
لِم يفشل تحول الألعاب لعمل سينمائي ناجح؟ وكيف لـSony أن تفك العُقدة؟
"كل عام وأنتم بخير أحبائي ورمضان كريم عليكم" ...فكرة تحويل الألعاب لعمل سينمائي أو تليفزيوني ليست جديدة أو ثورية في زمانها بل حاول كثيرون تطبيقها بشتى الطرق من قبل من خلال نقل عناوين قوية في صناعة الألعاب للشاشة الكبيرة ، البعض منهم نجح والبعض الآخر فشل تماماً ويمكننا القول بأن الحظ لم يحالف صناعة الألعاب في مُعظم الأحيان ، كل هذا لم يمنع شركات الألعاب والمنتجين من المحاولة مرة أُخرى وعلى رأس تلك الشركات : Sony أو تحديداً SIE أو Sony Interactive Entertainment والتي تخطو خطوات محسوبة بدقة وتدريجية جداً لاقتحام عالم السينما ، المسلسلات والإنتاج بصفة عامة ، كيف فعلت أو ستفعل هذا ؟ هل تعتبر تلك خطوة ذكية منها أم لا ؟ وما المشاريع التي يتم العمل عليها حالياً ؟ كل هذا وأكثر نناقشه معكم اليوم في مقالتنا…
ماض أليم !
إذا سألتك عزيزي القارئ عن ألعاب تحولت لأفلام أو مسلسلات فسترد علي وتقول بأنهم كثيرون جداً ولكن هل شكلوا نقلة أخرى لصناعة الألعاب ؟؟ لا أعتقد ذلك فمن سلسلة أفلام Resident Evil ، فيلم Tombraider الجديد ، Warcraft أو حتى فيلم Assassin's Creed الذي توقعنا أن يكون بوابة لتعريف الناس حول سلسلة عظيمة مثل Assassin's Creed ، لم تستطع تلك العناوين أن تنجح بالشكل المنتظر ولكن ، قد أقول لك بأن شركة واحدة تملك مفاتيح حل تلك العُقدة وهي Sony ، لماذا يا ترى ؟
قبل أن نعلم ما الذي يميز Sony أو يزيد من فرص نجاحها ، علينا أن نعرف لِم تفشل عملية نقل الألعاب للشاشات الكبيرة وهو ما قد يتطلب مني مقالة بحد ذاتها ولكن سأحاول أن أحصر الأسباب في الآتي :
تجربة الألعاب والأفلام مختلفة كلياً !!
بكل بساطة ، الأمر معتمد على التفاعل البحت ، في الأفلام ، يقل هذا التفاعل من أساسه فأنت كمُشاهد تجلس أمام الشاشة أياً كانت وتتفرج على ما يتم تقديمه أمامك بشكل يمكننا وصفه بأنه Passive أو عدم تفاعلي فليس بيدك أن تقوم بتغيير أحداث الفيلم أو المسلسل مثلاً وليس بيدك أي قرار من أي ناحية ، أنت تكون مُجبر بشكل غير مباشر على مشاهدة ما يقدمه لك المخرج أو العمل أياً كان نوعه حتى تنتهي فترة الساعتين ومن ثم تحكم على العمل بالإيجاب أو بالسلب.
تلك الفكرة تختلف في الألعاب لأنها تجربة تضعك وراء عجلة القيادة فأنت المتحكم في الأحداث ، حركة الشخصيات ، حواراتها في بعض الأحيان ، ملابسها في ألعاب الـ RPG ، الإتجاه الذي ستسلكه في عالم مفتوح ، أنت من يملك المفاتيح وأنت سيد قرارك كما يتم تقديم شخصيات اللعبة الرئيسية بشكل ما سواء مؤثر ، مضحك أو مُحزن حتى تجعلك ترتبط بها خلال مشوار أو رحلة اللعبة والتي قد تمتد لتصل لـ 500 ساعة أو أكثر وبالتالي تعطيك الألعاب تجربة تفاعلية مهمة.
تكمن الصعوبة في نقل تلك الفكرة أو تلك الفعالية بنفس الصورة والتفاصيل إلى صناعة الأفلام ، أضف لهذا وقت الفيلم القصير والذي لا يسمح بعرض تفاصيل كل لعبة قمت بتجربتها والنتيجة ؟ منتج ركيك وفراغات غريبة غير منطقية تملؤه لأنك استغنيت عن تفاصيل صغيرة كانت قد أحدثت نتائج كُبرى في مجرى القصة الرئيسية نفسها..
الميزانية تحدث فارق أيضاً !
شركات الألعاب في العموم لا تخاطر بأموالها حالياً لأجل الدخول في صناعة لها مخاطرها ولن يضمنوا مكاسبهم منها بنسبة كبيرة أضف لذلك تكاليف تصنيع الألعاب أصلاً ولوجيستياتها مما يؤثر على ميزانية تصنيع فيلم أو مسلسل ويجعلها ضعيفة جداً وهذا يعني منتجين سيئين ، مخرجين أسوأ وفشل تام في نقل فكرة اللعبة الأساسية وتقديمها بالشكل المُستساغ لبقية الناس وتقريباً لازمت تلك العُقدة كل الألعاب التي تم تحويلها لأعمال فنية.
أسلوب تقديم القصة يكون في نظر الآخرين غير منطقي !
بحكم أننا لاعبون ، يمكننا تقبل بعض الأفكار التي تطرحها الألعاب في وجهنا ، بمعنى أن الألعاب يمكنها بناء قصة أو عالم نندمج فيه دون وضع أسس منطقية أو دون تقديم القصة مثلاً بعناصر عقلانية لأننا معتادون على تلك اللا منطقية في الألعاب ولكن على الجانب الآخر ، جمهور الأفلام لا بد أن يحظى بمقدمة ، حبكة ، سبب ، أحداث ، نتيجة أو نهاية وهي مقومات أي عمل ، وعليه ، فقدان أي عنصر من هؤلاء سيجعل العمل مليء بالفراغات الغير منطقية التي لم يُذكر سببها.
على سبيل المثال ، يمكن للعبة مثل Resident Evil أن تبدأ بأكشن لا ينقطع و Zombies عليك قتالهم دون تبرير على أن تحصل على إجابات لتساؤلاتك بشكل لاحق في القصة مثلاً وهو ما لن يتقبله عالم السينما والذي سيتهم العمل مباشرة باللا منطقية فما أسباب وجود Zombies من الأصل ؟ ولماذا آلت الأمور لهذا الحال وغيرها من مصطلحات لا يستسيغها غيرنا كلاعبين اعتدنا على أسلوب تقديم العناصر ذاك ، مثال آخر ، يمكنك أن تفهم قصة لعبة أو خلفية بعض الشخصيات من مجرد بضع كلمات في Final Fantasy VII Remake ولكن سيتطلب هذا شرح مطول ومشاهد Flashback في الأفلام لكي ينجح عنصر تقديم الشخصيات بالشكل الأمثل.
كل هذه الأمور جميلة ، ولكن ما الذي يميز Sony سيجعلها قادرة في نظري على كسر تلك القاعدة أو العقدة وما الذي فعلته لذلك ؟؟
بداية جديدة !
في مايو 2019 أي تقريباً منذ عام ، أعلنت Sony Interactive Entertainment أنها تقوم بفتح استوديو جديد أو مكتب خاص داخلي تحت مُسمى Sony Productions والذي سيجعل شغله الشاغل هو تحويل ألعاب Sony ونقلها لتصبح أعمال سينمائية سواء كانت أفلام أو مسلسلات في خطوة لم يحبذها الكثيرون حينها بسبب ما ذكرته في الفقرات الماضية ولكن لدى Sony أسلحة سرية تستطيع بها أن تقتحم عالم تلك الصناعة من أوسع أبوابها فكيف ستفعل هذا ؟
بالتدريج !
غلطة المشاريع الماضية هي رغبتها في الدخول لعالم السينما مباشرة والذي يعتبر أصعب ، لهذا بدأت Sony في مشروعها بشكل تدريجي وببدايات متواضعة ، هي لا تطمح لأن تحطم الـ Box Office مثلاً ، الهدف هو تقديم نماذج حية لقصص ألعاب رائعة يمكن أن تتحول لأعمال سينمائية فعلاً على أن يتم ذلك بشكل مصغر ومن خلال استوديوهاتها المتخصصة ولا ننسى أن Sony في العموم تملك Sony Pictures وبالتالي تناقل الخبرات سيحدث بكل تأكيد.
التطرق للمسلسلات دون الأفلام !
نقطة أخرى ذكية من جانب Sony وهي التطرق للمسلسلات عن الأفلام فكما ذكرت ، الأفلام تكون محدودة بالوقت والذي يكون من ساعتين لثلاثة كحد أقصى وعليك أن تنقل كل التجربة بعناصرها وبشكل منطقي خلال تلك الفترة الزمنية ، أما المسلسلات فتعطيك فترة 30 ساعة إن كنا سنقول أن المسلسل ثلاثون حلقة ومدة كل منهم ساعة ، وهذا يعني إمكانية عرض التفاصيل بشكل أكبر ، تبرير الكثير من الأشياء للمُشاهد بصورة مفهومة ، الأمر الذي تحتاجه الألعاب لتنجح في هذا النطاق.
ولكن ، ما الذي يميز Sony ؟؟ الإجابة بسيطة..
الحصريات الخطية وقصتها تقدما بشكل واضح جداً !!
نعم عزيزي القارئ ، هي الحصريات ولا شيء غيرها ، وإن كنتم غير واعيين لما تقوم به Sony في حصرياتها فاسمحوا لي بأن أشرح لكم كيف تطورت حصريات الـ Playstation لتصبح في نظري هي الممثل الأمثل لنقلة الألعاب نحو المسلسلات ولتصبح هي مفتاح نجاح الشركة بشكل كبير..
كما نلاحظ في السنوات الأخيرة ، فقد اهتمت Sony بتطوير حصريات تحمل في داخلها قصة قوية جداً ومؤثرة وحبكت ذلك بشخصيات عظيمة جداً لا يمكن أن ننساها ولكن غلب الطابع السينمائي ألعاب Sony في الفترة الأخيرة خصوصاً جيل الـ PS4 والذي بدأنا نشاهد فيه تطور ملحوظ جداً في الناحية السينمائية وتحديداً في كيفية تقديم القصة ، الأبطال ، الحبكة وحتى الأكشن بل أصبح استخدام الـ CGI والـ Motion Capture شائع جداً لتجد تفاصيل لا متناهية في شكل الشخصيات وخواصهم.
ألعاب بنكهة سينمائية !
ذكرت في عنوان الفقرة الحصريات الخطية بالتحديد وهذا لأن الألعاب الخطية أصلاً يتم التركيز فيها على العناصر السينمائية وتقديمها وكأنها حرفياً فيلم خطي وهذا هو التوجه الذي اتخذته Sony مع ألعاب مثل The Last of Us و God of War و أعتقد أني لست بحاجة للحديث عن مدى روعة قصة كليهما وكيفية تقديمها والأسلوب الخطي الذي عشنا معهما لحظات وذكريات محزنة أو سعيدة لا يمكن أن تُنسى ، هل تذكرون مشهد قتال Kratos مع Baldur والسينمائية الوهمية التي احتوى عليها؟؟
أضف لذلك عامل الشخصيات ، هلا لاحظتم أن معظم الحصريات تتألف من شخصيتين وتناقش القصة علاقتهما معاً خلال رحلة خطية ؟ مثل علاقة Ellie و Joel والتي تم تمثيلها بشكل رائع أو حتى علاقة أب وابنه بين Kratos و Atreus والتي أثرت فينا كثيراً حتى علاقة Deacon بدراجته فى Days Gone والتركيز الكبير على الدراجة النارية ؟!! تلك الألعاب حفرت إسمها من ذهب وفتحت لنفسها الباب لتتحول لعمل سينمائي بشكل قاطع فهي على عكس بقية الألعاب ، ناقضت الأسلوب الطبيعي لأي لعبة واستوحت أسلوبها من السينما هذه المرة.
استوديوهات طرف أول متميزة !
ضمن مفاتيح Sony للنجاح هي استوديوهات طرف أول قوية مثل Naughty Dog ، Santa Monica وغيرهم ، الفكرة أن كل منهم لديه مؤلف ، كاتب سيناريوهات ، وموظفين متخصصين ذوي خبرة من عالم السينما أصلاً ولهذا تخرج ألعاب Sony بهذه الروعة وبالتالي تعتبر هي أكثر شركة لديها المقومات ، الإمكانيات والقوى العاملة للدخول في عالم الأفلام والمسلسلات.
إذاً ما مشاريع Sony المقبلة ؟
لدى الشركة حالياً ثلاث مشاريع تحت التطوير في Sony Productions ، الأول هو مسلسل The Last of Us والذي تم الإستعانة بمؤلف مسلسل Chernobyl لأجله ، أضف لهذا Neil Druckmann في نقطة التأليف كما سيُعرض المسلسل على HBO أي أن الإنتاج ضخم جداً.
[embed]https://twitter.com/HBO/status/1235619786278572032[/embed]
لدينا فيلم Uncharted والذي بدأت عملية إنتاجه منذ سنوات وحالياً يضم نخبة من الممثلين مثل Tom Holland مع Mark Wahlberg و Antonio Banderas وحالياً الفيلم في مرحلة متقدمة جداً وسيصدر في صيف 2021 بشكل مبكر عن ميعاده السابق والذي كان في أكتوبر 2021.
أخيراً ، هنالك مشروع يتضمن فيلم لـ Monster Hunter وسيصدر في سبتمبر 2020.
ولكن هل تحتاج صناعة الألعاب لنقلة مثل هذه أصلاً ؟
الحقيقة أن هذا السؤال انتابني منذ برهة ، فهل تحتاج صناعة الألعاب لنقلة مثل هذه أم أنها متكاملة بحد ذاتها ؟ مما لا شك فيه أن نجاح الألعاب في الوصول لصناعة السينما سيكون له تأثير قوي ومهم في تعريف الناس على مصطلح ألعاب وكيف لها أن تكون ممتعة بشكل كبير بل قد تستقطب هذه الحركة لاعبين جدد ولكن في نظري ، أرى أن صناعة الألعاب قد تطورت كثيراً في الفترة الأخيرة ووصلت مكاسبها وأرباحها عنان السماء بل تتربع حالياً على عرش الصناعات الترفيهية فوق الأفلام وأي شيء آخر وهذا بالأرقام عزيزي القارئ حتى أن فيروس كورونا كان له أثره الإيجابي أيضاً على الصناعة من ناحية زيادة الإقبال إلى آخره وعليه ، لا أرى أن صناعتنا تحتاج للتقرب من الأفلام حالياً.
طالع : بالأرقام الألعاب الآن أصبحت الملك المتوج على عرش صناعات الترفيه؟!
كما أن علينا أن نسأل أنفسنا كلاعبين ، هل تقوم صناعة الأفلام بنفس الخطوات تجاه الألعاب ؟؟ هل تريد فعلاً لبعض أفلامها أن تخرج في شكل لعبة ؟ لا أظن..لأن التفكير السائد لدى البعض للأسف هو أن الألعاب ليست بالمنصة الربحية التي قد تدر مكاسب مهولة ولا أقول بأنه لا توجد أي لعبة تحولت لفيلم ، هنالك البعض ولكن لا نرى رغبة تحول عمل فني للعبة جلية بالشكل الكبير من جانب صناعة الأفلام مثلما تفعل صناعة الألعاب