كان الركود الاقتصادي العظيم الذي سببته فقاعة الإسكان عام 2008 مدمرًا بالنسبة لبعض الصناعات. حتى أن بعضها، مثل صناعة السيارات، احتاجت إلى ضخ أموال الإنقاذ لكي تنجو من الأساس. كما تلقت أسهم شركات التقنية بعض الضربات القوية والموجعة، لكن الصناعة نفسها نجت، وتعافت في النهاية. ومن هذا يتضح لنا مرونة شركات التقنية وقدرتها على التعامل مع فترات التدهور الاقتصادي.

نظرًا للتأثير المحتمل على الأسواق العالمية بسبب وباء فيروس كورونا المستجد، يعتقد معظم خبراء الاقتصاد أننا مقبلون على ركود اقتصادي عالمي جديد. فكيف سيكون وضع صناعة التقنية؟ وهل يمكنها أن تنجو من فترة الركود الاقتصادي القادمة أم لا؟

الطلب على التقنية يزداد أكثر

Apple google

تأتي التقنية في هذه اللحظة بالذات، ومع توقف معظم الأنشطة الشخصية، في المقدمة لمساعدتنا على التعامل مع مختلف الاضطرابات الناتجة من تهديد وباء كوفيد-19، حيث يستخدم معظم الأشخاص والشركات الآن المكالمات والاجتماعات عبر تطبيقات الفيديو بالإنترنت، مثل تطبيقات Zoom وMicrosoft Teams وغيرها، بجانب العديد من التطبيقات والمواقع على الإنترنت للمساعدة في إنجاز العمل من المنزل.

ومعظمنا يستخدم تطبيقات الاستماع للموسيقى، ومواقع البث على الإنترنت مثل Netflix، وبالطبع ألعاب الفيديو، ومنصات الألعاب المختلفة، وكل هذا لتساعدنا على قضاء الوقت الطويل في العزل الذاتي داخل منازلنا. حتى أن المدارس والمعلمين والجامعات انتقلوا إلى شبكة الإنترنت لتقديم الدروس والمواد المطلوبة بسبب غلق المدارس وإجراءات العزل الحالية.

كما ازداد الطلب على شراء أجهزة اللابتوب التي تملك كاميرات وصوت بجودة عالية، ببساطة لأن الأجهزة الأقدم، بكاميرات رديئة أو بجودة صوت سيئة، لن توفر الفرصة المناسبة لمن يحتاج أن يعمل أو يذاكر أو يتفاعل مع الزبائن أو المعلمين على الإنترنت.

وبالطبع دعنا لا ننسى الهواتف الذكية، فبجانب كل ما تؤديه لنا، أصبحت الآن وسيلة تواصلنا الوحيدة بالأصدقاء والعائلة، ممن لا نستطيع مقابلتهم شخصيًا، بالتأكيد كان هذا هو الوضع دائمًا حتى قبل تفشي الوباء.

حتى عمليات البيع والشراء، انتقل جزء كبير منها إلى المتاجر الإلكترونية مثل أمازون، والذي يشهد هذه الأيام ضغطًا هائلًا بسبب زيادة الطلبات عليه من مختلف أنحاء العالم.

بالرغم من أن صناعة التقنية ليست محصنة أو منيعة ضد الركود الاقتصادي، إلا أنها في موقع أفضل بكثير لتتحمل تبعات الأزمة مقارنة بصناعات أخرى، كصناعة السفر على سبيل المثال. وفي بعض النواحي، تُستخدم التقنية الآن بديلًا للسفر، والذي لم يعد ممكنًا خلال حالة الطوارئ الإجبارية في الوقت الحالي.

إجمالًا، سوف نرى الحاجة إلى المزيد من التقنية، وليس أقل، لمساعدتنا على تجاوز هذه الأوقات الصعبة من تاريخنا البشري.

شركات التقنية الكُبرى تزدهر أكثر

أمازون

في حين أن معظم الاقتصاد العالمي ينحدر الآن بسبب التأثير الهائل لإجراءات الغلق والحجر، إلا أن أعمال أكبر شركات التقنية لا تزال ثابتة، بل وتزدهر أكثر.

مثلًا، ذكرت شركة أمازون أنها تعين نحو 100 ألف عامل في مستودعاتها لتلبية الطلب المتزايد على الشراء، بالإضافة إلى ارتفاع ثروة جيف بيزوس مؤسس أمازون إلى 138 مليار دولار بسبب ارتفاع المبيعات والطلب الهائل على المنتجات.

كما صرّح مارك زوكربيرج، المدير التنفيذي لشركة فيسبوك، أن كمية اتصالات الفيديو والرسائل قد انفجرت على تطبيقات الشركة مثل ماسنجر وواتساب. وقالت شركة مايكروسوفت أن عدد من يستخدمون برمجياتها للعمل على الإنترنت قد ارتفع بنسبة 40% تقريبًا خلال أسبوع واحد.

خدمات البث عبر الإنترنت، مثل Netflix، قللت جدًا من مبيعات شباك التذاكر في السينمات خلال السنوات الأخيرة. والآن، مع إغلاق السينمات من الأساس بسبب الإجراءات، حصلت Netflix على جمهور جديد، وتضاعفت أرقام المشاهدات والاشتراكات أكثر وأكثر.

كما أن كثير من الشركات بدأت بالفعل في التخلص من مراكز البيانات الخاصة بها، وبدأت في استئجار أنظمة الحوسبة من أمازون ومايكروسوفت وجوجل. ومن المرجح أن يتسارع هذا التحول بما أن الملايين من الموظفين يضطرون للعمل من المنزل حاليًا، مما يزيد الاعتماد أكثر على مثل هذه الشركات التقنية.

حتى شركة أبل، التي كان من المتوقع أن تكون من بين الشركات الأمريكية الأكثر عرضة لخطر فيروس كورونا، بسبب اعتمادها الزائد على المصانع والمستهلكين الصينيين، إلا أنها تبدو في وضع جيد حتى الآن. حيث حاولت الشركة التوقف عن اعتمادها الشديد على مبيعات الأجهزة، نحو ما يُسمى بإيرادات الخدمات، والتي تشمل مبيعات التطبيقات والاشتراكات في خدماتها الموسيقية والتلفزيونية، وأصبحت تحقق بالفعل أرباحًا من وراء هذه الخدمات. كما أنها أعلنت مؤخرًا عن صدور هاتفها الجديد iPhone SE.

الاستفادة من تغير عادات الاستهلاك والعمل

Work from home tips - Arabhardware

بالطبع، كل هذا لا يعني أن شركات التقنية الكبرى لا يجب أن تقلق، لأن الإعلانات مثلًا، وهي شريان الحياة بالنسبة لشركات مثل جوجل وفيسبوك، تميل إلى الانخفاض أثناء فترات الركود الاقتصادي. كما أن أسهم شركات مايكروسوفت وأبل وأمازون وفيسبوك وألفابت، الشركة الأم لجوجل، خسرت مجتمعة ما يُقدر بأكثر من 1 تريليون دولار من القيمة السوقية في شهر مارس مقارنة بالشهر السابق، عندما كان تداول الأسهم الامريكية عند مستويات قياسية. كما قطعت شركتا مايكروسوفت وأبل توقعاتهما المالية قصيرة الأجل بسبب تباطؤ الإنفاق من المستهلكين.

ولكن عندما يتحسن الاقتصاد في نهاية المطاف، يمكن لصناعة التقنية، والشركات العملاقة أن تستفيد من التغير في عادات المستهلكين. وهو ما بدأ يظهر بالفعل في عادات الشراء من على المتاجر الإلكترونية مثل أمازون، وفي تغير طبيعة العمل لدى الشركات، وربما تلجأ معظمها بالفعل للعمل من المنزل بعد انتهاء الأزمة، حتى إن كان بشكل جزئي.

الخلاصة

في أعقاب الأزمة العالمية عام 2008، صعدت شركة أبل بشكل أكثر قوة، ليس هناك سبب يمنعها هي والعمالقة الآخرون من تكرار نفس الشيء هذه المرة أيضًا. خصوصًا بعد الزيادة الهائلة في اعتمادنا على التقنية خلال السنوات القليلة الماضية، والذي لا يبدو أنه سينتهي في أي وقت قريب.

ما رأيك عزيزي القارئ، هل ستنجو التقنية وتخرج أقوى مما سبق؟ أم أنها ستعاني مثل معظم الصناعات الأخرى؟