ماذا لو كانت الهواتف الذكية موجودة أثناء الحرب العالمية؟ أم من المنطقي أكثر أن الحرب هي التي خلقت بدايات الهواتف الذكية التي تتصفح من خلالها مقال اليوم؟ معضلة البيضة والدجاجة الشهيرة، لكن على كل حال دعنا نتخيل لو أن التقدم التكنولوجي الموجود الآن وجد أثناء الحرب العالمية الثانية!

في أكثر السيناريوهات تشاؤمًا لكانت الحرب التي استمرت اكثر من خمس سنوات لن تستمر أكثر من ثلاثة أشهر! كيف هذا؟

حرب هتلر!

ماذا لو كانت التقنية أكثر تطورًا أثناء الحرب العالمية الثانية؟

من المهم معرفة أن الحرب العالمية الثانية أطلق عليها "حرب هتلر"، حيث نجحت ألمانيا بشكل غير عادي في الأعوام الأولى لها، حتى أن هتلر اقترب من فرض هيمنته على أوروبا كما كان يحلم دائمًا، لكن انتصاراته لم تكن جزءًا من تصور استراتيجي يضمن النصر على المدى الطويل، ومع ذلك كانت النجاحات المبكرة مذهلة، سيطر فيها على بولندا والدنمارك والنرويج وهولندا وبلجيكا، وفي نفس الوقت كان يتوقع أن فرنسا وبريطانيا لا زالوا في حالة إعياء من الحرب العالمية الأولى وما سببته من خسائر في كافة القطاعات، وهو ماحدث بالفعل، حيث غضت كل منهما الطرف عن التسليح المفاجئ وكسر معاهدة فيرساي التي نصت على ألا يزيد تعداد جيش الألمان عن 100 ألف، ليفاجئ هتلر الجميع بجيش مكون من 5 مليون جندي و 8 مليون جندي احتياط! 

اعتمد هتلر في كافة خططه على عنصر المفاجأة بداية من عملية Winter Exercise لإعادة تسليح الجيش الألماني بشكل علني لأول مرة، وتعد هذه هي المفاجأة الأولى في خطة هتلر، حيث تم التسليح في يوم العطلة الرسمية لبريطانيا لتكون البيروقراطية الحكومية سببًا في انتصارات الجيش الألماني.

بالعودة إلى الانتصارات الخاطفة التي حققها هتلر بعد هزيمة بولندا في غضون شهر، حول الجيش الألماني انتباهه غربًا، كان يعتقد أنه من الضروري هزيمة بريطانيا وفرنسا قبل أن يتمكن مرة أخرى من التوجه شرقًا إلى المناطق التي كانت ستكون حجر الأساس لبناء إمبراطوريته الجديدة، بدأ الهجوم على الجبهة الغربية في ربيع عام 1940، واستولى هتلر على الدنمارك والنرويج خلال أيام قليلة في أبريل، وفي 10 مايو هاجم فرنسا مع لوكسمبورج وبلجيكا وهولندا في غضون أيام قليلة، واستسلمت فرنسا في 21 يونيو، لكن بريطانيا وحدها من أعاقت طريق هتلر إلى النصر الكامل في الغرب.

ما العلاقة هنا بالتكنولوجيا الحديثة؟

ماذا لو كانت التقنية أكثر تطورًا أثناء الحرب العالمية الثانية؟

في سيناريو مليء بالتكنولوجيا المتقدمة لكانت الأمم المتحدة، التي تكونت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، اكتشفت بدايات تجهيزات الجيش الألماني، 5 مليون جندي صورة واضحة جدًا لقمر صناعي حديث في أحلك الليالي ظلمة، الأمر الذي كان بالتأكيد سيؤخر عملية التسليح وبالتالي فرض المزيد من العقوبات على ألمانيا، ناهيك عن حركة الهجوم المفاجئ التي التي استخدمها هتلر متيمنًا بالتكتيكات المرتبطة بالحرب الخاطفة في الحرب الأهلية الإسبانية، بما في ذلك الهجمات الجوية والأرضية المشتركة واستخدام فرق دبابات بانزر التي تم تسليح الجيش بها وأشاع أنها مجرد جرارات، وبالتالي تنهار صورة هتلر كرجل محب للسلام التي حاول رسمها في أذهان العالم لفترة طويلة.

و في سيناريو آخر أكثر حماقة يقوم مراهق ألماني  بتشر فيديو على تطبيق "تيك توك"، يتباهى بانضمامه للجيش الألماني بعدما أصبح سن التجنيد الإجباري من سن 20 عامًا، لتظهر في الخلفية تجيهزات سلاح الطيران المرعب Luftwaffe أو إنشاء جروب على فيسبوك خاص بالـ Hitler's youth المنظمة التي جهزت الأطفال على الحياة العسكرية من سن 14  سنة، حماقات صغيرة كانت قد تغير من شكل خارطة العالم الآن.

نعود مرة أخرى لصفوف الألمان في عام 1941، استخدمت القوات الألمانية تكتيكات الحرب الخاطفة في غزوها للاتحاد السوفيتي، متوقعة حملة قصيرة مثل تلك التي تمتعت بها في أوروبا الغربية في الربيع السابق، لكن الاستراتيجية أثبتت أنها أقل نجاحًا في مواجهة الدفاعات السوفيتية عالية التنظيم والمسلحة جيدًا، وبحلول عام 1943، أُجبرت ألمانيا على خوض حرب دفاعية على جميع الجبهات.

انتهى الجزء الخاص بهتلر عند انتحاره وحبيبته في أحد المخابئ الألمانية  بعد أن تزوجها في أخر أيامه، ولكن بالمثل فاجأ اليابانيون أمريكا في بيرل هاربور في ديسمبر 1941، وفاجأ الأمريكيون اليابانيين في ميدواي عام 1942. فما الذي حدث؟

مفاجآت أمريكية يابانية والعكس!

ماذا لو كانت التقنية أكثر تطورًا أثناء الحرب العالمية الثانية؟

لنرى ما العدد الذي احتوته كلمة فاجأ في المعركتين، في هاربور، تقدمت، في سرية تامة، 535 طائرة وعدد من الغواصات القزمية و5 حاملات للطائرات اليابانية ليكونوا على بعد 5600 كيلو متر فقط من الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ، كل ذلك ولم يتم رصدهم، حينها اشترط الأدميرال ياماموتو أنه يجب أن يبدأ الهجوم بعد ثلاثين دقيقة من إبلاغ اليابان للولايات المتحدة بنهاية مفاوضات السلام بينهما، حيث أرسلت طوكيو إخطارًا مُكون من 5,000 كلمة إلى السفارة اليابانية، الأمر الذي استغرق وقتًا طويلًا جدًا لتدوينه دون أن يتم تسريبه كما يحدث الآن، وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تعمل على فك رموز الإخطار وترجمته، كانت القوات اليابانية قد قتلت 2000 جندي أمريكي ودمرت 21 سفينة، وهاجمت 200 طائرة!

هل تعتقد أن خدمات جوجل كانت قد تقلب موازين الحرب وقتها؟ ربما ترجمة جوجل قد تساعد في توفير 15 دقيقة يبلغ الجيش الأمريكي فيها قياداته بفض السلام مع اليابان؟ ربما لو وجدت الصواريخ ذاتية التوجيه، بدون الحاجة إلى تدخل بشري، لحافظت على حياة الآلاف من الجنود، ربما سرب الأقمار الصناعية الأمريكية التي تحلق في الفضاء الآن كان قد رصد  تحركات الجيش الياباني من البداية.ماذا لو كانت التقنية أكثر تطورًا أثناء الحرب العالمية الثانية؟

أما في المعركة الثانية ميدواي قام الجيش الياباني بإنزال 5000 جندي وأسطول بحري عظيم على بعد 1000 كيلو متر فقط من ميدواي الهدف الذي كانت اليابان تحاول السيطرة عليه ولكنها فشلت، بفضل مجموعة من الموسيقيين السابقين بقيادة جوزيف روشفورت  الذين عملوا على فك شفرات البحرية اليابانية، وأيضًا لشجاعة ومغامرة ديد مكلوسكي الذي على الرغم من أن خزان وقود طائرته كان قد أوشك على النفاذ إلا أنه تمكن من رصد طلائع البحرية اليابانية بالصدفة البحتة، تخيل أن اتساع تنك الوقود قد يغير الكثير.

كان تجمع هذه القوى الهائلة سيكون واضحًا مع تكنولوجيا المراقبة الحالية لتكون المفاجأة مستحيلة، وفي حالة فقدان السرية، فإن جميع الهجمات الاستراتيجية تنتهي بالفشل، وبالتالي لم يكن هناك هجومًا على فرنسا في عام 1940، ولا على بيرل هاربور ولا بربروسا، بدون هؤلاء الثلاثة، ستكون الحرب العالمية الثانية مجرد فكرة!

هل تحتاج البشرية إلى أقصى درجات الضغط والمعاناة للتطور؟

ماذا لو كانت التقنية أكثر تطورًا أثناء الحرب العالمية الثانية؟

على سبيل المثال كانت أجهزة الكمبيوتر قيد التطوير قبل بداية الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك  تطلبت الحرب تطورًا سريعًا لهذه التكنولوجيا، مما أدى إلى إنتاج أجهزة كمبيوتر جديدة ذات قوة غير مسبوقة، أحد الأمثلة على ذلك هو كمبيوتر ومحلل التكامل العددي الإلكتروني (ENIAC) وهو أحد أوائل أجهزة الكمبيوتر ذات الأغراض العامة القادرة على إجراء آلاف العمليات الحسابية في ثانية، تم تصميم ENIAC في الأصل للأغراض العسكرية  ولكن لم يكتمل حتى عام 1945.

لم يمر وقت طويل حتى أصدرت حكومة الولايات المتحدة ENIAC لعامة الناس في وقت مبكر من عام 1946، حيث قدمت الكمبيوتر كأداة من شأنها أن تحدث ثورة في مجال الرياضيات، بمساحة 1500 قدم مربع مع 40 خزانة يبلغ ارتفاعها تسعة أقدام، جاء ENIAC بسعر 400000 دولار، وبحلول السبعينيات من القرن الماضي، دخلت براءة اختراع تقنية الحوسبة ENIAC المجال العام، ورفع القيود المفروضة على تعديل هذه التصاميم التكنولوجية، وبالتالي أدى التطوير المستمر على مدى العقود التالية إلى جعل أجهزة الكمبيوتر أصغر حجمًا بشكل تدريجي، وأكثر قوة، وأقل تكلفة، فقط تأمل هاتفك الصغير الآن!