اقترحت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية (FTC) شرطًا جديدًا ضمن مراجعة صفقة اندماج ضخمة بين مجموعتي الإعلانات العملاقتين "أومنكوم" و"إنتربابليك"، يقضي بمنع الكيان الجديد من مقاطعة منصات إعلامية بناءً على محتواها السياسي. يصبّ هذا التحرك في مصلحة منصتي "X" التابعة لإيلون ماسك، و"Truth Social" الخاصة بالرئيس السابق دونالد ترامب.

بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن شرط الاندماج المقترح سيتضمّن ما يشبه مرسومًا قانونيًا يلزم الكيان الناتج عن الاندماج بعدم رفض وضع إعلانات عملائه على منصات بناءً على خلفيات سياسية. يأتي ذلك وسط تصاعد التوترات حول حرية التعبير والرقابة على الإنترنت، خاصة بعد تحول العديد من المعلنين إلى تجنّب منصات مثيرة للجدل سياسيًا.

حملة جمهورية ضد المقاطعة السياسية

تأتي هذه الخطوة كجزء من تحركات أوسع أطلقتها لجنة التجارة الفيدرالية، التي أصبحت الآن خاضعة لهيمنة الجمهوريين بالكامل بعد أن أقال ترامب المفوضَين الديمقراطيين. وقد طعنا في شرعية هذه الإقالة من خلال دعوى قضائية، مؤكدين أن الإقالة تنتهك مبدأ استقلالية اللجنة.

في خطوة إضافية، أرسلت اللجنة مذكرات قانونية إلى "أومنكوم" و"إنتربابليك" وعدة وكالات إعلانات أخرى تطلب فيها مستندات متعلقة بتحقيقات حول ما إذا كانت هذه الكيانات قد نسّقت فيما بينها لمقاطعة منصات مثل "إكس" بشكل يخالف قوانين مكافحة الاحتكار.

اتهامات لمراقبي الإعلام بالتنسيق ضد X

شملت التحقيقات كذلك منظمة "ميديا ماترز"، التي اتهمها ماسك بالتنسيق مع جهات رقابية أخرى للتأثير على إيرادات "إكس" من الإعلانات. وقد رفع ماسك دعاوى ضد هذه المنظمة، بالإضافة إلى "الاتحاد العالمي للمعلنين" وبعض الشركات الكبرى، متهمًا إياهم بالتآمر الجماعي لحجب الإعلانات، مما تسبب بخسائر بمليارات الدولارات.

رغم أن خبراء القانون يرون أن المعلنين يتمتعون بحماية قوية بموجب التعديل الأول من الدستور الأمريكي الذي يكفل حرية التعبير، إلا أن هناك من يزعم أن ضغوط ماسك دفعت بعض الشركات إلى الإذعان وشراء إعلانات تحت التهديد بالملاحقة القضائية.

رئيس لجنة التجارة: المقاطعة تهديد للأفكار الحرة

خلال مؤتمر عُقد في أبريل الماضي، اعتبر رئيس اللجنة أندرو فيرغسون أن خطر مقاطعة المعلنين يشكل تهديدًا حقيقيًا لتبادل الأفكار بحرية، خاصة عندما تتفق شركات الإعلان فيما بينها على عدم وضع إعلانات إلى جانب أفكار أو شخصيات معينة. وأوضح أن هذا النوع من التنسيق يُعد "رفضًا جماعيًا للتعامل" وهو سلوك تجرّمه قوانين مكافحة الاحتكار.

لكنه أشار إلى وجود تعقيدات قانونية في التعامل مع هذه القضايا، نظرًا لتداخلها مع حرية التعبير، حيث يصعب أحيانًا التمييز بين السلوك الاقتصادي غير المشروع والمواقف السياسية المشروعة. ووصف الوضع القانوني بأنه حالة من "نحن نعرفها عندما نراها".

المبادرة الإعلانية GARM محور الصراع

في صميم النزاع القانوني مع "X"، تبرز مبادرة GARM، التي أسسها الاتحاد العالمي للمعلنين كمنصة لتعزيز "سلامة العلامة التجارية" وتعريف المعايير المقبولة بشأن العنف أو المحتوى المرفوض. كانت "X" نفسها جزءًا من هذه المبادرة قبل أن تتقدم بدعوى قضائية ضدها.

بحسب رد الاتحاد في المحكمة، فإن الهدف من المبادرة كان توحيد المعايير وتوفير لغة واضحة لتقييم المحتوى، نظرًا لاختلاف التفسيرات بين المعلنين حول ما هو "عنيف" أو "فاحش". ومع ذلك، فقد توقفت المبادرة عن العمل بعد رفع الدعوى.

ضغوط سياسية من ماسك وتأثيره في البيت الأبيض

أثار الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي مخاوفهم من احتمالية استخدام ماسك لنفوذه السياسي لمنع صفقة اندماج "أومنكوم" و"إنتربابليك"، ما لم تُخصص مبالغ أكبر للإعلانات على منصته "X". وبحسب رسالة رسمية وجّهها خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ إلى رئيس لجنة التجارة، فإن شركة "إنتربابليك" تلقّت تهديدات من محامي "إكس" تفيد بعرقلة صفقة الاندماج إذا لم يُزَد الإنفاق الإعلاني على المنصة.

ووفقًا للرسالة، فقد فسّر المسؤولون التنفيذيون في "إنتربابليك" هذه الرسائل كنوع من الضغط السياسي، خصوصًا أن ماسك كان يشغل منصب "موظف خاص" في إدارة ترامب، ما أتاح له تأثيرًا مباشرًا على السياسات الحكومية ذات الصلة. وقد انتهت فترة عمل ماسك في هذا المنصب في مايو الماضي، لكن القلق من تأثيره السياسي لا يزال قائمًا.

وفي ظل هذا التصعيد، يبدو أن المشهد الإعلاني في الولايات المتحدة يدخل مرحلة جديدة، حيث تتشابك خيوط السياسة، والاقتصاد، وحرية التعبير، في ساحة مفتوحة ستحددها قرارات المحاكم، وتحقيقات لجنة التجارة، ومواقف المعلنين أنفسهم في وجه ما يعتبره البعض محاولة لتقييد حرية اتخاذ القرار التجاري بذريعة حماية الحوار المفتوح.