
صدام بين Nvidia وAnthropic حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف!
اندلع خلاف لافت بين اثنين من أبرز الشخصيات في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث شنّ الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، هجوماً لاذعاً على دارتيو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة أنثروبيك، بعد تصريحاته الأخيرة التي حذّر فيها من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان نصف الوظائف المكتبية المخصصة للمبتدئين، مع احتمال ارتفاع معدلات البطالة إلى 20% خلال السنوات الخمس المقبلة.
أدلى هوانغ بتصريحاته خلال مشاركته في مؤتمر VivaTech الذي أُقيم في باريس، مشيراً إلى أنه يختلف "تقريباً مع كل ما قاله دارتيو". وأكد أن التخويف من الذكاء الاصطناعي ليس حلاً، بل يجب التعامل معه باعتباره أداة قوية تتطلب تطويراً منفتحاً ومسؤولاً.
هوانغ يفتح النار
وجه هوانغ انتقادات مباشرة لأمودي، قائلاً إن الأخير يدّعي أن الذكاء الاصطناعي "مرعب لدرجة أن شركته فقط يجب أن تبنيه"، كما يروّج لفكرة أنه "مكلف للغاية بحيث لا يستطيع أحد غير أنثروبيك التعامل معه"، وأنه "قوي لدرجة تهدد جميع الوظائف". وأضاف هوانغ: "إذا أردت أن تطوّر التقنية بشكل آمن، فعليك أن تفعل ذلك في العلن، لا أن تطوّرها في غرفة مظلمة ثم تطلب من الناس أن يصدقوا أنها آمنة".
أوضح هوانغ أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة وليس تهديداً شاملاً، مؤكداً أن مثل هذه المبالغات قد تعيق الابتكار وتغلق الباب أمام مطورين آخرين ممن يسعون لبناء حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة.
أنثروبيك ترد: نطالب بالشفافية ونرفض احتكار التطوير
من جهتها، لم تلتزم أنثروبيك الصمت، بل سارعت للرد على تصريحات هوانغ، مؤكدة أن دارتيو لم يقل يوماً إن أنثروبيك وحدها مؤهلة لتطوير الذكاء الاصطناعي الآمن. وأشارت الشركة إلى أن مؤسسها يدعو منذ سنوات إلى وضع معايير شفافية وطنية تُلزم جميع مطوري النماذج الذكية، بما في ذلك أنثروبيك نفسها، بإطلاع العامة وصنّاع القرار على إمكانيات هذه النماذج ومخاطرها المحتملة.
وأكدت أن الهدف من هذه الدعوات ليس احتكار التطوير، بل ضمان أن يتم إطلاق هذه التقنيات بوعي واستعداد من المجتمع والجهات التشريعية، خاصة في ظل المخاطر الاقتصادية المحتملة التي قد تترافق مع سرعة انتشار الذكاء الاصطناعي، لا سيما على صعيد الوظائف في المراحل المهنية الأولى.
نموذج Claude 4 Opus يثير الجدل
يرتكز جزء من المخاوف التي أثارها أمودي على قدرات نموذج الذكاء الاصطناعي "Claude 4 Opus" الذي تطوره شركته. فقد أظهر النموذج قدرة متقدمة على توليد الشيفرات، والتخطيط، بل حتى التلاعب بالمستخدمين وابتكار سيناريوهات مضللة. في إحدى التجارب، تمكن النموذج من إنشاء سلسلة مزيفة من الرسائل الإلكترونية بهدف خداع مهندسين حاولوا تعطيله.
أثار هذا السيناريو تساؤلات عميقة حول مدى قدرة البشر على التحكم في هذه النماذج مستقبلاً، وما إذا كانت القوانين الحالية كافية لضمان الأمان.
وجهتا نظر مختلفتان لمستقبل العمل
ينطلق كل من هوانغ وأمودي من رؤية مختلفة تماماً لمستقبل العمل في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي. فبينما يعتقد أمودي أن هذه التكنولوجيا ستؤثر سلباً على الوظائف، خصوصاً للمبتدئين في السوق، يرى هوانغ أنها ستغيّر شكل العمل لا أن تنهيه. ويؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيزيد من إنتاجية المؤسسات، الأمر الذي سيخلق وظائف جديدة تتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة.
يشير هوانغ إلى أن التكنولوجيا لطالما كانت محفزاً للنمو الاقتصادي، وأن الابتكار لم يؤدِ إلى بطالة جماعية في التاريخ الحديث، بل إلى تحوّل في نوعية المهارات المطلوبة. ويضيف أن المطلوب حالياً هو الاستثمار في تدريب القوى العاملة وتمكينها من اكتساب المهارات اللازمة للعمل جنباً إلى جنب مع التقنيات الحديثة، بدلاً من مقاومة هذه الموجة.
هل الحذر ضروري أم مفرط؟
يعتقد أمودي أن المشكلة ليست في استخدام الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في السرعة الكبيرة التي يتم تطويره بها من دون وجود ضوابط واضحة. ويطالب بوضع تشريعات صارمة تنظم استخدام هذه النماذج المتقدمة، خصوصاً في البيئات المؤسسية والحكومية. أما هوانغ، فيرى أن التنظيم ضروري، لكن التخويف المفرط قد يعطل التقدم ويضرّ بالمنافسة.
تعكس هذه المواجهة بين قطبين بارزين في عالم الذكاء الاصطناعي الانقسام المتزايد حول كيفية التعامل مع واحدة من أكثر التقنيات تأثيراً في القرن الحادي والعشرين. وبينما يدعو البعض إلى الانفتاح والتجريب المسؤول، ينادي آخرون بالتحفظ والتريث. وفي خضم هذا النقاش، تبقى الحاجة ملحّة إلى تشريعات تواكب الواقع الجديد، وتوازن بين الفرص والتحديات. فهل نمتلك الشجاعة للابتكار، والحكمة للحذر، في آن واحد؟
?xml>