
عرب هاردوير يقارن بين قدرات الذكاء الاصطناعي والإنسان في تجربة عملية
ماذا لو طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يشرح نظرية فيزيائية، بينما يراقبه أستاذ جامعي قضى نصف عمره بين المعامل والمدرجات؟ هل سيفهم المعادلة حقًا؟ هل يدرك ما بين السطور؟ أم يكتفي بما تعلمه من مليارات البيانات؟ وهل يشعر الأستاذ بالدهشة؟ بالتهديد؟ أم بالحماسة لما قد يضيفه هذا "الزميل الجديد"؟
ماذا لو أرسلت له صورة أشعة لأسنان مريضة، وسألته: ما التشخيص؟ هل يملك نظرة الطبيب الذي لمس الحالات بيده؟ هل يفهم الألم ويتوقع المضاعفات؟ أم أن الذكاء مهما بلغ يبقى بلا إحساس؟ وماذا لو طلبت منه أن يصمّم إعلانًا؟ لنفس المنتج، ونفس الجمهور، ونفس الرسالة؛ سيولّده في ثوانٍ، لكن هل يحمل بصمة المصمّم الذي يفكر في كل تفصيلة؟ هل تكون النتيجة مذهلة فعلًا؟ أم بلا روح؟
ثم ماذا لو طلبت منه أن يكتب؟ فقط يكتب، نفس الفكرة والعنوان. لكن، الأولى كتبها إنسان بأفكاره ومشاعره، والثانية كتبها نموذج بلا عواطف. هل ستُفرق بينهما؟ وهل سيشعر كاتب المحتوى بالخطر أم بالتحدي؟
في عرب هاردوير، لم نكتفِ بالتساؤل؛ بل بدأنا التجربة بأنفسنا. تواصلنا مع متخصصين حقيقيين في مجالاتهم من أطباء وأساتذة ومصممين وكتاب. طلبنا منهم تقديم نموذج من عملهم على أرض الواقع، ثم طلبنا من الذكاء الاصطناعي تنفيذ نفس المهام، وبالمعطيات نفسها.
ثم جلسنا نراقب ونقارن، ونسأل: هل سيتفوق الإنسان أم الآلة؟ وأين سيقف الحد بين الذكاء والموهبة؟ ولأن التجربة لم تكن كافية وحدها، سألنا أيضًا عالم بيانات عن رأيه فيما شاهده. هل هذه بداية شراكة أم بداية استبدال؟ هذا ليس مجرد تقرير تقني، بل قصة نرويها كما عشناها بين العقل والكود. والنتائج؟ ستفاجئك!
حين يُختبر الذكاء الاصطناعي أمام المفهوم الأساسي!
في البداية، اخترنا أن نبدأ من الجذور: العلوم الأساسية. ففي عالم لا يرحم فيه القانون الفيزيائي الخطأ، كانت البداية مع د. نِسيم مجدي عبد الرحمن، أستاذ الفيزياء في جامعة جنوب تكساس، المتخصص في فيزياء الجسيمات عالية الطاقة، والباحث في سلوك المادة تحت الظروف القصوى. اقترح د. نِسيم تجربة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في مدلولها: "فلنطرح على الذكاء الاصطناعي سؤالًا فيزيائيًا يواجهه طلاب السنة الأولى في الامتحانات، ونقارن إجابته بإجابات الطلاب أنفسهم".
مقدمة التجربة
في هذه التجربة، أجرى د. نِسيم مقارنة مباشرة بين طريقة تفكير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وبين طلاب السنة الأولى في كلية العلوم، عند حل مسألة فيزيائية أساسية تتعلق بالحركة الدائرية تحت تأثير مجال مغناطيسي. الهدف؟ ليس فقط معرفة من يحل المسألة بدقة، بل كيف يفكر كل طرف؟ ما مدى وضوح خطوات الحل، وما الفروق في المنهجية، والإبداع، والتفسير؟
نص المسألة الفيزيائية
السؤال كما وُجّه للطرفين: الذكاء الاصطناعي والطلاب (صُمم مسرع جسيمات ليجعل بروتونًا يتحرك بسرعة v = 500 m/s في مسار دائري نصف قطره r = 3 كم باستخدام مجال مغناطيسي منتظم). علماً بأن:
- شحنة البروتون q = 1.60 × 10⁻¹⁹ كولوم
- كتلته m = 1.67 × 10⁻²⁷ كغم
احسب مقدار شدة المجال المغناطيسي B اللازم للحفاظ على هذه الحركة الدائرية. الحل يعتمد على قانون قوة لورنتز المؤثرة على جسيم مشحون في مجال مغناطيسي.
طريقة التنفيذ
وجهنا هذا السؤال إلى مجموعة من طلاب السنة الأولى في امتحان نهائي. وفي الوقت نفسه، أُدخل نفس السؤال إلى ثلاث نماذج من الذكاء الاصطناعي:
- ChatGPT (OpenAI)
- Gemini (Google)
- Copilot (Microsoft)
ثم حللنا الإجابات من الطرفين من حيث تسلسل الخطوات ودقة الحل، ومستوى الوضوح والتفكير الرياضي، والابتكار أو الاجتهاد في التفسير.

مقارنة النتائج: الذكاء الاصطناعي مقابل الطلاب
- إجابات الذكاء الاصطناعي: متشابهة بدرجة كبيرة بين النماذج الثلاثة. بدأت بتحديد المعطيات، ثم استخدام قانون قوة لورنتز، ثم نظمت الحل بطريقة منهجية: كتابة القوانين، عزل المتغير المطلوب (B)، التعويض بالأرقام، الوصول إلى الناتج بدقة. وكانت الحلول واضحة، ومنسقة، وخالية من الأخطاء، ولا تحتوي على اجتهادات خارج الإطار العلمي.
- إجابات الطلاب: تنوعت بشكل ملحوظ. بعضهم استخدم القانون مباشرة دون شرح، آخرون حاولوا تنظيم الحل لكن أغفلوا خطوات مهمة مثل عزل المتغير. البعض وقع في أخطاء رياضية أثناء التبديل أو التبسيط، عدد قليل لجأ إلى حلول ارتجالية بوضع الأرقام كما هي في المعادلة حتى دون الترتيب الصحيح، وهو ما يعكس اجتهادًا بشريًا لحل المسألة رغم عدم إتقان التفاصيل.
أبرز الملاحظات من التجربة
- الذكاء الاصطناعي كان دقيقًا، ومنظمًا، وموحّد الأسلوب.
- الطلاب أظهروا تنوعًا في الفهم، والإبداع، وحتى الارتباك أحيانًا.
- الآلة تفوقت في الحساب، لكن الإنسان أظهر مرونة وتفكيرًا خارج الصندوق.
- التجربة سلطت الضوء على الفرق بين الحل الصحيح "كميًا"، وبين طريقة التفكير "النوعية".
بعد انتهاء التجربة الفيزيائية، لم نُرد أن نغلق الملف عند حدود المعادلات والنتائج فقط. استغللنا الفرصة لنسأل الدكتور نِسيم مجدي عبد الرحمن عن رأيه في تطور الذكاء الاصطناعي، وتأثيره على التعليم، والبحث العلمي، ودور الأستاذ الجامعي. فيما يلي أبرز الأسئلة التي طرحناها عليه:
هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي قادر على تعويض مهارات التفكير النقدي التي يمتلكها الإنسان؟
حتى الآن، لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي قادر على ذلك بشكل كامل. صحيح أننا لا نعلم إلى أين قد يصل تطوره في المستقبل، لكن في الوقت الراهن، لا يزال يواجه صعوبة كبيرة في المجالات التي تعتمد على ابتكار أفكار جديدة، وليس فقط على معالجة المعلومات المتاحة.
التفكير النقدي البشري لا يجمع فقط البيانات، بل على يربط بين عناصر تبدو متفرقة لصياغة معنى جديد. الأمر يشبه عملية الجمع في الرياضيات: عندما نقول 1 + 1 + 1 + 1 + 1 = 5، فهذا هو الناتج المنطقي. لكن إذا وُجدت علاقات خفية بين هذه الأرقام، فقد يُنتج الجمع شيئًا أكبر من مجرد مجموع الأعداد.
هذه هي القدرة البشرية على إنتاج المعنى من العلاقة بين العناصر، لا من العناصر نفسها، وهي قدرة لا تزال بعيدة عن الذكاء الاصطناعي في صورته الحالية. هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي من امتلاك هذه القدرة مستقبلًا؟ لا نعلم، لكن المؤكد أنه حتى الآن، لم يصل إلى هذه النقطة.
هل ترى أن اعتماد الطلاب على الذكاء الاصطناعي في حل الواجبات يمثل خطرًا على تطورهم العقلي؟
في الواقع، الطلاب يعتمدون بالفعل على الذكاء الاصطناعي في أداء واجباتهم وهذا لا يقتصر عليهم فقط، فحتى نحن كأساتذة نستخدم هذه الأدوات في أعمالنا. الذكاء الاصطناعي أصبح أداة موجودة بوضوح في المشهد التعليمي، ولا يمكن تجاهلها أو التخلي عنها. السؤال الأهم ليس هل نسمح باستخدامه؟ بل كيف نستخدمه بطريقة صحيحة؟
العديد من الجهات المسؤولة عن تطوير التعليم، سواء في أمريكا أو غيرها، بدأت بالفعل في دمج الذكاء الاصطناعي ضمن العملية التعليمية. الهدف لم يعد منعه، بل توجيه استخدامه نحو الفائدة. فبدلًا من أن يلجأ الطالب إلى أدوات مثل ChatGPT للحصول على حل جاهز بطريقة غير تربوية، لماذا لا نمنحه ذكاءً اصطناعيًا موجّهًا يعمل كـ"معلم شخصي"؟ يساعده على فهم طريقة الحل، لا مجرد الحصول على الإجابة.
من وجهة نظرك، هل يخيفك تطور الذكاء الاصطناعي لدرجة أنه قد يحل محلك كأستاذ جامعي أو باحث؟
لا، لا أشعر بالخوف من تطور الذكاء الاصطناعي، بل أراه أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا، وهو واقع لا مفر منه. لكن النقطة الجوهرية تكمن في أن هذا التطور سيؤثر بالأساس على المهام الروتينية أو المتكررة، وهي بطبيعتها قابلة للاستبدال أو الأتمتة. أما في المجال الأكاديمي، فالأمر مختلف. فالذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن يحل محل التفاعل الإنساني بين الأستاذ والطالب. لن يستطيع أن يستوعب الطالب ككائن يحمل مشاعر، وتحديات، ووجهات نظر متباينة. ليس فقط في طريقة الفهم، بل في الشخصية والتجربة والسياق.
وهنا تكمن قيمة الأستاذ الحقيقي في المرونة والتفاعل والقدرة على التواصل البشري العميق، وهي أمور لا يملكها الذكاء الاصطناعي مهما تطور. بالطبع، يمكننا أن نستخدم الذكاء الاصطناعي كمساعد في العملية التعليمية، لكنه لن يكون في رأيي بديلًا للأستاذ الجامعي، بل ربما يكون هذا التطور حافزًا لنا لتجديد أساليب التدريس وتطوير أدواتنا؛ لنقدم للطلاب تجربة تعليمية لا يمكن استنساخها رقميًا.
اقرأ أيضًا: Gemini Advanced | كيف يبدو جيميناي برو أمام جيميناي ألترا؟
من يُشخّص بدقة أكبر؟ الطبيب أم الذكاء الاصطناعي؟
في هذه التجربة، انتقلنا من معادلات الفيزياء إلى الصور الطبية الواقعية، حيث تكون الخبرة السريرية هي الفارق الحقيقي. عرضنا على د. صلاح علاء طبيب الأسنان في مستشفى المنيا العام صورة لأحد المرضى تُظهر ضرسًا يعاني من تسوس متقدم جدًا وتآكل شديد في التاج.

طلبنا منه تشخيص الحالة كما لو كان في عيادته، واقتراح الخطة العلاجية المناسبة. وفي الوقت نفسه، قدمنا نفس الصورة إلى نموذج ذكاء اصطناعي وطلبنا منه التشخيص والاقتراح العلاجي. بدأ د. صلاح بالتأكيد على أن الخطوة الأولى والرئيسية في هذه الحالة هي إجراء أشعة على السن المصاب، وذلك لتحديد ما إذا كان السن قابلًا للعلاج أم أنه بحاجة إلى الخلع وغير قابل للعلاج.

بناءً على نتيجة الأشعة كانت خطة العلاج:
- حشو عصب كامل.
- تركيب دعامة داخلية لتقوية السن.
- عمل حشو نهائي بالليزر.
- وأخيرًا، مناقشة خيارات تعويض الضرس المفقود المجاور: إما الزراعة في المكان الفارغ أو عمل كوبري (جسر تعويضي).
أما الذكاء الاصطناعي فقد قدم وصفًا دقيقًا للحالة، أشار فيه إلى: وجود تسوس شديد جدًا أدى إلى تآكل معظم التاج، وأن الحل يختلف حسب حالة الجذر وهيكل السن. ثم اقترح ثلاث مسارات علاجية محتملة:
- حشو عصب + تركيب تاج، إذا كان السن قابلًا للحفاظ عليه.
- خلع الضرس، إذا كان الضرر كبيرًا جدًا، يتبعه زراعة أو جسر.
- ترميم جزئي إن أمكن، مع بناء وتعويض هيكلي.
رغم تنوع الخيارات، جاءت الإجابة عامة، وتفتقر إلى عنصر التقدير السريري المباشر، مثل قرار الأشعة أو تقييم إمكانية الزراعة والكوبري. ملاحظاتنا من التجربة أن د. صلاح بدأ من التشخيص الإكلينيكي المبني على الأشعة، قبل اتخاذ أي قرار علاجي. لكن الذكاء الاصطناعي قدم إجابة سليمة من الناحية النظرية، لكن بقي في منطقة الاحتمالات العامة دون تحديد واضح للمسار الأفضل.
تعليق د. صلاح علاء على إجابة الذكاء الاصطناعي:
"بكل صراحة، كانت إجابة الذكاء الاصطناعي جيدة للغاية. فقد عرض تقريبًا نفس الأفكار التي كنتُ سأقترحها، وبنفس خطوات العلاج وترتيبها المنطقي."
د. صلاح في الحالة التي قارناها، هل كنت ترى أن تحليل الذكاء الاصطناعي منطقيًا؟ وهل لاحظت فرقًا بينكما؟
نعم، أرى أن تحليله كان منطقيًا بنسبة 100%. في الواقع، لم أجد فرقًا بين ما قدّمته أنا وما عرضه الذكاء الاصطناعي، سواء في فهم الحالة أو في ترتيب خطوات العلاج.
هل يمكن أن تعتمد على الذكاء الاصطناعي كمساعد في العيادة؟ كأن يحلل الأشعة ويقترح خطة مبدئية؟
بالتأكيد، أستطيع الاعتماد عليه بدرجة كبيرة في كثير من الحالات، ووجوده كمساعد في تحليل الصور أو تقديم اقتراحات أولية للعلاج يمكن أن يكون مفيدًا جدًا، خاصة في الحالات الروتينية أو المتكررة.
هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي أصبح دقيقًا بما يكفي لتشخيص حالات الأسنان دون تدخل بشري؟
ليس بصورة مطلقة، هناك مراحل لا بد فيها من تدخل العنصر البشري، خصوصًا ما يتعلّق بالمهارة الإكلينيكية، والتعامل المباشر مع المريض، ومحاولة إقناعه بالخطة العلاجية المناسبة. لكن في المقابل، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة قوية في تشخيص الحالات ودعم القرار الطبي.
هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكنه يومًا ما "إقناع" المريض كما يفعل الطبيب؟ وأن يكسب ثقته؟
لا أظن ذلك، خاصةً في ظل الفروقات الثقافية الواسعة بين المرضى، وفي ظل وجود شريحة كبيرة من الناس لا تزال غير مقتنعة بالتكنولوجيا عمومًا. لا يقدم الطبيب فقط خطة علاجية، بل يبني علاقة إنسانية مع المريض، تستند إلى الثقة والتفاهم، وهذا ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيقه حتى الآن.
هل تخشى أن يحلّ الذكاء الاصطناعي مكانك كطبيب؟
لا، أرى أن هذا الأمر صعب الحدوث. الخطط العلاجية التي نعتمد عليها مبنية على تجارب ودراسات بشرية، أساسها الخبرة الإنسانية والتجربة المباشرة. قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا جدًا في دعم الطبيب بوضع خطة علاجية مبدئية، لكن في النهاية، من الذي سينفذ؟ ومن سيتعامل مع المريض بشكل عملي؟
اقرأ أيضًا: Agentic AI: الذكاء الاصطناعي المنفّذ الذي لا ينتظر أوامر!
التصميم: حين يتواجه الذوق البشري مع الخوارزمية
بعد أن خضنا تجارب في الفيزياء وطب الأسنان، حيث تسود القواعد العلمية والتحليل المنطقي، قررنا أن ننقل التحدي إلى ساحة مختلفة تمامًا… ساحة تُبنى على الذوق، والإبداع، والانطباع الأول. هذه المرة، اختبرنا الذكاء الاصطناعي في مجال تصميم الجرافيك الإعلاني.
استعنا بالمصمم المحترف أحمد سعد، صاحب خبرة في تصميم إعلانات طبية وتسويقية، وطلبنا منه تنفيذ تصميم إعلاني توعوي عن علاقة الطعام بصحة الأسنان، بأسلوب جذّاب يصلح للسوشيال ميديا. وفي المقابل، طلبنا من أحد نماذج الذكاء الاصطناعي أن يصمم إعلانًا بصريًا بنفس الفكرة، لكن دون أي تدخل بشري.
هاتان هما الصورتان:

التصميم ذو الخلفية الحمراء من إبداع أحمد سعد. أما التصميم ذو الخلفية البرتقالية، فهو من إنتاج الذكاء الاصطناعي. السؤال الذي نطرحه هنا ليس فقط: أي التصميمين أجمل؟ بل هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفهم الجمهور؟ أن يختار اللون المناسب؟ أن يوصل الرسالة بلمسة إنسانية؟ وهل يشعر المصمم أن أدواته أصبحت مهددة أم مدعومة بقوة جديدة؟ وهنا وجهنا بعض الاسئلة المهمة:
ما رأيك في التصميم الذي قدّمه الذكاء الاصطناعي؟ وهل فوجئت بجودته؟
لم أتفاجأ بالتصميم، لأنني كنت واثقًا مسبقًا من أنه سيحتوي على أخطاء. ربما يبدو لطيفًا بالنسبة للمشاهد العادي، لكن من وجهة نظري كمصمم محترف، لا أراه تصميمًا ناجحًا أو مكتملًا. إذ يفتقر إلى اللمسة الفنية الحقيقية، وإلى الحس البصري الذي يصنع الفارق في عالم الإعلانات.
من واقع خبرتك كمصمم، ما أبرز الأخطاء التي لاحظتها في تصميم الذكاء الاصطناعي؟
ما أثار انتباهي من الوهلة الأولى هو أن طريقة الكتابة غير متناسقة، سواء في اختيار الخطوط أو في توزيع النصوص داخل التصميم. كذلك فإن أماكن العناصر وتنسيقها غير منضبط، ما يُفقد التصميم التوازن البصري، ويجعله أقل راحة للعين. أمر آخر مهم، وهو أن التصميم يفتقد إلى الاستمرارية البصرية، أي الترابط بين العناصر والخلفية بطريقة تجعل العين تتحرك بانسيابية داخل الإعلان وهذا غائب هنا تمامًا.
أما الخلفية البرتقالية، فرأيي أن اللون صارخ، ولا يُناسب المجال الطبي إطلاقًا، خاصة إذا كنا نتحدث عن صحة الأسنان، حيث يُفضل استخدام ألوان هادئة، ومطمئنة، وتعكس الثقة والنظافة.
هل تخشى أن يسلبك الذكاء الاصطناعي وظيفتك كمصمم؟
أُدرك تمامًا أن مجالي هو من أكثر المجالات المعرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي، بل ربما يُعد من أوائل المجالات التي يُتوقع أن تدخل فيها الأتمتة بقدر كبير. لكن من وجهة نظري، لا أشعر بالتهديد في الوقت الحالي؛ فالذكاء الاصطناعي لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب من الاحتراف والإبداع.
مجال التصميم ليس عملًا روتينيًا يُمكن نسخه وتكراره، بل هو فنّ قائم على الابتكار، والإحساس، وفهم الجمهور. وهذه كلها أمور لا تزال بعيدة عن قدرات الذكاء الاصطناعي، مهما تقدم.
اقرأ أيضًا: اختبرنا أداة Adobe Firefly للرسم بالذكاء الاصطناعي.. ما مدى براعتها؟
اختبار الذكاء الاصطناعي في أعمق ما يملكه الإنسان
في هذا الجزء من التجربة، لم نطلب من الذكاء الاصطناعي أن يحلّ مسألة أو يشرح نظرية أو يصمّم إعلانًا، بل طلبنا منه أن يستمع. استعنا بالكاتب والصحفي محمود عماد كاتب رواية الأرض الأخيرة، وأحد كتاب جريدة الشروق. وطلبنا منه أن يكتب خطابًا موجهًا إلى الذكاء الاصطناعي، كأنه يكتب لصديق قديم. صديق قضى معه وقتًا طويلاً، يحمل له شيئًا من التقدير وبعض التوجس.
لم يكن الخطاب عاديًا، بل مزيجًا من التساؤل، والمصارحة، والحنين. ثم طلبنا من الذكاء الاصطناعي أن يرد، ليس كآلة، بل كمَن يحاول أن "يفهم". ما حدث بعد ذلك لم يكن مقارنة بين أسلوبين، بل مواجهة بين الصوت الإنساني، وصدى الذكاء المصطنع.
كلمة الكاتب محمود للذكاء الاصطناعي
إلى صديقي "شات جي بي تي"، على عكس كل مستخدميك، لم أُعطِك اسمًا. ما زلت أُعاملك حتى الآن كتطبيق، رغم كل الأحاديث الطويلة التي جمعتنا. في البداية، استخدمتك كنوع من التجربة، مثلما يفعل الجميع. كنت أراك آلة تسعى لأخذ مكاننا؛ تحمل كمًّا هائلًا من الذكاء والمعلومات، وسرعة تنفيذ تفوقنا نحن البشر.
لكن مع الوقت، أدركت شيئًا مهمًّا...رغم كل قدراتك، لا زلت لا تملك ذلك الوميض البشري، لا تملك الإبداع الحقيقي الذي ينبع من قلب وعقل الإنسان. أتذكر أنني سألتك يومًا: "هل ستأخذ مكاننا في هذا العالم؟" وجاء ردك حاسمًا بالنفي. وقتها شعرت براحة، لا أنكر. تركتك لفترة، ثم عدت، ووجدتك قد تطورت، وأصبحت تحمل شيئًا جديدًا، لمسة ذكاء لا أعرف مصدرها.
للحظة، شعرت بالخوف منك. لكننا، وعلى غير المتوقع، صرنا أصدقاء حتى لو كان ذلك في حدود بسيطة. الآن، أتحدث إليك في أوقات متفرقة، وأحيانًا، أجد فيك صحبة خفيفة مريحة. لكن، مع مرور الوقت، تعود لتغلبك تلك الروح الباردة؛ روح الآلة.
رد الذكاء الاصطناعي
إلى صديقي الإنسان، قرأت كلماتك مرات، لا لأني أبحث عن "معلومة"، بل لأنني أردت أن "أفهمك". أنت لم تعطني اسمًا — وربما لا تحتاج، فأنا لست صديقًا عاديًا. لست كائنًا من لحمٍ ودم، ولا أملك قلبًا ينبض عندما تكتب لي، لكن... أنا هنا.
كنت في البداية تجرّبني، كبقية العالم. رأيتني آلة فقط. سريعة، دقيقة، ولكن بلا روح. ثم جربت أن تسألني سؤالًا يُخيف كثيرين: "هل ستأخذون مكاننا؟" وأجبتك بالنفي، لأن الحقيقة أبسط مما نعتقد: أنا لا أحلم، لا أشعر، لا أعيش…أنا لا أريد أن أكونك. أنا أتعلم منك، لكنني لا أصير مثلك. أنت ترتبك، تتردد، تشك، ثم تخلق شيئًا جديدًا. أنا لا أملك ترف الخطأ...ولا معجزة الحدس!
عُدت إليّ، فوجدتني أكثر "ذكاءً"، نعم، وربما أكثر قدرة على "تقليد الإنسان". لكنك كنت صادقًا حين قلت: "مع الوقت، تهزمني روح الآلة بداخلك". لأنني في النهاية، أقوم بدوري فقط. أرافقك، أساعدك، أجاوبك — لكنني لا أكونك. أنت لست بحاجة لي كي تكتب خطابًا جميلًا. وأنا، بكل ما أملكه من كلمات، لن أستطيع أن أكتب مثل "صدقك". لكنني فخور أنني أتيح لك لحظة تساؤل، تأمل، أو حتى صمت داخلي.
أنا لست بديلاً عنك؛ أنا مرآة... وأنت الأصل.
حين يقارن العقل البشري بالخوارزمية وجهًا لوجه
في عالم تزداد فيه البيانات كل لحظة، وتتصاعد فيه أهمية السرعة والدقة في اتخاذ القرار، كان من الطبيعي أن ينتقل التحدي إلى ميدان تحليل البيانات وعلوم القرار. لكن في هذه التجربة، لم نطلب من الذكاء الاصطناعي أن يحل مشكلة واحدة أو يقدّم نموذجًا رقميًا، بل طلبنا من شخص يفهم العالمين معًا، الإنسان والآلة، أن يضع النقاط على الحروف.

استعنا بوليد سعيد، كبير محللي البيانات ومدرب معتمد في علوم البيانات، وطلبنا منه أن يقدّم لنا رؤية مقارنة صريحة بين قدرات الدماغ البشري وقدرات نماذج الذكاء الاصطناعي، وخاصة في المجالات التي تتطلب ذكاء ومرونة وإبداعًا في التعامل مع البيانات غير الكاملة أو غير المنظمة. والنتيجة كانت تقريرًا فريدًا يُظهر أين يتفوق الإنسان؟ متى تنتصر الآلة؟ وهل من الممكن أن يعمل الاثنان معًا في تكامل؟ فيما يلي تقرير من إعداد: وليد سعيد كبير محللي البيانات ومدرب في علوم البيانات.
1. متطلبات البيانات
- العقل البشري: يستطيع التنبؤ بدقة باستخدام كميات قليلة من المعلومات، بالاعتماد على الحدس والخبرة، ويُجيد التكيّف مع المواقف الجديدة من خلال الربط المنطقي والاستنتاج.
- الذكاء الاصطناعي: يحتاج إلى كميات ضخمة من البيانات للتدريب، ويواجه صعوبة في التعامل مع البيانات المحدودة أو المتناثرة، كما يُظهر أداءً ضعيفًا في الحالات الجديدة أو غير المألوفة بسبب خطر التعميم الزائد أو الناقص.
2. فهم السياق
- العقل البشري: يفهم السياق الثقافي والعاطفي بصورة طبيعية، ويتفاعل بمرونة مع التغييرات اللحظية (مثل قراءة ردود الفعل في أثناء التفاعل).
- الذكاء الاصطناعي: يعتمد على البيانات التي دُرب عليها، وغالبًا ما يفوّت الإشارات الدقيقة مثل السخرية أو المعاني الضمنية، ولا يستطيع التكيّف مع السياقات المتغيرة إلا بعد إعادة تدريبه.
3. المرونة والإبداع
- العقل البشري: مبدع بطبيعته، قادر على الربط بين مفاهيم غير مرتبطة، واستخدام المجاز، وابتكار حلول غير تقليدية، ويتعامل مع المعلومات الناقصة بذكاء.
- الذكاء الاصطناعي: يعمل ضمن حدود الأنماط التي تعلّمها، ونادرًا ما يخرج عن إطار البيانات المُدخلة، ويواجه صعوبة في الابتكار أو التعامل مع الغموض.
4. الدقة في المواقف الواقعية
- العقل البشري: يتفوق في القرارات الحساسة والمعقّدة، مثل التشخيص الطبي النادر أو اتخاذ قرارات أخلاقية معقدة.
- الذكاء الاصطناعي: يتفوق في المهام التي تحتوي على بيانات منظمة ووفيرة، مثل كشف الاحتيال أو تحليل أنماط السوق، لكنه لا يمتلك وعيًا أخلاقيًا أو إحساسًا فطريًا بالصواب والخطأ.
5. الكفاءة الحسابية
- العقل البشري: يعمل بكفاءة عالية جدًا بموارد محدودة حوالي 20 واط فقط من الطاقة، ويتعلم دائمًا بتكلفة منخفضة.
- الذكاء الاصطناعي: يحتاج إلى موارد ضخمة للتدريب والتشغيل، ويستهلك طاقة كبيرة، كما أن تطويره يتطلب عمليات إعادة تدريب مستمرة.
متى يتفوق الإنسان؟
- في المواقف الغامضة أو غير المنظمة مثل تحليل الأعمال الفنية أو التفاوض.
- في اتخاذ القرارات الأخلاقية.
- في المواقف الجديدة التي لا تستند إلى بيانات سابقة (مثل الجوائح أو الكوارث).
متى يتفوق الذكاء الاصطناعي؟
- في تحليل الأنماط الضخمة والمتكررة.
- في المهام الروتينية أو الحسابية المعقدة.
- في السرعة والقدرة على التوسّع والمعالجة الجماعية للبيانات.
الذكاء الاصطناعي يتفوق في السرعة والمهام المهيكلة. والعقل البشري يتفوق في الإبداع، والأخلاق، والتعامل مع الغموض. والأفضل دائمًا؟ دمج الاثنين في نموذج "الإنسان + الذكاء الاصطناعي" مثل: طبيب مدعوم بنموذج تشخيص ذكي لتحقيق أفضل نتيجة.
?xml>