في شيكاجو، العام 2035، يجلس المحقق "سبونر" في سيارته ذاتية القيادة “Audi RSQ” على الطريق السريع، وهو يطالع أوراق قضية قتل العالم "لانينج"، ويطلب من السيارة أن توصله بالكمبيوتر الرئيسي لشركة “USR” لتصنيع الروبوتات، ولكن فجأة تمر أمامه شاحنة ضخمة مليئة بالروبوتات الغاضبة بإضاءة حمراء، تبدأ في مهاجمة المحقق "سبونر" على الطريق، فيطلب من السيارة أن تتحول إلى القيادة اليدوية، ويتولى قيادتها بنفسه.

كان هذا مشهدًا من فيلم “I, Robot”، من إنتاج عام 2004 وبطولة النجم "ويل سميث"، لكن هذه السيارة كانت نموذجًا صنعته شركة أودي خصيصًا من أجل الفيلم، نموذجًا تخيليًّا لما سوف تصل إليه تكنولوجيا السيارات في العام 2035!

من الممتع التفكير في مستقبل مليء بالسيارات ذاتية القيادة والروبوتات، بشرط ألا تنقلب علينا، في عالم مليء بالمرح والسعادة وعدم الحاجة لقيادة السيارة بنفسك. والآن تخيل أنك تجلس داخل تلك السيارة وهي تحمل شعار شركة أبل على الواجهة الأمامية! شعور رائد، ألا ترى هذا معي؟ عمومًا لا أعرف معنى شعور رائد، ولا كيف يمكن أن تشعر بالريادة أصلًا وأنت تقود سيارة من أبل!

المهم، أننا كالعادة سمعنا مؤخرًا أن شركة أبل تتجه لتصنيع سيارة كهربائية ذاتية القيادة، وتنوي إنتاجها بحلول عام 2024، كما ذكرت شبكة رويترز. هذا المشروع ليس جديدًا بالطبع، أو كما يُعرف باسم "مشروع تيتان"، لكن التقرير هو الأول الذي يحدد ميعادًا واضحًا لوصول تلك السيارة، وما الذي يمكن أن تقدمه.

تحدث تقرير رويترز إن سيارة أبل قد تملك تقنيات البطاريات الخاصة بها، وهي تصميم جديد يمكن أن يقلل "بشكل جذري" من تكلفة البطاريات ويزيد من المسافة التي تقطعها السيارة بالشحنة الواحدة للبطارية، من خلال تقليل حجم البطارية واستخدام خلية واحدة "Monocell".

فكرة قيام شركة مثل أبل بصنع سيارتها، أو حتى وضع علامتها التجارية على السيارة، المليئة بالسمات والمميزات والتكنولوجيا الرائدة التي "صممتها أبل في كاليفورنيا"، هي فكرة مثيرة للغاية! فهل يمكنك تخيل المنافسة بين أبل وتسلا مثلًا، مثلما تخيلها إيلون ماسك نفسه منذ بضع سنوات؟

حسنًا، نحن لسنا هنا للحديث عن أبل وقدراتها في الصناعة والابتكار، ولن يكون هذا مجرد مقالًا آخرًا "يُطبّل" لأبل. لكن ما نحاول تحليله هو لماذا قد تفشل أبل في سوق السيارات الكهربائية، أو السيارات ذاتية القيادة، أو السيارات بصورةٍ عامة. أحضر كوب الشاي بالنعناع كالمعتاد، وهيا بنا لنبدأ!

"الفلوس مش بتاعتنا!"

سيارة أبل Apple Car.. "يا ابني الكار دا مش كارك!"

نموذج أعمال أبل الحالي يعتمد على بيع أجهزة الكمبيوتر والهواتف والملحقات الرائدة بأسعار مرتفعة. بينما مجال السيارات يملك هامش ربح أقل بكثير، وهو قطاع مختلف تمامًا عن القوة التقليدية التي تملكها شركة أبل، وإذا قررت الدخول لهذا القطاع سيتطلب الأمر أموالًا ضخمة من الاستثمار لتصنيع سيارة كاملة بنجاح.

تعتبر شركة فولكس فاجن الألمانية أكبر شركة لتصنيع السيارات في العالم من حيث عدد السيارات؛ وقد قدمت الشركة ما يقرب من 11 مليون سيارة في عام 2019. أنفقت فولكس فاجن في سبيل ذلك نحو 180 مليار دولار على المصانع والمعدات خلال العقد الماضي. أما على الجانب الآخر، أنفقت شركة أبل نحو 100 مليار دولار. صناعة السيارات بوجه عام ضخمة للغاية، وتتطلب كثير من رأس المال، وحجم تصنيع ضخم، لتتمكن الشركة من تحقيق أي أرباح.

حققت فولكس فاجن، خلال تلك الفترة الزمنية، هامش ربح تشغيلي بنحو 7 %، أما أبل حققت هامش ربح تشغيلي بلغ نحو 28% خلال نفس الفترة. استثمار مزيد من رأس المال لتحقيق هامش ربح أقل ليس مما يدرسونه في كليات إدارة الأعمال بالطبع.

ثم هناك تقييم الأسهم، مثلًا تم تداول أسهم فولكس فاجن بمتوسط ​​6.3 أضعاف أرباح السنة الآجلة على مدى السنوات العشر الماضية، بينما تم تداول أسهم أبل مقابل ما يقرب من 16 ضعف أرباح السنة الآجلة. في الغالب لن يعجب مستثمري وحاملي الأسهم في شركة أبل أن تدخل الشركة إلى مجال يقلل من مكاسبهم!

سيارة أبل الرائدة.. "صُممت في كاليفورنيا"!

أبل Apple

بعد دخول الأسواق التجارية في بداية العقد الماضي، ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية بدرجة ملحوظة؛ ووفقًا لإحصاءات الوكالة الدولية للطاقة، لم يكن هناك سوى 17 ألف سيارة كهربائية على الطرق في جميع أنحاء العالم في عام 2010. ولكن بحلول عام 2019، ارتفع هذا الرقم إلى 7.2 مليون سيارة، 47% منها في الصين، بينما تملك تسع دول أكثر من 100 ألف سيارة كهربائية على الطريق، ووصلت 20 دولة على الأقل إلى حصص سوقية أعلى من 1%. ووفقًا لتقديرات مؤسسة بلومبيرج لتمويل الطاقة الجديدة، فإنه بحلول عام 2040، يمكن أن تُشكّل مبيعات السيارات الكهربائية نسبة 58% من كل مبيعات سيارات الركاب حول العالم.

لا شك أن المستقبل سيكون للسيارات الكهربائية، خاصةً بعد التغلب على المشاكل الحالية التي تواجهها، والتي يمكن تلخصيها في ارتفاع أسعارها بالنسبة للمستهلك، بجانب مشاكل البطاريات والشحن، والحاجة إلى بنية تحتية لإضافة مزيد من المحطات.

مشاكل تصنيع السيارات ليست مشاكل تافهة ويمكن التغلب عليها بسهولة، لا شك أن صنع الهواتف مهمة صعبة أيضًا، لكن حتى في هذا تستعين أبل بمصادر خارجية لتجميع هواتفها. يمكنها أن تفعل نفس الأمر إذا فكرت في صنع سيارة، بأن تكتفي بالتصميم وتكتب على سيارتها "صُممت في كاليفورنيا". لكن هنا تكمن المشكلة، لأن أبل في الغالب لن تجد شركات سيارات عملاقة، مثل مرسيدس أو بي إم دبليو، تقبل بأن تتولى التصنيع نيابةً عنها، وأن تكتفي أبل بالتصميم الرائد وبعلامتها التجارية على السيارة!

كان بإمكانها مثلًا شراء شركة ناشئة مثل تسلا عندما بدأت تظهر على الساحة، وتترك لها عملية التصنيع والإنتاج، لكنها قررت تجاهل تلك الخطوة والمضي قدمًا في مشروعها الخاص. تعتبر شركة تسلا الآن صانع السيارات الأكثر قيمة في العالم، بالإضافة إلى كونها واحدة من أكثر الشركات قيمة عمومًا، وربما نجاحها الحالي هو ما يدفع الآخرين إلى التفكير في دخول سوق السيارات الكهربائية.

اقرأ أيضًا: “هو أنا بتاع كشري؟”: لماذا تخلصت أبل من شاحن أيفون 12؟

تصميم بطارية رائدة!

كما أن جزء من قصة شركة أبل هو تقنية البطارية "أحادية الخلية" التي تنوي الشركة تصميمها، لتصغير حجم البطارية. هذا افتراض بعيد حتى الآن، لأن بطارية أحادية الخلية تعني أنها تعتمد على خلية واحدة، بينما تحتوي حزم بطاريات السيارات الكهربائية على عديد من الخلايا، مثل مئات من بطاريات AAA المربوطة معًا.

تكبير حجم البطارية له فوائده، حتى شركة تسلا تخطط لتقليل تكاليف البطارية باستخدام خلايا أكبر، لكن الحجم ليس حلًا سحريًا كذلك، كما قال أندرو باجلينو، نائب رئيس شركة تسلا لهندسة توليد الطاقة: "يصبح الشحن الفائق والحرارة بشكل عام أمرًا صعبًا عندما تصنع خلايا أكبر". تحاول تسلا معالجة تلك المشاكل من خلال كيفية توصيلها للبطاريات.

قد يكون ابتكار تصميم جديد للبطاريات أمرًا ممتازًا بالطبع، لكنه يثير تساؤلًا منطقيًا: لماذا لا تبيع تقنية البطاريات المتطورة للصناعة وشركات السيارات الحالية فحسب؟ لماذا تصمم وتنتج سيارتك الخاصة من الألف إلى الياء لتظهر براعتك في تصميم تقنيات رائدة؟ هذا بالطبع إن تمكنت من تصميمها وإنتاجها كما تزعم!

تقنيات القيادة الذاتية الرائدة!

نظام قيادة ذاتية جديد مطور من قبل انفيديا و Tesla

تعتمد السيارات ذاتية القيادة على تقنية متطورة تُسمى "LiDAR"، وهي تشبه في طريقة عملها الرادار، ولكنها تحدد المدى عن طريق الضوء أو الليزر، وهي تكنولوجيا استشعار عن بعد باستخدام نبضات من الضوء، عادةً ما تكون أشعة ليزر، ويتم عن طريقها حساب المسافات أو خصائص الأهداف المرصودة، وهي اختصار الجملة الإنجليزية "Light Detection And Ranging".

تلك التقنية التي تستخدمها أبل في هاتفها آيفون 12 برو، لكنها تقنية مستخدمة في السيارات ذاتية القيادة عمومًا، وليست تقنية رائدة خاصة بشركة أبل فقط، لكن ربما تُصمم أبل مستشعراتها الخاصة التي تعتمد على التقنية.

تطوير تقنية القيادة الذاتية كميزة يمكن بيعها لصانعي السيارات هو المسار الذي تسلكه شركة جوجل حاليًا، بقسمها الخاص بالقيادة الذاتية Waymo. وستحاول Waymo بيع حلول القيادة الذاتية للشركات الأخرى مع احتمال امتلاك أسطولها الخاص من التاكسي الذي يعتمد على التقنية.

لكن حتى مع محاولات جوجل وكذلك تسلا في تطوير تقنيات القيادة الذاتية، فإن الأمر ليس بتلك السهولة وهناك مشاكل ضخمة تواجه التقنية، بالطبع هناك تقدم ملحوظ، لكن ما زال الوقت مبكرًا على تطوير سيارة ذاتية القيادة بالكامل، أي الوصول للمرحلة السادسة من مراحل القيادة الذاتية، والتي تعني اعتماد السيارة على نفسها، بدون الحاجة إلى تدخل بشري.

قد تكون هذه هي فكرة أبل الأساسية، أن تدخل مجال تطوير تقنية القيادة الذاتية مثلما تفعل جوجل، وتبيعها لشركات السيارات الأخرى، لأن المستقبل غالبًا سيعتمد على تلك التقنية، حتى إن لم نصل للمرحلة السادسة في وقت قريب، لكن حتى في ذلك ستكون أبل متخلفة عن جوجل وتسلا بنحو خمس أو ست سنوات من الخبرة والبحث!

عمومًا، المميزات الرائدة في السيارة ليست هي ما يميز شركة السيارات ويجعلها شركة رائعة، لا نتحدث عن جهاز آيفون 16 برو ماكس بخمس وعشرين كاميرا خلفية رائعة ومعالج رائد، لأن أي شخص يمكنه الحصول على تقنيات القيادة الذاتية والبطاريات واستخدامها الآن، لكن تجميع سيارة عالية الجودة وبتكلفة منخفضة هو ما يجعل شركة السيارات رائعة، فهل هذا ما تنوي أبل تقديمه حقًا أو هل يمكنها تحقيقه أصلًا؟

أبل كار.. "يا ابني الكار دا مش كارك"!

سيارة أبل Apple Car .. يا ابني الكار ده مش كارك

فكرة أن سيارة تحمل "علامة أبل التجارية" قد تجذب المستهلكين، حتى وإن كانوا من عشاق منتجات أبل، وغارقون في محيط نظامها البيئي الواسع، هي فكرة غير مقنعة قليلًا. ولأن السبب الذي يجعلك تختار علامة تجارية لسيارة على أخرى ليس، على سبيل المثال، لأنها تتوافق مع العلامة التجارية المفضلة لديك للوجبات السريعة.

"سيارة ماكدونالدز؟ رائع. عجلة قيادة البرجر المشوي مذهلة. رائحتها مثل رائحة بيج ماك كومبو مع بطاطس حجم كبير"!

ربما يختار المستهلك علامةً تجاريةً للسيارة بسبب سمعتها في السوق، وتاريخها، وأداءها، ومميزات الأمان التي تقدمها. وإذا ذكرنا شركةً مثل تسلا، فسنجد أنها أسست علامتها التجارية ومكانتها في السوق حاليًا على قوة الميزات الكهربائية بالكامل لسياراتها، ووسائل الراحة الفخمة، وجودة التصنيع، والخدمة، والأداء، والمدى. كما نجحت في بناء مكانة رائدة في سوق السيارات الكهربائية من خلال الإصرار الهائل لمؤسسها إيلون ماسك، سواءً اتفقنا أو اختلفنا حول شخصه.

وهو يشبه ما فعلته أبل نفسها مع الأيفون الأصلي في بداياته، لأنها دخلت سوقًا قائمًا ومشبعًا بالفعل، ثم أعادت تشكيله على صورتها وشروطها الخاصة من خلال تقديم الجودة والأداء المميز وتصميم ستيف جوبز وإصراره على الابتكار وخبرته في التسويق.

قد أكون مخطئًا بالطبع، وربما تنظر شركة أبل للسيارات المستقبلية كجزء من التطور الطبيعي لتقنيات الهواتف المحمولة، لأن السيارة الكهربائية ذاتية القيادة يمكن اعتبارها في النهاية كجهاز كمبيوتر يمشي على عجلات بقدر ما هي وسيلة نقل حديثة. ومن الممكن أن خبرة أبل في الأجهزة المحمولة والبطاريات والأداء والذكاء الاصطناعي ستساعدها هنا.

ومع ذلك، فإن إنشاء نموذج أعمال دائم لسيارة أبل Apple Car سيستغرق سنوات وسنوات من التطوير والتصنيع المرهق، وربما ستحتاج الشركة إلى أكثر من عقد من الزمان لتكسب بعض من مشجعي تسلا. وبحلول الوقت الذي تشحن فيه شركة أبل أخيرًا أول سيارة "Apple Car" خاصة بها، ستدخل سوقًا للسيارات الكهربائية أكثر ازدحامًا بكثير، مع خياراتٍ أكثر وبأسعارٍ معقولةٍ من شركات السيارات التي تتمتع بعقود طويلة من الخبرات المتراكمة في بيع سياراتها!

أخيرًا، لا نعني هنا أن أبل لا يجب أن تهتم بالسيارات بوجه عام، لأنها تملك بالفعل نظام CarPlay، والذي يوفر نسخة من نظام التشغيل الخاص بها للسيارات، ويعمل بالفعل في ملايين المركبات حاليًا، وربما يبدو هذا كأنه النهج الصحيح لشركة أبل، ولشركات التقنية الأخرى، في دخولها لسوق السيارات.

الأفضل أن تستغل نقاط قوتك الحالية، وتستخدمها في الدخول لمجالات أخرى، وتنافس بها، بدلًا من محاولة الدخول إلى مجال جديد تمامًا بالنسبة لك، ليس بالمجال السهل أو البسيط، والبدء من الصفر، حتى وإن كنت ستعتمد على شركاء آخرين في التصنيع والإنتاج!

بالتأكيد تعرف شركة أبل كل هذا، ولن تحتاج إلى المعلم "ضبش" ليخبر تيم كوك أن "الكار دا مش كارك"!