أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا في الأسواق العالمية بعد تصريحاته الأخيرة التي ألمح فيها إلى احتمال فرض رسوم جمركية ضخمة على مجموعة من القطاعات الاستراتيجية، تشمل الفولاذ وأشباه الموصلات وربما الأدوية.

وتأتي هذه التصريحات في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لصناعة الرقائق، حيث يدرس ترامب فرض رسوم قد تصل إلى 300% على الواردات من أشباه الموصلات.

مثل هذه النسبة، إذا تم تنفيذها، ستقلب موازين الصناعة الرقمية رأسًا على عقب، وستؤثر بشكل مباشر على أسعار الحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى، فضلًا عن التطبيقات الحيوية في الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية.

انعكاسات محتملة على حياة المستهلكين

يؤدي أي ارتفاع في تكلفة استيراد الرقائق إلى زيادة مباشرة في أسعار المنتجات النهائية التي يعتمد عليها ملايين الأشخاص حول العالم. فعلى سبيل المثال، قد يقف المستهلك أمام خيار صعب يتمثل في دفع ما يقارب ستة آلاف دولار للحصول على بطاقة رسومية متطورة مثل إنفيديا GeForce RTX 5090، بعد أن كان سعرها يقترب من ألفي دولار فقط.

لن يقتصر هذا الارتفاع الكبير في الأسعار على محبي الألعاب الإلكترونية أو محترفي التصميم، بل سيمتد ليشمل الطلاب والباحثين ورواد الأعمال الذين يحتاجون إلى أجهزة قوية لدعم مشاريعهم في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي.

سياسة التهديد المستمر

يعتمد ترامب في نهجه الاقتصادي على إطلاق تصريحات صادمة تتعلق بالرسوم الجمركية، تصل أحيانًا إلى 200% أو 300%، دون أن يقدم جدولًا زمنيًا محددًا أو إطارًا قانونيًا واضحًا للتنفيذ.

يترك هذا الأسلوب الأسواق في حالة من القلق وعدم اليقين، ويجبر الشركات على الاستعداد لسيناريوهات متعددة قد لا تتحقق مطلقًا. وينتج عن ذلك تعطيل الاستثمارات الحقيقية وتجميد مشاريع التطوير والبحث، إذ تخشى الشركات ضخ أموال ضخمة في بنية تحتية أو خطوط إنتاج جديدة ثم تجد نفسها أمام قرارات سياسية متغيرة.

ارتباك سلاسل التوريد العالمية

إضافًة إلى ذلك، تتأثر سلاسل التوريد بشكل مباشر عند صدور مثل هذه التهديدات. فالشركات المصنعة للأجهزة الإلكترونية ولمنتجات الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى خطط طويلة الأجل قائمة على استقرار القوانين التجارية.

لكن في ظل غياب الوضوح، تضطر هذه الشركات إلى إعادة التفكير في مواقع التصنيع وربما نقل بعض خطوط الإنتاج إلى الولايات المتحدة لتفادي الرسوم المحتملة. وغالبًا ما تكون هذه الخطوات الطارئة مكلفة جدًا، وقد تُعرض الشركات لمخاطر إضافية إذا تراجعت الحكومة الأمريكية عن القرارات أو عدلتها بعد فترة قصيرة.

خلفية قانونية عبر المادة 232

يستند ترامب في تهديداته إلى صلاحيات تمنحها المادة 232 من القانون التجاري الأمريكي، والتي تخول وزارة التجارة التحقيق في تأثير الواردات على الأمن القومي، ثم رفع توصيات للرئيس الذي يمتلك بدوره سلطة تعديل الرسوم الجمركية كما يشاء.

ومنذ أبريل 2025 تخضع واردات الرقائق لتحقيق رسمي بموجب هذه المادة، لكن لم يتم تحديد موعد واضح لإعلان نتائجه. يزيد هذا الغموض من حالة الترقب، ويجعل الأسواق العالمية في حالة انتظار طويلة وغير مضمونة النتائج.

أثر الغموض على الاستثمار

يشير خبراء الاقتصاد إلى أن حالة عدم اليقين قد تكون أشد ضررًا من الرسوم نفسها. فالمستثمرون يفضلون العمل ضمن بيئة واضحة المعالم، حتى وإن كانت مشددة، على أن يظلوا عالقين في دوامة الترقب والانتظار.

كما أن استمرار هذا الوضع يدفع الشركات إلى تجميد قرارات التوسع والابتكار، ويؤثر سلبًا على القطاعات الناشئة التي تعتمد على الرقائق المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة والسيارات ذاتية القيادة.

انعكاسات على الأسواق الدولية

لا تتوقف آثار هذه السياسات عند حدود الولايات المتحدة، إذ تمتد إلى الأسواق العالمية بحكم الترابط الكبير بين الشركات متعددة الجنسيات. وأي زيادة في تكلفة إنتاج الرقائق ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.

كما أن دولًا عديدة قد ترى في هذه الخطوة استفزازًا اقتصاديًا يدفعها إلى الرد برسوم مضادة أو فرض قيود جديدة على المنتجات الأمريكية، الأمر الذي قد يشعل جولة جديدة من الحروب التجارية العالمية.

صناعة الرقائق على مفترق طرق

تجد صناعة أشباه الموصلات نفسها اليوم في قلب معركة تجارية وسياسية معقدة. وبينما يرى البعض أن تهديدات ترامب مجرد أوراق ضغط لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، يخشى آخرون من أن تتحول هذه التهديدات إلى واقع يغير شكل الأسواق العالمية لسنوات مقبلة.

في جميع الأحوال، يظل مستقبل هذه الصناعة الحساسة مرهونًا بقرارات سياسية يصعب التنبؤ بها، وهو ما يجعل المستثمرين والمستهلكين على حد سواء في حالة ترقب وقلق دائمين.