بعد انتظار دام لأربعة سنوات وتخوفات من كونها مُنتج غير حقيقي، صدرت Black Myth: Wukong وفاجأتنا بتجربة أسطورية غير متوقعة. بأكثر من 10 مليون نسخة مُباعة بأول 3 أيام من الإطلاق و 3 مليون لاعب نشط في نفس الوقت، لعبة Black Myth: Wukong دخلت التاريخ كواحدة من الأعلى مبيعًا على الإطلاق، وتصدرت متجر ستيم في غضون ساعات، فهل تستحق اللعبة فعلاً كل هذه الأرقام الخزعبلية؟ إليكم مراجعتنا الكاملة للعبة Black Myth: Wukong بعد أن قضينا فيها عشرات الساعات من اللعب!

قصة Black Myth: Wukong مُستوحاة من رواية "رحلة إلى الغرب"

أنا من عاشقين الميثولوجيا، وأحب الألعاب عمومًا التي ترتكز على مختلف الحضارات و تستعرضها باستفاضة، ولعبة Black Myth: Wukong تنضم لتلك القائمة بكل سهولة. فاللعبة تُركز على الحضارة الصينية وبالتحديد هي مستوحاة من رواية "رحلة إلى الغرب" التي نُشرت لأول مرة في عام 1592. هذه الرواية تعتبر حتى وقتنا الحالي أحد أهم وأروع الأعمال الأدبية في تاريخ الحضارة الصينية، واللعبة تمكنت من نقل الرواية و الميثولوجيا الصينية لنا بطريقة ولا أروع.

القصة تتحدث عن قردة جبل هواجو الذين يتدرب تلاميذهم حتى يخرجوا واحدًا تلو الآخر في رحلة البحث عن قوى القرد الملك "سون ووكونغ"، حيث قسّم قوته على ستة قطع أثرية ووزعهم في جميع أنحاء الصين، وهنا يأتي دور القردة في تجميع الستة قطع للحصول على هذه القوة الضخمة. لكن بالطبع واحد فقط من يستطيع الحصول عليها، وهذا هو دورك حيث أنت الشخص "المُقدر" له أن يمتلك هذه القوى.

القصة أسطورية ورائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ورغم أنها في بعض الأوقات ستكون مُبهمة نسبيًا، إلا أنها تُحاول شرح العالم لك بالاستفاضة الكافية حتى تفهم الشخصيات وما يحدث لها وأين تنتقل. لكن لعل العيب الوحيد في القصة هو أنها تُقدم كمية من الشخصيات بشكل مُفاجئ وبدون شرح أي تفصيلة عنهم، وتتعامل معك على أنك على دراية كفاية بالحضارة الصينية وقرأت رواية "رحلة إلى الغرب"!

بالنسبة لعمر اللعبة، فإذا قررت التركيز على القصة الرئيسية فقط، ستطلب منك اللعبة حوالي 30-40 ساعة، وهي مُقسمة لستة فصول، وبين كل فصل والآخر يتم وضع مشهدًا سينمائيًا بطريقة مختلفة سواء بطريقة الأنمي والمانغا والروايات، وكل مرة ستكون منبهرًا مما تُقدمه اللعبة في هذه المشاهد التي من الممكن أن تتحول وحدها أصلاً إلى مسلسل تلفزيوني خاص بها إذا فكر استوديو Game Science في توسيع هذا العالم مُستقبلاً.

أسلوب اللعب صعب بعناصر الأكشن و الـ Souls-like

أكثر ما يُميز Black Myth: Wukong هو أسلوب لعبها، فاللعبة صعبة وكلما تتقدم فيها تزداد صعوبتها أكثر فأكثر خاصةً وأنها تمتلك عناصر ألعاب السولز في الكثير من الجوانب. مثل Sekiro، فأنت تمتلك سلاح واحد من بداية اللعبة حتى نهايتها، لكن هذا السلاح قابل للترقية وإضافة المهارات وطرق القتال المختلفة له والقدرات التي تُحوله في بعض الأحيان لسلاح أطول أو أضخم وأكثر قوة وفتكًا بالأعداء.

عالم اللعبة ضخم وشاسع، وكل فصل من فصول اللعب ينقسم لمجموعة من المناطق التي ستحب أن تستكشفها، مع وجود منطقة سرية في كل فصل يجب عليك إنهاء بعض المهام الجانبية حتى تتمكن من فتحها. لكن لعل يوجد عيب وحيد في تصميم العالم، وهو أنه يتركك بدون أن يوضح لك أين تذهب وماذا تفعل. في الكثير من الأحيان من المحتمل أن تجد نفسك تائهًا نسبيًا خاصةً إذا كنت تريد الانتهاء من كافة المهام الجانبية للشخصيات، وبشكل أو بآخر ستحتاج لفتح اليوتيوب للبحث عن الحل.

اللعبة بها كمية ضخمة من الأعداء، مع وجود أكثر من 80 زعيم سواء رئيسيين أو جانبيين. هذه اللعبة يمكن اعتبارها حرب زعماء مع وجود فواصل بينهم تقوم فيهم بالاستكشاف وقتال بعض الأعداء. كل زعيم له حركاته الخاصة والمميزة، وتقريبًا لا توجد أي تكرارات في تصميم قتالات الزعماء، وكل واحد منهم يتميز عن الآخر ويحتاج منك التركيز واتباع طريقة لعب مُعينة حتى تهزمه. مع تقدمك في اللعبة ستجد نفسك أمام زعماء أكثر قوة وصعوبة، وهنا يظهر جانب السولز الرئيسي في اللعبة!

لكن مقابل هذه الصعوبة، فاللعبة تُتيح لك شجرة مهارات عملاقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وفي نفس الوقت تعتبر أحد أفضل شجرات المهارات التي رأيناها في الألعاب على مدار السنوات الأخيرة. شجرة غزيرة بها أفكار مُبتكرة ومهارات مختلفة تتناسب مع كافة أساليب اللعب وتلك تعتبر أحد أهم مميزات اللعبة، فعلى عكس بعض الألعاب الأخرى التي تُقدم شجرة مهارات لغرض وجود شجرة مهارات وقيام اللاعب بفتح أشياء، فهنا شجرة المهارات بالفعل لها فائدة وتُضيف على أسلوب اللعب كلما تتقدم في أحداث القصة. أيضًا يمكنك إعادة تخصيص شجرة المهارات في أي وقت وكأنك تصنع "الـ Build" المثالي لك.

إذا طُلب مني أن أصف أسلوب لعب Black Myth: Wukong بكلمة واحدة، فإن إجابتي ستكون "المتعة". المتعة هنا لا تُوصف ولن تشعر بملل طوال 40-50 ساعة لعب. فريق Game Science في أول لعبة له استطاع أن يُقدم متعة فشلت استوديوهات ضخمة أخرى لديها خبرات عملاقة في الصناعة في تقديمها. وهنا يبدو الفارق بين المطورين، فهذا مطور هدفه الأساسي هو تقديم أفضل تجربة ممكنة للاعبين ويُركز فقط على متعتهم بدون إضافة أي أجندات أو الأفكار القذرة التي أصبحت تملأ كل ألعاب الجيل الحالي، ولذلك نرفع القبعة لهذا المُطور الذي اختار متعتنا على حساب أفكاره الغريبة، وهذا هو السبب الرئيسي في نجاح اللعبة بهذا الشكل الأسطوري!

رسومات من الأفضل في التاريخ، لكن الأداء التقني يُعاني نسبيًا…

لعبة Black Myth: Wukong هي أحد أفضل الألعاب رسوميًا في تاريخ الصناعة، فهي مبنية بالكامل على محرك Unreal Engine 5 وتُقدم تقنيات المحرك بالكامل مثل Lumen و Nanite. علاوةً على ذلك، فهي تُقدم أيضًا تقنيات تتبع الأشعة الكاملة التابعة لـ Nvidia والمعروفة أيضًا بإسم Path Tracing، وبذلك تنضم لـ Alan Wake 2 و Cyberpunk 2077 كالألعاب الوحيدة التي تُقدم تلك التقنيات.

كل شيء في اللعبة مُبهر رسوميًا، من تفاصيل البيئات والشخصيات والمؤثرات البصرية الرائعة والإضاءة والانعكاسات والظلال. حتى الـ Textures هنا بجودة خرافية تجعلك تتمعن في كل منطقة لفتراتٍ طويلة. مع وجود خاصية التصوير Photo Mode، فكل مشهد في Black Myth: Wukong يمكن اعتباره لوحة فنية وأخذ صورة منه. أنا تقريبًا جمعت أكثر من 100 صورة من اللعبة وأريد زيارة هذه الأماكن مرةً أخرى لالتقاط صور أخرى!

ليست المؤثرات البصرية وحدها هي الرائعة بهذه الطريقة في Black Myth، بل أيضًا المؤثرات الصوتية هنا خرافية، واهتم فريق Game Science بنقل طابع العالم الصيني مع الموسيقى والأغاني الصينية الرائعة التي تدمجك أكثر في هذا العالم. ضفّ على ذلك المؤثرات الصوتية الرائعة للقتالات واستخدام مختلف المهارات مع موسيقى الزعماء، وستجد نفسك أمام تجربة تُبهرك كل دقيقة سواء من الناحية البصرية أو الصوتية.

مشكلتي الأخرى مع لعبة Black Myth: Wukong تكمن في الأداء التقني، فاللعبة مُتطلبة رسوميًا بشكل مُبالغ فيه أحيانًا، وهناك تذبذب واضح في أداء اللعبة. بعض المشاهد تكون تعمل بدون مشاكل ولا تواجه اللعبة أي هبوط في الإطارات، لكن فجأة من العدم تجد أن الإطارات هبطت للنصف لمجرد وجود مجموعة من المؤثرات البصرية أمامك على الشاشة. هذا كان متوقعًا كالعادة من محرك Unreal Engine، ولكن كنت أتمنى أن يتم صقل اللعبة بشكل أفضل من ذلك.

تقنيات NVIDIA جعلت تجربة اللعبة أكثر حيوية

اعتمدت Black Myth: Wukong على تقنيات NVIDIA من تتبع الأشعة لتقدم تجربة سينمائية، ذات طابع واقعي في البيئة والصورة، لتقدم تجربة جاذبة للعين في عالم اللعبة القديم، وهذا يخدم طبيعة سرد رواية "رحلة إلى الغرب" التي تستمد اللعبة قصتها منها. فعالم Wukong يعتمد على عناصر الطبيعة كسمة أساسية للعبة، وهذا أيضًا على نظام الإضاءة الوحيد فيها وهو الشمس، والذي يبرز جمال العناصر الطبيعية تلك في اللعبة.

تقنية RTX هي الأساس هنا

لعبة Black Myth: Wukong طورت باستخدام Unreal Engine 5، والذي يتميز بتحسين مذهل للإضاءة داخل اللعبة مقارنةً بـ Unreal Engine 4، فبرمجة الإضاءة الديناميكية أفضل وجودتها أعلى، حيث تستخدم محرك Lumen الذي يفتح الكثير من السبل لتطبيق الإضاءة بشكلٍ أكثر واقعية عن ما مضى.

هذا يتضمن الإضاءة العالمية، أو بمعنى أصح، تطبيق أثر الضوء من مصدر واحد، وهو الشمس في لعبتنا في معظم الأحوال، على خريطة اللعب كلها. هنا يظهر ضوء RTX الذي يرفع من ديناميكية الإضاءة ويتتبع تأثيرها بشكل كامل داخل الخريطة كلها، وبالتأكيد مع قوة اللعبة الرسومية ومع الحاجة إلى هذه التقنيات، سنحتاج إلى كارت من الجيل الجديد لنحصل على تجربة مثالية.

أول ما ستلاحظه في اللعبة هو أن الغابات لها شعورٌ آخر عن أي لعبة أخرى تتطبق الـ RTX، فعالم اللعبة الذي يُحكى في طبيعة خلابة به ميزة مذهلة. الشمس هي تقريبًا المصدر الأكبر للإضاءة في اللعبة، وهنا الإضاءة تتحرك بين أوراق الشجر لتصل على هيئة ظلال جميلة على الأرض والصخور، بينما تختلف الإضاءة على Wukong نفسه أثناء الحركة على حسب الظلال، والذي يضيف لمسة طبيعية واقعية للحركة داخل الخريطة.


مع تتبع الأشعة تتحسن الظلال بالتأكيد، وهذا واضح في عالم Wukong الدقيق في هذه النقطة، ولدرجة أن كل ورقة من أوراق الشجر تظهر ظلالها بشكل طبيعي وبدقة. الجيد هنا أن حتى تقنية DLSS ترفع من حدة هذه الظلال، فتجعل الشكل واضحًا على أي سطح يظهر عليه ظل الأوراق.

والتفصيل الأخير الذي تختتم به التحفة البصرية هو انعكاس الضوء، فالماء يظهر هنا على شكل بحيرات أو برك مائية صغيرة، ويتفاعل بشكل طبيعي مع الإضاءة وحركة البطل فوقها ليظهر هو بدوره أيضًا على الماء، ولكن الأمر لا يقف عند الماء حتى، فالحوائط والصخور المبتلة تعكس الإضاءة إن كانت بيئتها تسمح بهذا فقط، لتصبح فيزيائية الضوء هنا أكثر واقعية عن ذي قبل.

الـ DLSS لا غنى عنه في Black Myth: Wukong

تقنية الـ DLSS بإصدارها الثالث تشكل دورًا هامًا في لعبة Black Myth: Wukong، وهذا لأن التفاصيل الكثيرة التي يمكنك أن تراها مع كارت RTX تؤثر بشكل واضح على معدل الإطارات. تقنية تحسين معدل الإطارات تغير اللعبة بالكامل، ومن أفضل الألعاب التي طبقت التقنية لأن الجودة لم تتغير، بل وقد تحسن بعض خطوط الظل بسبب التقنية التي تنعم الحواف عند عملية رفع جودة العرض عن جودة الرندرة.

فلو شغلنا اللعبة على كارت RTX 4090 وفعلنا تتبع الأشعة، ومعه تقنية Frame Generation وDLSS 3.0 على نمط الجودة فقط، سنحصل على ما يتراوح بين 69-75 إطارًا في الثانية الواحدة بجودة ممتازة وبتتبع الأشعة كما ذكرنا. هذا المعدل كان سيكون في حدود الـ 43 بدون تفعيل أي تقنية منهم، والآن صارت الصورة أجمل وزادت أيضًا الإطارات.

لا يوجد أي كارت شاشة آخر يمكنه أن يقدم تقنية تتبع الأشعة بهذا الشكل إلا كروت NVIDIA، ولهذا نرشح من يمتلك أي كارت من كروت RTX أن يجرب هذه اللعبة الرائعة، والتي ستظهر بأفضل شكل ممكن على جهازه.


 

في النهاية

لعبة Black Myth: Wukong هي واحدة من المفاجآت السارة لعام 2024. تجربة أكشن Souls-like مليئة بالقتالات الرائعة والرسومات الخرافية والقصص الأسطورية المميزة، فماذا تحتاج أكثر من ذلك؟ لعبة تُركز بشكل رئيسي على مُتعة اللاعب وتقديمه للحضارة الصينية بأفضل شكل ممكن، وقد نجح فريق Game Science في الاستيلاء على قلوب اللاعبين مع أولى إصداراتهم، ويبدو أننا سنرى المزيد من العناوين الرائعة للقارة الآسيوية قريبًا!