لطالما مثلت دقة وضوح 4K (أو 2160p) أزمة حقيقية حتي لأعتي البطاقات الرسومية المتاحة، فهناك حرفيا العشرات من الألعاب التي تفشل في الوصول الي معدل عرض 60 صورة في الثانية 60fps علي أعلي الاعدادات الرسومية Ultra Graphics علي هذه الدقة .. حتي باستخدام بطاقة Titan RTX الأقوي في العالم.

لاحظ هنا أننا نتحدث عن معدل عرض 60 ولم نتطرق بالمرة الي 120 و 144!

والمشكلة ان جودة الالعاب الرسومية لا تزال تزداد باضطراد ... خصوصا مع مقدم تقنيات الرسوم المتطورة مثل تتبع الأشعة Ray Tracing .. مما يعني أنه حتي مع مقدم بطاقات رسومية أقوي فان معضلة تشغيل دقة 4K ستظل قائمة.

لكن مع خروج بطاقات RTX الي النور في 2018 .. كان لـ NVIDIA رأي آخر .. لقد أرادت NVIDIA استغلال ريادتها في سوق الذكاء الاصطناعي AI في تسخيره لخدمة رسم الالعاب .. إن الذكاء الاصطناعي يكبر الصور .. ويضخم مقاطع الفيديو Video Clips ويحسن التفاصيل البصرية .. فلماذا لا يفعل ذلك في الألعاب؟

لقد بدأت NVIDIA الرحلة ببناء حاسب خارق Super Computer ضخم للغاية، ووضعت فيه الالاف من بطاقات Titan V الرسومية القوية .. وخصصته لمهمة واحدة: أن يطور ويدرب خوارزمية ذكاء اصطناعي قادرة علي رسم الالعاب من دقة وضوح صغيرة الي دقة وضوح كبيرة .. دون بذل اي جهد اضافي أو التضحية بالأداء، بمعني أكثر وضوحا: بأن يكبر دقة عرض الألعاب محتفظا بنفس الجودة الرسومية!

ولكي يؤدي هذا الحاسب الخارق المهمة جيدا، قررت NVIDIA تغذيته بعشرات الالاف من صور الالعاب .. صور ملتقطة بدقة وضوح جنونية تصل الي 64K .. يحلل الحاسوب الخارق هذه الصور ويتعلم منها كيفية رسم الالوان والاجسام في الالعاب، و دون تعرجات او تشوهات كذلك، بحيث تكون تلك الرسوم شبه مثالية لا تعاني من مشكلات العرض التقليدية مثل التعرجات Aliasing والحواف المهتزة Flickering Edges.

بعد انتهاء تعلم الحاسب الخارق، فإنه يكتب ما تعلمه من أساليب وخوارزميات في ملف صغير تلحقه NVIDIA بمتحكم القيادة الخاص بها، ليعلم المعالج الرسومي لدي المستخدم كيف يرفع دقة اللعبة الي الضعف دون أن يؤثر ذلك علي الأداء.

ولان العملية بالاساس تعتمد علي تعليم حاسوب عملاق، فقد سمتها NVIDIA باسم الرسم الفائق بالتعلم العميق، Deep Learning SuperSampling .. أو DLSS اختصارا.

ولقد حقق DLSS المطلوب منه بالفعل .. فقد تم استخدامه في عدد من الألعاب حيث يقوم برفع دقة العرض فيها من 720p الي 1080p .. ومن 1080p الي 1440p ... ومن 1440p الي 2160p (أو 4K) .. أي بمعدل الضعف.

لكن كانت لـ DLSS عددا من العيوب والمشكلات، أكثرها وضوحا انه يرفع دقة العرض بمعدل الضعف فقط .. والسبب في ذلك ان اسلوب تعلم الحاسب الخارق كان شديد التخصص، فهو يتعلم رسم دقة العرض اولا بالاساس .. ثم ينتقل لرسم الألوان والاجسام. لهذا لم يكن يعرف كيف يتعامل مع اي دقة عرض خارج الدقات الاربعة المذكورة.

كان الحاسب الخارق أيضا يطلب التدرب علي كل لعبة بشكل كامل أولا قبل ان يستطيع رسم أي شئ .. بمعني آخر لا يعرف الحاسب كيف يرسم أي لعبة قبل أن يتدرب عليها كاملة اولا، ومعني ذلك أنه يحتاج الي وقت طويل قبل ان يستطيع تطبيق الرسم بالذكاء الاصطناعي في الالعاب الجديدة.

كانت قدرة الحاسب علي التعلم متوسطة كذلك، فالصور التي يرسمها لم تكن بجودة دقة العرض الأصلية .. فدقة 4K المرسومة بـ DLSS لم تكن مماثلة لدقة 4K الأصلية .. كانت اكثر ضبابية وتشوشا blurred وكانت تظهر فيها بعض عيوب تكبير الصور بالطرق التقليدية .. كما رسمت عددا من الأجسام بطريقة خاطئة.

احتاجت صور DLSS كذلك وقتا طويلا نسبيا لرسمها أيضا .. مما أدي الي انخفاض نسبة الاداء التي يقدمها DLSS، ومنعه هذا من العمل علي بعض البطاقات الرسومية، فكان من الطبيعي ان تجد أن بطاقة RTX 2080Ti لا تتمكن من استغلال DLSS في رفع دقات عرض 1080p لأن الخوارزمية بطيئة ولن تتمكن من رفع سرعة تشغيل اللعبة علي هذه الدقة الصغيرة! وكان من الطبيعي أن تجد أن DLSS يفشل في الوصول باللعبة لمعدل عرض 120fps أو 144fps لنفس الأسباب أيضا!

كان كل هذا في بداية عمر DLSS .. كان DLSS بديلا لدقات العرض السالف ذكرها، وبديلا لدقة عرض 4K بالذات، لكنه كان بديلا معيوبا في عدد من الجوانب المحورية .. كان DLSS يقدم أداء قويا علي دقة 4K لكن بجودة صورة أقل من دقة 4K الحقيقية،  أحيانا بفارق كبير للأسف.

لكن اذا كانت هناك حقيقة ثابتة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فهو أنه لا يتوقف عن التعلم، وأنه يتحسن باضطراد ليصير أقوي وأكثر ذكاء.

وهو بالضبط ما حدث مع DLSS ، فبعد ان تعلم الحاسب الخارق ما يكفي أثناء مراحل عمر DLSS الأولي، حان وقت ترقيته وتحديثه الي النسخة الاكثر تطورا DLSS 2، واذا بنا فجأة نري كافة عيوب DLSS القديمة تختفي بلا أدني أثر.

الان لا يحتاج DLSS 2 الي التدرب علي كل لعبة، فقد صار خوارزمية شمولية .. كما توقعنا ان يحدث منذ شهور .. خوارزمية عمومية تعمل مع غالبية أنواع واشكال رسوم الالعاب .. الامر الذي يعني انه لا يحتاج الا اقل القليل من التعلم حاليا، ويعني أيضا أنه لا يتطلب الكثير من الوقت لدمجه في الالعاب الجديدة. لقد تم دمج DLSS 2 كاملا في محرك Unreal Engine 4 لتدعمه أي لعبة ستحمل تقنيات هذا المحرك! وتنتوي NVIDIA مد هذا الأمر الي محركات أخري قريبا!

ارتفعت قدرة DLSS 2 علي الرسم الي مستويات فائقة كذلك، فهو الان يستطيع رسم اي دقة عرض .. مهما كانت، كما يستطيع تحويل ابعاد اي دقة الي ابعاد اي دقة اخري .. يستطيع تحويل 1080p الي 4K بسهولة تامة .. وهو تحويل من دقة الي دقة اخري تبلغ 4 اضعافها .. بل انه يستطيع تحويل دقة 270p الي 1080p في سهولة كاملة .. وهو رفع للدقة بمقدار 8 أضعاف بعدما كانت الضعف فقط في DLSS 1.

ثم والادهي من ذلك ان DLSS 2 لا يكتفي برفع دقة العرض وفقط، بل تعلم أيضا تحسين تفاصيل الرسوم نفسها وتعلم ابراز ما هو باهت ومشوش .. فتحولت كل عيوب الصورة التي عاني منها الاصدار الاول الي غبار في غمضة عين .. واستطاع DLSS 2 تقديم جودة صورة مماثلة للدقة الأصلية بلا مبالغة .. بل وقد تفوق عليها كذلك في عدد من الجوانب.

فمن خلال DLSS 2 يحصل المستخدم علي وسيلة ممانع تعرج Anti Alising مجانية .. تأتي من الذكاء الاصطناعي نفسه، الذي يستطيع رسم كافة الاجسام بلا اي تعرجات او اهتزازات في حواف الاجسام والصورة بشكل عام .. ودون ان يضيف علي الصورة اي تشوش أثناء الحركة Motion Blur كما تفعل ممانعات التعرج الاخري أمثال TAA و TXAA و FXAA. لقد تعدت جودة مكافحة التعرجات في DLSS 2 جودة تلك الممانعات الاخري بأميال ضخمة.

الي اليمين بدقة 4K الأصلية بدون DLSS 2، وتفاصيل الوجه تظهر مشوشة ومهتزة وباهتة أثناء الحركة، بينما تظهر كاملة في جلاء مع DLSS 2 علي الرغم من استعماله لدقة 1080p أصلية!

لا توجد اية انخفاضات في جودة الصورة بين استخدام الرسم بالتعلم العميق DLSS وبين عدم استخدامه .. علي العكس مع التعلم العميق تظهر النوافذ علي المبني الأبيض بصورة اكثر وضوحا

لا توجد اية انخفاضات في جودة الصورة بين استخدام الرسم بالتعلم العميق DLSS وبين عدم استخدامه .. علي العكس مع التعلم العميق تظهر الأسوار المعدنية بصورة اكثر وضوحا ..

وفوق كل هذا، فان الاداء من DLSS 2 قد تلقي دفعة تحسينية هائلة .. مكنته من تشغيل اي دقة عرض مهما صغرت بزيادة قوية في معدل العرض fps واداء عرض اللعبة .. يمكنك رفع دقة عرض 540p الي 1080p حتي علي بطاقة Titan RTX والاستفادة بزيادة ضخمة في أداء اللعبة طالما لم تكن محدودا بمعالجك المركزي CPU. يمكنك مع DLSS 2 تحقيق أي معدل عرض تشاء، سواء كان 144fps أو 240fps أو ما هو أعلي!

باختصار .. لقد تطور ذكاء DLSS 2 الي مستويات مخيفة في غضون شهور قليلة .. فهو الآن بلا أية عيوب تقريبا وبكل المزايا السابقة المكتسبة .. جودة صورة فائقة .. مكافحة تعرج ليس لها نظير، زيادة في الاداء تصل الضعف .. دعم واسع وسلس الألعاب .. ماذا نريد أكثر من هذا؟

لقد كنا مخطئين في توقعنا منذ شهور طويلة مع مقدم تقنيات RTX الي النور لاول مرة .. لم يصر DLSS 2 ممانع التعرج المثالي الذي توقعناه .. بل تعدي هذا المستوي الي ما هو أشمل وأعم وأكثر تأثيرا بما لا يقاس، لقد صار DLSS 2 هو وسيلة الرسم المثالية التي ستطيح بدقات العرض التقليدية الثابتة .. بل ستطيح بكافة ممانعات التعرج .. وكل هذا بفضل قوة واعتمادية الذكاء الاصطناعي الذي يتطور بلا توقف ويتعلم باستمرار ويصير أفضل وأفضل. الذكاء الاصطناعي الذي وصل الي مستوي مضاعفة دقة العرض 8 مرات بسهولة تامة!

صدق أو لا تصدق، هذه صورة معظمة من 270p الي 1080p باستخدام DLSS 2 .. من المفترض أن تكون كل الأجسام بلا ملامح محددة علي دقة 270p، لكنها الآن تكتسب وضوحا وتجسيدا مفصلا بفضل DLSS 2.

إن توابع هذا الامر لن تنتهي عند هذا الحد، بل ستستمر الي مستويات أعلي وأعلي .. سيتطور DLSS 2 أكثر وأكثر ويكتسب قدرات جديدة وسنري منه نسخا أعلي .. DLSS 3 ربما؟ قد يستطيع DLSS 3 لاحقا رفع دقة عرض عروض الفيديو والافلام .. بل دعك من هذا كله، تخيل أن يتم تشغيل DLSS 3 مثلا من لوحة تحكم القيادة Driver Control Panel بضغطة زر واحدة، وتطبيقه علي أي لعبة وكل لعبة .. سيتحول عالم ألعاب الحاسب الشخصي الي نعيم حقيقي حينها! زيادة مضمونة في الأداء بضغطة زر ودون أدني تأثير علي جودة الصورة!

سنشهد استخداما موسعا لـ DLSS 2 في المعالجات الرسومية الضعيفة والمدمجة .. ربما في أجهزة مثل Nintendo Switch 2 او ما يماثله من أجهزة ألعاب منزلية .. بما يمكن هذه الأجهزة من تشغيل الالعاب المعقدة، برسوم عالية .. الان بدلا من ان ترهق تلك المعالجات الرسومية نفسها في رسم اللعبة بدقة عرض 4K ومعدل عرض 30fps .. ستكتفي برسم اللعبة باستخدام 1080p ومعدل عرض 90fps تاركة للذكاء الاصطناعي مهمة رفع جودة الصورة الي 4K تلقائيا .. ومحتفظة بنفس معدل عرض 90fps السلس.

سنشهد أيضا من جراء ذلك ارتفاعا ملحوظا في جودة الرسوم الممكنة، وتوسعا في استخدام مؤثرات تتبع الاشعة Ray Tracing الفائقة .. وكل ذلك بفضل هامش الاداء الضخم الذي يوفره DLSS 2 بما يمكن المعالجات الرسومية من رسم تلك المؤثرات.

يمكننا أيضا استخدام DLSS 2 في توفير الطاقة، فبدلا من أن تشغل البطاقة الرسومية اللعبة بدقة 4K حقيقة وباستهلاك طاقة كامل، يمكنها تشغيلها بدقة 1080p معظمة الي 4K باستخدام DLSS 2 وباستهلاك طاقة يبلغ النصف فقط!

هذه فقط بعضا من التوابع المهمة التي سنشهدها مع استمرار نمو وانتشار خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الرسوم .. وكلنا ثقة في أن المزيد من المفاجآت في انتظارنا. و يمكن للمستخدمين الاستمتاع بتجربة تقنية DLSS 2 الآن في ألعاب مثل Control و Wolfenstien Youngblood و Deliver Us The Moon  و Minecraft RTX. وستحتاج الي بطاقة من طراز RTX 2000 فما هو أعلي للاستمتاع بها. ونتحداك كمستخدم أن تجد عيبا واحدا في تشغيل DLSS 2 في هذه الألعاب .. لقد صار الخيار المعياري لتشغيل هذه الألعاب في غمضة عين بدلا من أي دقة عرض تقليدية أخري، ولا نبالغ عندما نقول أن من سيرفض تشغيل تلك الألعاب بـ DLSS 2 هو إما غافل عن أهميته أو إما أحمق!

لقد تمكن DLSS 2 وأمثاله من خورزميات الذكاء الاصطناعي التي سيجري تطويرها من حل معضلة دقة 4K و كل الدقات الأخري، ومن حل معضلة ممانعات التعرج Anti Aliasing .. ومن حل معضلة معدل عرض 120fps و 144fps علي الدقات العالية، ولنا أن نتوقع أن يحل معضلة دقة 8K كذلك عندما يأتي وقتها، بل كل الدقات الأخري، الأعلي من ذلك والأقل!

لا نبالغ عندما نؤكد للجميع بكل أريحية: انسوا دقات العرض .. انسوا 4K و 2K .. بل انسوا 1080p .. ثم انسوا فوقهم كل وسائل ممانعات التعرج Anti Aliasing .. ما لدينا هنا لا يقل وصفا عن ثورة كاملة في عالم رسوم الألعاب .. ستعرف ان هذه ثورة حقيقية منذ الوهلة الأولى عندما تشاهد لعبتك تتحول من دقة 1080p الي 4K بجودة صورة 4K حقيقية ودون أي انخفاضات في الاداء! وهي ثورة كان الفضل فيها لشئ واحد: الذكاء الاصطناعي .. وهي شهادة فخر واعتزاز علي جبين هذه الوسيلة التي تتخلل الآن كل مناحي حياتنا العصرية.