في الرابع من أكتوبر العام 1957، الحرب الباردة في أوج اشتعالها بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. لكن ذلك اليوم بالتحديد كان له ذكرى خاصة في التاريخ البشري، فاليوم يبدأ رسميًا سباق الفضاء بين قطبي العالم.

في قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان، أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الاصطناعي "سبوتنيك 1". "سبوتنيك 1" أول جسم اصطناعي، من صنع الإنسان، نعتذر للفنان حمادة هلال، يطفو على حدود الفضاء، بما يتجاوز أسوار حياتنا في سجن كوكب الأرض. الأمر حينها أصاب العالم بالجنون!

كان لهذا الإطلاق مدلول سياسي مهم للغاية؛ وسط ضباب الحرب الباردة، كان قمر "سبوتنيك 1" بمثابة صفعة علمية على وجه أمريكا، وتهديد جديد يواجه الغرب. السوفييت الآن، بلا أدنى شك، في طريقهم بأقصى سرعة لاستعمار الفضاء. هناك في الفضاء، سيتمكن السوفييت من التجسس على أعدائهم بسهولة، وفي أسوأ كوابيس الغرب، يمكن أن يُلقوا بالقنابل النووية على الأراضي الأمريكية في غفلة منهم.

كان من الواضح الآن، وعلى عكس الاعتقاد العام، أن السوفييت تقدموا على نظرائهم الأمريكان في سباق التقنية. هذا الرعب التقني أصاب الإدارة الأمريكية حينها بالذعر، وتسبب في اثنين من العواقب المهمة في التاريخ: الأول كان مباشرًا وواضحًا منذ البداية، بينما الثاني لم يكن مقصودًا، واستغرق عدة سنوات لتحقيقه.

كانت النتيجة الأولى سياسية: لكي تلحق أمريكا بركب سباق الفضاء، أوكل الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور لوكالة الأبحاث والمشاريع المتقدمة (ARPA) بتنسيق جميع برامج البحث والتطوير الدفاعية، يمكن اعتبارها الذراع الأيمن لوزارة الدفاع، ومن ضمنها تولي سباق الفضاء مع السوفييت. ومع ذلك، لم يدم انخراط الوكالة مع هذا السباق لمدة طويلة.

في صيف عام 1958، قررت الحكومة الأمريكية إنشاء وكالة جديدة، وهنا وُلدت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (NASA)، لمضاعفة الجهود الأمريكية في غزو الفضاء ومحاولة التعامل بمزيد من الكفاءة مع الضغط السياسي الذي فرضه إطلاق قمر "سبوتنيك 1" الروسي. وكالة NASA جردت وكالة الأبحاث والمشاريع المتقدمة (ARPA) من كل مسؤولياتها في أبحاث ومشاريع الفضاء.

حتى لا تقع الأخيرة في بئر النسيان، كان عليها إعادة اختراع نفسها سريعًا، وإيجاد أهداف وقطاعات جديدة لمشاريعها. ومع الميزانية التي منحتها لها الإدارة الأمريكية، وجدت وكالة ARPA الحل لمشاكلها في القطاع الناشئ حينها: علوم الكمبيوتر. التأثير طويل الأجل لهذا المسار الجديد كان النتيجة الثانية، غير المقصودة، عن إطلاق قمر "سبوتنيك 1": مجرة من الاتصالات الجديدة، أُطلق عليها أول مرة "ARPANET"، ثم لاحقًا عرفناها باسم "شبكة الإنترنت".

حسنًا، لماذا نحكي هذه القصة؟

ببساطة، لأن الإنترنت هو أساس قصتنا اليوم. شبكة الإنترنت هي ما قامت عليه الشبكة العنكبوتية العالمية World Wide Web، التي تعرف اختصارًا باسم Web. نحن الآن، فجأة، نتحدث عن نسخة ثالثة من تلك الشبكة Web3، أي أن هناك نسختين سابقتين!

وعلى طريقة “اللمبي”، في الفيلم الرائع "اللي بالي بالك"، عندما أخبره “أدهم” بأن “الختم في الدرج”، فأجابه باستغراب شديد: "يا رااااجل.. الختم في الدرج؟ والله ما كنت أعرف إن الختم في الدرج!".

وهكذا قد نتساءل، مثل اللمبي: "يا راجل، يوجد نسختين من الويب فعلًا، وهناك نسخة ثالثة في الطريق؟ لم أعرف أن هناك نسختين من الويب؟ متى وكيف حدث هذا؟".

ولهذا نحن هنا.. لنحكي تلك القصة، ما هو Web3؟ وما هما النسختين السابقتين؟ ولماذا بدأ هذا المصطلح في الانتشار هذه الأيام؟ وما علاقة كل هذا بالعملات المشفرة والـ NFT والإنترنت اللامركزي؟ وهل تلك النسخة من الويب ستأتي قريبًا؟ أو هل ستأتي أصلًا؟

هيا بنا لنرى "هل الختم في الدرج فعلًا؟"..

 أين Web 1.0 وWeb 2.0؟

شبكة الإنترنت الأولى ARPANET

عام 1994، ظهر مصطلح Web 1.0 للجمهور العام، مع ظهور المتصفحات ومواقع الإنترنت، ولكن الفكرة نفسها بدأت في الواقع مع البرنامج الحكومي الأمريكي الذي تحدثنا عنه، وعُرف باسم ARPANET، أو شبكة وكالة الأبحاث والمشاريع المتقدمة ARPA، في عام 1968. كان هدف الشبكة الأساسي ربط أجهزة الكمبيوتر داخل مؤسسات البحوث الخاصة بالبنتاجون على خطوط الهاتف الأرضي.

كانت أول نسخة من الويب Web 1.0 تتكون من مجموعة من صفحات المواقع الثابتة، ولم تمنح المستخدمين القدرة على التفاعل مع بعضهم البعض. هل تتذكر تجربة دخولك إلى الإنترنت وتصفح المواقع قبل عام 2004؟

لم يكن هناك تفاعل أو تعليقات أو مشاركات من الجمهور، والمهم أن التعاملات المالية كانت قليلة ومحدودة للغاية على الإنترنت حينها، ببساطة بسبب قصور في البنية التحتية الآمنة لنقل الأموال. لدرجة أن واحد من الابتكارات في هذا الشأن كان من مطعم "بيتزا هات" عام 1996، الذي قدم نموذج طلب للعملاء يمكنهم من طلب البيتزا ثم الدفع نقدًا بمجرد تسليم الطلب في المنزل.

 ولكن جاء عام 2004، وبدأ الإنترنت في التطور أكثر، بدأ طلب المستخدم يزيد أكثر على التفاعلات الاجتماعية، هل تتذكر المنتديات، هل تتذكر منتدى عرب هاردوير؟ ثم مشاركة الموسيقى ومشاركة مقاطع الفيديو القصيرة، ثم بدأت تنمو المعاملات المالية على الشبكة بصورة أكبر بسبب تحسن سرعة الإنترنت وتطور البنية التحتية للألياف البصرية، وتطور محركات البحث.

أدى ارتفاع هذا الطلب على التفاعل والتواصل إلى ظهور عديد من شركات الإنترنت التي نعرفها اليوم. بدأت تظهر منصات التواصل الاجتماعي، لتستبدل المنتديات، بداية من MySpace، ثم فيسبوك وبعدها تويتر، التي سهلت التواصل والتفاعل بين المستخدمين. بعدها جاءت التطبيقات لمشاركة البيانات مثل Napster لمشاركة الموسيقى ومقاطع الفيديو، بينما وفرت جوجل وسيلة فعالة للمستخدمين للتنقل والبحث في كمية هائلة من المعلومات عبر شبكة الإنترنت، كما وفرت ويكيبديا مكتبة ضخمة من المعلومات.

معظم تلك المواقع قامت على المحتوى الذي يشاركه المستخدم بنفسه، بدلًا من تلقي المحتوى من المواقع ذات الصفحات الثابتة. كما وفرت البنوك التقليدية، مثل Bank of America، الطلب على التحويلات المالية الإلكترونية، التي جاءت عبر معايير تشفير جديدة مثل معيار (256-AES).

وتلك ما يُطلق عليها المرحلة الثانية من الويب أو Web 2.0. وهي المرحلة التي نعيش بها الآن بالفعل على شبكة الإنترنت. هناك مجموعة من الشركات العملاقة تسيطر على الشبكة العنكبوتية، وتكسب من وراءها أموالًا طائلة على حساب المستخدمين، فما الحل؟

ثم جاء ساتوشي ناكاموتو بفكرة عملة البيتكوين المشفرة!

عملة البيتكوين

في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في عام 2008، وتحديدًا في مساء الثالث من شهر يناير عام 2009، نشر المبرمج الغامض ساتوشي ناكاموتو الورقة البيضاء لأول عملة رقمية مشفرة: "بيتكوين"، ومعها حدد أساسيات تقنية الـ "بلوكتشين - Blockchain".

يمكننا أن نشبه تقنية الـ "بلوكتشين" بدفتر محاسبات عملاق، تُسجل به كل عملية تداول للعملة المشفرة. تُشفّر كل معاملة، ويتحدد المرسل والمستقبل فقط من خلال سلسلة من الأرقام، ولكن يُنشر سجل عام لكل حركة عملة عبر الشبكة بأكملها. تظل هوية المشتري والبائع مجهولة، ولكن يمكن للجميع رؤية انتقال العملة من الشخص رقم "1" إلى الشخص رقم "2"، ويمكن للكود البرمجي أن يمنع الشخص رقم "1" من إنفاق نفس العملة مرة أخرى.

سيسمح الكود البرمجي بإرسال الأموال مباشرة بين الأشخاص، دون وسيط، ولا يمكن لأي طرف خارجي صنع المزيد من عملة "بيتكوين"، مثلما تُطبع العملات الورقية. لن تلعب البنوك المركزية أو الحكومات أي دور في هذا. إن كان ساتوشي ناكاموتو يدير العالم، لكان قد أغلق البنك الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي، وربما أغلق ويسترن يونيون. كل شيء يعتمد على إثبات التشفير بدلًا من بناء الثقة.

مثلما ذكر ساتوشي: "المطلوب نظام دفع إلكتروني يعتمد على إثبات التشفير بدلًا من الثقة التقليدية في المؤسسات".

الهدف من تقنية بلوكتشين هو العودة إلى اللامركزية في عالم الاقتصاد والأموال على شبكة الإنترنت، اللامركزية هنا تعني أن هذا الدفتر العملاق لا يمكن لشركة واحدة التحكم به، لكنه يتوزع على مجموعة ضخمة من أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالشبكة. حسنًا، ماذا ستكسب تلك الأجهزة؟ كل جهاز متصل بالشبكة ويقدم تلك الخدمات سيكافأ على عمله بفرصة كسب المزيد من عملات بيتكوين. بدلًا من الاعتماد على المؤسسات المالية العملاقة، وعلى مجموعة من الشركات الضخمة التي تتحكم في كل شيء، لماذا لا يتداول المستخدمون العملات والأموال فيما بينهم مباشرةً؟

حسنًا، كل هذا جميل بالطبع، لكن ما علاقته بالنسخة الثالثة من الويب Web3؟ وكيف يمكن أن يتجه إلى اللامركزية؟

 

أقرأ أكثر: ما هي عملة البتكوين Bitcoin ؟

 

ما هو الـ Web3؟ وما علاقته بالعملات المشفرة؟

ما هو Web3

لم يبدأ الحديث عن نموذج إنترنت لامركزي سوى بعد اختراع العقود الذكية. العقد الذكي هو عقد ذاتي التنفيذ، بشروط مكتوبة سلفًا بين المشتري والبائع بأكواد برمجية، وهي برامج تعمل وتُنفذ على شبكة بلوكتشين. يتكون كل عقد ذكي من تعليمات برمجية لشروط محددة سلفًا، عندما تتوافر تلك الشروط، تبدأ النتائج في الظهور. عبر تشغيلها على شبكة بلوكتشين اللامركزية بدلًا من خادم مركزي واحد لدى إحدى الشركات، تسمح العقود الذكية لأكثر من طرف على الشبكة أن يصل إلى نتيجة مشتركة بصورة دقيقة وفي الوقت المناسب، ودون أي تلاعب.

ببساطة، مكنت عملة بيتكوين المدفوعات من شخص لشخص بصورة آمنة لكنها اقتصرت على مجرد تبادل العملات. بينما العقود الذكية وسعت تلك الفكرة لتوقيع اتفاقات مبرمجة لمجموعة من التطبيقات العملية، التي لها استخدامات حقيقية على شبكة الإنترنت، مثلًا في عقود التأمين وفي الألعاب وفي توثيق الهوية، أو حتى سلاسل التوريد، حتى فكرة الـ NFT نفسها قائمة على العقود الذكية. لكن كيف يمكن أن يطور هذا طبيعة تجربة الإنترنت والتفاعل الرقمي؟

ببساطة، عبر تمكين المستخدمون من التعامل بصورة مباشرة وبأمان مع بعضهم البعض في كل شيء تقريبًا، خلقت العقود الذكية رؤية جديدة لإنترنت عادل وشفاف ومليء بالتشفير كما أراد ساتوشي ناكاموتو. أو على الأقل هكذا يرى أنصار الفكرة!

ببساطة شديدة، تصور النسخة الثالثة من الويب Web3 كرؤية لامركزية للإنترنت، يطمح إلى خلق نظام جديد تماما للعقود وتغيير الطريقة التي يتوصل بها الأفراد والمؤسسات إلى الاتفاقات فيما بينهم. يرى أنصار الفكرة أن Web3 يعيد تصميم اللامركزية لنسخة الويب الأولى Web 1.0، أو الإصدار الأول من الإنترنت، الذي امتلئ بالمدونات التي استضافها المستخدمين، ثم يجمعها مع التجربة التفاعلية لتطبيقات النسخة الثانية من الويب Web 2.0 مثل منصات وسائل التواصل الاجتماعي، كل هذا بغرض توفير نظام بيئي رقمي حيث البيانات تصبح ملكًا للمستخدم، وليس للشركات العملاقة، والمعاملات تضمنها تقنيات التشفير، بدلًا من الثقة في المؤسسات المالية الضخمة.

باختصار، بدلًا من الوثوق في وعود كُتبت على الورق من تلك الشركات، يمكننا كمستخدمين الاعتماد على منطق البرامج والأكواد لتنفيذ الاتفاقيات فيما بيننا، دون تدخل من أحد. في عالم مثالي، من المفترض أن يتمكن المستخدم من تشغيل وامتلاك وتطوير خدمات Web3.

 

إقرأ أيضاً : ما هو الـ ميتافيرس وهل سيتحقق فعلًا؟

 

هل هذا كل شيء؟ كيف يمكن أن أستفيد من النسخة الجديدة Web3 ؟

الأمر لا يتوقف على عقد الاتفاقيات فحسب. ولكن يمكننا تصميم التطبيقات اعتمادًا على شبكات الـ بلوكتشين أيضًا. حسنًا، غالبًا ما تعتمد تطبيقات Web3 على شبكة الإيثيريوم، وهي مثل بيتكوين تكافئ مستخدميها ومن يحافظون على شبكتها بعملة مشفرة اسمها "إيثر - Ether".

يمكن أن تملك تلك التطبيقات نفسها أيضًا على رموزًا "Tokens" خاصة بها، وهي تمثل وسيلة الدفع داخل التطبيق مقابل الخدمات، كما تعمل كأسهم تتحكم في تطوير التطبيقات وحتى كهيكل مالي داخلها. مثلًا في بداية المشروع، غالبًا ما يكون جزء كبير من الحوافز عند مشاركتك هو فرصة الحصول على الرمز الخاص بسعر قليل، على أمل زيادة قيمته عند انضمام كثير من المستخدمين الآخرين إلى مجتمع هذا المشروع، ولكن بالطبع قد يحدث تضخمًا عبر التخمين والتوقعات والمضاربات، وتصبح العملة أو الرمز الخاص مجرد "بالونة" قد تنفجر في أي وقت. هذا تحديدًا هو سوق العملات المشفرة، وهذه هي مشكلته الأساسية!

لنشرح ببساطة أكثر، عندما تشارك في الألعاب التي تدفع لك مقابل اللعب Play-to-earn، مثل لعبة "Gods Unchained"، فهنا أن تحصل على المكسب عبر العملة الخاصة بهم أو الرمز "$GODS". هنا أنت تشارك في الشبكة، وتحصل على مكافئتك من الرمز الخاص بهم، على أمل زيادة قيمة الرمز مع مشاركة عدد أكبر من اللاعبين، وهنا تزداد قيمة الرمز أو العملة الخاصة باللعبة.

لماذا بدأ مصطلح الـ Web3 في الانتشار أكثر هذه الأيام؟

علاقة NFT بالـ Web3

ظهر المصطلح، بشكله الحالي Web3، في عام 2014 منذ أن تحدث عنه جافين وود، المؤسس المشارك لعملة إيثريوم، وأطلق عليه: "نظام التشغيل الاجتماعي الآمن".

لكنه بدأ الآن في الظهور بكثرة على الساحة، وانتقده إيلون ماسك وجاك دوروسي خلال الفترة الأخيرة، وهذا ببساطة كان بسبب طفرة المضاربة في العملات والرموز الخاصة التي تحدثنا عنها، وظهور ما يُعرف باسم اقتصاد الرموز Tokenomics، بالإضافة إلى أن المستخدم بدأ في رؤية التقنية فعلًا ومعرفة استخداماتها الحقيقية.

الرموز هي وحدات رقمية من العملات المشفرة، وكما يرى المؤيدون لنسخة Web3 أن المطورين والمستخدمين يملكون اهتمامات مالية متبادلة، ويمكن للجميع كسب العملات المشفرة. يستفيد المستخدمون مباشرة من مساهماتهم، كالإبداع أو اللعب أو المشاركة أو الودائع، كما يمكنهم أيضًا المساعدة في إدارة الشركات المستقلة التي تديرها مجتمعات تلك المشاريع الرقمية عبر التصويت على القرارات المختلفة بالرموز الخاصة بهذا المشروع أو ذاك.

مع ارتفاع قيمة عملة بيتكوين، وغيرها من العملات المشفرة الأخرى في العام الماضي، بدأ المستثمرون، أصحاب رأس المال المجازف، مثل مؤسسة Andreessen Horowitz، بضخ مليارات الدولارات في بناء وتطوير التطبيقات الموزعة "dapps"، التي تعتمد على تقنيات الـ "بلوكتشين" والعقود الذكية. كما أن كثير من عملات تلك المشاريع ارتفعت قيمتها وانضم لها الكثير من المستخدمين، مما لفت الانتباه لها أكثر.

على موقع DappRadar، وهو موقع لتجميع كل التطبيقات اللامركزية، هناك أكثر من 8700 تطبيق نشط مدرج هناك. وهي تشمل كثير من منصات وألعاب تداول العملات المشفرة. بجانب انتشار الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs داخل تلك الألعاب، وبيع بعض الأعمال الفنية الرقمية NFT العام الماضي بملايين الدولارات، مثل لوحة الفنان الرقمي Beeple التي اشتراها مستثمر أمريكي بمبلغ 69 مليون دولار.

صورة رقمية بتقنية NFT بيعت بسعر 69 مليون دولار

كما يعمل مهندسو تويتر على منصة Bluesky، وهي نسخة لامركزية من وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة لعديد من الشركات التي بدأت الدخول إلى عالم NFT، من بينها شركات الألعاب مثل Ubisoft، وشركات المنتجات مثل Nike، وغيرها من الشركات الأخرى التي بدأت اقتحام المجال والاستثمار فيه.

بجانب بدء بيع الأراضي الافتراضية بتقنية NFT في كثير من مشاريع الميتافيرس الجديدة، وبداية التداول وارتفاع أسعار تلك الأراضي، ودخول أكثر من شركة لعالم الميتافيرس، بالطبع بجانب شركة ميتا، أو فيسبوك سابقًا.

 

إقرأ أيضاً : ما هي الـ NFTs ؟ وهل سيتعرى الناس بسببه؟

لكن "هل الختم في الدرج فعلًا؟".. أو هل سنرى الإنترنت اللامركزي فعلًا؟

ببساطة، لكي تزدهر العملات المشفرة حقًا، يجب أن يرى الجمهور العام ما هو أبعد وأكبر من مجرد الاحتمالات والمضاربات. يجب أن تقنعهم بأن الـ "بلوكتشين" يمكنها أن تتحول لأداة مفيدة بجانب كونها أداة للمضاربة وربح المزيد من الأموال فحسب. ولكن في المقابل، المعركة الحالية حول Web3 أثارت الانتباه أكثر إلى المشاكل!

ما يراه مؤيدو نسخة Web3 أنها نسخة تعتمد بالكامل على اللامركزية. تحت طريقة عمل النسخة الحالية Web 2.0، شركات التقنية الكبرى، مثل ميتا وجوجل وأبل وأمازون ومايكروسوفت، تسيطر على كل شيء في الإنترنت تقريبًا، يمارسون سيطرتهم الاحتكارية على كل معلومات المستخدمين وبياناتهم الخاصة.

يرى المؤيدون أننا نخضع للرقابة الآن، ولا نملك حق التصرف في بياناتنا الشخصية. وهذا يعني أن "الخدمات المجانية" التي تقدمها الشركات الكبرى ليست مجانية حقًا. ولا يملك المستخدم نصيبًا في عملية صنع القرار. لذا يمكن اعتبار نسخة Web3 كمحاولة لإعادة توزيع موازين القوة بين المستخدمين!

لكن على الجانب الآخر، يرفض المعارضون، مثل جاك دوروسي، مفهوم المثالية الزائدة للغاية التي يفترضها مؤيدو الفكرة، مشيرًا إلى أن وعد المستخدم بامتلاك كل شيء هو أمر ساذج بعض الشيء. حين أشار دوروسي تحديدًا إلى شركات الاستثمار ورأس المال المجازف، مثل Andreessen Horowitz، التي استثمرت أكثر من 3 مليارات دولار في تطوير تطبيقات Web3. وذكر عبر حسابه على تويتر: أنت لا تملك "Web3". شركات رأس المال المجازف هي من تملكه. لن يفلت من دوافعهم أبدًا. في النهاية، هو كيان مركزي ولكن بمسميات مختلفة".

لا تحلموا بعالم سعيد! فربما يتأخر ال Web3! 

أعلى 6 شركات تقنية من حيث القيمة السوقية

المشكلة أن من يتحدث عن نسخة Web3 لا يتحدث من منطلق أن هذا ما سيحدث فعلًا، وغالبًا هو لا يهتم بتلك الأمور الكبيرة. لكنه قد يفعل ذلك لأنه جزء من الأقلية التي تلتزم أيديولوجيًا بفكرة الـ بلوكتشين والمثل العليا التي يتحدث عنها، مثل اللامركزية وحرية تداول البيانات والأموال، أو ببساطة قد يأمل في كسب أموالًا طائلة من هذا العالم الجديد.

نظرًا لأن شركات التقنية التي تضع رهانها الصحيح مبكرًا يمكنها تحقيق قيمة سوقية تصل إلى عدّة تريليونات من الدولارات في المستقبل، مثل آبل ومايكروسوفت، ولأن رواد الصناعة الآن قد تصل قيمة ثرواتهم إلى عدّة مليارات من الدولارات، مثل إيلون ماسك، لذا فإن التنافس المحموم للوصول إلى الابتكار الجديد المبهر يدفع حدود السذاجة إلى آخرها!

المشكلة الأساسية أن شركات التقنية الكبرى التي نراها كحارس بوابة الإنترنت، مثل ميتا والأصدقاء، لن تستسلم بتلك البساطة ليستبدلها تطبيقات وخدمات لامركزية على نسخة Web3، هذه عقبة حقيقية كما ترى!

كما أن وجهة نظر جاك دوروسي واقعية أيضًا. شركات رأس المال المجازف التي تستثمر فيما يسمونه شركات ناشئة لنسخة Web3 تريد أن تتحول تلك الشركات الصغيرة إلى حيتان عملاقة بدورها، مثل الشركات الحالية، وحينها سيبحث المستثمرون عن مكاسبهم، وليس عن إعطاء المستخدم الحق في التصرف. ولكن كل شيء مبني على مفهوم مثالي أن تلك النسخة الجديدة لن يتحكم بها الحيتان القدامى!

من يدعو لهذا النموذج من الإنترنت يحاول تشكيله على نفس نموذج عالم بيتكوين. لكن، المشكلة أن عملة بيتكوين نفسها بعيدة للغاية عن تلك المساواة المزعومة. وجدت دراسة حديثة، من Baystreet، أن ما يقرب من 0.01% من ملاك عملة بيتكوين يسيطرون على نحو 27% من كل قيمة العملة. بعبارة أخرى اقتصاد بيتكوين أقل مساواة بكثير من اقتصاد الدولار الحالي. تركيز العملات المشفرة وقوتها وسلطتها تساوي أو ربما تتجاوز نظيرتها في أسواق المال التقليدية.

أو كما قال الشاعر أمل دنقل في قصيدته "كلمات سبارتكوس الأخيرة": 

[quote لا تحلموا بعالم سعيد.. فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد! وخلف كل ثائر يموت: أحزان بلا جدوى.. ودمعة سدى! ]

في الوقت الحالي، لا يزال مفهوم Web3 مجردًا للغاية، ولا يوجد أي شيء صلب يُبنى عليه افتراضات أو توقعات سوى الأمنيات، خاصة ممن يستثمر فعلًا في عالم العملات المشفرة. بالنسبة لمعظم مستخدمي الإنترنت، فإن وجود نقاط اتصال وتجارة مركزية لا يزال هو الأساس، وأسهل طريقة للوصول إلى عديد من الخدمات، فلا أحد يريد أن يعتمد على السيرفر الخاص به في بيته. قد يكون من الصعب تصور تجربة جديدة على الإنترنت تبتعد عن تلك الراحة والسهولة!

لذا، يبدو أن "الختم فعلًا في الدرج"، لكننا نبالغ في أهميته!