في كلمة ألقاها بمؤتمر الخصوصية عام 2018 في بروكسل، قال تيم كوك الرئيس التنفيذي لأبل: "نحن في أبل نعتقد أن الخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان. لكننا ندرك أيضًا أنه لا يرى كل الأشخاص ما نراه نحن".

كان كوك يوجه نداءً حماسيًا لإنهاء جمع وبيع بيانات المستخدمين من قبل عمالقة صناعة التقنية، معتبرًا أن تلك الممارسات "مراقبة"، وأن تخزين كل تلك البيانات الشخصية بهدف إثراء الشركات التي تجمعها. ودعا كوك حينها إلى إصدار قانون شامل لخصوصية البيانات في الولايات المتحدة، يركز على تقليل جمع البيانات وتأمينها وإعلام المستخدمين بطبيعتها وكيفية استخدامها.

https://www.youtube.com/watch?v=kVhOLkIs20A

ربما يستحق هذا الخطاب إعادة نظر الآن، بعدما احتدم الصراع بين أبل وفيسبوك حول خصوصية المستخدم، مع نشر فيسبوك إعلانات على صفحة كاملة في أشهر الصحف الأمريكية، وهي نيويورك تايمز وول ستريت جورنال وواشنطن بوست، تنتقد فيها شركة أبل وسياستها الجديدة التي تنوي تطبيقها بشأن جمع وتخزين بيانات مستخدمي هواتفها آيفون. وخصصت صفحة كاملة على موقعها لشهادات من أصحاب الشركات والأعمال الصغيرة حول كيفية تأثير أبل في قدرتهم على الوصول إلى عملاء محددين.

حتى أن تيم كوك رد بنفسه على تلك الحملة عبر تغريدة على تويتر قائلًا: "نرى أنه من الواجب امتلاك المستخدمين خيارًا حول البيانات التي يتم جمعها عنهم وكيفية استخدامها. يمكن أن تستمر فيسبوك في تتبع المستخدمين عبر التطبيقات والمواقع الإلكترونية كما يحدث من قبل، ولكن ستتطلب شفافية تتبع التطبيقات في نظام iOS 14 أن تعطيهم الإذن أولًا".

https://twitter.com/tim_cook/status/1339720611313065984

في سوق حرة، عندما تتقاتل الشركات على العملاء، يجب أن يفوز العملاء. لكن هل هذا ما سيحدث هنا؟ ربما أكثر ما يميز عصر الإنترنت هو أننا تعلمنا أن ننحاز إلى جانب من المعركة! لكن هل هذه المرة يجب أن ننحاز؟ هل المعركة في مصلحة المستخدم حقًا؟

فيسبوك.. نجاح على أنقاض البيانات الشخصية!

Facebook فيسبوك - Arabhardware Generic Photos

شركة فيسبوك أسست نموها الهائل، لتصبح واحدة من أكبر الشركات في العالم، على أنقاض كميات هائلة من البيانات الشخصية، وبيعها بمزاد علني للشركات الأخرى التي ترغب بالإعلان على منصتها. والآن تشكل أبل تهديدًا لنموذج أعمال فيسبوك، لكن السخرية هنا أن فيسبوك تبدأ حملتها التسويقية بإعلانات على الصحف الكبرى لتذكر أنها تفعل هذا لإنقاذ الشركات الصغيرة!

أثارت شركة أبل غضب فيسبوك لأنها تنوي أن تطلب من مستخدمي التطبيقات اختيار الاشتراك في كيفية جمع البيانات والتتبع الذي يمكنه أن ينتج لنا إعلانات تستهدفنا بشكل مخيف، والمعروف باسم الإعلانات المستهدفة. تخطط أبل لتطبيق هذا التغيير الجديد على نظام التشغيل iOS 14 في أوائل العام المقبل، مما سيؤثر بالتأكيد على تدفق الدولارات لشركة مثل فيسبوك، ببساطة لأن الإعلانات المستهدفة تُباع بسعر أعلى من الإعلانات ذات الاهتمامات العامة للجمهور. مبالغ ضخمة من المال على المحك هنا، لأن فيسبوك نفسها تقدر تأرجحًا بنسبة 60% بين فعالية الإعلان العام وبين الإعلان المستهدف.

جوهر الصراع يكمن في كيفية تعارض فيسبوك وأبل تمامًا بشأن نموذج جني الأموال لكل منهما، ومن المرجح أن فوز إحدى الشركتين سيشكل الإنترنت لسنوات قادمة. يقوم نموذج أبل على أن يدفع المستهلك مقابل تجربته وخدماته على الإنترنت، مما يقلل الحاجة إلى الإعلانات والمعلنين، بينما تفضل فيسبوك جعل الإنترنت مجانيًا للجمهور، مع دفع فواتيرها من الأموال التي تقدمها الشركات الأخرى مقابل عرض إعلاناتهم على منصتها.

منصة فيسبوك مجانية، نعم تلك حقيقة، لكن ما تبيعه فيسبوك، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي وشركات التقنية، عبر الإنترنت هو ببساطة: أنت، معلوماتك الشخصية وذوقك وتفضيلاتك وآرائك وعلاقاتك، وحتى تحركاتك!

الفكرة هنا ببساطة هي ترك المستخدم يقرر ما إذا كان يريد أن يتم تعقبه وبيع بياناته بتلك الطريقة أم لا!

الطريقة الوحيدة للنجاح في عالم تديره الآلات!

البيانات الأمنية تعتمد على عناصر السيليكون والذكاء الاصطناعي

الإعلانات التي نشرتها فيسبوك تمثل سخرية مزدوجة، أولاً لأنها وضعت تلك الإعلانات في الصحف. ثانيًا، لأن فيسبوك تدّعي أنها تدافع عن الشركات الصغيرة، وليس عن نفسها أبدًا! نفس الشركة التي تواجه دعوى قضائية من لجنة التجارة الفيدرالية، بالإضافة إلى دعاوى قضائية من 48 مدعيًا عامًا في الولايات الأمريكية، بسبب سلوكها المناهض والقاتل للمنافسة، والذي يتضمن سحق أو إجبار أي شركة صغيرة تهدد هيمنتها على سوق التواصل الاجتماعي!

تصر فيسبوك على أن دافع شركة أبل وراء تلك الخطوة هو الربح وليس حماية الخصوصية. ربما هذا صحيح بالفعل، لكن انظر من يتكلم عن الربح والخصوصية!

المشكلة أن أبل وضعت فيسبوك في مأزق محرج؛ لا يزال بإمكان منصة التواصل الاجتماعي أن تتبع بيانات الأشخاص، لكن الفارق سيكون في كونها شفافة بشأن كيفية القيام بذلك والحصول على إذن من المستخدم نفسه. لماذا تعترض فيسبوك على بعض الشفافية؟ هل يبدو أن هذا النوع الخاص من الشفافية يهدد، بطريقة ما، نسيج مجتمع الأعمال والشركات الصغيرة؟!

من الغريب أن الطريقة الوحيدة التي تعتقد بها فيسبوك أنها يمكنها تقديم إعلانات موجهة هي من خلال طقوس التجسس الكامل على المستخدم. ألا توجد طرقًا أكثر إبداعًا للقيام بذلك؟ ربما لا، في عالمٍ تديره الآلات والخوارزميات. ثم أن هذه ليست مشكلة المستخدم من الأساس، وليست مسؤوليته أن تملك الشركات نظام تسويق فعّال أكثر!

بياناتك هي الأهم!

Apple أبل - Arabhardware Generic Photos

من الممكن أيضًا، وهذا الاحتمال هو الأرجح، أن يكون لدى أبل دوافع خفية وراء تلك الخطوة؛ لأنها عندما تجعل عملية تتبع البيانات أكثر صعوبة، قد يؤدي ذلك إلى دفع التطبيقات المجانية نحو الخدمات المدفوعة لتعويض الأرباح التي ستضيع من الإعلانات المستهدفة. وكما نعرف أن أبل تحصّل نسبة 30% من المبيعات داخل التطبيقات على متجرها App Store. أو قد تعمل على تفضيل تقنيات التتبع الخاصة بها التي تسمح لها بإنشاء ملفات رقمية بناءً على سلوك المستهلك داخل تطبيقات وخدمات أبل الخاصة.

قد تملك أبل بالفعل أجندة خفية وراء تلك الخطوة، ولكن إن كانت النتيجة النهائية هي توفير قدر أكبر من التحكم في كيفية استخدام البيانات والمعلومات الحساسة، فستكون تلك مخاطرة يجب أن نكون على استعداد لتحملها.

ختامًا، ما تُظهره هذه المعركة هو القيمة الهائلة لبياناتك الشخصية؛ إن كانت هناك شركتان من أضخم خمس شركات في العالم على استعداد للقتال من أجلها. لكن السؤال هو: هل يحق للمستخدمين امتلاك تلك البيانات، أم يحق لشركات مثل فيسبوك وجوجل أن تمتلكها وتوزعها؟

مع أن الإصلاح الذي تقترحه شركة أبل ليس حلاً سحريًا، إلا أنه سيكون خطوةً في الاتجاه الصحيح. وإن أراد المستخدمون تقديم المزيد من بياناتهم إلى صانعي التطبيقات، فعلى الأقل يمكنهم اتخاذ هذا الاختيار بأنفسهم!