
الإعلانات تصل إلى واتساب لأول مرة في تاريخه!
أطلقت واتساب هذا الأسبوع خطوة غير مسبوقة في مسيرتها، بوضع الإعلانات داخل التطبيق، منهية بذلك أكثر من عشر سنوات من تقديم خدمة خالية من الإعلانات والألعاب والمزايا التجارية الجانبية. هذه الخطوة تُعد نقلة جذرية عن الرؤية الأصلية لمؤسسي التطبيق، الذين لطالما تعهدوا بعدم الدخول في عالم الإعلانات.
الإعلانات تبدأ في تبويب "التحديثات"
قدّمت ميتا، الشركة المالكة لتطبيق واتساب منذ عام 2014، تبريرًا بأن الإعلانات لن تظهر داخل المحادثات، بل ستُعرض فقط في تبويب "التحديثات"، وتحديدًا عبر ميزة "Stories" التي تتيح للمستخدمين نشر صور ومقاطع فيديو ونصوص تختفي بعد 24 ساعة. سيبدأ هذا القسم بعرض تحديثات إعلانية من الشركات، ويؤكد إعلان ميتا أن تجربة الدردشة بين الأصدقاء والأقارب لن تتأثر.
لكن هذه الخطوة قد تكون مجرد بداية. فشركة ميتا، التي حققت أكثر من 160 مليار دولار من عائدات الإعلانات في عام 2024 من خلال فيسبوك وإنستجرام، تبدو مصممة على تحويل واتساب إلى منصة إعلانية جديدة في منظومتها.
استهداف إعلاني محدود... لكنه مقلق
رغم تأكيد ميتا أن الإعلانات مصممة مع مراعاة الخصوصية، فإنها ستعتمد على معلومات مثل المدينة، الدولة، اللغة، القنوات التي يتابعها المستخدم، وطريقة تفاعله مع الإعلانات، دون اللجوء إلى رسائل المستخدم أو مكالماته المشفرة. غير أن وجود أي نوع من الاستهداف الإعلاني داخل تطبيق يُسوّق على أنه "آمن"، يطرح تساؤلات حول مصداقية التوجه الجديد.
منذ تأسيسه، اتخذ واتساب موقفًا واضحًا ضد الإعلانات. في منشور مدونة عام 2012، كتب المؤسسون: "عندما تدخل الإعلانات، يصبح المستخدم هو المنتج". وكان المؤسس براين أكتون قد علّق ورقة مكتوب عليها "لا إعلانات! لا ألعاب! لا خدع!" على مكتب شريكه جان كوم كتذكير دائم بمبادئ التطبيق.
ولكن بعد استحواذ ميتا على واتساب، بدأ الضغط الداخلي في الشركة يدفع باتجاه الإعلانات، وهو ما أدى إلى انسحاب المؤسسين لاحقًا. براين أكتون صرّح في مقابلة مع "فوربس" عام 2018 بأن "الإعلانات المستهدفة هي السبب في شعوره بعدم الراحة"، موضحًا أنه ترك الشركة بسبب هذا التوجه.
تغييرات تدريجية منذ الاستحواذ
بعد عامين من استحواذ ميتا، تخلّى واتساب عن رسوم الاشتراك السنوية البالغة 99 سنتًا، وأصبح مجانيًا بالكامل، مع تأكيده حينها أنه سيبقى خاليًا من الإعلانات و"الـ Spam". لكن الحقيقة أن ميتا بدأت التخطيط للإعلانات منذ سنوات، وأعادت إحياء هذه الفكرة عام 2023، واليوم تنفذها رسميًا.
كما بدأت واتساب أيضًا بإطلاق مزايا جديدة مثل إمكانية الاشتراك في القنوات، والسماح للشركات بدفع مبالغ مالية للظهور في مقدمة صفحة "استكشاف القنوات"، وهي إشارات واضحة على تحول التطبيق إلى ساحة تجارية.
الخصوصية في مهب الريح
بالإضافة إلى الإعلانات، طرحت ميتا روبوت الدردشة الذكي "Meta AI" داخل واتساب، الذي يمكنه قراءة الرسائل التي تذكره أو تُرسل له مباشرة، مما أثار مخاوف إضافية بشأن الخصوصية. ورغم وعود ميتا بأن هذه الخدمة ستتضمن "دردشات خاصة"، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة.
لم تتأخر مؤسسات الدفاع عن الخصوصية في التعبير عن قلقها. حيث صرّح جون دافيسون، مدير التقاضي في "مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية" (EPIC)، بأن ما تفعله ميتا يُعد خيانة جديدة لوعود الحماية التي ميزت واتساب في بداياته.
غضب المستخدمين ومطالب بالهجرة إلى بدائل
لم يتأخر الغضب الشعبي أيضًا. في مجتمع Reddit، عبّر كثير من المستخدمين عن نيتهم الانتقال إلى تطبيق "Signal"، الذي لا يعرض أي إعلانات ويُعرف بتركيزه على الخصوصية. أحد التعليقات جاء فيه: "تذكير ودي للناس، سيجنال منتج متفوق ومبني لغايات نبيلة"، فيما قال آخر: "العبرة من القصة: لا تثق أبدًا بزوكربيرغ. ميتا وعدت بعدم إضافة إعلانات عند شراء واتساب مقابل 19 مليار دولار".
ورغم أن البعض يرى أن هذه التغييرات لا تؤثر عليهم مباشرة لأنهم لا يستخدمون تبويب التحديثات، إلا أن الاتجاه العام يعكس شعورًا بخيبة الأمل وعدم الثقة.
خطوة متوقعة... ولكن مؤسفة
علّقت مؤسسة "EFF" المتخصصة في الحريات الرقمية، عبر الباحث بيل بادينغتون بأن هذا التغيير كان متوقعًا من ميتا، لكنه يعرّض المستخدمين البالغ عددهم ثلاثة مليارات شخص إلى مخاطر لا داعي لها، من أجل استراتيجية ربحية لم يُطالب بها أحد.
في نهاية المطاف، لم يعد واتساب التطبيق الذي عرفه العالم قبل أكثر من عقد. دخل التطبيق رسميًا حقبة الإعلانات، متخليًا عن وعد المؤسسين، وملتحقًا بكتيبة ميتا في اقتصاد المراقبة، الذي يُعد فيه المستخدم وسيلة لتحقيق الأرباح.
?xml>