برزت بيتكوين كأحد أكثر الابتكارات المالية إثارةً للجدل في العصر الحديث، حيث ظهرت بشكل غامض عام 2008 على يد شخصية مجهولة تُعرف باسم ساتوشي ناكاموتو؛ لتشقّ طريقها بخطى ثابتة نحو صدارة المشهد المالي. ولاقى البيتكوين رواجًا بسبب طبيعة التقنية القائم عليها؛ وهي تقنية البلوكتشين (Blockchain)، إذ تعمل تلك التقنية على تسجيل المعاملات بطريقة آمنة، وتتميز بلا مركزيتها؛ أي لا يمكن التحكم فيها أو فرض سلطة عليها؛ كما تستخدم تقنية البلوكتشين تشفيرًا قويًا لحماية البيانات.

نشر ساتوشي ناكاموتو، الشخصية المجهولة التي تقف وراء إنشاء البيتكوين، الورقة البيضاء لبيتكوين عام 2008؛ وحددت هذه الورقة العديد من الخصائص الأساسية للبيتكوين؛ وشملت تقنية البلوكتشين لتخزين جميع معاملات البيتكوين؛ وخوارزمية التعدين عن عملية إنشاء عملات بيتكوين جديدة والتحقق من صحة المعاملات؛ وأن إجمالي عرض البيتكوين مُحدد بـ 21 مليون عملة فقط، دون سبب معين عن اختيار ذلك العدد من العملات.

يمر البيتكوين كل 4 سنوات بعملية تسمى التنصيف؛ حيث حدث أول تنصيف للبيتكوين في شهر نوفمبر من عام 2012. وأكملت شبكة البيتكوين عملية التنصيف الرابعة لها بتاريخ 20 أبريل لعام 2024؛ إذ فُرضت تلك العملية على البيتكوين بسبب عدد العملات المُحدد بـ 21 مليون عملة فقط؛ ليكون التنصيف حفاظًا على البيتكوين من عدة جهات.

إحصائيات تنصيف البيتكوين وقمم كل دورة

 

تاريخ التنصيف

السعر أثناء التنصيف

قمة كل دورة

أعلى عائد

الدورة الأولى

28 نوفمبر 2012

12.50 دولار

1163 دولار

29 نوفمبر 2013

93x

الدورة الثانية

9 يوليو 2016

638.51 دولار

19333 دولار

15 ديسمبر 2017

30x

الدورة الثالثة

11 مايو 2020

8475 دولار

68982.20

10 نوفمبر 2021

8x

تأثير التنصيف على البيتكوين

 يحدث التنصيف كل 210000 كتلة يتم إضافتها إلى البلوكتشين؛ ويضمن التنصيف تنظيم تضخم العملة الرقمية البيتكوين، إذ يعمل على انخفاض معدل إنشاء عملات جديدة بمرور الوقت، ما يساعد على التحكم في التضخم والحفاظ على قيمة العملة. كما يؤثر التنصيف على عاملين في غاية الأهمية؛ وهما مكافأة البلوك ومعدل التجزئة.

تُمنح مكافأة البلوك للمُعدنين كمكافأة مقابل التحقق من صحة المعاملات وإضافة كتلة جديدة إلى سلسلة الكتل (البلوكتشين). وهي عبارة عن حزمة من عملات بيتكوين الجديدة، ومع كل تنصيف؛ تنخفض مكافأة البلوك إلى النصف؛ إذ سجلت في التنصيف الماضي 6.25 بيتكوين لكل كتلة مُعدنة، وخُفضت إلى 3.125 بيتكوين بعد التنصيف الأخير.

تنصيف مكافأة البيتكوين

ويُعرف معدل التجزئة بشكل مبسط بأنه مقياس لقوة الحوسبة المستخدمة لمعالجة المعاملات على شبكة البيتكوين. يرتبط معدل التجزئة بشكل طردي مع فرص نجاحه، إذ يزيد معدل التجزئة من قوة شبكة البيتكوين ويحافظ على العديد من خصائصها الرئيسية التي ذكرناها سابقًا. ولكن تتعارض زيادة معدل التجزئة مع مكافأة البلوك؛ إذ إن زيادة المعدل تُزيد من صعوبة تعدين كتل جديدة، ما يقلل من احتمالية حصول المُعدن على مكافأة البلوك.

آراء المحللين في التنصيف الأخير للبيتكوين

قال محلل جيه بي مورغان، ريجينالد سميث - Reginald Smith، في مذكرة حديثة إلى المستثمرين؛ أن التنصيف سيؤدي إلى خفض إيرادات الصناعة إلى النصف، ما يؤدي إلى موجة من الاندماج وغلق الأعمال. وأضاف؛ بأنه يأمل ترشيد معدل التجزئة، ونفقات رأس المال للصناعة؛ وهو ما يعود بالفائدة في النهاية على المشغلين المتبقيين.

قال محلل آخر في جيه بي مورغان، نيكولاوس بانيغيرتزوغلو Nikolaos Panigirtzoglou، بأنه يتوقع حدوث انخفاض كبير في سعر البيتكوين على المدى القريب بعد التنصيف، مشيرًا إلى ظروف ذروة الشراء؛ أي أن سعر البيتكوين قد يكون مرتفعًا بشكل مصطنع في الوقت الحالي بسبب عوامل المضاربة.

 كما أشار إلى أن سعر البيتكوين لا يزال مرتفعًا نسبيًا مقارنةً بالذهب، حتى بعد تعديله لتقلبات الأسعار؛ ولمّح أيضًا إلى ضعف تمويل رأس المال المخاطر لمشاريع العملات المشفرة.

ويتخذ محللون في دويتشه بنك وجهة نظر مماثلة؛ وقالت ماريون لابور Marion Laboure من الشركة في مُذكرة يوم الخميس، أن عملية تنصيف البيتكوين سُعرت جزئيًا بالفعل من قِبل السوق؛ أي أن سعر البيتكوين الحالي قد تضمن بالفعل إلى حدٍّ ما تأثير التنصيف.

 وأشارت أيضًا أنهم لا يتوقعون ارتفاع الأسعار بشكل كبير بعد حدوث التنصيف؛ مضيفة أنه تم توقعها على نطاق واسع مسبقًا بسبب طبيعة الخوارزميات للبيتكوين. وبشكل عام تعتقد لابور أن التنصيف سيكون له تأثير قصير الأجل على البيتكوين؛ ولكنه لن يؤثر على اتجاهه الصعودي على المدى الطويل.

وأضافت ماريون لابور، المحللة في دويتشه بنك؛ أن المُعدنين يستخدمون أجهزة كمبيوتر قوية ومتخصصة للتحقق من صحة المعاملات على شبكة بيتكوين وتسجيلها بشكل دائم على البلوكتشين. وقالت أن هذه العملية، والمعروفة باسم التعدين، تكافئ المعدنين بعملات بيتكوين جديدة. ولكن مع كل تنصيف، تُخفض مكافأة التعدين للحفاظ على الندرة والتحكم في معدل تضخم العملة المشفرة بمرور الوقت.

البيتكوين الذهب الرقمي

يُعتبر تنصيف البيتكوين حدثًا هامًا يحدث مرة كل أربع سنوات؛ صُمم لإبطاء إصدار عملات بيتكوين، وبالتالي خلق تأثير الندرة؛ ومنح العملة المشفرة خصائص الذهب الرقمية، لتصبح مخزنًا للقيمة عبر الزمن. ويؤثر التنصيف على سعر العملة وسلوك السوق؛ إذ تشير آراء المحللين إلى تباين في التوقعات، فبينما يتوقع البعض انخفاضًا كبيرًا في سعر البيتكوين على المدى القصير، يرى البعض الآخر تأثيرًا قصير الأجل مع اتجاه صعودي على المدى الطويل.

يبقى المستقبل أمام بيتكوين غامضًا، ولكن يبقى هذا الحدث بمثابة اختبار حقيقي لقوة هذه العملة الرقمية الرائدة وقدرتها على التأقلم مع التغييرات والتكيف مع متطلبات السوق.