ما الذي سيأتي بعد الهواتف الذكية؟
على مدار ذاكرة معظم من يحيا الآن من البشر، كان يظهر مركز جديد لصناعة التقنية كل خمسة عشر عامًا تقريبًا، بمعنى ظهور نموذج حوسبة يحدد جدول أعمال المجال بأكمله، وتهيمن الشركة أو الشركات التي تفوز بهذا النموذج على الصناعة ويخشاها الجميع، ثم يظهر نموذج جديد ويشكل مركزًا جديدًا، ليتوقف النموذج القديم عن إثارة الاهتمام. يمكننا أن نرتبها بدايةً من الحواسيب المركزية العملاقة ثم الحواسيب الشخصية ثم الإنترنت وصولًا للهواتف الذكية حاليًا!
بدأت كل من هذه النماذج الجديدة في الظهور بصورة محدودة وكانت تقتصر على مجالات محددة، لكن بالمقابل فتح كل منها سوقًا جديدًا كان أكبر بكثير لدرجة أنه جذب كل الاستثمارات والابتكارات وإنشاء الشركات الجديدة، وبالتالي نما كثيرًا ليتفوق على النموذج السابق له.
في ذات الوقت، لم تختفِ النماذج القديمة بالكامل، وفي الغالب لم تختفِ الشركات التي تعمل بها، فمثلًا لا تزال الحواسيب المركزية العملاقة نموذج أعمال ضخم وكذلك شركة IBM، كما لا تزال أجهزة الحاسب الشخصي تمثل نموذج أعمال ناجح للغاية وكذلك شركة مثل مايكروسوفت، لكن الفارق الوحيد هنا أنهم لم يعودوا يضعون جدول الأعمال الخاص بمجال التقنية بعد الآن، ولا يخشاهم أحد!
واليوم، منذ بداية ظهور أول هاتف آيفون في يناير عام 2007، تكمل الهواتف الذكية التي تعمل بتقنية اللمس المتعدد نحو 14 عامًا، ويبدو أن المنحنى بدأ في الهبوط. معظم الأشياء والإمكانات والابتكارات المذهلة قد ظهرت بالفعل وربما أوشكت على الانتهاء، وقد نعلن فوز شركات مثل أبل وجوجل بالسوق، في حين لم يكن آيفون 12 الجديد مثيرًا للاهتمام لهذه الدرجة، باستثناء أن الابتكار الجديد كان سلبيًا وهو إزالة الشاحن والسماعة من علبة الهاتف الجديد. لذا، يبدو أن الوقت قد حان أخيرًا لنطرح التساؤل الحتمي: ما هو الجيل القادم، ما النموذج الجديد الذي سيأتي بعد الهواتف الذكية ويسيطر على أجندة أعمال التقنية؟
هناك عدة طرق لمحاولة الإجابة على هذا السؤال!
ما الجهاز الذي يمكنه أن يستبدل الهواتف الذكية؟
أولاً، فتح كل نموذج من النماذج السابقة سوقًا جديدة كبيرة للغاية، ولكن أكثر من 4 مليارات شخص يملكون هاتف ذكي اليوم، ولا يوجد سوى 5.7 مليار شخص بالغ على وجه الأرض. حسنًا، لا يمكننا فتح سوق أكبر من هذا، لقد انتهى عدد العملاء حرفيًا! لذا، يبدو أن نموذج نمو أعمال الهواتف الذكية قد اكتمل.
تتمثل طريقة أخرى للإجابة على السؤال في طرح سؤال آخر: ماذا يوجد في المختبرات؟
هناك قدر هائل من الابتكارات التقنية التي تحدث في وقتنا الحالي، ولكن متى لم يكن هناك ابتكارات جديدة؟ السؤال هنا هو كيف يمكن أن يتحول ابتكار ما إلى منتج عالمي يستخدمه الجميع. وبالتالي، يمكن أن تكون معظم الابتكارات مهمة جدًا للمجتمع، لكن اللحوم النباتية أو الأقمار الصناعية الصغيرة ليست نموذجًا لاستبدال الهواتف الذكية أو حتى دعائم أساسية لصناعة التقنية. ومن الناحية النظرية، يمكن لواجهة عصبية تعتمد على الذكاء الاصطناعي أن تستبدل الهواتف الذكية، لكن التقنيات المطلوبة لتحقيق ذلك، وجعلها أكثر من مجرد وسيلة لتشغيل الضوء أو فتح الباب، تبدو أنها على بعد عقود من الزمن، هذا يبدو كخيال علمي، وليس توقعًا.
بينما الجهاز الذي يمكنه أن يحل محل الهاتف الذكي هو أجهزة الواقع الافتراضي VR أو الواقع المعزز AR أو كليهما، بالتأكيد لا يمكن أن تصل تلك الأجهزة إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالهواتف الذكية، ولكن يمكنها استبدال التجربة. وفي وقتنا الحالي، الأمر يعتمد على التخمينات والتوقعات أكثر.
لدينا الآن بالفعل بعض أجهزة الواقع الافتراضي VR المناسبة للألعاب، وبعض حالات الاستخدام الصناعي القليلة، وهناك أمل في أن تنمو تلك الأجهزة والبرمجيات لتصبح عالمية أكثر، ولكن ليس من الواضح بعد ما إذا كانت تقنية الواقع الافتراضي تحتاج إلى بعض التغييرات الأساسية في حال أردنا الاستفادة منها بأكثر من اكسسوارات فرعية لمنصات الألعاب المنزلية.
من الجهة الأخرى، لا تزال نظارات الواقع المعزز AR سؤالًا على آخر حدود العلم: هل يمكننا صنع أجهزة بصرية تشبه نظارات القراءة، أو في يوم من الأيام عدسات لاصقة، ومع ذلك يمكنها أن تضع أمامك شيئًا ما في العالم الحقيقي يبدو كما لو أنه موجود بالفعل مع مجال رؤية جيد؟ وإذا استطعنا هذا، كما في الواقع الافتراضي، فسيكون أمرًا رائعًا بالطبع، ولكن ما مدى فائدته تحديدًا؟
ربما النظر إلى هذه الأشياء اليوم يشبه مشاهدة عرض توضيحي لتقنية اللمس المتعدد في عام 2005، أنت تعرف أنها تقنية مفيدة لشيء ما، ولكن ما هو بالضبط؟
خوارزميات وتعلم الآلة.. ما وراء الكواليس!
ومع ذلك، قد تكون هذه طريقة تفكير خاطئة في التقنية التالية التي يمكنها استبدال الهواتف الذكية، كما هو الحال عندما ننظر إلى التسلسل السابق بنظرة سطحية: "حاسوب مركزي - كمبيوتر شخصي - إنترنت - هاتف ذكي"، ربما يجب أن نفكر أيضًا بصورة أعمق فيما كان يحدث خلف الكواليس: "قواعد بيانات - عميل/خادم - مصدر مفتوح - تخزين سحابي".
بمعنى أن هناك مجالات تطور أخرى أقل وضوحًا لنا ولكنها لا تقل أهمية عن المنتج النهائي نفسه. وإذا اتبعنا هذا النموذج، فمن الواضح أن الاتجاهات الأساسية اليوم هي الخوارزميات وتعلم الآلة، وربما العملات الرقمية المشفرة.
من الواضح حاليًا أننا نعيد تشكيل صناعة التقنية بأكملها حول الخوارزميات وتعلم الآلة، وربما كثير من الصناعات الأخرى أيضًا، وبالرغم من وجود أسباب واضحة لعدم توصلنا لشيء جديد بعد الهواتف الذكية في أي وقت قريب، إلا أن الأمر مختلف فيما يتعلق بالخوارزميات وتعلم الألة، فهناك عملية مستمرة للابتكار والإبداع كل يوم تقريبًا.
ولكن نحو ربع عمليات المؤسسات الكبيرة قد انتقلت إلى الأعمال السحابية بالكامل حتى الآن، أما البقية فلا تزال تعتمد على الأنظمة القديمة، وفي الواقع على الحواسيب المركزية. لذا، هناك أعمال ضخمة تجري وشركات جديدة تظهر لنقل الجزء المتبقي خلال العقد أو العقدين المقبلين، وهذا ما يمكننا أن نطلق عليه "التحول الرقمي".
?xml>