رحلة الإيموجيز: كيف أصبحت لغة عالمية؟
تخيّل أن أسألك: كم مرة تستخدم الرموز التعبيرية (Emoji) يوميًا؟
الإجابة عن سؤال كهذا تكاد تكون مستحيلة؛ فنحن لا نولي اهتمامًا كبيرًا للأشياء الروتينية التي أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية.
على مدار تاريخ البشر، تطورت وسائل الكتابة والتواصل بينهم، وتطورت معها اللغة لتناسب كل مجتمع وثقافة وتعبّر عنهم. وفي عصرنا الحالي، نشهد تطورًا مستمرًا في لغة التواصل المستخدمة بين الناس، حيث تظهر مصطلحات جديدة وتتغير دلالات بعض الكلمات.
في الماضي، كان القرّاء يواجهون صعوبة في فهم نية الكاتب من السياق وحده؛ مثل التمييز بين ما إذا كانت الرسالة جادة أم تحمل طابع المزاح. من هنا، برز استخدام الرموز التعبيرية في التواصل بين البشر والمحتوى المكتوب، والتي نعرفها اليوم باسم Emojis.

بداية Emoticons
هناك بعض الروايات عن أول ظهور للـ Emoticons، ولكن أوضح رواية هي عند قيام عالم الحاسب Scott Fahlman في سبتمبر 1982 في جامعة Carnegie Mellon University في ولاية Pittsburgh في الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم اقتراح لاستخدام الرمز :-) للتعبير عن المزاح و حسب المواقف يمكن استخدام الرمز :-( في الحالات الأخرى.
كان هذا المقترح لحل مشكلة واجهت طلاب وأعضاء تدريس؛ حيث إن بعض النكات كانت تأخذ على محمل الجد في موقع - يشبه المنتديات في يومنًا - اعتادوا أن يتناقشوا فيه في مواضيع في الفيزياء. وبالفعل دخل Fahlman موسوعة جينيس للأرقام القياسية في أول استخدام لـ Emoticon رقمي في التاريخ.

ظهور Emoticons أتاح مساحة أكبر للتعبير عن المشاعر خلال الكتابة، كما أنها تطورت عن اقتراح Fahlman لتشمل رموز أخرى مثل الضحك D-: ، والدهشة 0-: ، والضحك الشديد XD ورموز تعبيرية كثيرة أخرى.
اليابان وصناعة Emojis
في نفس الوقت تقريبًا، وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية ظهرت النسخة اليابانية من Emoticons باسم Kaomoji، التي اختلفت عن Emoticons بأنها أكثر تعقيدًا وتعبيرًا، كما تكتب بوضع طبيعي غير مقلوبة مثل Emoticons. تركز Kaomojis على العيون بدلًا من تركيزها على الفم، حيث يظهر ذلك من بعض الأمثلة كالرمز المعبر عن السعادة (^_^)، والحزن (T_T)، والحيرة (o_0)؛ كما أن تطور الأجهزة فتح الباب للمزيد من الرموز مثل (ಠ_ಠ) ورمز عدم الاهتمام ¯\_(ツ)_/¯ عن طريق دمج حروف ورموز من العديد من الأبجديات.

من المعروف أن الصور تلعب دورًا أساسيًا في الثقافة اليابانية خصوصًا مع انتشار الأنمي والمانجا؛ لذا فمن غير المستغرب أن نجد اليابان هي صاحبة التطوير الأكبر للإيموجيز خلال هذه الرحلة.
استلمت اليابان زمام الأمور وبدأت في تطوير الرموز التعبيرية، حيث صدرت أول قائمة رموز تعبيرية مشابهة لما نعرفه حاليًا في عام 1999 بواسطة الفنان Shigetaka Kurita. تكونت هذه القائمة من 176 رمز تعبيري على هيئة صور 12 بكسل في 12 بكسل وتحتوي على العديد من الصور للتعبير عن أشياء جديدة، كالتعبير عن حالة الطقس عن طريق رمز الشمس أو السحاب أو المظلة، كما شملت رموز أخرى مثل الرموز المعبرة عن وسائل المواصلات ورمز القلب ورموز أخرى كثيرة.

هذه القائمة، المعروضة في متحف نيويورك للفن الحديث، كانت في الأصل حكرًا على مزوّد الاتصالات الرئيسي في اليابان DOCOMO. وبعدها بدأت مزوّدات الاتصالات الأخرى بتقديم قوائم خاصة بها، وهو ما خلق مشكلة عدم توافق بين القوائم المختلفة؛ إذ قد يرسل لك صديقك إيموجي من هاتفه لا يتعرّف عليه هاتفك، بسبب اختلاف الترميز المستخدم لكل رمز بين قوائم الشركات. ومع ذلك، لم تكن هذه القائمة الأولى من نوعها، إذ سبقتها قوائم من شركات أخرى مثل SoftBank وSharp، لكن قائمة كوريـتا (Kurita) تُعد الأكثر تأثيرًا وانتشارًا.

العالم كله يحتاج للرموز التعبيرية
بعد صدور الآيفون، كانت الإيموجي موجودة في لوحة المفاتيح اليابانية فقط، لكن المستخدمين سرعان ما اكتشفوها، وبدأت تطبيقات بالظهور على متجر App Store لإتاحتها على لوحات المفاتيح الأخرى. هنا بدأت رحلة انتشار الإيموجي حول العالم.
تسارع هذا الانتشار بشكل ملحوظ بعد موافقة منظمة Unicode عام 2007 على طلب تقدّم به مطورو جوجل لدعم الإيموجي.
تُعد منظمة Unicode جهة غير ربحية مسؤولة عن وضع نظام ترميز موحّد لكل رمز أو حرف يُستخدم في النصوص. وقد تمثّل طلب مطوري جوجل في اعتماد ترميز موحّد لجميع رموز الإيموجي، بما يسمح باستخدامها عبر مختلف المنصات والأجهزة دون القلق من عدم توافقها أو دعمها.

بعد أن تطورت الإيموجيز لتشمل الكثير من الرموز التي تعبر أشياء أكثر بكثير من القائمة الأساسية حيث أصبحت تشمل رموز تعبر عن المهن، المعالم السياحية، الحيوانات، أعلام الدول والكثير من الرموز الأخرى، كما أنها تأثرت بالصراعات السياسية حيث غاب علم فلسطين عن القائمة في البداية بينما شملت علم الكيان.
كما تأثرت بالقضايا المجتمعية مثل قضايا الأقليات أو العنصرية مثل وجود رموز تعبيرية باللون الأبيض وعدم وجود رموز باللون الأسود، ووجود رموز بشخصيات ذكورية دون وجود نسخ نسائية منها؛ مما أدى إلى زيادة القائمة لتشمل العديد من النسخ للإيموجي الواحد.
كما أن بعض الإيموجيز كانت تستخدم في استخدامات ضارة مثل رموز الأسلحة؛ حيث استخدمها البعض في التهديدات مما أدى إلى قيام شركة آبل بتغيير رمز المسدس إلى مسدس ماء وتبعتها الشركات الأخرى.

بينما تتطور الهواتف الذكية ومنصات التواصل بوتيرة متسارعة، تواصل الإيموجيز تطورها كلغة بصرية عالمية تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية. ومع كل تحديث جديد، لا تعكس هذه الرموز مشاعر المستخدمين فقط، بل توثّق أيضًا تحولات المجتمعات والقضايا التي تشغل العالم الرقمي. وفي عصر أصبحت فيه الرسائل أقصر وأسرع، يبدو أن الإيموجي ستظل عنصرًا أساسيًا في طريقة تواصل البشر لسنوات طويلة قادمة.