ملئت الدول الغربية العالم ضجيجاً بالعقوبات الاقتصادية التي ستفرضها على روسيا إذا ما دخلت الأراضي الأوكرانية لتصور لنا أن الدب الروسي سينهار إذا ما فكر فقط في تخطي الحدود الفاصلة بين الدولتين. مرت الأيام وباتت القوات الروسية تخطط لمحاصرة العاصمة الأوكرانية كييف ليبدو وكأن التهديدات السابقة لم تكن أكثر من مجرد عرض سينمائي لحفظ ماء الوجه.

قد تتسائل بالتأكيد ما علاقة هذا بصناعة الرقائق، فروسيا وأوكرانيا لا يدخلا ضمن الدول الكبرى في هذا المجال. سؤال منطقي سيدفعنا للرجوع للوراء بضعة خطوات لننظر إلى جارة روسيا القوية، الصين!

الصراع بين الصين وتايوان!

تسعى الصين ومنذ خمسينيات القرن الماضي لفرض سيطرتها على تايوان. الحكومة الصينية (حكومة الحزب الشيوعي الصيني) لا تعترف بتايوان كدولة مستقلة بل تعتبرها كجزء من أراضيها التي لا تتبع سيطرتها الفعلية، كونها لا تمتلك أي قوة عسكرية على الجزيرة الواقعة على بعد 300 كم من سواحلها (حكومة جمهورية الصين الشعبية (تايوان) ترى أيضاً أن الصين جزء من أراضيها التي لا تتبع سيطرتها الفعلية كونها لا تمتلك أي قوة عسكرية هناك وأن الحزب الشيوعي الصيني يسيطر بصورة غير قانونية على هذا الجزء من أراضيها).

عدم اعتراف الصين بتايوان أكبر مما تتخيل، ففي الكثير من المحافل الدولية يتم الإشارة لتايوان بـ Taipei إرضائًا للصين كما يحدث في كل دورة من دورات الألعاب الأولمبية، بل أن تايوان لا تمتلك مقعد كدولة عضو في الأمم المتحدة من الأساس.

وإذا كنت لا تعلم فعلى الأراضي التايوانية تتواجد أكبر شركة مصنعة للرقائق وأشباه الموصلات في العالم TSMC. هذه الشركة تسيطر على أكثر من 53% من صناعة أشباه الموصلات في العالم.

محاولة احتلال الصين لتايوان تعني أن صناعة أشباه الموصلات والرقائق ستكون في خطر. في أحسن تقدير ستنخفض القدرة الإنتاجية لـ TSMC حتى انتهاء الحرب أو ستتوقف، في هذه الحالة سيكون العالم بأثره في أزمة.

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية على أوكرانيا: لأن زيادة الأسعار الحالية ليست كافية!

صناعة الرقائق في خطر!

مقر شركة TSMC

صناعات كاملة ستتوقف مثل صناعة الهاردوير، السيارات، السفن، الطائرات، الهواتف الذكية وأي شيء يعتمد على أشباه الموصلات بشكل مباشر. أزمة الإغلاق بسبب كورونا وتوقف الإنتاج المؤقت الذي حدث مازلنا نعاني من تداعياته حتى الآن، فما بالك بما يمكن أن يحدث إذا انخفض فقط إنتاج TSMC بسبب الحرب؟

قد ترى أن منافسي TSMC يمكنهم تعويض نسبة من خروجها المؤقت من السوق ولكن للأسف هذا الأمر أشبه بالمستحيل. بعد TSMC تأتي سامسونج في المرتبة الثانية بنسبة 17% تقريباً من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات. مهما حاولت الشركة الكورية العملاقة في سد الفراغ الهائل الذي ستتركه الشركة التايوانية فإنها لن تتمكن من تقليل حجم الضرر الذي سيشل حركة الصناعة في العالم.

Chip

رغبة الصين في السيطرة على تايوان لا ترجع فقط كونها تراها جزء من أراضيها التاريخية أو أن أغلبية سكانها ذو أصول صينية بل تنامت الرغبة في ضمها إلى أراضيها بعد التقدم التكنولوجي الهائل الذي يشهده مجال صناعة أشباه الموصلات والتي تجد فيه الصين نفسها بعيدة عن كل البُعد عن الدول الكبرى. 

تعتبر الصين هذا التأخر بمثابة تهديد لأمنها القومي خاصة بعد ما حدث مع هواوي وحجب التكنولوجيا الغربية عنها. قد يتكرر هذا السيناريو مستقبلاً مع المزيد من الشركات الصينية خاصة الحكومية منها وهو ما تسعى حكومة بكين لعدم تكراره مهما كلفها الأمر.

الشيء الوحيد الذي يمنع الصين من احتلال تايوان هو خوفها من الدخول في حرب مع الولايات المتحدة وحلفائها لذا ينظر التنين الصيني عن كثب لما يحصل في أوكرانيا لعلها تكون الفرصة الأفضل لتحقيق حلم يعود إلى أكثر من 70 عاماً.

خلال الأشهر الماضية ازدادت التوترات حول تايوان حيث بدأت الصين في إجراء عدة تجارب لنقل أكثر من 2 مليون جندي بطرق مختلفة كان آخرها استغلال السفن المدنية كطريقة للتمويه إذا ما قررت الهجوم بصورة مفاجئة. نجاح روسيا في فرض ما تريد في أوكرانيا يعني أن تايوان ستكون فريسة سهلة لللصين وأن مسألة ضمها للأراضي الصينية ستكون مسألة أيام ليس أكثر.

نتمنى بالتأكيد أن يهدأ الوضع وأن يتم الوصول لتسوية عاجلة بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب ولكن المؤسف أن حتى وإن حدث ذلك فإن مستقبل TSMC، تايوان وصناعة أشباه الموصلات والرقائق ستكون في خطر.