[quote  «النيّة الحسنة وحدها لن تضمن تحقيق السلام». ألفريد نوبل]

في عام 1867 اخترع العالم السويدي الأصل ألفريد نوبل الديناميت، -وذلك بعد أعوام من البحث والتطوير لمادة النيتروجلسرين المُتفجّرة- مسجلاً بذلك إنجازاً كبيراً في صناعة المتفجرات، وقد كان ذلك لأن الديناميت أكثر أمناً وأسهل استخداماً من مادة النيتروجليسرين الخطرة.

وبعد تسجيله براءة اختراع الديناميت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أصبح الديناميت يستخدم على نطاق عالمي واسع، ليدخل في مجالات مختلفة من التعدين وبناء شبكات النقل، وغير ذلك. ورغم شهرة الديناميت وارتباط اسم الفريد نوبل به، إلاّ أنه تمكن من إضافة اختراعات أخرى ليست أقل أهمية، ففي عام 1875 مثلاً اخترع نوبل مادة الجلجنيت، وهي مادة أُخرى تُعد أكثر استقراراً وقوة من الديناميت نفسه، بل وتمكّن عام 1887 من اختراع مادة البالستيت، وتسجيل براءة اختراع خاصة بها. وكما هو الحال مع سابقاتها، تُعد هذه المادّة مُقدّمة للعديد من مساحيق المتفجرات الحديثة العديمة الدُّخَان ولا تزال تستخدم كمادة مفجرة في الصواريخ.

ولعل الكثير من اختراعات نوبل التي كانت ترتبط بشكل كبير بالمُتفجّرات كانت السبب الرئيسي في التحول الذي حدث بعد ذلك في حياته ورؤيته العلمية والفلسلفية. حيث وقعت حادثة غريبة عام 1888، عندما توفي لودفيج، شقيق ألفرد نوبل، وأخطأت صحيفة فرنسية اعتقدت أن المتوفى هو ألفرد نوبل نفسه، فكتبت نعياً قالت فيه إن «تاجر الموت» قد مات. وذلك في إشارة منها إلى اختراعات ألفرد نوبل وصناعاته العدّة في مجال المتفجرات، التي أدت عند استخدامها في الحروب إلى مقتل عدد كبير من البشر.

وفي الحقيقة فقد عمل النعي -الخاطئ- كجرس إنذار للعالم السويدي. فقد كان صادماً لألفرد نوبل، الذي كان في الواقع رجلاً مسالماً لم يكن يهدف في يوم أن تؤدّي أبحاثه العلمية ومخترعاته إلى الموت والدمار، وقد شعر بحزن كبير حين تنبه إلى أن العالم لن يذكره بعد وفاته إلا على أنه «تاجر الموت» كما جاء في نعي الصحيفة. وقد كان هذا سبباً في وصية ألفرد نوبل التي وقعها عام 1895، والتي تبرع فيها بالجزء الأكبر من ثروته من أجل تخصيص جوائز لعلماء ينفعون البشرية بأبحاثهم واختراعاتهم، وهي الجائزة التي حملت اسمه فيما بعد وباتت الأشهر والأرفع في مختلف العلوم، فضلاً عن تخصيص جائزة نوبل للسلام، التي باتت أهم جوائز نوبل على الإطلاق!

ولعل ذلك ما جعله يقول بعد ذلك مقولته الشهيرة تلك وهي أن: "العدالة شيء يمكن أن يتحقق في الخيال فقط."

وعلّك عزيزي القارئ تتساءل الآن ما عِلاقة كُل ذلك بالتقنية أو التكنولوجيا عمومًا؟ وللإجابة على تساؤلك هذا دعن إذاً أخذك في رحلة تاريخية كما جرت العادة لبدايات ومُنتصف القرن العشرين. فهل أنت مُستعد؟

العِلاقة بين التقنية والحروب أصيلة

يقول المثل الشهير أن "الحاجة هي اُم الاختراع"، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتقنية فإن الحرب غالبًا ما تكون أُمًا بديلة.

لقرون، كانت الصراعات العسكرية أحد أهم الدوافع التي دفعت الدول والقادة إلى البحث عن حلول مُبتكرة وتكنولوجية، لإنهاء المعارك أو التهديدات التي واجهتها تلك الدول. وكما هو الحال مع أغلب الاختراعات والابتكارات الجديدة، فغالباً ما كانت هذه الحلول - بداية من قاذفات اللهب أو المنجنيق القديمة، مروراً بالأطعمة المُعلّبة ووصولاً إلى أجهزة الكمبيوتر- تصمد إلى ما بعد هذه المعارك كما هي أو على الأقل يُستمد من مبدأ عملها لتُصبح جُزء أصيل في تغيُّر المُجتمعات.

ووفقاً للراحل إدوين ستار، فإن الحروب في حد ذاتها ليست أمراً جيداً على الإطلاق بأي حال من الأحوال. ولكن في المُقابل، هل تدري عزيزي القارئ كمّ الاختراعات والاكتشافات التكنولوجية التي نعتمد عليها اليوم والتي بدأت كنوع من التكنولوجيا العسكرية؟ هل كُنّا من الممكن أصلاً -في حالة كان البشر كائنات مُسالمة- أن نرى أو نُطوّر تقنيات مثل أفران الميكروويف أو الإنترنت؟ دعني أُفاجئك عزيزي القارئ وأقول لك أن الإجابة هي لا، أو على الأقل ليس في الوقت الحالي على الإطلاق.

الحرب، سلاح ذو حدّين؟

الحروب بالرغم من بشاعتها يُمكن أن يكون لها أيضًا آثار مفيدة على التنمية الاقتصادية والتكنولوجية. فبشكل عام، تميل الحروب إلى تسريع التطور التكنولوجي لتكييف الأدوات لغرض تلبية الاحتياجات العسكرية المحددة، مثل تطوير أدوات تحديد المواقع، أو أدوات التوجيه للأسلحة، وأنظمة التصويب، والقنابل المُدمّرة وغيرها من أساليب الفتك المُتعددة. غير أن نفس الأدوات والتقنيات والتكنولوجيا المُستخدمة في هذه الحروب، قد تتطور في وقت لاحق إلى أجهزة واختراعات غير عسكرية. ولعل الرادار، الحواسيب (بمفهومها الحالي)، والإنترنت أيضاً هي أمثلة حيّة حديثة نسبيًا على ذلك.

وقد قال بول سيروزي أمين المتحف الوطني للطيران والفضاء التابع لمعهد سميثسونيان بواشنطن: "عندما تأتي الحرب، يتم إلقاء هذا المبلغ الهائل من الأموال على بناء وتطوير الأشياء. والتي غالبًا ما تكون غير أنيقة في طبيعتها من الجانب الأخلاقي، ولكنها تُسرّع العملية". وبالنسبة للكثيرين فإن الأحداث الإرهابية والنزاعات السياسية المُشابهة لها نفس التأثير تقريباً، مثل أحداث 11 سبتمبر الشهيرة على سبيل المثال.

التكنولوجيا والحرب

والناظر في التاريخ الخاص بالحواسيب والتكنولوجيا بشكل عام، سيرى أن الصراعات العالمية والمحورية التي اندلعت في أواسط القرن الماضي حتى التسعينيات منه تحديداً، كان لها تأثير كبير للغاية على تطور التقنية. حيث كان تأثير الحرب الباردة مثلاً واسع الانتشار مثل أي حرب معلنة، وقد أثّرت تلك الحرب على التكنولوجيا من عام 1945 إلى عام 1990. ولتوضيح هذا الأمر ببعض الأمثلة السريعة، يُمكننا مثلاً استعراض برنامَج الرئيس دوايت دي أيزنهاور في الخمسينيات من القرن الماضي، الذي كان الهدف منه تسهيل تحريك القوات العسكرية وإخلاء المدن في حالة الطوارئ النووية - وقد كان هذا النظام معروف رسميًا وقتها باسم نظام أيزنهاور للطرق السريعة بين الولايات والدفاع Eisenhower System of Interstate and Defense Highways - وقد حفّز هذا النظام بعد ذلك فكرة السفر بالسيارات بين المُدن البعيدة، ووضع الأساس لهجرة الضواحي الكبيرة.

تطور الكمبيوتر الأول

من جانب الكمبيوتر نفسه بشكل أكثر خصوصية، سنجد أن شكل الكمبيوتر  ووظيفته تأثرت بشكل كبير بالحرب وظلالها. حيث دفعت الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة إلى استثمار 500 ألف دولار لتطوير واحد من أوائل أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية.

وقال ألان إي ماركوس، مدير مركز الدراسات التاريخية للتكنولوجيا والعلوم في جامعة ولاية ايوا تعليقاً على هذا الأمر: " في ظلال الحرب، كانت هناك حاجة لعمل جهاز حسابي بشكل سريع للغاية، لذلك فقد قامت الحكومة الفيدرالية بضخ أطنان وأطنان من المال لتطوير هذا الحاسوب الذي يبحثون عنه. وبالتالي لم يكن الحجم ولا النفقات شيئًا يؤرّق مضاجعهم آنذاك".

وقد كُللت هذه الجهود بالنجاح وكانت النتيجة في عام 1946: وهو ظهور جهاز "المكامل الرقمي الإلكتروني والكمبيوتر" أو (Electronic Numeric Integrator and Computer) أو ENIAC اختصاراً. وقد كان جهازاً عملاقاً بحق يبلغ وزنه 30 طنًا في جامعة بنسلفانيا تسبب عمله للمرة الأولى في حدوث انقطاع في الكهرباء في فيلادلفيا بالكامل!. والطريف في الأمر أن وظيفة هذا الحاسوب كانت -بسيط بمقياس اليوم- ولكنها أمر بالغ الأهمّية في ذلك الوقت. حيث كانت مهمته هي حساب جداول المقذوفات الخاصة بـ Aberdeen Proving Ground .

ولعل الطريف في الأمر هُنا هو أن الجيش كان في السابق يجوب الكليات النسائية  -حيث كان الرجال في معركة - ويقوم بالاستعانة بالمُتخصصّات في مجال الرياضيات لإجراء بعض الحسابات التي كانت تُساعد الجنود لتوجيه الأسلحة الكبيرة ميكانيكيًا والقاذفات المدفعية. وقالت سيروزي من مؤسسة سميثسونيان إن المسميات الوظيفية للمرأة العاملة في هذا المجال كان  الحاسبة أو" الكمبيوتر Computer "، وقد أتى منها بعد ذلك تسمية الجهاز (المرأة ليسف فقط نصف المُجتمع على ما يبدو xD).

وعلى كل حال، تم إكمال ENIAC بنجاح، ولكن ليس إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن ثم شرع المُصنعون في تطوير وتصغير أجهزة الكمبيوتر، ولكن ليس إلا بعد جيل كامل من الأجهزة، وذلك كما أشرنا من قبل استجابةً لسباق الفضاء ومجموعة جديدة من المخاوف العالمية ضمن فترة الحرب الباردة.

إختراع الرادار

فبينما عمل العلماء في جميع أنحاء العالم على استخدام هوائيات الراديو لاكتشاف الأجسام البعيدة خلال الجزء الأول من القرن العشرين، فإننا نعزو الفضل إلى السير روبرت واتسون وات في بناء أول رادار عملي تم تعيينه في عام 1935. حيث تبنّت وزارة الطيران البريطانية تصميمه واستخدمته لكشف المُعتدين خلال الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية. وقد أصبح الرادار بعد ذلك أداة مهمة في الجيوش حول العالم. ولكن في المقابل، تطلب اعتماد الرادار من الدول التكيف مع استراتيجيات الحرب الجديدة. كما أنها دفعت الولايات المتحدة إلى الاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد طرق جديدة لإرباك الرادار. وكانت النتيجة تكنولوجيا الطائرات الشبحية.

ولكن على الوجه الآخر من العُملة ومن الجبهة المدنية للأمور، فقد لعب الرادار دورًا مختلفًا. حيث قام عالم يُدعى بيرسي إل سبنسر باكتشاف مثير للاهتمام أثناء وقوفه بالقرب من مغنطرون - وهو جهاز يعمل على تشغيل مجموعات الرادار. حيث كان لدى سبنسر قطعة شوكولاتة في جيبه. ولكنه لاحظ أن قطعة الشوكولاتة قد بدأت  في الذوبان عندما وقف سبنسر بالقرب من المغنطرون. وكعادة العُلماء فلم يمر هذا الأمر مرور الكرام، وقد أثار هذا فضول سبنسر وبدأ في البحث عن السبب وراء حدوث ذلك. لتؤدّي تلك الحادثة بعد ذلك إلى اختراع فرن الميكروويف.

شبكة ARPANET ومفهوم الإنترنت

أحد الأمور التي قد لا يعرفها الكثيرين أيضاً، هو أن الإنترنت نفسه بدأ بطريقة أو بأُخرى كمشروع عسكري. ففي الستينيات من القرن الماضي، موّلت وزارة الدفاع الأمريكية مشروعًا يُسمّى ARPANET. وقد كان الغرض من المشروع هو تطوير التقنيات والبروتوكولات اللازمة للسماح لأجهزة كمبيوتر متعددة بالاتصال مباشرة ببعضها البعض. حيث سيسمح هذا الاختراع الجديد للأشخاص بمشاركة المعلومات مع بعضهم البعض بسرعات غير مسبوقة. كما يمكن أن يكون لهذه الشبكة المُترابطة من أجهزة الكمبيوتر أيضًا فائدة أخرى: وهي الأمن القومي. فمن خلال إنشاء شبكة قوية ومرنة، يمكن للولايات المتحدة ضمان أنه في حالة وقوع كارثة، يمكن أن يظل الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر العملاقة في البلاد كما هو.

وقد سمحت بروتوكولات ARPANET للمعلومات بالسفر عبر طرق أو مسارات مختلفة. بحيث أنه إذا حدث شيء ما لعُقدة أو جهاز كمبيوتر على طول أحد المسارات، تقوم المعلومات بأخذ مسارًا آخر للوصول إلى الوجهة الصحيحة. لذا يعزوا الفضل في تواجد الأساس الذي بُنيت عليه شبكة الإنترنت بعد ذلك، للابتكارات، البروتوكولات والتصميمات التي أنشأها فريق  ARPANET. وبينما لم تلعب الحروب "بإخراج الحرب الباردة من المُعادلة" دورًا مباشرًا في تطور الإنترنت بشكل مُباشر، إلا أن خطر النزاعات المستقبلية كان لها تأثير مباشر.

سباق الفضاء

مثال آخر على كيفية تأثير احتمالية الحرب على التطور التكنولوجي هو سباق الفضاء بين الولايات المتحدة وما كان يعرف آنذاك بالاتحاد السوفيتي. ففي الرابع من  أكتوبر عام 1957، نجح الاتحاد السوفيتي في إطلاق أول قمر صناعي من صنع الإنسان في مدار الأرض. كان اسمه سبوتنيك، والذي بدوره فتح النافذة على عصر جديد من الابتكار المكثف والمركّز. وقد ذهب جزء كبير من هذه البحوث إلى مشروعات مثل ARPANET. والتي ركّز الكثير منها على سباق الفضاء للتأكيد على أن فكرة هيمنة تكنولوجيا الفضاء الخاصة بالولايات المتحدة على السوفييت.

وقد كانت عدة عوامل تُغذّي هذا السباق. أحدها كان الخوف - إذا تمكن السوفييت من إطلاق صاروخ بحمولة بحجم سبوتنيك في المدار الأرضي، فمن الممكن أن تشن الدولة هجومًا صاروخيًا على الولايات المتحدة من جميع أنحاء العالم من الفضاء. لذا وعلى الرغم من وجود الكثير من الأسباب العلمية لمتابعة سباق الفضاء، إلا أن الأمر في الأساس كان يعول إلى التسابق والصراع بين قُطبي القوة في ذلك الوقت. وبالرغم من أن الدوافع وراء سباق الفضاء قد لا تكون -في أساسها على الأقل- مبنية على الرغبة في توسيع معرفتنا العلمية، إلا أن هذا لا يُقلل بأي حال من الإنجازات التي حققها هذا السباق لكلا البلدين والعالم أجمع.

ولكن هل الارتباط ينحصر فقط في القرن الأخير؟

قد يقول البعض هُنا الآن أن هذا الارتباط الوثيق هو وليد القرن الأخير، غير أن الحقيقة غير ذلك في الواقع. حيث إن الاعتماد على العلم والتكنولوجيا لتهدئة مخاوف الحروب، أو في المُقابل "تأجيجها" في الحقيقة ليس ظاهرة حديثة بالكامل. فقد صمم ليوناردو دافينشي بدايات للعديد من المفاهيم مثل الغواصات والدبابات والمدافع الرشاشة في القرن السادس عشر. وقد كانت جيوش نابليون من بين أول من استخدم الطعام المُعلّب، وهو الأمر الذي حل محل الحاجة إلى نهب أقرب قرية لتناول الطعام (ولكن ذلك لم يمنعهم من نهبها لأسباب أُخرى بالطبع). وقد قدم خبير المناطيد ثاديوس سوبيسكي لوي الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن إلى فكرة استخدام بالونات الهواء الساخن لتسجيل مكان تواجد القوات الكونفدرالية من على بعد آلاف الأقدام في الهواء.

المنجنيق!

أحد هذه الاختراعات الأكثر قدماً هو المنجنيق، والذي استُخدم منذ أقدم العصور، ويعود أول ذكر له إلى المؤرخ ديودورس الصقلي الذي وصف اختراعه في اليونان في عام 399 قبل الميلاد، قبل أن يستخدم هذا السلاح للمرة الأولى في التاريخ عام 397، وذلك في حصار مدينة موتيا أثناء الحروب البونيقية اليونانية. ثم ثبت أنه واحد من أهم الآليات الحربية في العصور القديمة وخلال العصور الوسطى. وقد بقيت المجانيق في حيز الاستخدام الحربي بأشكال مختلفة حتى مطلع القرن العشرين، حيث استخدمت في المراحل الأولى من صراع الخنادق في الحرب العالمية الأولى لإلقاء القنابل اليدوية إلى معسكر العدو، قبل أن تستبدل لاحقاً بمدافع الهاون.

فكرة المُختبرات العلمية العسكرية

أحد المواقف التي عززت فكرة ارتباط العلم والتكنولوجيا بالحروب هو ما حدث عام 1915، عندما زاد قلق الأمريكيين بشأن القتال في أوروبا، وأخبر توماس أديسون مراسل صحيفة نيويورك تايمز الذي طلب أفكارًا بشأن الصراع أن الأمة يجب أن تتطلع إلى العلم. قال إديسون، الذي حدثت اختراعاته -بما في ذلك المصباح الكهربائي والفونوغراف- في وقت السلم: "يجب أن تحتفظ الحكومة بمختبر أبحاث عظيم". ثم أردف"في هذا يمكن تطوير ... كل تقنيات التقدم العسكري والبحري دون أي تكلفة باهظة". وقد ساعد إديسون نفسه لاحقًا في تقديم المشورة للبحرية الأمريكية في أثناء إنشائها لمختبر البحوث البحرية. وقد ساعدهم ذلك على القيام بعمل رائد في مجال الراديو عالي التردد والسونار تحت الماء وأول جهاز رادار عملي في البلاد.

وقد لعبت الحرب العالمية الثانية دورًا أساسيًا في تطوير الأبحاث في مجال الطائرات والرادار والطب التعويضي كذلك. كما وقد ساعدت كثيراً "كما كان الحال مع الديناميت" في تطوير دراسات الطاقة الذرية التي كانت فعلًا قيد الدراسة قبل الحرب، لكن تطويرها كسلاح للدمار الشامل أنهى الحرب وخلق نظامًا عالميًا جديدًا.

السلاح الأخير!

والآن يأتي التساؤل الأكبر في هذا الجانب. هل التكنولوجيا عمومًا سيئة؟ وبشكل أكثر تحديداً، هل التكنولوجيا العسكرية هي الجانب المظلم للابتكار؟ في الحقيقة الإجابة على هذه النُقطة ستُعيدنا لنقطة البداية حقيقة، فهُناك عددًا لا يحصى من المخترعين والمبتكرين، بداية من صديق المقال السيد ألفريد نوبل ووصولاً إلى روبرت بوي، الذين -بسذاجتهم- فكروا في الأسلحة بشكل إيجابي. حيث أنهم اعتقدوا أن بإمكانهم إبعاد ويلات الحرب، أو على الأقل كبح تجاوزاتها وجماحها، إذا كان بإمكانهم فقط اختراع السلاح النهائي الخارق، تلك الأداة التدميرية الرهيبة لدرجة ألّا يجرؤ أحد على استخدامها. تلك الأداة التي قد يؤدي استخدامها إلى دمار لا يُمكن تعويضه. ولا أدري في الحقيقة هل كان هؤلاء العُلماء في كامل قواهم العقلية حينما فكروا في ذلك، أم أنهم كانوا يتهرّبون من حصص التاريخ في أيام الدراسة!

فالناظر في التاريخ بعين الباحث، سيرى أن ذلك يستحيل على الجنس البشري. فبداية من اختراع المنجنيق الذي يُعتقد بأنّ الإغريق القدماء هم أول من اخترعته، وفقًا للاكتشافات القديمة، حيث إنّ المعلومات التي تم العثور عليها حول أجهزة الحصار القديمة، والتي قد تم ذكرها في النصوص القديمة التي قد كتبها فيتروفيوس وفيلو البيزنطي في القرن الثالث قبل الميلاد، ذكرت أن القلاع والمدن المحصنة تقوم باستخدام المنجنيق واستخدمت المقاليع كسلاح حصار رئيسي. أو حتى وصولاً للعصر الحديث مع اختراع الديناميت وويلات الدمار التي خلّفها وراءه. تُصبح مثل هذه المقولات دليلاً على أن هؤلاء القوم كانوا يتوقّعون أنهم يعيشون في عالم خيالي أو في المدينة الفاضلة.

وبعد مرور أكثر من ستة عقود على العصر النووي، لا زال البعض يعتقد أن هناك أدلة متزايدة على أن القنبلة الهيدروجينية قد تثبت أنها أداة إيقاف الحرب التي طال انتظارها. وهو كما أشرت توّاً، سوف يتعارض مع السجل المؤسف للحضارة البشرية السابقة، الذي ساهمت كل أداة حرب جديدة فيه في مذبحة جديدة دون تغيير الطبيعة البشرية التي يعتقد ثوسيديدس أنها هي الأساس الأول في هذه الحروب. وفي هذا الصدد، كان ملفين كرانزبيرج، وهو أحد مؤسسي جمعية تاريخ التكنولوجيا والمحرر المؤسس لمجلتها المعروفة باسم (التكنولوجيا والثقافة)، مغرمًا بمقولة أن التكنولوجيا ليست جيدة ولا سيئة في حد ذاتها، كما أنها ليست محايدة أيضاً.

التقنية في نهاية المطاف إذاً بريئة من كل ذلك. فالتكنولوجيا في جوهرها هي فقط عملية التلاعب بالعالم المادي للأغراض البشرية. وسواء كان ذلك جيدًا يصب في جانب الخير، أو سيئًا يؤجج من ويلات الحرب، فهذا أمر لا يعتمد على التكنولوجيا نفسها ولكن على ما يختار البشر فعله بها!