شهدت الثلاثة أعوام الأخيرة قفزة كبيرة ومتكررة في أسعار الهواتف الذكية وبالأخص هواتف الفئة العليا, فمبلغ 500 إلى 650 دولار الذي كان يكفي لشراء أفضل الهواتف المليئة بالتقنيات والمزايا الجديدة لم يعد يكفي لشراء أقلها تطوراً ليصبح السعر المعتاد لهواتف الفئة العليا بين 900 إلى 1000 دولار. حاجز 1000 دولار أمريكي لم يعد الرقم المستحيل تخطيه فهاتف iPhone XS Max يصل إلى 1500 دولار بينما هاتف سامسونج القابل للطي يبدأ من 1980 دولار بينما تتربع هواوي على القمة بهاتفها القابل للطي Mate X بسعر 2600 دولار أي من 4 إلى 5 مرات متوسط سعر هواتف الفئة العليا منذ عدة سنوات مضت, فماذا حدث؟ وما هو سبب ارتفاع الهواتف بهذا الشكل؟ وهل تستغل الشركات مستخدميها أم أنهم على حق؟ أسئلة كثيرة تدور دائماً عند شراء هاتف جديد سنجيب عنها لكم اليوم في السطور التالية.

التقنيات والعتاد الجديد

تعتبر مواصفات الهواتف واحدة من أهم الأسباب لارتفاع أسعار الهواتف الذكية ليس فقط لتطورها ولكن بسبب الكم الهائل التي تدفعه الشركات في عمليات البحث والاختبار قبل أن تتوافر أي تقنية, ودعونا في بداية موضوعنا نلقي نظرة على أبرز ما تغير في الهواتف الذكية خلال السنوات الماضية بالتحديد منذ عام 2013 حتى الآن.

أول تغير جذري منذ ذلك الوقت وحتي وقتنا هذا هو في حجم الهواتف ذاتها وشاشتها, فالهاتف ذو شاشة بين 4 إلى 5 بوصة والذي كان يعتبره البعض كبيراً لم يعد متاح أساساً وأصبح التقليدي أن نشاهد هواتف بمتوسط حجم 6.4 بوصة دون أي إندهاش, أنواع الشاشات نفسها اختلفت فشاشة TFT الذي كانت مسيطرة على هواتف تلك الفئة لم تعد موجودة واستبدلتها شاشات IPS و OLED والتي كلفت الشركات أموال هائلة من التطوير لتصل إلينا كما هي الآن والتي تأتي بعضها بحواف منحنية أو قابلة للطي.

المعالجات, مساحات التخزين الداخلية الضخمة, تطوير الذكاء الاصطناعي, سعة البطارية المهولة, الشحن السريع, الشحن اللاسلكي, دعم الجيل الرابع 4G والجيل الخامس 5G والعدد الكبير من الكاميرات كلها أشياء لم تكن موجودة في الوقت الذي كانت فيه أسعار هواتف الفئة العليا بقرابة نصف سعرها الآن, حتى طرق حماية الهاتف كانت مختلفة تماماً فطريقة Pattern التي كانت طفرة في سهولة فتح قفل الشاشة لم يعد احد يستخدمها وأصبحنا الآن نعتمد على مستشعرات بصمة الإصبع, بصمة العين, بصمة اليد, بصمة الصوت وحتى مجرد النظر للهاتف عن طريق خاصية التعرف على الوجه.

التضخم

حسناً لا أود الانتقال من الحديث عن التقنية للحديث عن الاقتصاد ولكن حين نتحدث عن الأموال ومقارنة أسعار المنتجات عبر السنوات فأهم عامل يجب أن يؤخذ في الاعتبار هو التضخم. لمن لا يعلم فالتضخم ببساطة يعني انخفاض القوة الشرائية للمال عبر السنوات, أي أن السلعة التي اشتريتها في 2010 على سبيل المثال بسعر 100 دولار ستكون الآن أغلى من ذلك بسبب التضخم دون أي تغير بها.

في الهواتف الذكية يتم تسعير الغالبية العظمي للهواتف بالدولار الأمريكي (ما عدا هواتف شاومي وهواوي) نظراً لأسباب عديدة لن نناقشها الآن, معدل التضخم للدولار الأمريكي يحوم حول 2% سنوياً  وهو ما يعني أن السلعة ذات 100 دولار ستكون ذاتها بسعر 102 دولار بعد عام واحد فقط. قد ترى الأمر بسيط وغير مؤثر في الأسعار ولكنك مخطئ. على سبيل المثال طرحت أبل في عام 2013 هاتف iPhone 5s بسعر 650 دولار وكان في هذا الوقت أغلى هاتف ذكي على الإطلاق, إذا أرادت أبل أن تطرح هاتف بنفس القيمة ولكن بعد مرور 5 سنوات في عام 2019 سيكون سعر الهاتف 728 دولار وهو سعر مقارب لهاتف iPhone XR الذي أُطلق العام الماضي مع الأخذ في الاعتبار الفارق الكبير بينهما في كل النواحي الأخرى.

المثال السابق يوضح أن التضخم سبب أساسي في ارتفاع أسعار الهواتف الذكية بشكل عام وأن جزء لا بأس به من زيادة الأسعار.

قيمة الشركة واسمها

جزء أساسي من ثمن أي هاتف هو اسم الشركة المدون عليه, فهواتف أبل لا تمتلك من التقنية الجديدة ما يناسب سعرها الحقيقي ولكنها تمتلك علامة أبل التجارية التي لا يغطيها حتى أغطية الهواتف. العلامة التجارية للشركات واسمها المدون على الهواتف اصبح شيء يبحث عنه قطاع كبير من المستخدمين حيث أصبحت مقياس للمستوي المادي والمعيشي عند الكثيرين.

أبل ليست الشركة الوحيدة التي تقوم برفع أسعار هواتفها لأنها تحمل اسمها بل سامسونج, هواوي, سوني, HTC والغالبية العظمي من الشركات ذات الاسم اللامع في هذا السوق يكون جزءاً من سعر الهاتف مقابل فقط اسم الشركة المصنعة له. هذا الأمر يمكن لمسه بشكل واضح ليس فقط في هواتف أبل بشكل عام ولكن في هواتف سامسونج خلال العامين الماضيين في الفئة المتوسطة حيث كانت تطرح هواتف بمواصفات هي الأقل مقارنة بمنافسيها وفي نفس الوقت كانت هواتفها الأغلى لأنها كانت تحمل شعار الشركة.

وبالمناسبة اسم سامسونج في قطاع الهواتف الذكية هو العامل الوحيد الذي مكنها من الحفاظ على مكانتها كأكبر مصنع للهواتف الذكية في العالم خلال العامين الماضيين قبل أن تكرر العودة إلى الطريق الصحيح هذا العام بهواتفها الجديدة في الفئة المتوسطة والاقتصادية.

الرفاهية

تحدثنا في النقطة السابقة عن اسم الشركات وتأثيره على أسعار الهواتف والتي يمكن أن ندرجها أيضاً تحت بند الرفاهية ولكن في هذه النقطة سنتحدث بصورة أعمق عن هذا المفهوم. بالعودة إلى بداية العقد الحالي كانت المنافسة بين كبرى الشركات المطورة للهواتف الذكية تدور حول تقديم أفضل التقنيات الجديدة للهواتف حيث شاهدنا في تلك الفترة تطوراً مهولاً بين كل هاتف وآخر من نفس السلسلة, الآن وبعد تباطئ وتيرة التطوير في الهواتف الذكية كان على الشركات ابتكار طريقة جديدة لجذب المستخدمين والتي تمثلت في تقديم أنواع الرفاهية المختلفة في هواتفها الجديدة كحافز جذاب للمستخدمين.

Huawei P30 Pro photos (17)

ومع مقارنة الهواتف الذكية في السابق والآن سنجد أن الغالبية العظمي من الهواتف في السابق كانت مصنعة بالكامل من البلاستيك وكانت الهواتف ذات جسم معدني رفاهية مبالغ بها ولا فائدة منها, الآن أصبحت الهواتف ذات الجسم المعدني عير محبذة لأنه يمكن أن تتعرض لشروخ وأصبحت الهواتف ذات الجسم الزجاجي هي الأفضل فيما أصبحت الهواتف ذات الجسم البلاستيكي معيبة في تلك الفئة.

تطوير أنواع الزجاج المستخدمة في الهواتف بالتأكيد وتصنيعها لتكون بدرجة صلابة عالية ولا تنكسر من أبسط اصطدام سيكلف المستخدمين المزيد من الأموال. الأمر ذاته يمكن أن يقاس على تصميم الهواتف, فالمستخدمين أصبحوا يفضلون هاتف على آخر لأنه بحواف أقل أو لأن حجم قطع الشاشة العلوي "النوتش" أصغر أو لأن ظهر الهاتف أكثر لمعاناً ويبدوا كالمرآة.

توفير هواتف بكل ما ذكرناه مسبقاً لا يزيد فقط من تكلفة تصنيع الهواتف بل يعطي مبرراً للشركات في رفع أسعار هواتفها لأن المستخدمين اصبحوا يقيمون تلك التحسينات بشكل مبالغ فيه.

عُمر الهواتف وعدد الوحدات المباعة

خلال العامين السابقين شهد سوق الهواتف الذكية انخفاض في عدد الهواتف المباعة عالمياً لأول مرة منذ بداية تصنيع الهواتف بشكل عام وهو ما أثر بالتأكيد على هواتف الفئة العليا. تباطؤ عملية التطوير في الهواتف الذكية مقارنة بالماضي وكذلك ارتفاع أدائها خاصة في هواتف الفئة العليا دفع المستخدمين لعدم التفكير في الترقية باستمرار فالمستخدم حالياً يمكنه أن يقضي مدة تصل إلى 3 أو 4 سنوات دون ترقية هاتفه إلى إصدار أحدث.

هذا الأمر يمكن ملاحظته بسهولة في هواتف أبل, فأكثر هواتف الشركة استخداماً حالياً هما هاتفي iPhone 6 و iPhone 6s واللذان طُرحا خلال عامي 2014 و 2015 على التوالي وهو ما يعني أن مستخدمي تلك الهواتف لم يفكروا في الترقية حتى بعد 3 إلى 4 أجيال جديدة من هواتف الشركة.

عدم قدرة أبل على جذب هؤلاء المستخدمين لشراء هواتفها الجديدة وضعها في أزمة فيما يخص أرباحها السنوية ليكون أمامها خيراً واحد وهو زيادة سعر هواتفها لتعوض انخفاض عدد الوحدات المباعة بسعر الوحدات الأعلى. أبل ليست الشركة الوحيدة التي قامت بهذه الخطوة فجميع الشركات التي تطرح هواتف موجهة للفئة العليا اتخذت نفس المسار خاصة مع نمو فئة الهواتف المتوسطة وما تمثله من تأثير على انخفاض مبيعات الأخرى.

في النهاية يمكننا الوصول لسبب ارتفاع أسعار الهواتف الذكية خلال الأعوام الماضية وهو مزيج من الأسباب يشترك فيها المستخدمين, الشركات والعوامل الاقتصادية المختلفة. وللأسف ما لم يتغير أي من الأسباب التي ذكرناها فإنه من الصعب إيقاف قطار ارتفاع أسعار هواتف الفئة العليا الذي قد يقودنا قريباً إلى أسعار لم نتخيلها قط. وفي وسط كل تلك الأمور المتشابكة في رأي نحن كمستخدمين علينا ألا ننصاع وراء الحملات الدعائية اللامعة وأن نتوجه لشراء هواتف تلبي احتياجاتنا متخلصين من مفهوم "اقتناء الأفضل" والذي لن يستمر كالأفضل سوي لعدة أشهر فقط قبل أن تقدم الشركات لمسة صغيرة في هاتفها القادم مروجة بأنها تقدم ما لا مثيل له.

هذا كان رأينا في أسباب أرتفاع أسعار الهواتف الذكية, فما هو رأيك؟ وهل ترى أنه هناك أسباب أخرى لزيادة أسعارها؟
شاركنا برأيك!