إنها نهاية الأسبوع، أخيرًا جاء يوم الخميس، ونحن نستعد لعطلة قصيرة، لكن يتساءل أحد الأصدقاء في المكتب بجواري: هل ترون يا رفاق كيف يرتفع سعر عملة بيتكوين إلى السماء، ما الذي يحدث بالضبط؟ لماذا كل هذا الارتفاع المفاجئ؟

حينها، يُدلي كل منّا بدلوه، لكن بدون أن نفهم حقيقة الأمر. حينها يخطر لي أن هذا سؤالًا مهمًا: ما الذي يدفع تلك العملة الرقمية الشهيرة للصعود المفاجئ كل بضع سنوات، ثم تهبط من جديد؟ أم أنه ليس صعودًا مفاجئًا من الأساس؟!

 لمن لا يعرف، فإن سعر عملة بيتكوين، حتى لحظة الكتابة، وصل إلى ما يقارب 23 ألف دولار أمريكي، وهو أعلى سعر تصل له العملة الرقمية الذي لم تصل له في تاريخها من قبل. لكن إذا ركزت قليلًا، ستجد أن هذا الارتفاع يحدث كل أربعة سنوات تقريبًا. فهل هذه مجرد صدفة؟ أم أن الأمر يتعلق بالظروف الاقتصادية الحالية؟ أم أن هناك عملية احتيال ما تحدث لا نعرف عنها شيئًا؟ حسنًا، دعنا نرى!

التضخم والذهب وتفوق بيتكوين!

سعر عملة بيتكوين

في عام 1971، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أن الولايات المتحدة ستتخلى عن معيار الذهب، وهو نظام نقدي تُدعم فيه العملة النقدية بغطاء من الذهب، ومنذ ذلك الوقت ازدادت كمية الدولارات المتداولة في السوق، فمثلًا بين عام 1975 وقبل أن يضرب فيروس كورونا العالم مباشرة، ارتفع إجمالي المعروض النقدي من 273.4 مليار دولار إلى أكثر من 4 تريليون دولار حتى 9 مارس 2020. ثم ارتفع مجددًا من 4 تريليون دولار إلى أكثر من 6.5 تريليون دولار بتاريخ 30 نوفمبر، وفي الغالب يرجع ذلك إلى فواتير التحفيز الاقتصادي الخاصة بالوباء والتي تحاول الحكومة الأمريكية تغطيتها.

كما يجري الكونجرس حاليًا محادثات لتمرير قانون تحفيز آخر بقيمة تريليون دولار تقريبًا، بهدف مساعدة من يعانون من ظروف الوباء الحالية. وفي تلك الحالة، ستتم طباعة نحو 50% من إجمالي المعروض العالمي من الدولار الأمريكي في عام 2020. ما المشكلة هنا؟

المشكلة ببساطة أن زيادة المعروض النقدي له آثار وتعقيدات اقتصادية ضخمة وطويلة الأجل على القوة الشرائية للدولار. هذا الإنفاق التحفيزي دفع كثيرين إلى الخوف من معدلات تضخم أعلى، وللهروب من هذا التضخم، سعى المستثمرون إلى شراء الأصول التي إما تحافظ على قيمتها أو تزيد، مثلما قد تفعل في حال امتلاكك لبعض الأموال النقدية وتحولها إلى أصول ثابتة، هذا إن كنت تملك بعضها من الأساس.

المهم، أنه وعلى مدار عام 2020، أدى هذا البحث عن أصل ذي قيمة، وللهروب من التضخم، إلى تحول المستثمرون إلى عملة بيتكوين الرقمية، لكن لماذا تلك العملة تحديدًا؟ فهناك العديد من الأصول التي تعتبر مخزنًا للقيمة، وربما الأكثر شيوعًا التي قد تتبادر إلى ذهنك هي المعادن الثمينة مثل الذهب، أو الأشياء الأخرى التي يكون المعروض منها محدودًا.

بالنسبة للذهب، نعلم أنه مورد نادر، ولا يأتي من الأرض بل من الفضاء، لكن لا يمكننا التحقق بشكل مؤكد تمامًا من كميته الكلية الموجودة. وبالرغم من أنه قد يبدو سيناريو مستبعد، إلا أن الذهب موجود خارج الأرض، وربما يمكننا الحصول عليه يومًا ما عن طريق التنقيب على الكويكبات مع تقدم التكنولوجيا في المستقبل.

هنا تأتي نقطة تتميز بها عملة بيتكوين عن الذهب، لأن المكتوب في كود العملة يجعلنا نعرف تحديدًا كم سيكون موجودًا منها، وهي 21 مليون عملة، لذا يمكننا أن نتحقق من عددها الآن وفي المستقبل، وهذا يجعل عملة بيتكوين هي الأصل الوحيد على هذا الكوكب الذي يمكننا إثبات أنه يملك قيمة عرض محدودة وثابتة.

التضخم الحالي نتيجة الظروف الاقتصادية، وندرة عملة بيتكوين، والاتجاه للاستثمار بها، قد يكون سببًا واضحًا وكافيًا لارتفاع سعر العملة بهذا الشكل الصاروخي. لكن هناك سببًا آخرًا، وربما يكون الأكثر منطقية.

اقرأ أيضًا: التعدين في 3 دقائق!

حدث تنصيف عملة بيتكوين The Halving!

سعر عملة بيتكوين

لكي نفهم سبب امتلاك بيتكوين Bitcoin لحد يمكن التحقق من كميته، من المهم فهم الآلية المدمجة في الكود الخاص بها، والمعروفة باسم حدث تنصيف بيتكوين Halving. وهو يعني ببساطة أنه كل 210 ألف بلوك يتم تعدينه، أو كل أربعة سنوات تقريبًا، تقل المكافأة الممنوحة للمعدّنين إلى النصف.

بمعنى أبسط، هذه العملية تعني إنتاج نصف كمية عملات بيتكوين التي كان يتم إنتاجها بالسابق. لنضرب مثالًا، إن كان في السابق يُعطى للمنقب مكافأة 6.25 بيتكوين عن كل بلوك، فإنه في تاريخ حدث تنصيف بيتكوين القادم ستقل المكافأة إلى 3.125 بيتكوين.

داخل نظام بيتكوين هناك شكل اصطناعي من التضخم، لأن كل مكافأة تُمنح تعني إضافة عملة جديدة إلى عملية التداول، ولهذا يتم خفض معدل التضخم إلى النصف كل أربعة سنوات، وسيستمر هذا حتى يتم طرح كل الوحدات الـ 21 مليون في السوق. حاليًا، هناك نحو 18.5 مليون بيتكوين متداولة، أو 88.4% من إجمالي المعروض. لما هذا مهم؟

كما ذكرنا، فإن تضخم وزيادة كمية أي عملة باستمرار تؤدي إلى خفض قيمتها بمرور الوقت. ومع معدن كالذهب، هناك معدل ثابت إلى حد ما للكمية الجديدة المستخرجة من الأرض كل عام، مما يجعل معدل التضخم ثابتًا نسبيًا.

مع عملة بيتكوين Bitcoin يؤدي كل حدث تنصيف إلى زيادة نسبة الأصل إلى التدفق، وهي تعني المخزون المتاح حاليًا والمتداول في السوق بالنسبة إلى المخزون المستخرج حديثًا الذي يتم إضافته للتداول كل عام. ونظرًا لأن تلك العملية تحدث كل أربعة سنوات، تتضاعف نسبة المخزون إلى التدفق، أو التداول الحالي بالنسبة إلى العرض الجديد. ومنذ بداية إطلاق عملة بيتكوين Bitcoin، شهدت كل عملية تنصيف ارتفاعًا هائلًا في السعر، حطم تمامًا أعلى مستوى له على الإطلاق كما نرى حاليًا.

bitcoin سعر عملة بيتكوين

حدث التنصيف الأول كان في نوفمبر عام 2012، شهد ارتفاع سعر عملة بيتكوين من نحو 12 دولارًا إلى ما يقارب 1150 دولارًا في غضون عام. الحدث الثاني كان في يوليو من عام 2016، وكان السعر نحو 650 دولارًا وبحلول 17 ديسمبر من عام 2017 ارتفع السعر إلى ما يقارب 20 ألف دولارًا. ثم انخفض السعر على مدار عام من هذا الارتفاع الصاروخي إلى نحو 3200 دولارًا، وهو سعر أعلى بنحو 400% من سعره قبل حدث التنصيف. بينما الحدث الثالث كان في شهر مايو هذا العام 2020، وارتفع سعر بيتكوين منذ ذلك الحين بالشكل الصاروخي الذي نراه الآن.

من استخدامها الأولي كطريقة للشراء بدون تتبع عبر الإنترنت إلى وسيلة نقدية جديدة توفر ندرةً يمكن إثباتها وشفافية مطلقة، قطعت عملة بيتكوين Bitcoin شوطًا طويلًا منذ إصدارها في عام 2009. حتى بعد إدراك أن تلك العملة وتقنية بلوك تشين blockchain الخاصة بها يمكن استخدامها لأغراض أكثر من مجرد شراء البضائع الممنوعة على الـ "دارك ويب"، فقد كان لا يزال من شبه المستحيل أن يتداخل معها الشخص العادي في السنوات السابقة. كانت المحافظ، والمفاتيح، وعمليات التبادل، وكل تلك المصطلحات مربكة ومعقدة. لكن اليوم، أصبح الوصول لها أسهل، واتجهت عديد الدول إلى ترخيص التبادلات بالعملات الرقمية. ربما حان الوقت لنقول إن العملات الرقمية بدأت في الطريق الصحيح نحو النضوج.

ختامًا، أتمنى أن تكون الأمور أوضح الآن بشأن ارتفاع سعر بيتكوين الصاروخي، ويوم الخميس القادم، أعدك ألا نفتح تلك النقاشات مرة أخرى في المكتب، حتى لا أصدع رأسك بكلام عن العملات الرقمية والاقتصاد والتضخم.