نحن نميل إلى تصنيف الأشخاص دائمًا، ربما لأن ذلك يجعل من السهل التعرف عليهم أو كيف سنبدي إعجابنا أو عدم إعجابنا تجاههم، أو كما يقول المثل الشعبي "أحمد مش زي الحاج أحمد"! حسنًا، نحن لسنا هنا للحديث عن تصنيف الأشخاص، لكننا سنتحدث عن تصنيف الشركات في عالم الأعمال.

هل تسمع برواد الأعمال الذين يطلقون شركات ناشئة "ستارت أب" جديدة بدون توقف هذه الأيام؟ هل سألت نفسك يومًا ما هي الشركة الناشئة؟ هل هي مجرد كلمة منتشرة بكثرة لوصف شركة صغيرة لكنها سريعة النمو، بمعنى هل "أحمد زي الحاج أحمد"، أم ربما يوجد فارق حقيقي بين الشركة الناشئة "ستارت أب" وبين الشركات الصغيرة، وأن "أحمد مش زي الحاج أحمد" فعلًا؟

دعنا نفترض أن رائد الأعمال "أحمد" هو مؤسس الـ "ستارت أب"، و"الحاج أحمد" هو رئيس الشركة الصغيرة، لذا هيا بنا نرى سويًا ببساطة ما هو الفرق بين الـ "ستارت أب" وبين الشركات الصغيرة العادية؟

ستارت أب وشركة صغيرة.. نموذج أعمال مختلف!

الفرق بين ستارت أب وشركة صغيرة

سنفترض الآن أن كلاهما "أحمد والحاج أحمد" يريد بيع المجوهرات مثًلا، أول ما سيفكر فيه "الحاج أحمد" هو أن يفتح متجرًا على الطريق الرئيسي في أفضل مكان من المدينة، مع اعتبار مخزون المجوهرات لديه مفتاحًا رئيسيًا لجني الأرباح وجذب العملاء. عادةً ما تكون مبيعاته فورية، ويعتمد على الثقة وحسن السمعة وكلام الناس الجيد عنه لكي ينتشر أكثر وتزيد المبيعات، كما تحدد مبادئ السوق الحرة الأسعار ونسبة مكسبه من الأرباح.

على الجانب الآخر، كيف سينظر رائد الأعمال "أحمد" إلى نفس المشكلة؟ ببساطة يمكنه أن ينظر ويبحث في كيفية بيع تلك المجوهرات على الإنترنت، وفي تلك الأثناء يمكنه استخدام الخوارزميات وتعلم الآلة ليطور حلولًا مخصصةً بناءً على التركيبة السكانية وتفضيلات العميل بما في ذلك ميزانيته المادية وحساسيته لأنواع المجوهرات وما هو الجديد في سوق المجوهرات وأي معادن أو أحجار كريمة جديدة يمكنه استخدامها.

لن يتمكن "أحمد" من تحقيق ذلك في اليوم الأول بالطبع، ولكنه يبتكر منتجًا عمليًا يمكنه اختبار فرضيته، وهي هل سيرغب العملاء في استخدام الخوارزميات لتحدد لهم تصاميم المجوهرات التي تناسب مظهرهم وتفضيلاتهم الخاصة أم لا؟ المميز، أن "أحمد" يمكنه فعل كل هذا من على أريكة المنزل، بدون الحاجة إلى تأجير مكان مخصص لذلك، ويمكنه الاستعانة بأفراد العائلة والأصدقاء ليكونوا جزءًا من تلك التجربة.

عندما ينطلق "الحاج أحمد" في رحلة تأسيس شركته الصغيرة، عادةً ما يكون رأس المال حاضرًا من البداية لأن تأسيس أي شركة سيتطلب رأس مال كبير، ويمكن أن يكون رأس المال في شكل قروض على سبيل المثال. بينما رائد الأعمال "أحمد"، الذي ربما يشعر بالملل من وظيفته داخل إحدى الشركات، فلديه بعض المدخرات البسيطة، والأهم أن يبيع فكرته الرائعة، أو كما يؤمن هو بشدة بذلك، لأبناء عمه وأقاربه وزملائه وحتى مديره في الشركة على أمل أن يقتنعوا بها ويشاركوا معه بجزء من رأس المال لكي يبدأ مغامرة الـ "ستارت أب" الخاصة به.

أسباب مختلفة لبداية الرحلة والمغامرة!

الفرق بين ستارت أب وشركة صغيرة

الفارق الجوهري بين الشركة الناشئة "ستارت أب" والشركة الصغيرة هو سبب بدء كل منهما في رحلته ومغامرته! رائد الأعمال "أحمد"، كما ذكرنا، لا يحب كيفية حدوث الأشياء اليوم ويعتقد أنه ربما توجد طرقًا أكثر ذكاءً وأسرع وفعالية لحل المشكلة.

من ناحية أخرى، يريد "الحاج أحمد" ربحًا جيدًا يأتي على أساس شهري ثابت بينما يضخ جزءًا من الأرباح لتنمية أعماله بمرور الوقت. من الواضح أن حجم الشركة هنا مقيد بضخ رأس المال، لكن دعنا لا نستبعد هنا أن لديه طرقًا حديثة لتنفيذ أعمال شركته التجارية التقليدية، فهو يستخدم أحدث أدوات المحاسبة، ولديه أجهزة متطورة داخل شركته ويملك قطعًا من أغرب قطع المجوهرات التي يمكن عرضها. ويعمل على أساس تعليقات وملاحظات العملاء دائمًا، ويستخدم طرق الدفع المالية الحديثة، وحتى أنه يحلل بيانات العملاء لزيادة أرباحه وإيراداته. لكن ما يدفعه لبداية رحلته في النهاية وهو إحساس الأرباح وحل احتياجات العملاء اليوم وفورًا.

بينما رائد الأعمال "أحمد" من ناحية أخرى يسخر من عدم الكفاءة داخل السوق الحالي، ويقلق من سبب عدم استخدام التكنولوجيا لتجعل البشر أكثر راحةً، ويبحث عن حل للمشكلة المحددة التي واجهها أو شاهد الآخرين يمرون بها، ولهذا يبدأ مغامرته بتأسيس "ستارت أب" تقوم على فكرة مبتكرة يحاول تنفيذها ليجد حلًا على المدى الطويل، وليس بحثًا عن الأرباح فحسب.

ويمكننا أن نطرح السؤال كالآتي: ما هو الهدف النهائي لشركة صغيرة؟

حسنًا، الهدف هو البقاء في السوق واستمرار العمل. وبالطبع، أي رئيس تنفيذي لشركة صغيرة يملك نيةً مختلفةً عمّا يأمل أن تصبح شركته مستقبلًا، ولكن بوجه عام، ينوي أصحاب الشركات إنشاء نموذج أعمال مكتفي ذاتيًا وطويل الأمد ويجلب الأرباح الثابتة.

ولكن الهدف من الشركات الناشئة هو أن تكون مؤقتة، وإذا سارت الأمور على ما يرام، ستتحول هذه الشركة الناشئة إلى شركة ضخمة، وتشهد حدثًا للاكتتاب العام في البورصة، أو البديل الآخر وهو الاستحواذ الكامل عليها من شركة أكبر في السوق.

اقرأ أيضًا: رحيل جيف بيزوس.. كيف تطورت شركات التقنية الكبرى بعد رحيل مؤسسيها؟

الاختلافات الاقتصادية بين الشركة الناشئة والشركة الصغيرة!

الفرق بين ستارت أب وشركة صغيرة

الفرق المهم الآخر بين الشركة الناشئة "ستارت أب" والشركة الصغيرة يكمن في بعض الاختلافات الاقتصادية، مثل المخاطرة مقابل العائد ومفهوم استمرارية المؤسسة.

إن نظرنا إلى مفهوم الاستمرارية، فتعتبر معظم الشركات على أنها نشاط مستمر، بمعنى أنها تعمل دون تهديد بالتصفية في المستقبل القريب، على مدار أكثر من 12 شهرًا. غالبًا لا تتمتع الشركة الناشئة بمثل هذه الـ "كومفورت زون"، ما لم يكن رائد الأعمال "أحمد" يملك رأس مال ضخم من البداية.

لكن مفهوم المخاطرة مقابل العائد يمثل اختلافًا أكثر عمقًا، فمثلًا "الحاج أحمد" يخاطر برأس المال ويضعه في شركته الصغيرة ولا يحتفظ به في شكل سندات أو ودائع ثابتة تدر عليه فائدة شهرية، لكنه غالبًا ما يكون واثقًا تمامًا من نجاح أعمال شركته الصغيرة. ربما لن يعرف تحديدًا كمية الأرباح بدقة أو مدى نمو الشركة على أساس سنوي أو حتى كمية المبيعات، لكنه غالبًا مطمئن إلى حد ما أن الأمر سيكون مربحًا من الناحية التشغيلية على الأقل.

بينما على الجهة المقابلة، لا يعرف رائد الأعمال "أحمد" حتى ما إذا كان سيتصل بمديره بعد ستة أشهر فحسب ليعرف ما إذا كان هناك منصب شاغر في نفس الشركة التي كان يعمل بها سابقًا!

كثير من الشركات الناشئة تفشل، بناءً على تعريف كل من الفشل والشركات الناشئة بالطبع، وهذا لا يعني أن الشركات العادية لا تواجه الفشل، فهي قد تفشل أيضًا لكنها عادة ما تتراجع تدريجيًا وتحصل على إشارات وعلامات تدل على تراجعهم في السوق.

اقرأ أيضًا: الحالة المحيرة للسيد إيلون ماسك.. رجل أعمال أم “إنفلونسر” يحترم نفسه؟

البحث عن النمو!

الفرق بين ستارت أب وشركة صغيرة

فارق مهم آخر هو أن هدف رائد الأعمال ومؤسس الشركة الناشئة هو إحداث ثورة داخل السوق من خلال خلق نموذج عمل مؤثر. لكن كما ذكرنا لن يحدث هذا بين عشية وضحاها. لأن ذلك يتطلب استثمارات أولية، وهذه الاستثمارات لن تعود بنتائج فورية. لذلك غالبًا لن تنتج أي أرباح من الشركة الناشئة في عامها الأول أو الثاني أو حتى الثالث، وبعض الشركات الناشئة لا تصل أبدًا إلى مرحلة الربحية.

لكن رواد الأعمال بدأوا في البحث عن نموذج العمل المناسب الذي يصل إلى ارتفاعات هائلة في سوق ضخمة وبأسرع ما يمكن، وهو البحث عن مزيد من النمو في ذلك السوق. المميز في الشركات الناشئة وهو ما يساعدها على النمو سريعًا هو وجودها في القلب من صناعة ضخمة وهي صناعة التقنية، وعادةً ما تكون أعمال تلك الشركات الناشئة عبر الإنترنت أو شركات ذات توجه تقني ويمكنها الوصول بسهولة إلى سوق كبير وربما تتوسع عبر العالم بأكمله.

بينما على الجهة المقابلة، ولكي تدير وتشغّل شركة صغيرة لن تحتاج إلى سوق كبير لتنمو فيه، أنت بحاجة فقط إلى سوق محلي مثلًا، وستحتاج إلى الوصول إلى كل من هم داخل السوق وخدمتهم بطريقة فعالة لكي تحقق النمو المطلوب، وبالتالي البحث عن الأرباح.

السؤال الآن: لماذا يجب أن نضع فرقًا بين الـ "ستارت أب" والشركات الصغيرة العادية؟

حسنًا، لأن هذا سيساعدك ببساطة على تحديد مسار عملك المستقبلي مبكرًا: ما هي توقعاتك الأولى، وكيف تخطط للنمو، ومن تخطط للشراكة معه، وكيف ستحدد وتقيس نجاح شركتك في النهاية؟