هناك احتمال يفوق 85 % أنك لم تركب سيارة كهربائية حتى الآن، لا أعرف لماذا 85 % تحديدًا لكني شعرت أنه رقمًا مميزًا، ناهيك بالطبع عن التفكير بجدية في شراء واحدة، ثم ما نسبة أن تعرف شخصًا قريبًا منك يقود ذلك النوع من السيارات؟ لذا قد يبدو التنبؤ بأن السيارات الكهربائية هي المستقبل وأنها سوف تسيطر قريبًا جدًا على السوق تنبؤًا جريئًا بعض الشيء، ثم ما علاقة كل ذلك بشبكة الإنترنت أصلًا؟
أرجو أن تتحملني قليلًا حتى النهاية!
نحن الآن في منتصف أكبر ثورة تقنية للسيارات منذ أن بدأ خط إنتاج سيارات هنري فورد الأول في عام 1913، ومن المرجح أن تلك الثورة التقنية ستحدث بسرعة أكبر بكثير مما نتصور جميعًا! كما يعتقد العديد من رواد الصناعة أننا قد تجاوزنا بالفعل نقطة التحول التي تبدأ فيها مبيعات السيارات الكهربائية أن تطغى سريعًا على مبيعات سيارات البنزين والديزل التقليدية.
وهو بالتأكيد ما تعتقده أكبر شركات تصنيع السيارات في العالم، إذ تخطط شركة جاجوار مثلًا لبيع السيارات الكهربائية فحسب من عام 2025، وشركة فولفو بدايةً من عام 2030، ولم يقتصر الأمر على شركات السيارات الرائدة فحسب، فكما ذكر كبار مسؤولي شركة جنرال موتورز، في مقابلتنا معهم، أن الشركة ستملك 30 مركبة كهربائية مختلفة حول العالم بحلول عام 2025، وتتوجه نحو صناعة السيارات الكهربائية فحسب بحلول عام 2035، وتذكر شركة فورد إن كل سياراتها التي ستُباع في أوروبا ستكون كهربائية بحلول عام 2030، بالإضافة إلى شركة فولكس فاجن التي تذكر أن 70 % من مبيعاتها ستكون كهربائية بحلول نفس العام.
هذه ليست خدعة، أو ما يُعرف بظاهرة الغسل الأخضر "Greenwashing"، وهو فعل تضليل المستهلك عبر نقل انطباع كاذب أو تقديم معلومات مضللة حول كيف أن منتجات الشركة صديقة للبيئة. وحقيقة أن كثير من الحكومات العالمية تضع الآن أهدافًا واضحةً لحظر بيع مركبات البنزين والديزل تعطي زخمًا أكبر لهذا الاتجاه السائد نحو السيارات الكهربائية.
كل هذا جميل بالطبع، ولكن ما يجعل نهاية محرك الاحتراق الداخلي حتمية هو ثورة التقنية، وتلك الثورات التقنية تميل إلى الحدوث بسرعة كبيرة نسبيًا في الغالب، وما عليك سوى النظر إلى ثورة الإنترنت مثلًا.. كيف هذا؟ لنرى معًا!
اقرأ أيضًا: "حلم" التحول إلى السيارات الكهربائية "واقع" بحلول العام 2030!
انفجار الإنترنت المفاجئ!
إن نظرنا إلى شبكة الإنترنت، فيمكننا أن نقول أن سوق السيارات الكهربائية الآن في موضع مشابه لما كان عليه الإنترنت في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية. في ذلك الوقت، كانت تُثار ضجة كبرى حول هذا الشيء الجديد الذي يجعل أجهزة الكمبيوتر تتحدث مع بعضها البعض!
حينها كان جيف بيزوس قد أسس شركته أمازون، وكانت جوجل في بداية طريقها للاستيلاء على السوق من أمثال شركة ياهو، كما بدأت بعض الشركات تحقق تقييمات اقتصادية ومالية ملفتة للنظر. أما بالنسبة لمن لم يستخدم الإنترنت حينها، ظهر كل شيء رائعًا ومثيرًا للاهتمام ولكنه لم يكن يمثل أي أهمية أو صلة بالنسبة لهم، فما مدى فائدة التواصل عن طريق الكمبيوتر ونحن نملك الهواتف بالفعل؟
لكن الإنترنت، مثل كل التقنيات الجديدة الناجحة، لم يتبع مسارًا خطيًا للسيطرة على العالم، ولم يتطور تدريجيًا ليمنحنا الوقت الكافي للتخطيط للمستقبل. لكنه انفجر فجأة في النمو، وسحق في طريقه شركات كانت قائمة وراسخة بالفعل، وغير الطريقة التي نفعل بها كل شيء في حياتنا تقريبًا. النمط الذي سار عليه الإنترنت في مرحلة النمو هو نمط مألوف في عالم التقنية والشركات وهو منحنى الدالة السينية S-curve.
في الواقع كان المنحنى ممتد أو مطول؛ الفكرة هي أن الابتكارات الجديدة تبدأ ببطء، ويستفيد منها المهووسون بالتقنية فحسب. وبالنسبة للإنترنت، بدأ الرسم البياني في 29 أكتوبر عام 1969، وذلك عندما اتصل جهاز كمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بجهازٍ آخر في معهد ستانفورد للأبحاث على بعد بضع مئات من الأميال، حين كتب الباحثون حرف L، ثم O، ثم G، وتعطل النظام قبل أن يتمكنوا من إكمال كلمة "Login".
لكن أولًا دعنا نتعرف على هذا المنحنى S-curve، وما هي مراحله تحديدًا؟
منحنى S-curve في تطور التقنية
يمكن توضيح الدورة الزمنية للابتكار في التقنية، بالإضافة إلى سلوك السوق، بمنحنى الدالة السينية S-curve. في حالة المنتج مثلًا، يمكن رسم مقياس كفائته كدالة في الزمن حينما تم تقديم كل منتج، بمعنى أن المقارنة ستكون بين الزمن على المحور X وبين أداء المنتج على محور Y، وسيكون المنحنى الممثل حينها هو S-curve.
يمكننا تقسيم المنحنى إلى ثلاثة أجزاء كما نرى في الصورة:
1) الجزء السفلي: هي بداية منحنى S-curve للابتكار، عندما يكون المنتج أو الصناعة جديدة تمامًا. ونتيجة لذلك، لا يظهر تصميم مهيمن على السوق بعد. وبالتالي فإن المنافسة بين مختلف اللاعبين في هذه الصناعة ستكون شرسة في بدايتها. ولهذا، عادةً في هذه المرحلة، تُنفق معظم الموارد على البحث والتطوير، وغالبًا لن يكون هناك كثير من الابتكار، والتغييرات قليلة ويفصل بينها فترات زمنية متباعدة.
2) الجزء الأوسط: في هذه المرحلة يمكن للمنتج التغلب على عقبات تقنية كبيرة أو يملك القدرة على تلبية طلب السوق، بجانب اعتماد المنتج أو الصناعة من قبل الأغلبية الأولى وتمكنه من تجاوز الاختلافات وظهور تصميم مهيمن على الصناعة بالفعل. ولذلك، فإن السوق ستتميز بالنمو السريع في الإنتاج، وسيتحرك المنتج بسرعة نحو قبول السوق بالكامل. ومن ثمّ ستحدث وفرة سريعة من الابتكار، وهو الجزء الذي يرتفع فيه المنحنى إلى أعلى، خلال تلك الفترة، ويتم إطلاق عديد من المنتجات وينضم عديد من المنافسين إلى السوق.
3) الجزء العلوي: وهي مرحلة النضوج، فعندما يصل المنتج إلى هذه المرحلة يكون قد اعتمده المجتمع بالكامل تقريبًا، وعادةً ما يقترب من الحد الأقصى لتطوره. ونظرًا للمنافسة القوية بين الشركات الرئيسية في السوق، التي تُحدد بوضوح في هذه المرحلة، تُنفق معظم الموارد على تحسين وزيادة عمليات الإنتاج وجعلها أرخص. لذلك، في أغلب الأحيان تصبح المنتجات في هذه المرحلة موحدة تمامًا ولا يوجد بينها اختلافات كبيرة، وتصبح الابتكارات تدريجية.
اقرأ أيضًا: رحلة السيارات ذاتية القيادة: من محض جنون إلى أرض الواقع!
السيارات الكهربائية على نفس المنحنى؟
بالعودة إلى حالة نمو الإنترنت، وبعد مرور عقد من الزمان، لم يكن هناك سوى بضع مئات من أجهزة الكمبيوتر على الشبكة، ولكن وتيرة التغيير كانت بدأت في التسارع بالفعل. وخلال التسعينيات بدأ مهوسون أكثر بالتقنية في شراء أجهزة الكمبيوتر الشخصية. ومع نمو السوق أكثر، انخفضت الأسعار بسرعة، وتحسن الأداء وزادت الكفاءة، مما شجع المزيد والمزيد من الأشخاص على تسجيل الدخول إلى الإنترنت.
كانت تلك هي بداية انطلاق وصعود منحنى S بسرعة جنونية، وتحول إلى النمو الأسي، بحلول عام 1995 كان هناك حوالي 16 مليون شخص على شبكة الإنترنت، بينما بحلول عام 2001 كان هناك 513 مليون شخصًا، والآن يوجد أكثر من ثلاثة مليار شخص. ما سيحدث بعد ذلك هو أن المنحنى يبدأ في التوقف قليلًا لأعلى ويسير في خط أفقي، ويبدأ معدل النمو في التباطؤ.
لقد رأينا نفس النمط من البداية البطيئة ثم النمو المتسارع للغاية ثم التباطؤ في أسواق ناضجة أخرى مثل سوق الهواتف الذكية والتصوير الفوتوغرافي وحتى في المضادات الحيوية. وفي مطلع القرن الماضي، سار محرك الاحتراق الداخلي على نفس هذا النمط أيضًا في التطور والنمو، وكذلك فعلت المحركات البخارية من قبله.
والآن سوف تسير السيارات الكهربائية على نفس المنحنى، وفي الواقع ربما تملك فرصةً أكبر من الإنترنت، إذ طور المخترع الاسكتلندي روبرت أندرسون أول سيارة تعمل بالكهرباء الخام في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ولكن الصناعة لم تستمر وتوقفت تمامًا بعد ذلك لعدة أسباب، وفي السنوات القليلة الماضية بدأت التقنيات تتاح بأسعار معقولة جعلتها قادرة على المنافسة مع السيارات التقليدية. بينما الإنترنت كان ظهوره الأول في أواخر ستينيات القرن الماضي فحسب.
السيارات الكهربائية في هذه اللحظة على بداية الجزء المتجه لأعلى، يمكننا أن نقول أنها تغادر المستطيل رقم 1، وتتوجه سريعًا إلى المرحلة التالية على المنحنى، حيث يبدأ التغلب على العقبات التقنية وتبدأ في تلبية طلبات السوق، ويزداد النمو بصورة أسية سريعة وتنخفض الأسعار.
وبدأنا نرى بالفعل تحسينات وتطورات هائلة في محركات المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر التي تتحكم بها، وأنظمة الشحن وتصميم السيارات نفسها. لكن التغيير الأهم سيكون في تطوير البطاريات والمسافة التي تقدمها في الشحنة الواحدة.
التغيير اللافت للنظر يحدث في الأسعار؛ قبل عقد من الزمن فحسب، كانت تكلفة كيلوواط-ساعة من طاقة البطارية تساوي 1000 دولار، بينما الآن تقترب من 100 دولار. ويعتقد خبراء الصناعة أن هذه هي النقطة التي تبدأ فيها السيارات الكهربائية أن تصبح أرخص من نظيرتها التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. وهنا تصبح خيارًا متاحًا أمام المستهلك للشراء.
مع استمرار انخفاض الأسعار سيصبح من السهل على المستهلك شراء سيارة كهربائية قريبًا، لكن ما مدى سرعة حدوث ذلك؟
مثل الإنترنت في التسعينيات، فإن سوق السيارات الكهربائية بالفعل في نمو سريع للغاية حاليًا؛ ارتفعت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية في عام 2020 بنسبة 43 % على أساس سنوي إلى ما مجموعه 3.2 مليون مركبة، بالرغم من انخفاض مبيعات السيارات الإجمالية بمقدار الخمس خلال جائحة كورونا.
هذا الرقم يمثل 5 % فحسب من إجمالي مبيعات السيارات عمومًا، لكنه يظهر أننا بدأنا بالفعل في الصعود على منحنى S. وبحلول عام 2025، ستكون 20 % من جميع السيارات الجديدة المباعة عالميًا سيارات كهربائية، وفقًا لأحدث توقعات بنك الاستثمار UBS. وسوف يقفز الرقم إلى 40 % بحلول عام 2030، بينما بحلول عام 2040 ستكون كل سيارة جديدة تُباع عالميًا كهربائية.
بالطبع، هناك المزيد والمزيد من العمل والمجهود لكي تصل السيارات الكهربائية لنفس مستوى السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، لكنها تسير على الطريق الصحيح حتى الآن!
?xml>