مع انتشار وباء فيروس كورونا المستجد عالميًا، بدأت معظم بلدان العالم تفرض بعض الإجراءات الصارمة من أجل التباعد الاجتماعي. أغلقت الشركات أبواب المقر الرئيسي لها، وانتقل الموظفون إلى العمل من المنزل. تم إلغاء المدارس، وانتقل التعليم إلى المنزل أيضًا. وتم إغلاق المحلات التجارية ومراكز التسوق الكُبرى كذلك، وبالتأكيد توقف السفر والانتقال بين دول العالم. ومن المرجح أن يظل هذا الوضع قائمًا لفترة من الزمن، لا أحد يعلمها تحديدًا.

لكن هذه التحولات السلوكية خلقت معها تغيرات سريعة في اقتصادنا، حيث يضطر المستهلك وكذلك الأعمال التجارية إلى تغيير سلوكهم بشكل جذري على مدار أسابيع أو ربما شهور. حتى أصبح يُطلق على هذا الاقتصاد اسم: "اقتصاد البقاء في المنزل".

وفي القلب من هذا الاقتصاد الجديد تأتي شركات التقنية، حتى أن شركة الأبحاث MKM Partners جمعت قائمة بأسهم "البقاء في المنزل"، والتي شملت في معظمها أشهر شركات التقنية الحالية، والتي ارتفعت أسهم معظمها بالفعل خلال فترة انتشار الوباء، بسبب تحول سلوكيات المستهلكين.

[embed]https://twitter.com/steve_desaul/status/1233084767995715584[/embed]

ولكن دعنا نواجه الأمر على حقيقته، لا يوجد رابح من وباء عالمي تسبب بالفعل في أكثر من 2 مليون إصابة، وأكثر من 160 ألف وفاة، وفي خسارة مليارات الدولارات بسبب الأضرار الاقتصادية حتى الآن. ولكن يمكننا أن نقسّم قطاعات التقنية إلى قطاعات ازدهرت أثناء الوباء، وأخرى تُعاني وتحاول جاهدة البقاء على قيد الحياة.

قطاعات التقنية المزدهرة

هذه القطاعات التقنية التي وجدت نفسها على الجانب الصحيح من التاريخ. وهي تستغل الظرف الحالي لتزدهر أكثر مع زيادة الطلب عليها.

التجارة الإلكترونية

أليكسا

بالطبع، منصات الأسواق الإلكترونية هي الأكثر طلبًا في وقتنا الحالي، وهي من أكثر القطاعات المزدهرة بسبب انتشار الوباء، وبقاء الناس في المنازل، وعدم قدرتهم على الذهاب إلى المتاجر الحقيقية على أرض الواقع.

وأمازون هي المثال الأوضح على هذا، فهي تقريبًا أكبر منصة للتجارة الإلكترونية حول العالم. وفي الوقت نفسه، ينفق المستهلكون المزيد من الأموال على شراء كل شيء من المتاجر الإلكترونية حاليًا، حتى طلبات البقالة، كما أن الشركة تملك مستودعات بقالة خاصة مع قدرة على توصيل تلك البضائع.

كما طلب الشركة تعيين أكثر من 100 ألف شخص بسبب زيادة الطلب على عمليات الشراء عبر منصتها الإلكترونية. وارتفعت أسهم شركة أمازون بمقدار 5.3%. حتى أن ثروة مؤسسها جيف بيزوس قد زادت بمقدار 24 مليار دولار لتصل إلى 138 مليار في المجمل.

تطبيقات الاجتماعات بالفيديو

zoom

استفادت تطبيقات عقد الاجتماعات بالفيديو عبر الإنترنت بشكل هائل من تغير نظام العمل، واتجاه الموظفين والشركات إلى العمل من المنزل، وربما المثال الأشهر حاليًا هو تطبيق Zoom، حيث ارتفعت مبيعات الشركة وسعر السهم بالفعل أكثر من 50٪ خلال عام 2020. وشهدت الشركة ضغطًا هائلًا على استخدام تطبيقها خلال الفترة الحالية، مثلًا، حسب بيانات جمعها موقع Learnbonds، تضاعف عدد مستخدمي تطبيق Zoom وخدماته في الفترة بين 22 فبراير و22 مارس بنسبة وصلت إلى 1270% (أكثر من 12 مرة)، مع زيادة التوجه نحو إجراء الاجتماعات عبر الإنترنت، وساهم في هذه الزيادة الهائلة تحميل تطبيق Zoom على هواتف الآيفون والأندرويد، حيث تم تحميل التطبيق أكثر من 17 مليون مرة.

وهو ما أدى بها إلى الوقوع في عدة مشاكل تخص الأمان وخصوصية المستخدمين، واضطرت الشركة لإيقاف التحديثات الجديدة حتى تتمكن من التعامل مع هذه المشاكل.

اقرأ أيضًا: هل تحول تطبيق Zoom إلى برمجية خبيثة تهدد الخصوصية؟

كما شهدت بعض التطبيقات الأخرى لإجراء المكالمات عبر الفيديو ارتفاعًا ملحوظًا في المبيعات، مثل تطبيق Webex من شركة Cisco، وكذلك سكايب وتطبيق Microsoft Teams من مايكروسوفت.

وسائل بث المحتوى عبر الإنترنت

Netflix

عمالقة بث المحتوى المرئي مثل Netflix وDisney+ كانوا يسيطرون بالفعل على ساحة الترفيه ونافسوا شباك التذاكر للسينمات، ومع إجراءات العزل الذاتي والبقاء في المنزل، استفادت هذه المنصات بشكل هائل وخاصة منصة Netflix.

فرغم المنافسة الشرسة مع منصات Disney وأبل في الفترة الأخيرة، وبرغم أن بعض هذه المنصات كانت قد سحبت المحتوى الذي كان يُعرض على Netflix لتعرضه لديها، إلا أنه الآن في ظل هذه الظروف، وبدون وسائل ترفيه أخرى مثل العروض الرياضية الحية على شاشة التلفزيون، وتوقف العديد من العروض عن مواصلة الإنتاج، أصبح المستخدم أكثر ارتباطًا بشبكة Netflix، ومن المرجح أن يُقدر مكتبتها الضخمة من العروض والأفلام الموجودة بالفعل على المنصة.

كما شهدت الفئة الأخرى في وسائل بث المحتوى عبر الإنترنت تصاعدًا كبيرًا أثناء الوباء، وهي بث الموسيقى، وأهم شركة في هذه الفئة هي Spotify. ويبدو ذلك لأنه مع تواجد المستخدمين وعملهم من المنزل، أصبحوا يستمعون إلى الموسيقى أكثر، وكانوا أكثر استعدادًا لدفع اشتراك premium في تطبيق Spotify، للاستماع بدون فواصل إعلانية والحصول على باقي مميزات الاشتراك.

الحوسبة السحابية

أحد قطاعات التقنية التي تشهد ازدهارًا هائلًا منذ فترة طويلة، ولكن ازداد ازدهارها أكثر خلال انتشار وباء فيروس كورونا. لأن المزيد من النشاط على الإنترنت يعني المزيد من الطلب على مساحة الخوادم السحابية.

بينما يستأجر تطبيق Zoom مثلًا نحو 19 مركز بيانات، فهو يعتمد أيضًا على عضوين آخرين مهمين في هذه الفئة وهما Azure الخاص بشركة مايكروسوفت، وأمازون لخدمات الإنترنت الخاص بشركة أمازون. كما تدعم أمازون أيضًا خدمات مهمة أخرى مثل منصات بث المحتوى شبكة Netflix ومنصة Hulu.

قطاعات تقنية تحاول البقاء بنفس المستوى

quiet mode

يمكن اعتبار الشبكات الاجتماعية، وبشكل خاص شركات مثل جوجل وفيسبوك، أنها ضمن الفئة التي لم تربح ولم تخسر، أو تربح وتخسر في نفس الوقت، أي تحاول البقاء في نفس المستوى. فهي تربح بالتأكيد لأن الاستخدام يزداد هذه الفترة، مع تواجدنا أكثر في المنزل، كما زاد التواصل مع الأقارب والأصدقاء، حيث ارتفعت أعداد من يستخدمون خدمات الاتصال في تطبيق WhatsApp وكذلك تطبيق ماسنجر بشكل لم يحدث من قبل، وكذلك استخدام جوجل وفيسبوك في البحث عن المعلومات الموثقة حول الوباء.

بينما على الجانب الآخر، تأتي مشكلة انخفاض نسبة الإعلانات، وهي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لشبكات مثل جوجل وفيسبوك، وبالتأكيد سوف تنخفض نسبة الإعلانات مع الركود الاقتصادي الحالي والمتوقع بعد انتهاء الوباء.

كما أن أسهم شركات مايكروسوفت وأبل وأمازون وفيسبوك وألفابت، الشركة الأم لجوجل، خسرت مجتمعة ما يُقدر بأكثر من 1 تريليون دولار من القيمة السوقية في شهر مارس مقارنة بالشهر السابق، كما قطعت شركتا مايكروسوفت وأبل توقعاتهما المالية قصيرة الأجل بسبب تباطؤ الإنفاق من المستهلكين.

اقرأ أيضًا: هل ستنجو التقنية من فترة الركود الاقتصادي القادمة؟

بالإضافة إلى أن تطبيق Instagram، التابع لشرك فيسبوك، فجأة أصبح خاويًا، بالطبع لأننا لا نعيش "أفضل لحظات حياتنا" في الوقت الراهن، فلماذا سنستخدم التطبيق؟

من الشركات التي تحاول البقاء على نفس المستوى أيضًا هي شركة أبل، والتي مرت بثلاثة أشهر من التحديات الصعبة بسبب إيقاف سلاسل الإمداد، واغلاق مصانعها في الصين. لكنها تحاول تقليل اعتمادها الشديد على مبيعات الأجهزة، نحو ما يُسمى بإيرادات الخدمات، والتي تشمل مبيعات التطبيقات والاشتراكات في خدماتها الموسيقية والتلفزيونية.

قطاعات تقنية تُعاني بشدة

للأسف هناك خاسرين بالفعل، وربما تحتاج إداراتهم إلى بذل جهد خارق لتعبر هذه القطاعات والشركات خلال أزمة وباء فيروس كورونا. وحتى إن نجحوا في ذلك، سوف يتضرر الكثير منهم بشكل مؤسف.

سوق الهواتف الذكية

أصدرت شركة CCS Insight تقرير ذكرت فيه أن سوق الهواتف المحمولة سوف يتأثر بشكل كبير بسبب وباء فيروس كورونا، حيث سيقل الطلب العالمي على الهواتف الذكية في عام 2020 مقارنة بالعام الماضي 2019 بما يقرب من ربع مليار وحدة. لكن توقع التقرير أن السوق سوف يعود للازدهار من جديد عام 2021.

اقرأ أيضًا: ما مدى تأثير فيروس كورونا COVID-19 على شركات الهاردوير والتقنية؟!

تطبيقات وسائل النقل والسفر

أوبر

تطبيقات وسائل النقل شهدت انخفاضًا كبيرًا في الأسهم وكذلك في الاستخدام، مثلًا انخفض سهم شركة Lyft بنسبة 12%، كما انخفض سهم شركة Uber أيضًا بنسبة 6٪، لكن Uber لديها قسم لتوصيل الطعام ما زال يعمل وهو Uber Eats.

لكن فيروس كورونا كان بمثابة الكابوس بالنسبة لشركات السفر مثل Airbnb، وشركات سفر أخرى مثل شركة Expedia Group، وكذلك على عملاق الحجوزات تطبيق Bookings.

الخلاصة

بعض الاتجاهات مثل التجارة الإلكترونية وخدمات بث المحتوى عبر الإنترنت كانت موجودة وتعمل منذ فترة طويلة بالفعل، لكن الظروف الحالية جعلتها تتسارع في النمو بشكل هائل، ودفعت الشركات والصناعات التي تقف وراءها إلى وضع جديد من الازدهار والتفوق.

يلعب الظرف الحالي دورًا محوريًا في هذه المعادلة: معادلة من ينجح ومن يفشل خلال تفشي وباء فيروس كورونا. وفي خضم وباء عالمي، يجب على الشركات أن تبحث عن استراتيجيات جديدة كي تتمكن من الاستمرار على قيد الحياة، وربما تزدهر أيضًا.

هل تعرف عزيزي القارئ أي قطاعات تقنية أخرى ازدهرت أو تعاني بسبب تفشي وباء فيروس كورونا الحالي؟