في عام 1980، تنبأ الروائي والمؤلف الأمريكي إرسكين كالدويل بظهور عملة بيتكوين، إلا أنه توقع ظهورها في عام 1990، حين قال: "سيتم تداول نوع مختلف من الأموال. ليس الذهب وليست عملات ورقية، لكنه سيكون نوع يصدر بالكمبيوتر من تبادل الدفع والائتمان".
ربما تتوقع أن كالدويل هو ساتوشي ناكاموتو، الاسم الشهير الغامض الذي ارتبط باختراع العملة الرقمية، لكن كالدويل توفي عام 1987، أي قبل أن يكتب ناكاموتو كود العملة المشفرة باثنين وعشرين عامًا كاملة.
ذلك التنبؤ الجريء كان ضمن كتاب شهير، نُشر في عام 1981، يُعرف باسم "كتاب التنبؤات The Book of Predictions"، وهو كتاب يضم تنبؤات وتوقعات من مختلف الخبراء والعلماء وكتاب الخيال العلمي لتخيل كيف ستكون السنوات الـ 50 المقبلة من تطور وتقدم تقني. والنتيجة؟
لا يوجد أي توقع أو تنبؤ صحيح، ربما باستثناء توقع ظهور عملات رقمية كما توقع كالدويل!
عندما تقوم بتجميع مئات التنبؤات في مكان واحد، وتنظر لها بعد مرور 40 عامًا ستكون النتيجة نوعًا خاصًا ومركزًا من الخطأ. كل منهم حاول وبذل قصارى جهده، ولكن لم ينجح أحد في توقع شكل التقنية المستقبلية وكيف يمكن أن يكون التقدم تحديدًا!
الرؤية الحقيقية تكمن في الروابط بين الأشياء!
في عام 1980، كانت الحرب النووية تلوح في الأفق، مع اشتعال أجواء الحرب الباردة بين العم سام والدب الروسي، وكان الفضاء الخارجي بمثابة طوق النجاة. توقع كثير من الناس في هذا الكتاب أن السنوات الـ 50 القادمة سوف تمنح البشر الحياة على سطح المريخ، وربما ملايين آخرين في مدار الأرض، هربًا من المصير الأسود لحرب نووية وشيكة!
كان الخطأ هنا هو افتراض أن معدل التقدم سيستمر في التسارع حتى يمنحنا القدرة لمغادرة الكوكب.
ببساطة إن كنت تعيش في ذلك العصر سترى أن الاتحاد السوفييتي أرسل مركبةً فضائيةً تحمل أول قمرًا اصطناعي في المدار حول الأرض عام 1957. وبعد اثني عشر عامًا، في عام 1969، ترسل الولايات المتحدة مركبة أخرى إلى القمر، وهذه المرة تحمل ثلاثة أشخاص بداخلها، وتعود المركبة للأرض بدون أن يُقتل هؤلاء الثلاثة.
وهو معدل سريع جدًا للتغيير، بمقاييس ذلك العصر وبمقاييس مضمار صعب ومكلف كالفضاء.
لكل إنسان شارك في هذا الكتاب تعريفه الشخصي للتقدم والتطور، وهو إما متشائم أو متفائل في ارتباط مباشر بهذا التعريف تحديدًا، فمثلًا يتوقع كاتب الخيال العلمي أننا سوف نبدأ في استئجار الكويكبات، بينما يتنبأ رجل وكالة المخابرات المركزية إن السوفييت سيحكمون العالم، أما طبيب الأسنان يتوقع زيادة استخدام الليزر في عمليات الأسنان.
أن تطلب من شخص ما التنبؤ بالمستقبل كأن تطلب منه تحديد الأولويات ومن ثم التخيل. نحن نتحدث عن "التقدم" كما لو كان عقدًا ضخمًا تم توقيعه بالاشتراك بين عصرنا وبين الأجيال القادمة بحبر متفائل. في حين أن التقدم فردي وشخصي وفي عين الناظر فحسب!
قد يتخيل البشر مستقبلًا يتعلق بتخصصاتهم، أو مستقبلًا مليئًا بالحروب، أو ربما على سطح المريخ، لكن ما لم يستطع أحد رؤيته هو كل تلك الإمكانات التي توفرها طبقات البنية التحتية من حولهم.
يميل البشر إلى صنع وإطلاق التنبؤات بينما ينظرون عبر عدسة حياتهم الضيقة، لكن الرؤية الحقيقية تكمن في رؤية الروابط بين الأشياء.
منصة Twitch مثالًا!
فكر مثلًا في منصة Twitch، منصة بث ألعاب الفيديو، كيف يمكنك توقعها قبل 40 عامًا؟
يمكننا أن نطلق على تلك المنصة أنها طفل لكثير من الآباء والأمهات؛ مثلًا تطلبت المنصة تفاهمًا وكيمياء خاصة بين الإنترنت وبين صناعة ألعاب الفيديو وشرائح معالجة الكمبيوتر القوية ومعدات التصوير الرخيصة، وربما آلاف الأشياء الأخرى على نطاق الصناعة التي قد تبدو واضحة أمامك.
لكنك ستحتاج إلى التنبؤ بكل هذه الأشياء لكي تتوقع ظهور منصة Twitch. وبالطبع، لا ننس أننا سنتوقع ظهور شركة أمازون التي قامت بشراء المنصة واستضافتها وجعلها أكبر وأكبر.
حاول أن تضع نفسك في بداية عالم الثمانينيات وتخيل مفهوم منصة Twitch، ربما يكون تخيلك كالآتي: "ستظهر محطة بث تلفزيونية جديدة تعرض لقطات فيديو حية لأشخاص يلعبون ألعابًا قتالية". ربما كان تخيل مركبات الفضاء التي تأخذنا إلى المريخ أسهل.
تخيل كثير من التقنيات الحديثة التي نستخدمها الآن، هل كان يمكنك التنبؤ بها كما هي حاليًا في عالم الثمانينيات؟ ربما تتنبأ بأن الهواتف ستنتشر أكثر وتصبح في متناول الجميع ويسهل الحركة بها، ببساطة لأن الهاتف كان اختراع قديم ومنتشر بالفعل. لكن هل يمكنك تخيل شبكات تواصل اجتماعي بحجم الكوكب بأكمله عبر تلك الهواتف؟ هل يمكنك مجرد تخيل أن هناك شبكات تجمع البشر بمختلف فئاتهم وأفكارهم وشخصياتهم في مكان واحد كالشبكات الاجتماعية الآن؟
قد يكون هذا هو تعريف "التقدم"!
ربما أكثر ما نخشاه الآن هو تطور الآلات والذكاء الاصطناعي، لذا ستجد أن معظم التنبؤات المتشائمة تذهب إلى هذا الاتجاه، لكن مرةً أخرى هذا هو تخيلنا بمنظورنا الضيق وبما نراه الآن أمام أعيننا!
المستقبل فوضوي للغاية، أقل شيء يحدث سيؤثر في النتيجة النهائية. وليس من الغريب أن يستمر المليارديرات مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك في تمويل استكشاف الفضاء. ربما يمكنك اعتبارها طريقة لاستكمال الرحلة من المكان الذي توقف فيه العالم حينها، وإخراج المستقبل القديم من الأدراج، وإجبار التنبؤات القديمة على أن تتحقق. لذا ربما أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي إنفاق مليارات الدولارات على إعادة اختراعه.
ما يمكنك استنتاجه من "كتاب التنبؤات"، بعد 40 عامًا، هو متابعة التقاطعات الغريبة والمثيرة للاهتمام بين الأشياء الكبيرة جدًا في الحياة. ابحث عن الروابط ونقاط التواصل أو نقاط الصراع والاختلاف. اختر اثنين من القوى الهائلة الحالية التي تؤثر على عالمنا وتساءل كيف يمكنها التواصل، مثلًا المناخ ووسائل المواصلات، أو ربما الأوبئة وعالم الترفيه.
سنصل في النهاية أنه لا يمكنك التنبؤ بالمستقبل، بل يمكنك محاولة فهم أفضل للطبقات من حولك والسماح لعقلك بالتجول داخلها حتى تجد نقطة تواصل تستحق الصنع أو شيء جديد يستحق البناء، حتى لو كنت الشخص الوحيد الذي يرى ذلك. يمكنك حينها أن تطلق عليه اسمًا وتؤمن بنجاحه، وتقاتل لتحويله إلى حقيقة ملموسة. حينها سيكون هذا هو تعريف "التقدم".
?xml>