إذا كنت تستهزئ بالحرب، قد تعلمك الألعاب درسًا إنسانيًا قاسيًا!
لقد بدأت الحرب فمن ستشجع روسيا أم أوكرانيا؟، ألمانيا ستغزو فرنسا لرغبتها في الحصول على بعض الكرواسون!
الكثير من هذه الدعابات منتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي مُنذ بدء القوات الروسية في عملياتها العسكرية، وهنا بدأت أتسائل هل يوجد مشكلة أخلاقية لدى الناس، أم أن الأمر يحتمل بالفعل المزاح؟
ثم بعد ذلك بدأت موجة أخرى تظهر تندد بمن يقوم بنشر الدعابات حول الحرب، وكيف أن هذه الدعابات دليل على الوحشية وانعدام المعايير الأخلاقية، وهنا تأكدت من وجود انقسام كبيرة في طريقة تلقي الفرد للمعطيات المختلفة.
ما يهمني في هذا الأمر هو طريقة تعامل وسائل الترفيه مع فكرة الحرب، لأن من وجهة نظري وسائل الترفيه المختلفة التي تستخدم المحتوى الحربي هي التي أدت إلى حالة التبلد والاستهزاء الموجودة عند البعض!
الحرب في الأفلام والألعاب
الحرب محتوى دسم جدًا يمكن من خلاله تقديم أي محتوى ترفيهي، أعلم أن الجملة قد تكون صادمة بعض الشيئ ولكن نعم نحن نستمتع بمشاهدة الأفلام الحربية، بل ونستمتع أكثر ونحن نلعب لعبة مثل Call of Duty.
المشكلة هنا هو أن هذه الأفلام أو الألعاب تشكل الحرب من منظور بطولي بحت، أن ترى بطل الفيلم وهو يقوم بقتل العدو واحدًا تلو الأخر، وكذلك تلعب Call of Duty وBattlefield لتقتل الأعداء وكأنك الجندي الخارق.
النظرة القاصرة الأخطر هو تقديم أطراف النزاع بين الخير المُطلق والشر المُطلق، لنرى جميع أفلام الحرب العالمية الثانية فهي تصور الألمان أشرار وجنود الولايات المتحدة الأمريكية حماة السلام!
نفس الأمر يتكرر مع الألعاب الحربية، التي تقدم دائمًا خير مُطلق وشر مُطلق، وحتى إن حاولت اللعبة كسر بعض التابوهات مثل Call of Duty Modern Warfare التي تحتوي على نهايتين مختلفتين.
لكن نحن نتحدث عن نهاية ينتصر فيها الطيبون وينقذون العالم، ونهاية أخرى ينتصر فيها الأشرار ويتدمر العالم، هنا مزالت اللعبة تتمسك بفكرة تقديم اللون الأبيض والأسود فقط.
الأمور أعمق بكثير!
لماذا لم نتسائل يومًا عن القصة وراء هذا الجندي الشرير الموجود في الفيلم أو اللعبة، ربما يكون لدى هذا الجندي النازي أسرة يحبها وتحبه، أولاد ينتظرون عودته من هذه الحرب المريرة.
القصة دائمًا أعمق ولها الكثير من الابعاد، ولكن محاولة ترويج بعض الأفكار تجعل صانع المحتوى يهمل هذه القصة العميقة، نحن نريد أن نصنع عملًا فنيا لنبين الولايات المتحدة بطلة ونبرر أفعالها أثناء الحرب مثل إلقاء القنبلة النووية، وبالتالي يجب دوما تصوير الجندي الياباني على أنه جندي فاقد للتوازن العقلي يريد الدمار للعالم حتى وإن كان على حساب روحه، ويمكنه في أي وقت تفجير نفسه بأحضان العدو.
لكن القصة الحقيقة هو أن هذا الجندي الياباني يُريد العودة إلى الديار بكل تأكيد إلى أسرته وأبنائه، ونفس الأمر مع الجندي الأمريكي ولكن كُتبت الحرب ولا مفر منها.
هذه السطحية التي تتعامل بها وسائل الإعلام والترفيه مع فكرة الحرب تنتقل إلى أذهان المتابعين عامًا بعد عام، وفي النهاية يتكون لدينا هذا الانقسام، البعض تشبع بهذه الأفكار السطحية ويكون الآن وجهة نظر بيضاء أو سوداء لا رمادي فيها.
نوادر صورت الحرب كما ينبغي
فكرة التعميم والإطلاق هي من أكثر الأفكار السلبية المنتشرة في عالمنا، فمثلًا في موضوعنا هنا يوجد الكثير من الأعمال التي صورت الحرب بشكلها الصحيح، ولكن للأسف أقل في الشهرة من الأعمال التجارية لأنها بطبيعة الحال تحتوي هذه الأعمال على توجهات فنية تحتاج إلى تذوق من المستقبل على عكس الأعمال التجارية التي تعتمد على الإبهار والتقنيات الحديثة.
على أي حال إذا كنت واحدًا من الذين لا يُدركون الابعاد الاجتماعية للحرب فاليوم سأتحدث عن لعبة ربما تغير فكرتك عن الحرب بشكل كبير وهذه اللعبة هي This War of Mine من تطوير ونشر الفريق البولندي 11 bit Studios.
فكرة اللعبة
تتناول اللعبة فكرة الحرب من منظور مختلف تمامًا عن كل الألعاب السطحية الأخرى، فهي تتحدث عن معاناة المواطنين أنفسهم خلال فترة الحرب.
اندلعت في البلاد حرب أهلية ترتب عليها حبس منطقة سكانية كاملة بدون أي إمدادات أو حى التفات سواء من الحكومة النظامية أو القوات الانفصالية.
تبدأ اللعبة وأنت في منزل محطم بسبب القصف ولديك مجموعة من الشخصيات التي تحاول جميعها البقاء داخل هذا المنزل، لكل شخصية مهارة مختلفة وخلفية قصصية مختلفة أيضًا، وبدورك كلاعب يجب عليك تنظيم العمل بين هذه الشخصيات وتقسيمة، إلى جانب استكشاف المدينة ليلًا بحثًا عن الموارد.
مواقف تهز الأعماق
اللعبة تركز بشكل كبير جدًا على الجانب الإنساني وتأثير الحرب عليه حيث تضعك اللعبة في العديد من المواقف التي يجب على اتخاذ قرار فيها ربما يكون صادمًا، فمثلًا قد يتضور فريقك جوعًا ولا تجد أمامك فرصة سوى أن تسرق الطعام من أحد المسنين في منزل أخر.
وقد تضعك اللعبة في موقف يضطرك إلى قتل أحد الأشخاص وربما يكون الشخص الذي قمت بقتله هو الآخر يحاول النجاة ليس أكثر.
شخصيًا عندما قمت بلعب This War of Mine مررت بمشاعر مختلطة جدًا جعلتني أفكر كثيرًا عن مكنونات النفس وماذا يمكن أن أفعل إذا تم وضعي في هذه المواقف.
لقد قمت بسرقة الأدوات والمستلزمات الطبية من المشفى العام لنعالج جرح خطير لأحد الشخصيات، فعل غير أخلاقي على الإطلاق وأناني ولكنه مبرر بسبب الظروف التي تضغط عليك وقد تدفعك إلى ماهو أسوأ حتى.
لقد رفضت إيواء مشردين يعانون من القصف خارج المنزل بسبب عدم وجود موارد كافية والطعام قد ينفذ في أي وقت من فريقي، تصرف آخر غير أخلاقي وأناني لأقصى حد ولكنه مبرر مرة أخرى بسبب الظروف.
يمكنني أن أستمر في سرد المواقف الانانية الغير أخلاقية التي تجبرك عليها اللعبة ولكنها مبررة في نفس الوقت، وكأن اللعبة تريد الضغط على شرخ داخل نفس اللاعب، تُريد أن تذكره بقساوة الحرب ومدى تأثيرها عليك كإنسان قبل أي شيئ.
اللعبة تصفع كل من يظن الحرب لعبة أو أنها رحلة، سنذهب فيها لقصف معسكرات جيش العدو وستنتهي كل المشاكل في ساعات معدودة، وتذكر الجميع أن الحرب الحقيقة هي حرب التمسك بالنفس النقية والفطرة السليمة.
وكأن ما سبق لا يكفي؟
تم إصدار توسعات أخرى للعبة منهم توسعة تضع الأطفال في المعادلة، وكأن الأسى الموجود في اللعبة أصلًا لا يكفي، الآن لديك طفل داخل المنزل يُريد أن يلعب ويلهو ويأكل، وفي نفس الوقت يجب على الأب أن يشعر هذا الطفل بالأمان وأنه لا توجد مشاكل.
توسعة The Little Ones هي العنوان الوحيد الذي انتزع الدموع من عيني وجعلني أبكي كطفل صغير، معاناة الأب وكيف لا يجد طعام كافي له ولطفلته فيقوم بإعطاء كل الطعام للطفلة ويبقى هو بدون طعام يتضور جوعًا، شعوره بالإحباط والاكتئاب وفي نفس الوقت ضرورة اللعب مع الطفلة وعدم إشعارها بأي مشكلة من هذه المشكلات.
الكثير من الضغوط تضعها اللاعب على شخصياتها وبدورها تنتقل هذه الضغوط إليك كلاعب لدرجة تجعلك تُريد أن تصرخ صرخة غضب تضامنًا مع الشخصية، صرخة تلعن فيها كل حرب وكل طلقة تخرج من فوهة سلاح لتدمير حياة وتفقد أشخاص أعز ما يمتلكون.
نهاية اللعبة تأتي إذا تمكنت من البقاء لعدد من الأيام حتى تنتهي الحرب، ولكن اللعبة هنا تضع أخر قطرات الكحول على الجرح حيث تبدأ في إعطاء نهايات الشخصيات، وهذه النهايات تختلف باختلاف طريقة لعبك ومرورك بالتجربة.
قد تفوز في اللعبة بفضل شخصية قامت بقتل الكثير من الشخصيات الاخرى وسرقت لك الطعام والمستلزمات، ولكن هذه الشخصية لن تستطيع التعامل مع العالم مرة أخرى وتقرر الانتحار!
الكثير من النهايات والتفريعات المنطقية التي تقدمها اللعبة تكون صادمة جدًا، في رسالة أخيرة واضحة مضمونها أن الحرب ليست مجرد جنود خارقين يقومون بتدمير العدو هنا وهنا، بل الحرب هي المأساة التي يعيشها المدنيون الآمنون
لذلك عزيزي القارئ عندما تسمع بأخبار جديدة عن أي حرب دائرة حاول دائمًا تذكر الأطفال والعائلات التي تعاني، لا تختلق أعذارًا ولا تقول هذا هو ما يفعله الغرب بنا اترك الغرب وحكوماته وركز مع الإنسان الذي لا ذنب له في أي شيئ، أو أقول لك حل أخر يمكنك لعب This War of Mine...
?xml>