ليس المهم ما يحدث لك، بل المهم ما الذي ستفعله بما يحدث لك.. المؤلف الأمريكي الراحل روبرت شولر

الأرقام لم تعد مبشرة، لم يعد للتفاؤل معنىٍ الآن، صوت الآنين والزفرات الأخيرة يحيط بجدران المستشفيات، لا فارق اليوم بين مؤسسات صحية تملكها الدولة أو يمتلكها الأفراد، الكل في صراع محموم لتوفير الأكسجين، هل الكهل العجوز أولى بها أم الرضيع المسكين هناك، أو ذاك الشاب وعروسه؟ من يستحق أكسير الحياة؟ الإنسان بتمكنه وغروره، بل وتجبره في الأرض، يقف أمام أحد مخلوقات الخالق عاجزًا عن لعب دور الرب في تحديد الحياة والموت، اليوم فقط نعرف أن العبودية هي أسهل أدوارنا!

في مقدورنا أن نقضي الشهور القادمة في لعب دور الضحية، والغوص في بحر التكهنات والمؤامرات؛ فمثلًا الفيروس كان إحدى وسائل الحرب بين الصين وأمريكا، المصل خُدعة، التجارب الأولية للمصل ستكون للفقراء، يمكنك أن تبقى في دائرة الشك حتى يثقل جفنيك النوم، لينتهي يوم ويأتي الآخر، تعيد الكرة مرة بعد مرة بلا طائل!

 الظرف مربك وصادم، لكن في أصعب مواقف حياتي، ألعب لعبة بسيطة وهي أن أسأل نفسي سؤالًا واحدًا صريحًا، ما أسوء شيء قد يحدث؟ إجابة واضحة ومخيفة، لذا أكررها حتى أستسيغها، وعندها يصبح وقع حدوثها علي أخف، فلو حدث ما أخشاه فلقد دربت نفسي حتى تقبلت الأمر، وإن لم يحدث فقد اكتسبت ردة فعل جديدة، حُفظت في عقلي الباطن جاهزة منقحة من الإفراط في الصدمة.

حسنًا، السؤال الآن: ما الوضع لو استمر الوباء أكثر من ذلك؟  ماذا لو أغلقت المؤسسة التي أعمل بها أبوابها؟  ما مصير خططي المستقبلية؟

الإجابة يجب أن تكون واقعية صادمة وواضحة الملامح بلا اعتماد على معجزة كونية تنجينا، دوّنها أمامك على ورقة، ودعني أرشدك لأفضل الإجابات التي وجدتها..

الاتجاه إلى الحلول الرقمية في العمل

لقد غير الوباء المشهد المهني بشكل ملحوظ؛ مثلًا بالنسبة للمجتمع الأمريكي فقد ازدادت نسبة العاملين من المنزل إلى 42%، وأصبحت نسبة العاملين في المقرات التقليدية 26% فقط، أما نسبة الـ 32% المتبقية فكانت لغير القادرين على العمل، ومن المتوقع جدًا أن تزداد نسبة العاملين من المنزل الفترة المقبلة، فعلى سبيل المثال أتاحت تويتر حرية الاختيار بين العمل من المنزل أو العودة إلى مقر الشركة، وكانت النتيجة متوقعة.. معظم العاملين بالشركة اختاروا العمل عن بعد، وذلك حتى منتصف العام القادم!

الجدير بالذكر أن فريق Duo Security للخدمات الأمنية التابع لشركة سيسكو أكد أن الشركات شهدت تغير غير مسبوق، فقد زاد اللجوء إلى الحلول الرقمية وخاصة التكنولوجيا السحابية، بالاضافة إلى كثرة استخدام المصادقة متعددة العوامل وهي عبارة عن نظام أمني يتطلّب أكثر من طريقة مصادقة واحدة للتحقق من هوية المستخدم، للحفاظ على المعلومات الخاصة بالشركة.

هذا ويفيد التقرير الذي يحمل عنوان “أبحاث ديو للوصول الموثوق 2020″ بمعلومات مفصلة عن جهود الشركات لتسريع اعتماد فرقها العاملة على تقنيات التعاون عن بُعد عن طريق  الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) وبروتوكول سطح المكتب عن بعد (RDP)، وغيرها من التقنيات.

وتعليقاً على هذا الموضوع، قال فادي يونس، رئيس الأمن السيبراني لدى سيسكو في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: "مع بداية أزمة كوفيد-19، تمثلت الأولوية الرئيسية بالنسبة لشركات عديدة في ضمان استمرارية العمل، وتقبّل بعض المخاطر في سبيل تحقيق ذلك الهدف. وتحوّل الاهتمام حالياً نحو الحد من المخاطر عبر تطبيق استراتيجية أمان أكثر تطوراً، والحفاظ على الإطار التقليدي للشركات بعد تأثره بشكلٍ كبير".

ما هو الاتصال غير المتزامن؟

الاتصال غير المتزامن هو الحل الأمثل الفترة المقبلة، فمثلًا لن يكون بمقدورك الاجتماع بكل الموظفين في نفس الوقت طوال فترات العمل، ولكن الأفضل أن تلجأ إلى منصات مثل Trello أو Slack، ربما كان البريد الإلكتروني أحد الأدوات التي استخدمت في الفترات العادية بشكل كبير، لكن الآن لا يمكن الاعتماد عليها وحدها.

أما الاتصال المتزامن الذي توفره مؤتمرات الفيديو مثل  Clickmeeting و HighFive  و Meeting من جوجل تسمح لك بمشاهدة ومتابعة العمل في نفس اللحظة مع زملائك أو مدرائك.

• أضف لذلك بعض الأدوات الهامة:

Screen record: ومن خلاله يكون باستطاعتك شرح أفكارك أو كيفية القيام بشئ معين من خلال فتح نافذتك أمام الاخرين والتحرك بحرية عليها.

Gif creator: عبارة عن مقطع فيديو صامت متكرر، أقل مساحة من الفيديو العادي ويمكن استخدامه للشرح.

Screen shot: أداة سهلة لتوفير الوقت المهدور في كتابة النصوص من جديد، حيث تقوم بالتقاط صورة لكل تفاصيل النافذة المفتوحة على لابتوب أو الهاتف المحمول.

المنصات السحابية: والتي من خلالها تمكن كل أفراد الفريق من مطالعة محتوى واحد متجدد دون الحاجة إلى إرسال ملف إلى كل شخص، مثل خدمات أمازون ويب، أو مايكروسوفت أزور، أو جوجل كلاود، أو  اتش بي كلاود، أو في كلاود، حيث زاد استخدامها خلال الشهور الأولى للأزمة بنسبة 40%.

كيف تعمل في المنزل بنجاح؟

إذا قمت بالبحث عن "العمل عن بعد" أو "العمل من المنزل" سوف تظهر لك العديد من الصور المدمرة للفكرة نفسها مثل رجل يتثاءب ببنطال قصير ويتصفح جهاز الكمبيوتر الخاص به، موظفة تعمل من داخل سريرها، كل هذا الصور الذهنية غير صحيحة بالمرة، بداية من عدم إنجاز أي شئ والشعور بالضغط نهاية بآلام الرقبة والظهر.

لكي تتمكن من إنجاز عملك بنجاح في المنزل، يجب التعامل على أنه يوم عادي، الاهتمام بالطقوس الصباحية الخاصة بك، مثل الاستحمام، الإفطار وشرب القهوة، تغيير ملابس البيت، كل ذلك يساعدك على الانتعاش.

يجب إعداد غرفة خاصة بك في المنزل أو على الأقل ركن خاص بك، كذلك يجب إعلام باقي أفراد الأسرة بمواعيد العمل حتى تهيئ لنفسك جو خالي من الإزعاج.

النصيحة الأهم، لا تنسى أوقات الراحة، ضع لنفسك ساعة وقسمها على مدار ساعات العمل، كفاصل تجدد فيه نشاطك، تحرك خارج البيت مواجهة الشمس والهواء لا  تحبس نفسك بدون حركة طوال اليوم.

استعد جيدًا لكل حالات الطوارئ من انقطاع التيار، لانتهاء باقة الإنترنت حتى لا تستنفذ ساعات العمل وأنت تقوم بحل مشكلة واحدة، لذا قم بشحن اللابتوب، كما أن عليك تجديد باقة الإنترنت حتى لو كنت تستخدم الواي فاي!

لا تتوحد مع ذاتك أو تتواصل مع زملائك من أجل العمل فقط، قم ببعض المكالمات الاجتماعية، حتى لا تشعر بالضيق أو الملل، ربما يمكنكم قضاء أوقات الراحة التي تكلمنا عنها مسبقًا معًا.

اقرأ أيضًا: 5 نصائح هامة لإجراء مكالمات الفيديو والعمل من المنزل!

ما هي مجالات العمل عن بعد؟

البرمجة:  وتشمل التطوير البرمجي برمجة المواقع أو التطبيقات أو البرامج أو واجهات المستخدم أو أنظمة الإدارة أو اختبار البرامج أو البنية التحتية التشغيلية.

التسويق الإلكتروني: ويشمل التسويق الإلكتروني تحسين نتائج البحث SEO وإعلانات الدفع مقابل الضغط PPC وتوليد المرور traffic generation وبرامج المشاركة التسويقية affiliated marketing والتسويق الداخلي inbound marketing.

 التصميم: بالإضافة إلى التصميم الرسوميات "الجرافيكس" فقد يتضمن التصميم أيضًا اللوحات الهندسية والمعمارية وتصميم الواجهات الأمامية للمواقع الإلكترونية والتطبيقات بالإضافة إلى التصميم الداخلي وغيرها.

الكتابة والتحرير: هذا المجال خصب ومتشعب ويشمل كتابة المحتوى باختلاف أنواعها الطبية والعلمية والرياضية، وغيرها بالإضافة إلى الصحافة والمراسلة والمراجعة اللغوية وكتابة أدلة الاستخدام وكتيبات الشرح والمواد التعليمية للدورات التدريبية وكتابة المقالات والتقارير.

خدمة العملاء: لست بحاجة لأن تكون في الصين مثلاً حتى تتمكّن من العمل لدى شركة صينية كبرى في قسم خدمة العملاء، فبمجرّد قدرتك على التواصل باللغة الصينية، ستكون الفرصة أمامك متاحة للعمل من منزلك مع مختلف الشركات العالمية التي تحتاج الناطقين بهذه اللغة، كذلك الأمر في باقي اللغات الأخرى.

المحاسبة: تعتبر المحاسبة وظيفة مكتبية مملة، لكنها في الحقيقة من أكثر الوظائف طلبًا لأن أي منظومة عمل تحتاج إلى المحاسب لحساب الفواتير والضرائب والرواتب والعوائد والمصروفات وغيرها، بل إن بعض مقدمي الخدمات المستقلين freelancers قد يحتاجون إلى من يدير حساباتهم مع العملاء.

إدخال البيانات: قد لا تحتاج وظيفة إدخال البيانات إلى مهارات عالية سوى سرعة الكتابة بدقة على الكمبيوتر، لكنها مهمة جدًا وتجدها في كثير من الوظائف مثل دور النشر والطباعة والصحف والجامعات.

إدارة مواقع التواصل الاجتماعي: تحتاج الشركات والشخصيات العامة إلى مديرين حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، لرفع مواد الوسائط المتعددة وإدارة المنشورات ووضع خطة تسويقية للاستفادة من ملايين العملاء والمتابعين على تلك المواقع.

ويمكنك التعرف على أفضل 10 مواقع عربية للعمل أونلاين من المنزل عبر الإنترنت من خلال هذا المقال.

ختامًا، ربما لم تتح لنا الظروف فيما مضى أن نرى حياتنا من بعيد، ونرى كيف نعيش وكيف تقضى أيامنا دون أن نشعر بها تتسرب من بين أيدينا، يمر اليوم معقود في أخيه ينتهي الأسبوع فوق الأسبوع مُمررًا شهر دون أن نعلم كيف انتهى، ساعات طويلة تقضى في الازدحام المروري، يتبقى في يومك ساعات قليلة للنوم والرياضة والأهل، ربما يتساقط بند من البنود لعدم كفاية الوقت، ربما يتيح لنا العمل عن بعد موازنة حياتنا، فلا أنت بمعزل عن أهلك وأصدقائك، ولا أنت متكاسل عن هواياتك، وبالطبع دون الإهمال في أداء عملك دون تقصير، كما فُرض علينا أو فرضنا على أنفسنا الإنهاك حد الموت في أشغالنا، ربما حان الوقت لوضع الأمور في نصابها الصحيح.