتيل موسيقيًا لامعا يتمتع بالحس الابتكاري وكان قد تخرج من المدرسة بسن 15، تماما مثل هيدي لامار.

وقد طور هيدي وجورج معا ثلاثة اختراعات مختلفة. ويتمثل الاختراع الأول في نظام توجيه لاسلكي سري للغاية، باستخدام تكنولوجيا القفز الترددي، طوراه معا لصالح القوات البحرية للحلفاء التي كانت تتعقب الغواصات الألمانية في شمال المحيط الأطلسي. وكانت هيدي تتطلع إلى تطوير اختراعها كي تؤمن عبور والدتها عبر المحيط من لندن إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

رغم ذلك، اعتبر الإندونيسي فيك هايز "أبو الواي فاي" وذلك لترأسه اللجنة المسؤولة التي شكلت معيار "802.11" بمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات الذي تأسس عام 1997، قبل أن يسمع العامة مصطلح واي فاي، أسس هايز المعيار المذكور عام 1997 ليكون تمهيدا لتطوير الاتصالات، ثم تم تطوير معيار التردد اللاسلكي إلى معايير أخرى مثل "802.11 إيه" و"802.11 بي" و"802.11 جي" وغيرها.