عند الحديث عن عالم الحواسيب أو التقنية، فكثيراً ما يتبادر مباشرة إلى ذهن المستمعين حول العالم بعض العلامات التُجارية الشهيرة مثل Apple أو Samsung أو NVIDIA أو Intel أو AMD. وفي الحقيقة فلا يُمكنني أن ألوم أحداً في طريقة الإستنتاج هذه، فالعقل البشري في العادة ما يسترجع أولى المعلومات التي يجدها أمامه في حال ذكر موضوع ما، خاصة إذا كانت هذه المعلومات مُتكررة بكثرة، وهو ما يُضفي عليها في بعض الأحيان طابع الأهمية.

ولكن في الحقيقة، فإن جميع هذه الشركات، أو لنقل أغلبها على الأقل، لا يقوم عادة بتصنيع الشرائح الإلكترونية التي يتم بناء المعالجات الخاصة بها عليها بنفسها. فهناك أكثر من تصنيف للشركات التقنية، حيث توجد شركات تقوم بتصنيع الشرائح فسحب، وشركات أُخرى تُصنّع وتُصمم الشرائح وتُنتج المعالجات المبنية على هذه الشرائح، وشركات تقوم فقط بعملية التصميم فحسب.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

ولأن صناعة اشباه الموصلات والتي تُعتبر أساس التقنية في عصرنا الحديث، لا يُمكن إختصارها في جزء صغير من مقالنا اليوم، وإنما يلزمها مقال بحد ذاتها، فسنكتفي الآن بالحديث عن الشركة الأشهر والأكثر تأثيراً في هذا المجال في يومنا هذا. نعم عزيزي القارئ، فحديثنا اليوم سيكون عن شركة TSMC، الشركة التي تصنع أكثر معالجات العالم !!..

وقبل أن نبدأ الحديث عزيزي القارئ عن شركة TSMC، دعني أسألك سؤالاً سريعاً. ما هو الجهاز الذي تقرأ منه هذا المقال؟. وقد يتعجب البعض بالطبع ويقول لي ما علاقة هذا بالموضوع؟ ولكن الإجابة هي أن العلاقة وطيدة للغاية عزيزي المُتابع، ففي حالة كُنت تستخدم حاسوب مكتبي يعمل بمعالجات AMD الأحدث من سلسلة Ryzen بأجيالها المُتعاقبة مثلاً، فإنك بالفعل تستعمل مُنتج من مُنتجات TSMC.

كما أن البطاقة الرسومية التي تستخدمها، في حال كانت من الأجيال الأحدث من AMD و NVIDIA، فهي أيضاً تستعمل مُنتج من منتجات TSMC. وهذا هو الحال مع الكثير والكثير من الهواتف المحمولة التي نملكها اليوم، أيّاً كانت الشركة المُصنّعة لها. بل دعني أقول لك أن حتى شركة مثل Intel، والتي كانت تُصنّع مُنتجاتها بنفسها، بدأت تعتمد على مُنتجات TSMC هي الأُخرى.

ما هي TSMC وكيف بدأت ؟

تُعد شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات أو TSMC هي واحدة من أكبر (وحالياً الأكبر من ناحية الحصة السوقية) شركات "تصنيع" المعالجات والشرائح الإلكترونية في العالم اليوم، ومع أن الحصول على أرقام دقيقة لهيمنتها الحقيقية للسوق صعب للغاية، فمن الممكن تقدير ذلك من قائمة زبائنها الكبيرة والتي تتضمن شركات عملاقة مثل Apple وAMD  و Nvidia و Qualcomm وغيرها الكثير.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

تم تأسيس شركة TSMC في مدينة Hsincho في جمهورية الصين الديموقراطية (أو كما تعرف عالمياً باسم تايوان للتمييز عن جمهورية الصين الشعبية) عام 1987، حيث كانت أول شركة تتأسس مع كون مجال عملها محصوراً بتصنيع أشباه الموصلات. وعبر السنوات تمكنت الشركة من إثبات نفسها كرائدة في المجال مع نمو هائل بلغ بالمتوسط 17% سنوياً منذ عام 1994، واستفادت الشركة بشكل هائل من انفجار شعبية الهواتف الذكية قبل عقد من الزمن، وباتت مهيمنة في ذلك المجال بشكل كبير اليوم. وفي الوقت الحالي، تعد شركة TSMC واحدة من أكبر الشركات التايوانية وأول شركة تايوانية تتيح أسهمها للتداول في بورصة نيويورك للأوراق المالية (NYSE) ، كما أنها تُعتبر أعلى شركات أشباه الموصلات قيمة في العالم اليوم.

توظف الشركة عشرات آلاف الموظفين في مصانعها العديدة الموجودة في تايوان وفي عدة بلدان أخرى، كما أنها من أكثر الشركات نشاطاً في مجال البحث والتطوير إذ أنها تصرف مليارات الدولارات على أقسام الأبحاث الخاصة بها والتي تسمح لها بتطوير طرق تصنيع لشرائح بدقة متزايدة مع مرور الوقت.

وفي الوقت الحالي، تحتل شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC) مكانة إستراتيجية مهمة كحارس بوابة في سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات المنطقية عالية الأداء high-performance logic semiconductors، والتي بدورها (أشباه الموصلات) تُعتبر عنصر استراتيجي رئيسي للابتكارات التكنولوجية حول العالم بما في ذلك شبكات اتصالات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية القيادة وغيرها من الإبتكارات التكنولوجية.  

الفارق بين شركات الـ Fabulous و fabless

في عالم أشباه الموصلات والتقنية بشكل عام، وبينما تقوم شركات مثل Apple و Samsung ببناء أعمالها على تصميمات يمكن التعرف عليها على الفور، إلا أن العقول المخفية داخل الجهاز هي التي تحدد في النهاية قدراته الحقيقية. وداخلها جميع هذه الأجهزة تكمن شرائح ميكروية الحجم، تتكون من أجزاء من الكوبالت والنحاس المنصهرة في رقائق من السيليكون المشحونة. وقد أُطلق على موريس تشانغ، الذي أسس شركة TSMC في عام 1987 ، لقب الأب الروحي لتصنيع رقائق الكمبيوتر.

أمضى تشانج 25 عامًا في شركة Texas Instruments في تطوير أعمالها في مجال أشباه الموصلات. وبحلول الوقت الذي عُيّن فيه رئيس الوزراء السابق يو كوهوا تشانغ لمنصبه، طلب من تشانج الانتقال إلى تايوان وقيادة مشروع تطوير التكنولوجيا المدعوم من الحكومة. ولكن في ذلك الوقت كانت صناعة أشباه الموصلات تنافسية للغاية، ولم يكن لتايوان العديد من المزايا في هذا المجال.  ولكن في مقابلة مع متحف تاريخ الكمبيوتر ، قال تشانغ إنه يعرف بالفعل مدى صعوبة إنشاء شركات يُمكنها المنافسة وإقتلاع الريادة من الشركات الموجودة في ذلك الوقت.  

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

ففي تلك الفترة، كان لدى تايوان القليل من نقاط القوة في البحث والتطوير ، أو الملكية الفكرية، أو تصميم الدوائر، أو حتى التسويق. وهو ما جعله يقول " أن مصدر القوة الوحيدة الممكنة التي كانت لدى تايوان في تلك الفترة، وحتى تلك القوة كانت قوة محتملة وليست أكيدة، كانت عملية التصنيع لأشباه الموصلات، وتصنيع الرقائق." ثم أردف، "ولكن ما نوع الشركة التي ستنشئها لتناسب هذه القوة وتجنب كل نقاط الضعف الأخرى؟ والجواب كان ببساطة ما أسماه مسبكًا للعب البحت  pure-play foundryأو التصنيع البحت، أي مسبكاً يقوم فقط بعمليات التصنيع للشركات أياً كانت".. ومع نموذج المسبك ، اعتقد تشانغ أن البلاد يمكن أن تعتمد على إمكاناتها التصنيعية. على الرغم من أن معظم الشركات الرائدة في الثمانينيات مثل - Intel و NEC و Fujitsu - كانت تقوم بتصميم وصناعة الرقائق المستخدمة في أجهزتها.

ولكن هدف تشانج لم يكن تلك الفترة، حيث كان الهدف الرئيسي له هو أن تُمهّد TSMC الطريق لمستقبل حيث يمكن لهذه الشركات الكُبرى أن تُصمم رقائقها خارج مسابكها، مما يوفر الاستثمار الهائل للوقت ورأس المال المطلوب للحفاظ على تلك المسابك الخاصة بهم " وكمثال على هذا العبء الكبير يُمكنك مُطالعة قصة AMD مع Globalfoundries، التي كانت جزء من الشركة في الأساس.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

وطبقاً لمُتحدّث باسم  TSMCفقد مكّن نموذج أعمال السباكة هذا من ظهور شركات جديدة في الصناعة، وهي شركات الـ fabless ، من خلال القضاء على العبء المالي المرتبط بتصنيع أشباه الموصلات". " حيث إنه يسمح بالتخصص الرأسي الفعال للشركات، ويضفي الطابع الديمقراطي على عملية الابتكار، مما يؤدي إلى تنوع أكبر في المنتجات وابتكار أسرع بتكلفة أقل". فمع ظهور هذا النوع من الشركات بريادة TSMC،  لم تعد الشركات الجديدة التي تريد رقائق لتنفيذ أفكارها مضطرة للاستثمار في مسابكها الخاصة، أو الاعتماد على منافسيها لإنتاجها (كما كان الحال مع AMD و Intel في السابق).

وقد أدى فتح السوق لصناعة أشباه الموصلات الـ fabless إلى وضع TSMC في موقع مرموق يسمح لها بصنع المكونات الأساسية لشركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون وبكين على حد سواء.  وهو ما جعل الكاتب والمحلل بن طومسون  Ben Thompson، يُشير في مدونة حول أهمية TSMC الجيوسياسية قائلاً:  "يوجد اليوم الآلاف من مصممي الرقائق في جميع أنواع المنافذ التي تصنع رقائق متخصصة لكل شيء بدءاً من الأجهزة الصغيرة ووصولاً إلى الطائرات المقاتلة ، ولا يمتلك أي منهم مسبكًا خاصًا به، وذلك بفضل شركات مثل TSMC ."

ماهو مجال عمل الشركة ؟

كما اشرنا للتو، فإن شركة TSMC تعمل بشكل رئيسي في مجال تصنيع الشرائح. ولكن لتوضيح طريقة عمل شركة TSMC بشكل أكثر تفصيلاً، ومجال تركيزها الأساسي، دعونا ننظر مثلاً إلى تسلسل تصنيع معالجات الهواتف الذكية كمثال لتسلسل عمليات التصنيع.  يبدأ الأمر من أحد الشركات المُصممة لمُعالجات الهواتف مثل ARM، التي تصمم البنية الأساسية للمعالجات المحمولة. تقوم ARM بعد ذلك ببيع هذه التصاميم للعديد من الشركات العالمية مثل شركة Qualcomm التي تعدل على تصاميم ARM وتستخدم معماريتها لتصميم شرائح متكاملة (SoC) خاصة بها، لكنها لا تقوم بصناعة الشرائح حقاً بل تقوم هي الأُخرى بتوكيل المهمة لأحد شركات تصنيع أشباه الموصلات الشهيرة، وعلى رأسها شركة  TSMCبالطبع.

لذا ففي النهاية، لا تتولى شركة TSMC أياً من عمليات التصميم الخاصة بالمعالجات أو أنويتها أو مجموعات التعليمات الخاصة بها، بل أن دورها يقتصر على تصنيع الشرائح الإلكترونية وتطوير معماريات تصنيعية جديدة تسمح بزيادة كثافة الترانزيستورات الموجودة في أشباه الموصلات ضمن الشرائح الإلكترونية. وهي اليوم واحدة من الرواد العالميين في المجال مع تطويرها لمعمارية 5nm التي بدأنا نرى مُنتجاتها تخرج للنور، هذا بالإضافة إلى عملها على تعمل على تطوير معمارية 3nm التي يتوقع أن تبدأ في الظهور مع مُنتجات جديدة خلال الأعوام القليلة القادمة.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

ومع أن شركة TSMC ليست الوحيدة التي تصنع الشرائح الإلكترونية، وليست الوحيدة المختصة بالأمر حصراً حتى، فهي الأكبر في المجال اليوم دون شك، حيث تسيطر على نسبة كبيرة من الشرائح المستخدمة في الهواتف الذكية، بالإضافة لهيمنتها على تصنيع شطر كبير من المعالجات المركزية والمعالجات الرسوميات المستخدمة في الحواسيب المكتبية والمحمولة.

ولكن من هي الشركات التي تستعين بخدمات TSMC اليوم؟

مع هيمنتها الكبيرة على السوق، من الصعب الإحاطة بالقائمة الكاملة لزبائن شركة TSMC في الواقع، لذا سنقوم بالإشارة فقط إلى أهم وأكبر زبائن الشركة في الوقت الحالي:

  • شركة Apple: يمكننا القول أن شركة TSMC أصبحت تتولى صنع معالجات A التي تشغل هواتف iPhone وأجهزة iPad اللوحية منذ فترة لا بأس بها الآن، كما أن معالجات حواسيب Mac القادمة ستستخدم الشركة أيضاً لتصنيعها.
  • شركة AMD: كما نعلم جميعاً، تتولى TSMC صنع المعالجات المركزية و الرسومية الخاصة بشركة AMD بشكل كامل تقريباً وهذا هو سبب تفوق AMD الأخير من حيث المعماريات مقارنة مع  Intelالتي كانت تعتمد على مسابكها طوال هذه المدة.
  • شركة Nvidia: حتى بدايات العام الماضي كانت شركة TSMC تتولى صنع المعالجات الرسومية التي تصممها Nvidia، ولكن مع الجيل الأخيرة من البطاقات الرسومية الخاصة بها RTX 3000 من معمارية Ampere، انتقلت الأخيرة  إلى استخدام Samsung لصنع معالجاتها الرسومية، وذلك بسبب أن TSMC كانت لا تستطيع توفير قُدرات تصنيعية كافية لها. وهو ما دفع NVIDIA لأن تكون أول الشركات التي تحجز مقعدها مع دقة 5nm من TSMC لجيلهعا القادم من البطاقات الرسومية.
  • شركة  Qualcomm: بالرغمكونها أحد أكبر مزودي الشرائح الإلكترونية للهواتف الذكية، قد يبدو من الغريب للبعض أن الشركة لا تصنع شرائحها بنفسها عادة،  ولكن الواقع هو أنها تستفيد من قدرات TSMC التصنيعية في جزء كبير من معالجاتها.
  • شركة  Huawei: لفترة طويلة من الوقت تولت شركة TSMC تصنيع المعالجات والشرائح الإلكترونية من فئة Kirin الخاصة بشركة  Huawei، بالرغم من أن هذا التعاون قد توقف مؤخراً نتيجة العقوبات الأمريكية.
  • شركة  Intel: بالرغم من أن العملاق التقني الأزرق كان المُصنّع الرئيسي للشرائح الخاصة به منذ عقود من الزمن، إلا أن مشاكل التصنيع وسلاسل التوريد التي عانت منها الشركة في الفترات الأخيرة، دعتها للإعتماد على TSMC لفترة من الوقت حتى تتعافى مساكبها.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

الهيمنة على السوق

نمت شركة TSMC مع مرور الوقت لتحتل حصة 54 ٪ من سوق المسبك العالمي في عام 2020. كما أنها أصبحت الشركة الرائدة الأشهر في مجال تكنولوجيا التصنيع الدقيق، متجاوزة بذلك شركات عملاقة من ناحية القدرة المالية أو حتى العُمر مثل شركة  Intel Corpو Samsung التي كانت تتولى الريادة لفترة من الوقت في هذا السوق. فحالياً TSMC هي الشركة الوحيدة في العالم التي يمكنها توفير إمدادات ثابتة من رقائق أشباه الموصلات المنطقية التي يتم إنتاجها بكميات كبيرة باستخدام تقنية معالجة 5 نانومتر.

ومع اكتساب TSMC تفوقًا متزايدًا في سلسلة التوريد لأحدث أشباه الموصلات المنطقية، اعتمدت شركات التكنولوجيا الفائقة من الدرجة الأولى حول العالم اعتمادًا كبيرًا على رقائقها.  لتُصبح الشركة موجودة في الغالبية العُظمى من الشرائح المنطقية والمُعالجات، بما في ذلك رقائق iPhone التابعة لشركة  Apple Inc، ورقائق الذكاء الاصطناعي والمُعالجات الرسومية من شركة  Nvidia Corp. وأشباه الموصلات المستخدمة في الطائرات المقاتلة الشبح F-35 المتطورة للجيش الأمريكي،  فكل الرقائق الموجودة في هذه المُعدّاتتقريبًا من صنع تايوان.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

ولعل هذه الهيمنة الصناعية الكبيرة هي التي أدّت إلى اهتمام عالمي فيما يتعلق بالمخاطر الناجمة عن الإفراط في الاعتماد على الشركة. ومع ذلك ، وفي حين أن العديد من البلدان تعتمد بالمثل على  TSMC، تختلف المخاطر وقوة المساومة ضد الشركة وفقًا لكل دولة.  وهو الأمر الذي رأيناه في إستخدام الولايات المُتحدة الشركة للضغط على الشركات والحكومة الصينية في أزمة Huawei الأخيرة.

مخاطر السيطرة المُفرطة

في الحقيقة، لعل أحد الأمور الهامة التي أدّت إلى إزدياد قلق الكثيرين من سيطرة شركة TSMC الواضح والمتزايد على سوق أشباه الموصلات، هو موقع الشركة نفسها. فكما أشرنا سلفاً وفي السنوات الأخيرة، أوضحت المواقف التالية المخاطر الناجمة عن الاعتماد المفرط على  TSMC. أول هذه المواقف كان المواجهة المُحتدمة بين الولايات المتحدة والصين والتوترات العسكرية المتزايدة في مضيق تايوان،  حيث بدأ يشعر الناس بقلق متزايد بشأن حقيقة أن مصانع TSMC تتركز بشكل كبير في تايوان، الواقعة بجوار الصين مباشرةً.

الموقف الثاني حدث منذ بضعة أشهر. فبينما تتطلب عملية تصنيع الرقائق المتطورة كميات هائلة من الماء والكهرباء، بدأت تايوان تعاني من نقص في كليهما. حيث عانت الجزيرة من جفاف غير مسبوق خلال النصف الأول من عام 2021 وانقطاع التيار الكهربي مرتين في مايو ، مما ألقى بظلاله على سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات.

ما سبب هذه السيطرة ؟

وقد يسأل البعض، إذا كانت مخاطر إعتماد العالم الكبير على TSMC كبيراً لهذه الدرجة، فلماذا تعتمد سلسلة توريد أشباه الموصلات المنطقية في العالم إلى حد كبير على  TSMC؟ لماذا الشركة تنافسية للغاية ولا يمكن استبدالها بأي مسبك آخر؟

وللإجابة عن هذه النُقطة، يُمكننا القول أن TSMC إستطاعت إنشاء مكانة رفيعة لنفسها في سلسلة التوريد العالمية مدعومة بمجموعة من نقاط القوة التي راعتها الشركة في دورها كمسبك مُتخصص على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود. وتشمل هذه النقاط ما يلي: استثمار ضخم مستمر في عمليات التطوير، تاريخ طويل من التعاون الوثيق مع الشركات المصنعة للمعدات الأساسية. العامل الثالث هو تركز التفوق التكنولوجي وتركيز الشركة على تكنولوجيا المعالجة المتطورة، بجانب المجالات الأخرى ذات الصلة بما في ذلك تقنيات التغليف ثلاثي الأبعاد،  التي بدورها أصبحت محور المنافسة التكنولوجية الجديدة.  العامل التالي هو نظام الدعم القوي الذي تقوم به الشركة لمساعدة العملاء على تصميم شرائحهم، مع مكتبات غنية بالملكيات الفكرية  (IP)التي تُساعد على ذلك.  

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

ولعل أحد المزايا التي تُغذّي نفسها بنفسها، هي كثرة العُملاء من الأساس. فمع المزيد من العُملاء المتنوعين، إستطاعت الشركة الإستفادة من هذا التنوع في أن تكون صاحبة ريادة في مجال المعلومات الخاصة بتقنيات التصنيع، ومُتطلبات السوق، مما يُعطيها السبق المعلوماتي في هذا المجال.  حيث أن أحد عوامل النجاح الرئيسية لأعمال التصنيع - بما في ذلك مسابك أشباه الموصلات - هو الاستفادة من تدفق المعلومات المكتسبة من خلال التعامل مع العملاء بشكل متكرر ، وتعزيز دعم العملاء بناءً على المعلومات وجذب المزيد من العملاء المتميزين.

فلدى TSMC حاليًا على سبيل المثال، حوالي 500 عميل ، معظمهم من الشركات الأمريكية . بدءًا من الشركات الكبرى، مثل Apple و Qualcomm Inc و Advanced Micro Devices Inc و Amazon.com Inc ، ، ووصولاً إلى العديد من الشركات الناشئة الأُخرى.  ولعل هذه القاعدة العريضة والمتنتوعة من العُملاء ساعدت كثيراً في أن تكتسب TSMC ميزة تنافسية فيما يتعلق بجمع المعلومات.

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

وفي المُقابل، شركات مثل Samsung Electronics Co و  Intel، اللتان تحاولا اللحاق بركب TSMC في أعمال المسابك،  تتمتعان بالتفوق في القدرات الاستثمارية، والتعاون الوثيق مع موردي المعدات والقوة التكنولوجية العريقة لكل منهما، ولكنهما تتأخران من حيث دعم العملاء وقاعدة العملاء في هذا المجال التصنيعي.  ومن جانب آخر بالطبع، تفتقر المسابك الصينية إلى القوة في كل هذه المجالات. وبالتالي لن يتم الطعن في هيمنة الشركة من قبل منافسيها لفترة من الزمن، مما يعني أن الاعتماد الكبير على TSMC من المرجح أن يستمر لفترة طويلة.

إلى أين ؟

على مدى العقود الثلاثة الماضية، استثمرت شركة TSMC في الإستثمار في 18 منشأة حديثة لصناعة الرقائق، والتي تسمى "fabs" أو "منشأة التصنيع" في تايوان، كما أنها بدأت مؤخراً في التوسّع لتوفير مسابك جديدة لها في أوروبا وأمريكا، وذلك لتفادي المشكلات أو نقص الموارد التي قد تواجهها في البلد الأُم تايوان.  ولذلك تُمثّل الشركة اليوم أكثر من نصف قطاع المسابك الذي تبلغ تكلفته 42 مليار دولار في صناعة أشباه الموصلات. وهو ما جعل

ريستو بوهاكا ، رئيس شركة تحليلات أشباه الموصلات VLSI Research لبقية العالم : " تعتبر TSMC موردًا بالغ الأهمية لتلك الشركات التي ترغب في الحصول على الرقائق الأكثر تقدمًا المتاحة". " لا يوجد أي شخص آخر لديه القدرة كمسبك لتقديم الأحجام أو القدرات التي تطلبها تلك الشركات."

حكاوي تقنية: TSMC الشركة التي تُصنّع أكثر مُعالجات العالم!

لذا ومع هذه الصراعات السياسية التي لا تنتهي، ودخولها في صناعة أشباه الموصلات كورقة للضغط. وهذا التفوق الواضح لشركة TSMC في مجال أشباه الموصلات وقُربها من الصين المُتأّذية بشكل واضح من السياسات الأمريكية، والوضع المُتأزّم أصلاً في سلاسل التوريد العالمية الخاصة بالرقائق الإلكترونية، يظل السؤال الوحيد الذي يُقلق الجميع هو " هل سيُصبح كل شئ على ما يُرام ؟ أم أننا أمام تطورات وصراعات جديدة؟.". ومع عدم وجود بدائل بنفس القوة والهيمنة، فلا يعتقد الكثيرون أن أحداً يُمكنه الإعتماد على المسابك الأُخرى في الوقت الحالي، حتى ظهور المُنقذ، أو هدم المنزل على رأس الجميع!!