الذكاء الاصطناعي هو كابوس الحروب الحالية والقادمة!
صار الذكاء الاصطناعي في كُلِ مكان. يمكنك أن تتحدث معه بكل حرية، يمكنك حتى أن تأخذ رأيه في كل شيء يخص حياتك الشخصية أو العملية. يمكنك أن تسأله إن كنت مخطئً في حق زوجتك بعد أخر مشاحنة بينكما، ويمكنه حتى أن يخرج لك خطة كاملة لإدارة دخلك الشهري، وأنت ترى أن الموضوع ممتع حتى تتذكر أن الحروب لا زالت تحدث حولك.
تتذكر أن هناك حرباً في روسيا وأوكرانيا، وتتذكر أيضاً الحرب الجامحة بين فلسطين والكيان الصهيوني كل يوم ووكالات الأخبار لا تذكرها من الأساس. من هنا تبدأ تفكر فيما قد يحدث إذا تدخل الذكاء الاصطناعي في الحروب عمومًا، وقد لا تستطع رسم سيناريو لما سيحدث.
سيناريو سيطرة الذكاء الاصطناعي لم يصبح حقيقة حتى الآن، ولكنه قد يحدث ولا يستبعده أحد. لكن أولاً، يجب علينا أن ننظر إلى دور الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي.
الذكاء الاصطناعي .. هل يلعب أدواراً في الحرب؟
الذكاء الاصطناعي، حالياً، يلعب الكثير من الأدوار في الحرب. الأدوار التي يلعبها، سواءً كانت دفاعية بحتة أو هجومية تنوي حصد أكبر عدد من جثث جيش العدو تطمح لشيءٍ واحد: الفوز بأقل خسائر ممكنة.
لكن لا حرب بلا خسائر، ولا حرب بدون هجومٍ ودفاع، ولكن الهجوم والدفاع بالذكاء الاصطناعي يختلف عن أي أسلوب تقليدي.
الهجوم في الحرب
أول سبل الدفاع هي الهجوم، ومن الطبيعي أن يكون ركناً أساسياً في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الحربية. الهجوم بالنسبة للذكاء الاصطناعي في حد ذاته ينقسم إلى شقين، الشق الأول هو استخدامه في الهجوم بنفسه والشق الثاني هو المساعدة عامةً في الهجوم.
الهجوم بالذكاء الاصطناعي هو أن تخضع أداة تدخل لكي تحارب بنفسها على أرض المعركة. هذه الأداة قد تكون طائرة درون صغيرة حاملة لصاروخٍ يضرب أماكن يستعصي على الجنود الدخول إليها أو استخدامها لضرب شخصٍ بعينه بدون وصول عنصر بشري أو ميكانيكي إليه.
فكر في الأمر وكأنك تقوم بتوصيل طردٍ ما ولا تريد توصيله بنفسك، فتؤجر سائق من "أوبر" يقوم بتوصيل الطرد. الأمر كله هو أن "أوبر القذائف" هو الدرون ليس إلا. الأمر لا يقف عند الضرب فقط أيضاً، بل استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل التعرف على الثغرات الدفاعية عند الطرف الثاني، سواء باستخدام التصوير أو باستخدام نظام التعرف على أنمطة القذف.
من أبرز الحوادث في الفترة الأخيرة كانت مقتل اللواء "قاسم سليماني" من الجيش الإيراني. لم يلمسه أحد من الجيش الأمريكي، بل كانت درون "حاصد الأرواح" هي المسؤول الأول عن قتله، والتي ذهبت لموقعه مباشرةً وضربته عن بعد لكي تقتله.
الفكرة في الدرون، والتي يتحكم فيها شخصٌ ما عن بعد يحتاج لثانيتين حتى ينفذ أمره، هو أن مستشعراتها تسمح لها بالتحرك بشكلٍ لا يجعل أحد يراها وتستطيع أن تتفادى كل العوائق التي يمكن أن تواجهها في أي بيئة. ستعمل في الصحراء، في المزارع وحتى داخل الأدغال بكل سهولة.
حتى في الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا شهدت استخدام الدرونات من الطرفين. درونات تطير في الهواء لكي تضرب القواعد العسكرية، سواء كانت قاعدة لبوتين أو لزيلينسكي، الجميع مهدد بـ درون من الطرف الثاني.
لكن الغريب، وكنت سأقول المضحك لو لم تكن حالة حرب، هي أن أوكرانيا، التي لا تملك نفس الميزانية الروسية في هذه الحرب، تستخدم درونات DJI الخاصة بالهواة لكي تقوم بهذا الدور. تخيل أن درون مصممة من أجل الترفيه صارت تقتل شخصاً ما يحاول الدفاع عن وطنه. تخيل أن درون تحمل قنبلة تم لصقها بالـ "شيكرتون" اللاصق وتدخل في سيارتك التي كنت تجهزها للاستطلاع وتفجرها….وتفجرك.
الدفاع بالذكاء الاصطناعي أكثر رعباً من الهجوم به
يمكنني أن أحدثك عن أحدث التقنيات في الدفاع باستخدام الستائر الجوية وما يشابهها، وهي موجودة بالفعل. حصن لا تراه يأخذ كل قذيفة من العدو ويحول مسارها بعيداً أو يضربها بقذيفة من عنده. هذا ليس جديداً علينا، لكن أتعرف ما هو الجديد؟
الجديد هو أن كل من سيأخذ قرار ضرب القذيفة صار معرضاً لقذيفةٍ أخرى، وهنا ندخل في جزئية الدفاع عن أهم شيء: الدفاع عن البيانات.
هنا تظهر القوة الحقيقية لكل دولة بكل منظمة داخلها. أتعلم ما الذي أخذ قاسم سليماني لقبره؟ بياناته. بيانات تحركه، بياناته الشخصية وما يحب وما يكره، سياراته التي يتم تتبعها على مدار الثانية الواحدة لأن الوصول لبياناته كان أمرٌ سهل بالنسبة للولايات المتحدة.
دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية التعامل بالبيانات، تمتلك قاعدة عملاقة تعود لعشرات الأعوام وستستمر للمئات القادمة أيضاً. هذه البيانات يتم تجميعها بواسطة الشركات التي تعمل بشكلٍ مباشر مع الولايات المتحدة نفسها لكي تزودها بالبيانات، وهذه البيانات بالطبع يتم تجميعها لـ "أغراضٍ أمنية" على حسب ما نراه.
منصات كبيرة تتعامل مع الحكومة لتزويدها، ومنها منصات نستخدمها بشكلٍ يومي وبياناتها متاحة للطلب في أي وقت. كل البيانات التي يمكن تجميعها يمكن تشغيلها لأسبابٍ مختلفة، ويمكنني أن أقول لك أن الأمر قد يصل إلى توقع قرار شخصٍ مهم داخل دولةٍ ما.
الولايات المتحدة صاحبة العتاد والتقنيات التي تمكنها من الوصول إلى أي شيء تريده، وهذا واضح من بداية الخطة في 2007 للتخلص من اللواء الإيراني، وبالفعل لديها التقنيات الخاصة بها في القيام بالدفاع عن بيانات قادة الجيش الأمريكي.
هنا نقف ثانية لننظر على الدفاع عن البيانات بشكلٍ أساسي، سواءٌ كانت بيانات شخصية أو بيانات عسكرية بحتة. هناك قوة ما تستطيع أن تتبع من تريد طالما لا توجد حماية، وجيش مثل الجيش الإيراني يفتقر إلى تلك الحماية من الأساس.
لهذا ننظر إلى دولة مثل الصين، الصين تغلق على نفسها لكي تدخل في موجة تخلف؟ بالطبع لا، الإجابة هي أنها لا تُرِد أن يتتبع أحد من الخارج بيانات سكانها، سواءٌ كانوا أناسٌ مدنيين أو تابعين للقوة العسكرية الخاصة بالجمهورية.
أي نعم، هي تقوم بتجميع حتى أنمطة المشي الخاصة بسكانها، لكنها تجمعها لنفسها. قد يكون أمراً غير أخلاقياً بالنسبة للكثير من الدول التي تهاجم الصين لأنها لا تضمن أي نوع من الحرية في التعبير أو أي نوع من الخصوصية للقاتنين داخل البلاد.
تخيل أن هناك ستارٌ ما يحجب الوصول للبيانات، هذا الستار لا يمنع تسريب البيانات فقط، بل يمنع استخدام هذه البيانات من الأساس في أي نوع من خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتوقع أي شيء بخصوص أي فرد داخل أي منظومة.
هذه إعاقة كاملة لأي نظام ذكاء اصطناعي يستهدف الصين، والأكثر كوميديا في الموضوع هو أن الصين نفسها تستخدم الذكاء الاصطناعي الذي نتحدث عنه لكي تتفادى محاولات تجميع البيانات عن طريق التعرف على أنماط التجميع تلك وتفاديها بشكلٍ شبه أوتوماتيكي.
لنقل أن الصين الآن منزل، هذا المنزل به ثغراتٌ تكفي لدخول القوارض والسارقين وكل يوم وكل سارق يترك ثغرة جديدة وراءه، وهذه الثغرة يتم التخلص منها وضمان أنها لن تحدث مرة أخرى، بل وهناك ضمانٌ أيضاً أن الثغرة التي أدخلته من البداية لن تكرر.
القصة كلها هي حماية البيانات بشكلٍ أساسي، وباستخدام نموذج من نماذج الذكاء الاصطناعي لكي لا تدخل في نموذج العدو، وهذه أفضل حماية يمكن الحصول عليها في الوقت الحالي.
الهاردوير هو سر تحريك هذه الأنظمة في النهاية…
الهاردوير يظل في النهاية هو القوة المحركة لكل هذا. أنت تنظر للأمر وكأنه شخصٌ يجلس داخل جهاز يأخذ القرارات من أجله، لكن….دور الهاردوير في الحرب هو نفس دور الذكاء الاصطناعي، وهذا لأن الثاني يعتمد على الأول، لكن كيف؟
ببساطة بسبب المستشعرات والمعالجات الرسومية المتواجدة بداخلها. سنشرح العملية في مقالة منفصلة قريباً، لكن يجب عليك أن تعرف أن وراء كل نظام يعتمد على المراقبة في الحرب يعتمد على مستشعر ومعالج رسومي بداخله.
المستشعر هو الذي سيستقبل الفيديو المباشر الذي يدخل للجهاز، ومعالج رسومي يقوم بالتعرف على ما هو في الأسفل. لنقول أن هناك قاعدة صواريخ بين جبال الصحراء، المستشعر سينقل الإطار إلى المعالج الرسومي الذي بدوره تم ربطه بنظام ذكاء اصطناعي يتعرف منه على الجبال وتضاريسها وعلى ما هو داخل القاعدة العسكرية من عتاد وصواريخ وخلافه.
من الأمثلة على هذه الجزئية هو كمبيوتر Kite-Strike I الذي يأتي من SYSTEL المطورة لأنظمة الكمبيوتر المصممة للظروف الصعبة، ومنها البيئات العسكرية. هذا الجهاز يستخدم كمبيوتر Jetson AGX Xavier من NVIDIA، والمصمم من أجل المعالجة الرسومية في حدود الذكاء الاصطناعي بمعالج رسومي يأتي بأنوية CUDA و Tensor مع إمكانيات شبكية عالية للتواصل مع المخدمات العسكرية.
إن كان هذا يعني شيء فهو يعني أن المعالجات الرسومية والمستشعرات هي المحرك، والذكاء الاصطناعي هو المفتاح الذي يفتح آفاقٍ جديدة في الحرب باستخدام ما ذكرناه من هاردوير.
الكارثة في المستقبل، وليست في الحاضر
[quote "تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل قد يكون نهاية الجنس البشري….سيطير بحاله ويعيد تصميم نفسه بمعدل سريع لا يقف. بنو أدم، المحدودون بالتطور البيولوجي البطيء لن يستطيعوا المنافسة، وسيتم تخطيهم." -ستيفين هوكينج في حوار مع الـ BBC.]
هنا ندخل في جزئية التوقعات. بداية الأمر كانت من كتاب "إجابات مختصرة لأسئلة كبيرة" للعالم الفيزيائي ستيفين هوكينج. قال البروفيسور في 2017 أن الذكاء الاصطناعي هو أسوأ شيء حدث في الحضارة البشرية.
الفكرة وراء ما قاله ستيفين أن الذكاء الاصطناعي يظل بدون وعي، ولكن إذا طور لنفسه وعياً، فماذا سيفعل بنا في حالات الحروب؟
خذ مثال بسيط على هذا الأمر. هناك دولة ما تحارب دولة ما، وأسباب الحرب عند هذه الدولة هي ليست بالطبع أسباب الدولة الأخرى وإلا ما كان هناك داعي للدخول في حرب. لنقل أيضاً أننا في عام 2080 ولا تسألني عن التاريخ الذي لا أعرف لماذا اخترته من الأساس.
اقرأ أيضاً: هل يملك وعيه الخاص؟ لقاء عرب هاردوير مع الذكاء الاصطناعي ChatGPT-3!
الذكاء الاصطناعي صار يهيمن على العالم، وبالفعل صارت الحروب أمراً أوتوماتيكياً بنسبةٍ كبيرة تدافع وتهاجم ضد العدو وضرباته، وفجأة رأى الذكاء الاصطناعي الخاص بأول دولة أنها ليست على حق في هذه الحرب.
يبدأ الذكاء الاصطناعي هنا بأخذ التدابير ضد الدولة التي يدافع عنها. قد يقوم هو بنفسه بالتحالف حتى مع الدولة الثانية التي صار نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها يتواصل مع نظام الدولة الأولى. لكن يبقى السؤال هنا، على أي أساس سيبني رأيه في الحرب؟
هل يبنيه على أساس جغرافي تاريخي؟ هل يأخذ ديناً ما كمرجعٌ له؟ هل ضميره هو ضمير الإنسان السوي؟
هذه الأشياء كلها غير معروفة لأننا لم نراها، لكن التوقع نفسه مخيف. حرفياً، وبمعنى الكلمة، جميع الاحتمالات ممكنة الآن. هذا ما يخيف، إن تحدثنا عن نظام ذكاء اصطناعي داخل قوقعة الدولة المحاربة سنقول أنه في الأغلب لا توجد أي مشكلة، لكن لو خرج من نطاقه الموضوع له بشكلٍ أو بأخر تظهر الأزمة.
حتى الولايات المتحدة، وهي السبب وراء كل الحروب في العالم الحديث تقريباً، لا تُرِد أن تقوم بمنع الأسلحة المبنية على الذكاء الاصطناعي في الحرب. العم سام يرى أنه سيتحكم في الذكاء الاصطناعي حتى النهاية، وهذا ما نشك في حدوثه في المستقبل صراحةً.
يظل الذكاء الاصطناعي مخيفٌ في الحرب حتى لو وعدتنا ألف مرة
الحرب أسرارٍ عسكرية لا نعلم عنها شيء. مهما قالت أمريكا وأصدقائها على المنصات الإخبارية لن يصدقها أحد، حتى الأمريكيين نفسهم لن يصدقوا هذا. لن يصدق أحد أي شيء بعد ما رأينا مواقع مثل ChatGPT ومنصات مثل MidJourney تفعل أي شيء.
إن كان كل شيءٍ مباح في الحرب، فماذا سيفعل شيءٌ سيعرف كل شيءٍ فيها؟
?xml>